لقاء على كأس
إليكِ أُمَّ التداوي وٱبنةَ العنبِ
فالكأسُ من فِضَّةٍ والرَّاحُ من ذَهَبِ
قالتْ وقد أَسفرتْ عن طلعةٍ سَحَرَتْ
عيني فَتاهَتْ بها من شِدَّةِ العَجَبِ
وَصَيَّرَ الراحُ خَدَّيْهَا موردةً
والخمرُ تُذْهِبُ ما في النَّفْسِ مِنْ رِيَبِ
تَبَسَّمَتْ وَدَنَتْ والكأسُ في يدها
تهتز أعطافُها من نَشْوَةِ الطَّرَبِ
تُقَدِّمُ الكأسَ باليُمْنَى مدلهةً
وتمنعُ القلبَ باليُسْرَى عن الهرَبِ
هذا الدواءُ الذي رَدَّ اللقاءَ لنا
أَسْرِعْ لَقَدْ آن وقتُ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ
وصوَّبَتْ سهمَ عَيْنَيْهَا إِلَى كَبِدِي
وأطلقَتْهُ بلا ذَنْبٍ ولا سببِ
فقامت الحربُ من عيني لِوَجْنَتِها
ومن فؤادي لتلك الأعين النُّجُبِ
كافحتُ حتي بَدَا لِي الضَّعْفُ وَانْهَزَمَتْ
قُوَايَ مما توَلّى القلبَ مِنْ وَصَبِ
وَقَعْتُ في أسْرِهَا دامِي الجراحِ ولم
تَرْأَفْ بِقَلْبٍ بنار الوَجْدِ ملتهبِ
ظَنَّتْ بأنَّ فؤادِي لم يكن دَنِفًا
وأَنَّ دَمْعَ جفوني غَيْرُ مُنْسَكِبِ
لو لاحظت أدْمُعِي تَجْرِي دَمًا لَبَكَتْ
فكيف لو نَظَرَتْ قلبي عَلَى اللَّهَبِ
بَيْنَا لواعجُ هذا الحب تَفْعَلُ في
حَشَايَ فِعْلَ دبيبِ النار بالحطبِ
كانت أناملُ يُسْرَاهَا بَدَتْ عَنَمًا
تَجوسُ صَدْرًا تَبَدَّى آية العجب
تداعب الدُّرَّ والياقوتَ لاهيةً
قد شاغلتها الَّلآلِى فَهْيَ في لَعِبِ
والكأسُ ما زالت اليُمْنَى تُقَدِّمُهَا
وقد تَفاخَرَ فيها الحُسْنُ بالنَّسَبِ
لما تباطَأَ ثغري عَن تناوُلِهَا
لما دَهَى القلبَ والعينين من كُرَبِ
أَحسَّ قلبُ التي أهوى بمشغلتي
ووسوس الظنُّ أن الكأسَ لم تَطِبِ
فحاولتْ أَن تَرُدَّ الكأس مُسْرِعَةً
لكنني لم أُمَكِّنَهَا من الطَّلَبِ
فانْقَضَّ كَفِّي على أعنامها رَغَبًا
والنّسْر ضَمَّ جناحيه من الرَّهِبِ
يا غادةً فتكَتْ بالقلبِ نظرتها
كيف اصطبارِي وقد صرنا على كَثَبِ
أتجهلين بأنَّ ٱلْخَمْرَ مَعْصِيةٌ
وكم سَمِعْنَا بها في مجلس الطَّرَبِ
تَرُوحُ باللُّبِّ حَتَّي ربما ارتكبتْ
حساتُها ما هوى بالطهر والأدبِ
قالت وَوَرْدُ الحيا قد زان وجنتها
إن الشَّرَابَ يواسِي قلبَ مكتئب
ألا ترى أنها للرُّوحِ منعشةٌ
تَرُدُّ طيفَ الأسَى عن فِكْرِ مضطرِبِ
بعزمِها اجتزتُ تيارَ الغرامِ ولم
أحفلْ بِوقْع سهامِ الظَّنِّ والرِّيَبِ
تمكن السُّهْدُ مِنْ عينِي فأرقَّهَا
وقد تعدى على قلبي فواحَرَبي
فقادنِي وَجْدُ قلبي غيرَ واجفةٍ
إلى اقتفاءِ خيالٍ جَدَّ في طلبِي
شاغلتُها ورفعتُ الكأسَ من يدِها
صفراءَ رَصَّعَهَا عِقْدٌ من الحَبَبِ
لم أستطع كَتْمَ ما بالقلبِ من شَجَنٍ
فإنْ غَدَا خافقًا لا بُدَّ مِنْ سبَبِ
حبيبةَ القلبِ جددتِ الحياةَ إلى
مَنْ كادَ هَجْرُكِ يدنيه من العَطَبِ
هذا غرامي يذكي النارَ في جسدي
والنومُ عن مُقْلَتِي قد جَدَّ في الهَرَبِ
صبرت حينًا على وَجْدٍ كلِفْتُ بِه
وأنتِ مَشْغولةٌ باللَّهْوِ واللَّعِبِ
حتي قَضَي اللهُ أنْ أحظَى بِقُرْبِكَ يا
مليكةَ الحُسْنِ عن أمٍّ لها وأَبِ
أنتِ التي مَلَكْت قلبى بِعِفَّتِهَا
فإن بعدت فما في العيش من أرب
هذا هُوَ الطُّهْرُ قد حيَّاك مُبْتسِمًا
تاجُ الطهارةِ عَزَّ اليومَ كالذَّهَبِ!
إن العفَافَ جمالٌ لا يزول وَقَدْ
يغيبُ كلُّ جمالٍ وَهْو لم يَغِبِ
لا تَشْرَبي الخَمْرَ بعد اليومِ فاتنتي
وعاهدِيني بأنْ نَبْقَى على كَثَبِ
يا لائمي في هَوَى ذاتِ العفافِ كَفَى
هوِّنْ عليكَ وخفِّفْ ثورةَ الغَضَبِ
وإِنْ دَنَا منكَ صَوْتُ النُّصْحِ فاصغ له
واعملْ لرفعةِ شَأْن الطُّهْرِ والأدَبِ