الفصل الثاني
المنظر الأول
(طريق النهر. نور ضئيل. باكورة الصباح)
تشاندس
(يدخل من طريق وروبرت رودن من الطريق المضاد)
:
من الذي أرى؟ رودن؟ أأنت هنا يا روبرت، وفي مثل هذه
الساعة؟
روبرت
:
لورد تشاندس أرمتايدج في برنستابل؟
تشاندس
:
صدفة غريبة، ماذا تفعل هنا يا روبرت؟ ألم تزل من رجال
الكنيسة؟
روبرت
:
لقد تركت الهياكل من زمن بعيد.
تشاندس
:
إذن، ماذا تصنع الآن؟
روبرت
:
أصنع؟ (باستغراب) حقا
إنك لشاعر ايها الصديق. هل تحتاج حالتي إلى ترجمان؟
تشاندس
:
اني لم أقابلك منذ عهد طويل. لذلك لا أعلم عنك شيئا.
روبرت
:
وفيم كانت تهمك مقابلتي، وجيوبك مفعمة بالذهب؟
تشاندس
:
دعنا من هذا، واشرح لي حالك الان، وماذا تصنع؟
روبرت
:
قضيت زمنا طويلا أجوب النهار وأقطع الليل باحثا عما أسد به
الرمق. وكثيرا ما كنت أقضيهما على الطوى فأعود وقد أنهكني التعب إلى بيتي
الحقير. (يتأوه) فأفترش بساط التعاسة.
ولما ضقت ذرعا بحالي، وكبر علي ان أحتمل هذا الشقاء، رجوت صديقا كنت أتوسم
فيه الخير أن يمد لي يد المساعدة بأن يجد لي عملا أيا كان.
تشاندس
:
وماذا قدم لك ذلك الصديق؟
روبرت
:
أجهد نفسه حتى وجد لي وظيفة صغيرة.
تشاندس
:
وأي وظيفة وجد لك؟
روبرت
:
معلم صبيان في مكتب صغير هنا.
تشاندس
:
لا تقطع الأمل، فربما كانت هذه المقابلة فاتحة
السعادة.
روبرت
:
سعادة! انك سليم النية يا عزيزي! ألا يمكن أن تجد لي عملا
عندك، وأنت واسع الثروة؟
تشاندس
:
سأفكر في موضوعك؛ ومتى وجدت عملا يليق بك، بعثت في
طلبك.
روبرت
:
أشكرك يا صديقي. والآن هل تسمح أن تقرضني قطعة ذهبية. وإني
أذكر أن لك عندي قطعتين من عهد المدرسة. (يضحك) لست إخالك تعتذر عن إقراضي.
تشاندس
:
كفى. (يضع يده في جيبه)
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! إني في غاية الخجل يا روبرت!
روبرت
:
أيعتذر الغني الكبير السيد تشاندس وريث أسرة ارمتيايدج
العظيمة عن إقراض قطعة ذهبية.
تشاندس
:
إنها الصدفة، يا روبرت. فليس معي الان سوى تحويل كبير
سأصرفه متى عدت إلى مصرف برنستابل. وأقسم لك بشرفي أن أمر بمنزلك فأعطيك
أضعاف ما طلبت.
روبرت
:
إني منتظر، فلا تنسى يا صاحب التحاويل. أنظر تحت تلك الربوة
تجد بناء أبيض. هذا هو المكتب. أما منزلي فلا يبعد عنه كثيرا.
تشاندس
:
فهمت أأنت ذاهب إلى المكتب الآن؟
روبرت
:
نعم. وأراني تأخرت قليلا. وأنت أيها السيد ماذا جاء بك إلى
أرض غير آهلة بالسكان، وعهدي بك ميالا إلى الملاهي والظهور؟
تشاندس
:
قمت من لندن إلى برنستابل، وفارقتها بعد منتصف الليل قاصدا
تلك الربوة الجميلة.
روبرت
:
من لندن إلى تلك الربوة (يضحك) حقا إنك لمدهش. إن من يسمعك الآن يتصور أن هذه الربوة
إحدى هياكل الرمان.
تشاندس
:
إني أعشق المناظر الهادئة الجميلة.
روبرت
:
إن وقتي لا يسمح لي بأكثر من هذا. وأظنني تأخرت، فإلى
اللقاء. (يصافحه) لاتنسى وعدك!
تشاندس
:
لا تخف سأوفيه! (يصافحه. يخرجان
كل من طريق. الصباح يزداد نورا. وتدخل ليرا من الطريق الذي خرج منه
تشاندس بالقبعة وعلى كتفها رداء أسود).
ليرا
(لنفسها)
:
كأن إله النوم يأبي أن يمس جفني بأنامله اللطيفة، وكأن
سلطان الكرى قد كبر عليه أن يرفق بضعفي. فأرقت طول ليلتي. وما سبب لي ذلك
سوى وعده لى. ها هو الصبح قد انبلج. فهل هو موف وعده، أم عاقه النسيان.
(تصمت؟ تسمع وقع أقدام فتفرك يديها
فرحا) ما أسعدني، لقد حضر!
داين
(يدخل من الطريق الذي دخل منه تشاندس وخرج منه روبرت
وبيده قصبة الصيد وسلة بها طعام).
:
صدفة جميلة! أأنت على علم بساعة وصولي؟
ليرا
:
لقد أمحي إلى أنك ستبكر. وها قد صدق الوحي.
داين
:
ما أطهر قلبك!
ليرا
(ببساطة)
:
ما هذا الذي تحمله في يدك؟
داين
:
إجلسي. (ينزع الرداء عنها
ويجلسان) هذه قصبة الصيد.
ليرا
:
إنها جميلة.
داين
:
وزادها جمالا أن مستها هذه اليد (يمسك بيدها).
ليرا
:
وكيف يتسنى لهذه القصبة أن تصيد؟
داين
(يتنهد)
:
أنعمي النظر. هذه قصبة الصيد، وهذه العلبة بها
الطعم.
ليرا
:
الطعم؟ وما معنى هذه الكلمة الغريبة؟
داين
:
الغذاء الذي يوضع في الخطاف الحديدي ليبتلعه السمك.
ليرا
:
وعلى ماذا تحتوي هذه السلة؟
داين
:
خوف اشتداد الجوع، رأيت أن أحضر غذاء خفيفا.
ليرا
:
حسنا فعلت، يا لورد.
داين
:
دعينا من الألقاب الآن. وها أنا ذا سأبدأ بشرح الدرس. فهل
أنت على استعداد؟
ليرا
:
إني كلي آذان صاغية.
داين
:
إن من كانت لها هاتان العينان الساحرتان، وهذا الوجه
الصبوح، وهذه الوداعة النادرة لجديرة بأن تمثل أورانيا لدى قدماء اليونان.
وهاتور لدى قدماء المصريين!
ليرا
:
ما هذه الأسماء الغريبة؟ أهذه من درس الصيد أم فاتحة
لدروسه؟
داين
(يتنهد)
:
لا دخل لهذه الأسماء بصيد السمك، لأنها من دروس صيد
القلوب!
ليرا
(ببساطة)
:
ألصيد القلوب دروس؟
داين
:
نعم. وستدرسينها متى خفق هذا القلب (مشيرا بيسراه إلى فؤادها).
ليرا
:
إني لا أفهم هذه اللغة.
داين
:
ستفهمينها من تلقاء نفسك بدون معلم وبغير درس. إنما لكل شيء
أوان.
ليرا
:
وكيف أتعلم درسا لم أتلقنه عن أستاذ؟
داين
:
إن الهوى أستاذ قوي الإرادة.
ليرا
:
الهوى؟ لم أفهم هذا أيضا. إني أنشق الهوى كل لحظة، ومتى
أردت.
داين
:
هذا صحيح، (بسرور) إنك
تنشقين الهواء. أما الهوى فشيء آخر (يتنهد).
ليرا
:
إنك أحرجت مركزي، وجعلتني أعتقد أنني بليدة، ضعيفة
الفهم.
داين
:
أن جهلك بهذه اللغة لأكبر برهان على أنك أشرف ملك في هذا
العالم. والآن سنبدأ درس الصيد. ومتى توالت دروسه. تعلمت من خلالها ما
تشوقت إليه الآن.
ليرا
:
لقد زدتني شوقا إلى الصيد.
داين
(يمسك يدها وفيها القصبة)
:
هكذا تبدئين الصيد. (يرمي
الخيط).
ليرا
:
ولماذا تقذف بهذا الخيط؟ وما هي هذه العقدة التي أراها في
وسطه؟ (ترفع القصبة) إني أرى فيها قطعة
من الغاب الخفيف.
داين
(يمسك العقدة بيمينه ويضغط بيسراه على معصمها)
:
أعيريني كل سمعك الآن حينما تجلسين استعدادا للصيد، إبدئي
بوضع الطعم في هذا الخطاف على هذه الطريقة. (يضع
الطعم).
ليرا
:
وما فائدة هذا الخطاف الحاد؟
داين
:
إن السمكة لجهلها تزدرد الخطاف الملبس بالطعم ظنا منها أنه
قطعة غذاء واحدة.
ليرا
:
مسكينة، أنت، ايتها السمكة!
داين
:
فما تلبث تشعر بأن الذي ازدردته إنما هو قطعة من الحديد
حادة الطرفين، فتسرع في إخراجها ولكن يستحيل عليها ذلك فتحاول الهرب غورا
في الماء، فيعوقها الخيط عن الهرب، ويكون الخطاف بهذه الحركة قد تمكن من
أحشائها فمزقها شر ممزق.
ليرا
:
يا للفظاعة! هذه هي الخطيئة بعينها. فما أقسى
الإنسان!
داين
:
هذا ما كنت أخشاه.
ليرا
(بألم)
:
إني لا أرى سعادة في الصيد.. لقد بدأ يخيل لي أن هذا الوحش
الذي يسمونه الإنسان إنما خلق ليكون هولا وبلاء على فصيلة الحيوان.
داين
:
ولماذا؟
ليرا
:
ألم تقل إن في الصيد تسلية ولهوا؟
داين
:
ومن ينكر ذلك؟
ليرا
:
أنا. إذ كيف يخطر لقلب، مهما كان شعوره، أن يسر بهذا المنظر
المريع، (بخوف) بينما تكون السمكة
المسكينة تذوب ألما من أحشائها التي تنقطع في يد جلادها الخطاف؟ إني ضعيفة
القلب، فلا تعجب مني، لأن هذا فوق مستطاعي.
داين
(يتنهد)
:
حمدا لله، لقد بدأت تتعلمين لغة القلوب (يمس قلبها).
ليرا
:
مازلت لا أفهم شيئا من هذه الرموز.
داين
:
ستفهمينها فيما بعد، ولنعد إلى تتمة الدرس، قلنا إنك تضعين
الطعم أولا ثم ترمين الخيط في الماء، فيتدلى لى منه ما بعد العقدة، وتسبح
العقدة على وجه الماء، تروح وتجيئ طوع إرادته. ما بالك تتنهدين؟
ليرا
(تضع يسراها على فؤادها)
:
لا شيء، إني سعيدة جدا بحسن تعبيرك.
داين
:
وأنا أكاد أطير فرحا بهذه البشرى.
ليرا
:
وبعد أن تطوف العقدة على وجه الماء؟
داين
:
لا تلبث أن تهتز كأن يدا مرتجفة تجتذب الخيط إلى جوف الماء،
وتتوالى هذه الحركة حتى تغوص العقدة دفعة واحدة، إذ ذاك تسرعين بإجتذاب
الخيط، وبنعشك أن تخرجي بيدك الخطاف من جوف السمكة.
ليرا
(بدهشة)
:
أنا؟ إني أعتقد أن هذه وحشية، فكيف أقربها؟
داين
:
لقد أعدت على ذكرى ثيو… (يسكت
فجأة).
ليرا
:
نعم. ثيودوسيا. (تتنهد فيرتفع
صدرها وتمسح العرق من جبينها).
داين
:
يظهر أن جميع الفاتنات ضعيفات القلوب، رقيقات العواطف،
يعتقدن أن الصيد خطيئة.
ليرا
:
ربما كان ذلك.
داين
:
ولكني أقول إن هؤلاء فقط هن طيبات القلوب. (يلقي القصبة) ألا تشعرين بالجوع؟
ليرا
:
أنا؟ لا أظن أني أحتاج إلى شيء ما دمت معي.
داين
:
شكرًا لهذه العواطف. (يتناول
السلة) لا بأس من تناول شيء خفيف. (يفتحها ويخرج لقيمات بالجبن). تنازلي بقبول هذه مني.
ليرا
(بحياء)
:
شكرًا يالورد.
داين
:
دعيني من يا لورد هذه الآن، فإني في خلوة لذيذة تشمئز من
هذا اللقب. معي قليل من الشراب، أتسمحين بشيء منه؟
ليرا
:
أنا لا أشرب غير الماء.
داين
:
والخمر؟
ليرا
:
يشربها أبي وجرفث، أما أنا فما تعودتها قط.
داين
:
إنها تحلو في مثل هذه الساعة.
ليرا
:
ولكني لا أحتسيها.
داين
:
ستحتسينها من يدي، أترفضين؟
ليرا
(بخجل)
:
كلا، ولو كان سمًا.
داين
(يخرج زجاجة خمر وكأسًا واحدة)
:
عوفيت يا عزيزتي، إني أفتخر الآن بصداقتك، وأكاد أحسد نفسي
عليها. إني أخجل أن أقدم لكي خمر ستار منستر في مثل هذه الكأس الحقيرة.
(يملأ ويناولها).
ليرا
(تشرب)
:
إنها لذيذة جدًا. (تناوله
الكأس) أتشرب أنت في هذه الكأس أيضًا؟
داين
(يتنهد)
:
كان يمكنني أن أحضر كأسين. غير أني تعمدت إحضار كأس
واحدة.
ليرا
:
ولم ذلك؟
داين
:
إن هذه الكأس قبل أن تمس شفتيك الجميلتين كانت لاتساوي
شيئًا. أما الآن فهي تقدر بالملايين.
ليرا
(تحني وجهها استحياء)
:
وكيف ذلك؟
داين
:
أترك الحكم لقلبك، فهو أعدل شاهد وأصدق حكم.
ليرا
(تضع يدها على قلبها وتنظر إلى الأرض)
:
لقد بدأت أفهم لغة القلوب. إنك مخلص، ياسيدي
اللورد..
داين
(يشرب الكأس)
:
شكرًا لك يا إلهة الجمال. إني لا أحب الألقاب في مجلس أنس
كهذا. ليرا: اسمحي لي أن أسقيك كأسًا بيدي. (يملأ
الكأس) ها هي ذي. (يضع الكأس على
شفتيها ويسراه تطوق عنقها) إشربي..
ليرا
(تأخذ قطرة صغيرة فتهتز)
:
كفاني الآن، فإني لم أتعودها.
داين
:
بالله عليك لا ترفضي. (يدني الكأس
من فمها).
ليرا
(باستعطاف)
:
ياسيدي، (تمد يدها إلى
الكأس) سأشرب.
داين
:
بيدي لا بيدك.
ليرا
(بخجل)
:
أمرك (تشرب) كفى إني لا
أستطيع أكثر من ذلك.
داين
(يلتصق بها)
:
لأجلي. آه لو تعلمين (واضعًا يده
على خدها).
ليرا
(بخضوع)
:
بحقك لا تحملني ما لا أطيق.
داين
(يشرب مابقي في الكأس)
:
لا بأس. فمن الذى يستطيع أن يصل إلى ما وصلت إليه؟ أراني
أسعد مخلوق الآن.
ليرا
:
إنك تتكلم بلساني يا داين. ولكن بماذا أشعر؟ (تتأفف) أشعر أن الهواء بدأ يتغير، فأين
معطفي؟ (تقف ويقف اللورد).
داين
:
هاهو يا ملاكي. (يمسك
بالمعطف).
ليرا
:
عفوًا، ياسيدي.
داين
:
بيدي يجب أن ترتديه.
ليرا
:
هذا فوق الواجب يا سيدي. وهل يتنازل اللورد بأن يضع الرداء
بيده الكريمة على كتفي؟
داين
:
اللورد في القصور، أما هنا فأنا عبد.
ليرا
:
إن مقامك عظيم (ترخي يدها لتسحب
الرداء) إنك أجهدت نفسك وأخجلتني (وهو يحاول أن يلبسها إياه).
داين
(يطوق عنقها من الخلف ويقبض بأنامله على شفتيها ويدني
فمها من فمه)
:
آه ما ألذ الهوى، وما أقسى الغرام! (يقبلها قبلة حارة).
ليرا
(تنتفض وتدفعه عنها باحتقار)
:
إليك عني. (تقف كالصنم شاخصة
إليه).
داين
(بخضوع)
:
عفوًا! معذرة! ليرا، ليرا، مالك لاتجيبين؟ (يدنو منها فتبتعد) إني أحبك. ما كان يجب أن
أعترف لك بغرامي الآن، وفي مثل هذه الساعة. ولكنه الحب. لم أقو على ضبط
نفسي. (يدنو فتبتعد) أتخافين مني؟ إني
أفضل أن أموت على أن أخيفك. آه لو تعلمين! ليرا عفوًا. لقد أذنبت، فاغفري.
ليرا. الرحمة! إنها نزعة الشيطان وطيش الشباب، فعفوًا أيها الهيكل
اللطيف.
ليرا
(واجمة وصدرها يرتفع وهي تنكمش في معطفها)
:
لا عفو.. ولا مغفرة. الوداع يا لورد! (تنحني) لا أمل في أن تراني بعد الآن.
(تعدو مذعورة، تخرج من الطريق التي دخلت
منها).
(يسدل الستار لتغيير المنظر بأسرع ما يمكن)
المنظر الثاني
(غرفة بكوخ المطحنة، وبها جرفث جالسًا يطالع).
ليرا
(تدخل وترتمي على مقعد)
:
ما أتعس حظي، ياليت أمي لم تلدني! آه.
جرفث
(يهرع إليها)
:
ماذا أصابك يا زهرة الربيع؟ ويلاه! بالله لا تخفي عني
شيئًا.
ليرا
:
لاشيء، بيد أني قطعت مسافة طويلة على القدم. ولما كنت لم
أتعود ذلك فقد أنهكني التعب.
جرفث
:
إنك بكرت شوقًا إلى تعلم صيد السمك فأين تركت المعلم؟
ولماذا لم يصحبك في العودة؟
ليرا
(باضطراب)
:
لقد ذهب.
جرفث
:
ولم الاضطراب؟ أحدث ما يزعجك؟
ليرا
:
كلا لم يحدث شيء (تتنهد)
لقد ذهب ولن يعود أبدًا.
جرفث
:
لا بد أن يكون في الأمر شيء. فهل لحقتك منه إهانة؟
ليرا
:
أتظنه وضيعًا حتي يقدم على إهانتي؟
جرفث
:
: قرأت في وجهه الشرف والأمانة. ذلك ما جعلني أسمح لك
بالخلوة معه. ولكني لم أفكر في طيش الشباب. ليرا! إبنتي! إذا كانت قد بدرت
لك بادرة سوء، فبماذا يعتذر خادمك الشيخ إلى ضميره إذا لم يرد الإهانة إلى
صاحبها نارًا محرقة؟ ليرا (بشهامة) إني
وإن كنت أدب على العصا، فإني لا زلت أمام عدوك شابًا قوي الساعدين..
ليرا
:
هدِّئ روعك. واعلم أنه قضى آخر لحظة من وقته الثمين بكل
أمانة وشرف.
جرفث
:
ولماذا انصرف على عجل؟
ليرا
:
خاف أن يتخلف عن موعد الباخرة.
جرفث
:
باخرة! أيفارق لندن؟
ليرا
(تتنهد)
:
نعم، إلى اليابان. وقد أرسل أمتعته أول أمس، وسيلحق بها
اليوم. (يسمعان صرخة شديدة من الخارج.
تقف) إني أسمع استغاثة. أنصت. إنه يطلب المعونة.
جرفث
(يهرع إلى الباب)
:
استريحي أنت، وسألبي نداء المستغيث.
تشاندس
(يدخل متوكأ على الباب)
:
آه، أظن أن ساقي انكسرت.
جرفث
:
يحمله (إلى مقعد) دعني
أر.
تشاندس
:
لا تمسني. فالألم شديد. آه.
ليرا
:
مسكين! (بشفقة) اعتن به
يا جرفث.
تشاندس
:
شكرًا لك يا سيدتي. (إلى
جرفث) أرجوك أن تسعفني بجراح ماهر. آه!
جرفث
(يفحص الساق)
:
الأمر بسيط لا يحتاج إلى الجراح الماهر. إن قدمك مصدوعة
فقط.
يشاندس
:
قدمي؟ (يتوجع) ساقي كلها
يارجل. إني أكاد أموت ألمًا — ويلاه إني سقطت من هذه الرنوة
الشامخة.
جرفث
:
ومن قال لك أن تقف على ربوة رملية ينهار رملها تحت أقل
ثقل؟
تشاندس
:
من قال لي؟ آه، سل الذي خلق هذه المناظر الجميلة، لتكون
خلوة للشاعر.
جرفث
:
عفوًا ياسيدي، فالمقام لا يدعو إلى فلسفة. إنك تحتاج إلى
عناية.
تشاندس
:
آه (لنفسه).. كل الناس
لا يفهمون.. أسعفني بربط ساقي. (يتوجع)
أرجوك.
جرفث
:
انتظر قليلا (يخرج).
ليرا
:
هدئ من روعك، فستستريح حالا. (لنفسها) مسكين.
جرفث
(يدخل ومعه اربطة من الشاش)
:
ها قد احضرت لك ما يلزم.
تشاندس
:
اسرع، بالله عليك..آه!
جرفث
(يبدأ بالربط وتساعده ليرا)
:
لا تخف. لا تتألم.
تشاندس
:
اواه لا تضغط.. كن رحيمًا.. آه بالله عليك.
ليرا
:
تجلد ياسيدي، فسيزول الألم.
جرفث
:
انتهى.
تشاندس
:
آه إنى في غاية الألم.
ليرا
:
إنك رجل فيجب أن تتحمل الألم مهما كان.
تشاندس
(بغرام)
:
إنك ملك هبط من جنات الخلد.
دون تشستر
(يدخل)
:
ماذا أرى؟ من هذا؟ أين معلم الصيد؟ (يقف مبهوتًا).
ليرا
(تتنهد)
:
أتسأل عنه ياأبي؟
تشستر
:
نعم أين هو؟ ومن هذا الذي يتألم؟
ليرا
:
رحل إلى اليابان — وهذا كان يستغيث فأغثناه.
تشستر
:
إلى اليابان؟ حسنًا. (بعد
قليل) وهذا، ماذا أصابه؟
تشاندس
:
لقد كسرت ساقي ياسيدي..آه!
تشستر
:
لعلك أحسن حالا الآن.
تشاندس
:
نعم أشعر ببعض الراحة. (يتوجع).
تشستر
(يجلس)
:
من أنت! وما سبب هذا الحادث؟
تشاندس
:
أنا جوفري بارل (يغير
اسمه)، مولع بالنظم والموسيقى والتصوير، وولعي بهذه الفنون
الجميلة سبب لي ما حدث.
تشستر
:
وكيف اتفق ذلك؟
تشاندس
:
شوقًا لمراقبة شروق الغزالة، وحبًا في نظم قطعة فنية، حضرت
من لندن، وعلوت ربوة رملية. وبينما أنا سابح في بحر الخيال. زلت قدمي،
وانهارت الرمال، فهويت. آه!
تشستر
(يضحك)
:
إذن فأنت تجيد النظم، يا مستر بارل.
تشاندس
:
نعم. والموسيقى والتصوير. آه!
تشستر
:
يظهر أنك بلغت غاية هذه الفنون.
تشاندس
:
ألم تقرأ شيئًا من نظمي؟ ألن تسمع مقطوعة من ألحاني؟
(يتألم) ألم يقع نظرك على صورة من
رسمي؟
تشستر
:
كلا. لم أر، ولم أسمع.
تشاندس
:
آه لقد فاتك الحظ الأوفر. ولكني ألتمس لك العذر. ذلك لأنك
في عالم آخر غير عالمنا.
تشستر
:
إني أحمد الله الذي أقصاني عن عالمكم (يقف) كن مستريحًا فإني لا أحب أن أزيدك
ألمًا.
تشاندس
:
أرجو سيدي أن يسمح للمس ليرا بالبقاء هنا لمساعدة هذا السيد
(مشيرًا إلى جرفث).
تشستر
(يمشي إلى الباب)، (إلى ليرا)
:
اتسمحين بالبقاء ياعزيزتي لتسلية ضيفنا غير المنتظم
الحواس؟
ليرا
:
ومتى تسمح لي أن أفارقه؟
تشستر
:
متى سئمت هذيانه. جرفث! جهز الغرفة الشرقية وانقله إليها
متى طلب الراحة (يخرج).
ليرا
:
حسنًا، سأفعل.
تشاندس
:
شكرًا لك يا سيدي، وأنت يا سيدتي.
جرفث
:
سأقوم بهذا يا مولاي.
ليرا
(تجلس وتطالع في كتاب)
:
ياترى أين هو الآن؟ (بصوت
منخفض) وهل ذهب إلى غير عودة؟ (تتوجع).
تشاندس
(لنفسه)
:
إنها تتألم. (إلى جرفث)
هل تسمح لي بشربة ماء!
(جرفث يقوم. يخرج)
تشاندس
(يلتفت إلى ليرا)
:
سيدتي، هل يؤلمك وجودي؟
ليرا
:
وكيف تتصور ذلك؟ إنه ليسعدني أن أراك بكامل صحتك
وعقلك.
تشاندس
:
بكامل عقلي؟ شكرًا لك يا حسناء. إن جمالك أنساني ما أنا فيه
من الألم، وهام بي إلى العالم السماوي، ويروق لي أن أنظم الآن (يبحث عن مفكرته وقلمه) إني فقدت
مفكرتي.
ليرا
(تضحك)
:
الحمد لله.
تشاندس
:
أتحمدين الله على فقد مفكرتي، وقد خسرت بفقدها كل
شيء؟
ليرا
(بسخرية)
:
إن وجود مفكرتك الآن يضاعف آلامك، فخير لك أن
تفقدها.
تشاندس
:
إنك لا تحبين لى الخير، فما سبب ذلك؟
ليرا
:
إنك سابح في بحر خيالك.
تشاندس
:
أتوهم كل شيء. (يتوجع)
دعينا من هذا، واخبريني. هل تشعرين بوحشة في هذا الكهف المنعزل؟
جرفث
(يدخل بالماء ويسمع السؤال الأخير)
:
تفضل يا حضرة الفيلسوف، وسأجيبك أنا على هذا السؤال.
تشاندس
(يرتجف)
:
جوزيت خيرًا. (يتأوه).
جرفث
(يسترد الكأس ويجلس)
:
كيف تشعر المس ليرا بوحشة، وهي بين شيخين أوقفا البقية
الباقية من حياتهما على حراستها وحمايتها وبذلا قصارى جهدهما في دفع الأذى
عنها؟
تشاندس
:
نعم، فهمت، فاعف عني.
جرفث
:
لا بأس عليك. فما دعاك إلى هذا إلا ميلك الشديد إلى حب
الاستطلاع، شأن الشاعر.
تشاندس
:
هذا صحيح، وإني لتعجبني منك هذه الشهامة.
جرفث
:
هاهي مولاتي زهرة الربيع تقوم بحاجتك حتي أعود. (يخرج وفي يده الكأس).
تشاندس
(لنفسه)
:
زهرة البيع ما أبهج هذا الإسم! إنه لينطبق عليها تمامًا
(لليرا) إنل تشبهين عصفورًا في قفص
يازهرة الربيع باعتزالك العالم المتمدين والحياة الصحيحة. (يلتفت خائفًا من جرفث).
ليرا
(غارقة في بحر الفكر)
:
ياترى أين أنت الآن؟ (غير ملتفتة
اليه).
تشاندس
:
أراك منشغلة عن كلامي، وكأنك تسبحين في عالم غير هذا
العالم، ياسيدتي.
ليرا
:
أتظن أن مخلوقًا يخلو من الهم؟
تشاندس
:
أنا خال من كل هم وحياتي لا يشوبها كدر ولم أعرف القلق
(يتوجع) ولكن لا، إنك صادقة أيتها
الحسناء. إني بدأت أشعر أن قلبي يدق. فلي الشرف أن أقدم نفسي فداء لك إذا
احتاج الأمر.
ليرا
:
شكرًا ياسيدي. إني لا أحتاج إلى مساعدة إنسان. هل تحب أن
تذهب إلى المخدع الذى أعددناه لك لتستريح؟
تشاندس
(يتأوه)
:
وما الداعي للعجلة، وسعادتي في أن أكون معك؟
ليرا
:
لم أفهم معنى ما ترمي إليه.
تشاندس
:
أنت ايتها الروح اللطيفة، لم تخلقي لتعيشي هنا، بل حيث
يتجلى ضوؤك بين من يعرفون معنى النور.
ليرا
(تتأفف)
:
كفى ياسيدي. (تقف).
تشاندس
(يحاول الوقوف فتساعده إلى غرفته)
:
إنك لأطهر ملك وقع عليه نظري حتى الآن. آه (يتوكأ على ذراعها) ليرا!
ليرا
:
: شكرًا. (تساعده حتى يخرجان. ثم
تعود فترتمي على المقعد). آه؟ يالهي إنه ذهب غاضبًا. لم أكن
أعرف قبل الآن ما الهوى. أواه! إنه يحرق الفؤاد (تتوجع). ما أقساك أيها الإنسان الظالم لنفسه. أيها الحبيب
الذى لا أعلم عن مستقره شيئًا. ترى أين أجدك؟ هل يزورك طيفي، كما لا
يفارقني خيالك؟ وهل لا زلت على عهدي أم ضربت صفحًا عن غرامي؟ علمتني كيف
أندب سوء حظي، وعلمت مقلتي انهمال العبرات (تقف) داين! داين! وهل بقلبك الآن ذلك اللهيب الذى يتأجج
نارًا في جسدي، أم تناسيت تلك التي تتعذب لبعدك، وتذوب شوقًا اليك؟ يا إله
السماء! يا أشد ما أنا فيه! يا لهول ما أقاسي من أجله! (تضع يدها على جبينها) ثيودوسيا، أين الرحمة
ياربة الغني والجاه؟ أين السماحة والحلم يا أميرة قصر تود زيارته الملايين.
(تبكي) يقول إنك طيبة القلب، محبة
للخير، ولوعة بالاحسان. فهل تسمحين لي بمن أحب؟ ألم تشفقي على زهرة كادت
تلعب بها يد الفناء؟ (تسكت قليلا). كلا
لن يكون ذلك أبدًا. ألأجلي، أنا الفتاة الحقيرة التعسة، تترك من خلقت من
أجله؟ اني أكون ظالمة بهذا الحكم. ومن الحسد أن أرفع نظري إلى مقامكما
الأسمى. فما أنا إلا ألعوبة في يد الدهر وأضحوكة في فم التعاسة. إني حقيرة
وفقيرة، فمن الجنون أن أطلب المستحيل. إذن فلتطمئن، أيها اللورد. وليتولك
إله السماء. (تسقط على الكرسي).
تشستر
(يدخل)
:
ليرا! ليرا! إبنتي ماذا أصابك؟
ليرا
(تقف مرتجفة)
:
سلمت يا أبي. لا شيء. إني أحتاج إلى الراحة قليلا.
تشستر
:
هاتي ذراعك يا ابنتي. (يأخذ
ذراعها).
(ليرا تمشي متوكئة على ذراع أبيها حتى الباب. تخرج ويبقى تشستر)
تشستر
:
في حراسة الله (ينادي
جرفث) جرفث! (يدخل جرفث)
هل أعددت لي الشاي، وهل انتهي عمل المنزل؟
جرفث
:
الشاى ينتظر أمركم. أما أعمال المنزل فلم تتم بعد.
تشستر
:
اذهب فاحضر لي الشاي، واستمر في عملك (يخرج. جرفث لنفسه) آه يا إلهي، مالي أرى
المصائب لا تكاد تتركني لحظة، ما أشد ألمي، وما أعظم خوفي. ما عساه أن
يكون! إني لا أكاد أذكر ليفى حتى يقشعر جسمي بمجرد ذكراه. ويكاد الدم يقف
في عروقي.
جرفث
(يدخل باضطراب)
:
المستر دجارفن ينتظر أمركم.
تشستر
(يقف مذعورًا)
:
دجارفن. ماذا عساه يطلب مني؟ ولم يزورني في مثل هذه الساعة؟
(إلى جرفث) هل يحمل أورافًا؟
جرفث
:
نعم. إن حقيبته مفعمة بالأوراق.
تشستر
:
أيمكنك أن تنكر وجودي، أو أن تعتذر عن عدم إمكاني
مقابلته؟
جرفث
:
أما إنكار وجودك، يا مولاي، فمستحيل؛ ذلك لأنك لم تعودني
الكذب. وأما اختلاقي سببًا للاعتذار فممكن.
تشستر
(بكبرياء)
:
جرفث! لا هذا ولا ذاك، دعه يدخل، فقد قضيت ذلك العمر الطويل
ولم أجبن أمام أشد الحوادث خطورة.
جرفث
:
تجلد يا مولاي (يخرج).
تشستر
(لنفسه)
:
دقت ساعة الحساب. يا الهي، أسألك المعونة.
دجارفن
(يدخل ويتبعه جرفث)
:
عفوًا يا مستر تشستر، ومعذرة لدخولي عليك في مثل هذه الساعة
المتأخرة (رافعًا قبعته بشماله ومصافحًا تشستر
بيمينه).
تشستر
(يصافحه)
:
أهلا بك يا صديقي دجارفن العزيز. هذا بيت صديقك، فيمكنك أن
تلجه متى شئت وبغير استئذان. تفضل. (يجلسان).
دجارفن
:
أشكرك ياعزيزى تشستر.
تشستر
(إلى جرفث)
:
اذهب إلى عملك، يا جرفث (يخرج
جرفث) هل من خدمة يا عزيزي؟
دجارفن
:
نعم، ما دعاني لزيارتك الآن إلا وجوب دفع المال.
تشستر
(بدهشة)
:
المال! وأي مال تعني يا عزيزي؟
دجارفن
:
كان يجب أن تعلم أن ذلك سيقع يومًا فتستعد لمقاومته.
تشستر
:
لم يخطر ذلك ببالي.
دجارفن
:
أجل فهذا شأن السادة أمثالك. أما رجال الأعمال فهم دائمًا
على استعداد.
تشستر
:
وكيف ذلك يا سيدي؟
دجارفن
:
إني أراك غير يقظ يا سيدي.
تشستر
:
لم أفهم بعد ما ترمي إليه. فأفصح لي عن المسألة.
دجارفن
:
منذ سبع سنين استدنت مبلغ خمسمائة جنيه من ليفي
المرابي.
تشستر
:
هذا صحيح. وبعد؟
دجارفن
:
لو كنت تحسب لمستقبل ابنتك حسابًا، لما اقترضت خمسمائة بنس
من هذا الرجل.
تشستر
(بدهشة)
:
إني لم أعلم عنه شيئًا. فماذا جرى؟
دجارفن
:
لا تأسف، فقد فات الأوان. أنت استدنت المبلغ ولكن أتعلم كم
دفعت في فوائده؟ إنك بلا شك تجهل ذلك. لا تندم فقد أصابك السهم. (يضحك) إنك دفعت ستين في المائة على أدق
حساب.
تشستر
:
إذن فهو يستبيح شرب الدماء.
دجارفن
:
وعلى الأخص دماء من لا يقرءون العواقب. ومع هذا فليفيلا
يفكر أبدًا في الدين، لأنه يجدد العقد كلما جاء يوم الاستحقاق. وذلك لأنه
يثق في قدرتكم على الدفع. ولسوء الحظ لقد انتقل هذا السند إلىَّ وفاءً لدين
كان لي عند ليفي.
تشستر
(بارتياح)
:
إذًا أنا مدين بالمال لك أنت الآن، لا إلى صاحب الستين في
المائة؟؟
دجارفن
:
نعم، من قال لك إنني لا أطالبك بالأرباح؟
تشستر
:
إذًا لا بأس من تأجيل الدفع، فإني قادر على دفع
الربح.
دجارفن
:
يسؤني جدًا أني مضطر إلى رفض طلبك لأني في شديد الحاجة إلى
المال حتى لا تتوقف أعمالي. وفوق ذلك فإني أريده حالا.
تشستر
:
مستر دجارفن، تريده حالا؟
دجارفن
:
نعم، اذا قلت أريده، فالمعنى أني أريده الآن.
تشستر
:
وإذا كنت لا أملكه الآن؟ ما العمل اذًا؟
دجارفن
:
وما ذنبي أنا، وقد دفعت قيمة السند نقدًا؟
تشستر
:
ثق أنني لو كنت أملك المال لكفيتك مؤونة طلبه. ولو كان عندي
ما يساويه ما توقفت لحظة.
دجارفن
(ينظر في الغرفة)
:
يظهر أن مسألتي أدعى للأسف من مسألتك، لأني أرى جميع أثاث
هذا الكوخ وثمنه لا يفي بنصف ما أطلب (يتلفت) الأثاث قديم ولست أرى فيه شيئًا له قيمة، فهل عندك
حلى يا مستر تشستر؟
تشستر
(بانزعاج)
:
عندي حلي؟ إذا أنت تريد أن تبيع أثاثي وأمتعتي وتخرجني من
بيتي؟
دجارفن
:
المضطر يركب الصعب. أتحسب أني أتخلى عن حقي؟ إنك لا بد أن
يكون لك أصدقاء.
تشستر
:
لا صديق لي وا أسفاه! ليس لي في كل هذا العالم غير ابنتي.
ابنتي الوحيدة المسكينة. إني لا أظنك يا مستر دجارفن تقسو لدرجة طردنا من
عشنا الهادئ المطمئن، (يتأوه).
دجارفن
:
إني حزين لأجلك من كل قلبي.
تشستر
:
كان لي مال ولكني ابتعت به أسْهُمًا من شركة الترام
الأجنبية، مؤملا أن أربح ما أسد منه ديني، وهأنذا أترقب الفرصة.
دجارفن
:
أن هذا لمضحك. أتشتري بكل مالك أسهمًا، وأنت لاتعلم عن هذه
الشركة شيئًا؟ إن أسهم هذه الشركة آخذة في الهبوط السريع.
تشستر
:
نعم، وا أسفاه. فقد طالعت هذا النبأ في صحيفة لندن، ولكن
ربما تكون قد صعدت بعد ذلك.
دجارفن
:
إذن سأمهلك أسبوعين. وتأكد أني لا أسمح بعدها بيوم
واحد.
تشستر
:
إني أشكر كريم عواطفك.
دجارفن
:
على هذا أتفقنا. ويلوح لي أنك قبلت. (يقف ويرفع قبعته). إلى اللقاء. (ويخرج).
تشستر
(يقف فيشيعه إلى الباب. لنفسه)
:
لقد دنا الأجل، فلا قوة إلا بالله. إلهي، أين أجد المال؟
آه! كيف تكون حياتي إذا طردت من بيتي. مسكينة أنت يا ابنتي، لقد جنيت
عليك.
جرفث
(يدخل)
:
خفض عليك، يا مولاي، ولا تيأس.
تشستر
:
جرفث. إذا انقضت المدة التي أعارني إياها الزائر ولم أوف
الدين، طردت وابنتي من هذا البيت، فواحسرتاه على خاتمتي، ووا أسفاه على
شيخوختي!
جرفث
:
لا تعجل بالحكم يا مولاي. وكم أعطاك من الزمن؟
تشستر
:
أسبوعين فقط. فإن لم أوف ديني، أصبح هو المالك المتصرف في
بيتي وما فيه (يبكي يقف) ساعدني إلى
مخدعي، فإني أشعر بإنحطاط قواي، وكأن زورة دجارفن لي كانت نذير الهلاك.
(يتوكأ على ذراع جرفث).
جرفث
:
مولاي، مالي أرى اليأس بالغًا منك غايته؟ إني قطعت معك
شوطًا كبيرًا من عمرك المملوء بالمصاعب، فلم أكن أشعر باهتزازك أمام كوارث
لا تعد هذه بجانبها شيئًا.
تشستر
:
لقد مات الأمل وقضي الأمر. فلا راحة إلا بالموت، ولكن ليرا
(يبكي) إني خلقت لأكون حزنً عليها.
ليرا! أعف عني يا ابنتي، ولا تلعنيني. أملت لك السعادة، فضاع أملي، وحبط
مسعاي. ابنتي لم يكن هذا بخاطري، ولكن هي مشيئة الله فتجلدي يا ابنتي،
واعتصمي بالصبر، وإسألي الله لي الرحمة. (إلى
جرفث) جرفث! احتفظ بهذه الجوهرة، انها كبدي، فاسهر على
حراستها. (يسقط مغشيًا عليه).
جرفث
(ينظر إلى السماء)
:
رحمتك، يا إله السماء.