الفصل الثالث
(غرفة الكوخ السابقة.. تشستر يجلس بادى المرض على كرسي كبير، وجرفث بجواره)
تشستر
:
اليوم موعد الجريدة يا جرفث.. فهل ذهبت ليرا لاستحضارها؟
جرفث
:
نعم، ذهبت. هل أحضر لك كأس الدواء؟
تشستر
:
لا. إنتظر حتي تحضر ليرا.
ليرا
(تدخل ومعها الجريدة)
:
أبت، (تطوقه بذراعيها) كيف
أنت الآن؟
تشستر
:
أحمد الله يا حبيبتي (يقبلها).
ليرا
:
هاهي الجريدة، يا أبتاه.
(تشستر يتناول الجريدة بلهفة ويقرأ)
جرفث
(يقوم)
:
إني ذاهب لتجهيز الطعام (يخرج).
تشستر
(يصرخ فتقع الجريدة من يده، ويرتمي على المقعد)
:
ويلاه ضاع الأمل (يتحشرج
صدره).
ليرا
(تستغيث وتقف كالمجنونة)
:
المعونة. آه، يا أبت. ماذا أصابك؟ (تركع).. ماذا دهاك؟ (تبكي)
إلهي! (تجري إلى الباب) جرفث! جرفث!
تشاندس
(يدخل وهو لا يحسن المشي وينحني على تشستر)
:
لا تخافي يا مس ليرا. لا تضطربي الأمر بسيط. علي بقليل من الماء
(تخرج، لنفسه) السر في هذه الجريدة
(يدفعها برجله تحت المقعد).
ليرا
(تدخل ومعها الماء)
:
ها هو الماء يا مستر بارل (باضطراب) ماذا دهاه؟ (تنحني على
أبيها) هل اختبرت نبضه؟
تشاندس
:
آه، رحماك يا أبي.
جرفث
(يدخل منزعجًا)
:
مولاي! ماذا جرى يا مستر بارل؟ ويلاه (ينحني على سيده).
تشاندس
:
لا شيء هدئ من روعك. إنه في إغماء وسيفيق بعد قليل.
جرفث
(يضع ىأذنه على قلبه)
:
مولاي! مولاي! (يبكي).
تشستر
(يتحرك)
:
آه! بماذا أشعر؟
ليرا
(بفرح إلى جرفث)
:
إنه يتكلم (تقبل أباها) وافرحتاه!
تشستر
(يمد ذراعيه لابنته ويتأوه)
:
آه، ابنتي المسكينة.
ليرا
:
ماذا أصابك يا أبت. ماذا جرى؟
تشستر
:
آه يا ليرا. لقد قضي الآمر، (إلى
تشاندس) أشكرك ياسيدي لحسن عنايتك.
تشاندس
:
عافاك الله يا سيدي. لا شكر على واجب. (إلى جرفث) يجب أن تنقله إلى مخدعه ولتسرع باستدعاء الطبيب
(يحمله جرفث وتساعده ليرا ويخرجان) إني
لاحق بكما متى أصلحت رباط ساقي (لنفسه) يجب
أن أعرف سر هذه الجريدة (يأخذ الجريدة
بتلهف) ها هو السر. (يقرأ)
شركة ترام بانجويلا ليمتد. إن.. إن أسهم هذه الشركة سقطت إلى الصفر. (يقطع الجزء المكتوب ويخفيه في ملابسه). الآن
ظفرت بليرا.. فيجب أن أقوم بتمثيل دوري بمهارة (ينادي) جرفث. جرفث (يدخل
جرفث).
جرفث
(بألم)
:
لا يزال في اغفاء شديد.
تشاندس
:
إذًا أسرع باستحضار أقرب طبيب. (يخرج
جرفث مسرعًا).
تشاندس
(لنفسه)
:
يجب أن أفاجئها بالخطر الذي يتهدد أباها، وأفهمها أني الوحيد
الذي يستطيع دفع هذا الخطر عنها وعن أبيها، وأعدها بدفع الدين إلى دجارفن يوم
الأجل المضروب. وإذ ذاك أكشف لها عن رغبتي في الإقتران بها. نعم. إنه من السهل
جدًا على فتاة مهددة كليرا أن تقبلني زوجًا لها، متى رأت أني افتديت شرف أبيها
بالمال (يجلس) ما أسعد حظي! هذا ما كنت أمني
نفسي به! سأدفع مبلغ الخمسمائة جنيه لقضاء لبانتي من هذه الغادة الهيفاء، ثم
أُطلق ساقيَّ للريح، فأذهب حيث لا تعلم عني شيئًا.
جرفث
(يدخل)
:
لقد حضر الطبيب، وهو يعود مولاي الآن. فهل لك أن ترافقه يا مستر
بارل.
تشاندس
:
حسنًا، هيا بنا. (يخرجان).
ليرا
(تدخل)
:
لماذا منعني المستر بارل من حضور ما يقرره الطبيب؟ بل لماذا
سألني أن أنتظره في ردهة الأستقبال؟ إٍلهي، ما غرضه، ولم أتعود الانفراد به؟
(تجلس) إني أقرأ في وجهه الميل إٍليَّ،
وأشعر في نفسي النفور منه. يخيل لي أن هذا الشيطان إنما يضمر لي الشر. ولكني مع
هذا سأنتظره لأعلم منه سر هذه المقابلة.
تشاندس
(يدخل)
:
عفوًا يا مس ليرا، فإني سألتك الخلوة بضع دقائق لأمر ذي
بال.
ليرا
(بلهفة)
:
ماذا قال الطبيب عن أبي؟
تشاندس
:
أعيريني سمعك يا سيدتي، أتعلمين ما قاله لي الطبيب عنك؟
ليرا
:
عني أنا؟
تشاندس
:
نعم، إنه عندما رآك أشفق عليك من السهر والإهتمام بأمر المريض،
وقال إنك تنهكين قواك، إذا واصلت السهر.
ليرا
(بأسف)
:
المريض! أنسيت أنه أبي؟ إني ممتلئة قوة وشبابًا، فما معنى
ذلك؟
تشاندس
:
إن مرض أبيك لا يعد شيئًا أمام هول المصيبة.
ليرا
:
المصيبة، وأية مصيبة تعني؟
تشاندس
:
إنه سر كان يجب أن أكتمه عنك.
ليرا
:
أراني أقوى على احتمال أشد المصائب، فلا تأخذك الشفقة
بي.
تشاندس
:
إنها عثرة لسان يا مس ليرا، وما كنت أود أن أبوح لك
بشيء.
ليرا
:
لٍمً يا سيدي؟ إنني ابنته وليس له في الدنيا سواي.
تشاندس
:
إني سمعت بعض الحديث بالصدفة.
ليرا
(بتوجع)
:
وما هو هذا الحديث؟ لا تردد بالله عليك.
تشاندس
:
كلا لا أجسر أن أبوح لك بشيء.
ليرا
:
رحماك!
تشاندس
:
هوني عليك يا ليرا، واجلسي بجانبي كي أشرح لك الموضوع.
ليرا
(تجلس)
:
عجٍّل.
تشاندس
:
إنها مسألة مالية، فهدئي من روعك. (يجلس). لقد اكتشفت من محادثة طويلة دارت بين أبيك ورجل مالي أن
أباك اقترض مبلغًا كبيرًا منذ سبع سنين، وكأنه نسي الدين لطول عهده.
ليرا
:
دين! (باندهاش) أأبي يستدين؟
إني لا أظنه فقيرًا.
تشاندس
:
لم أكن أعلم عن أسرار أبيك شيئًا، وكنت أظنه واسع الثروة، لذلك
أخذتني الدهشة عندما رأيته يبكي أمام المرابي.
ليرا
:
أبي! (باندهاش).
تشاندس
:
والذى ضاعف دهشتي أن المبلغ زهيد جدًا وهو خمسمائة جنيه
فقط.
ليرا
(بذهول)
:
خمسمائة جنيه. إني لا أصدق ذلك. فأبي غني.
تشاندس
(يضحك)
:
غني؟ وما الذي أخره عن الدفع؟
ليرا
(تبكي)
:
وارحمتاه!
تشاندس
:
لا تعجبي من هذا. لم يكن أبوك أول غني زالت عنه ثروته.
ليرا
:
هل ما تقوله صحيح؟
تشاندس
:
نعم. إن الضربة لشديدة. وإنه ليدمي فؤادي أن يطرد هذا الشيخ
الجليل من بيته.
ليرا
(تصرخ)
:
إلهي هذا فوق ما أحتمل. (تسقط).
تشاندس
(يحملها بين ذراعيه ويجلسها)
:
ليرا! ليرا! الخطب جلل، والمصيبة عظيمة. ولكن أًجيلي نظرك فيما
حولك، عساك تجدين صديقًا ينقذك.
ليرا
:
آه، إني عديمة الأصدقاء (تفكر) ولكن لا. ويلاه إنه بعيد (تبكي) بعيد جدًا حيث لا أعلم عن مستقره شيئًا.
تشاندس
:
بصوت خافت (لنفسه) ويلاه،
ألها صديق؟
ليرا
(تفيق)
:
لا تفكر فيما أَهذي به. آه. وآسفاه!
تشاندس
:
وهل نسيت أن لك صديقًا يتمنى لك أية خدمة؟
ليرا
(تقف)
:
أين هو؟
تشاندس
:
تفرسي فيَّ مليًا. ألا يمكن أن تسمحي بمصادقتي؟ مري تجديني
عبدًا.
ليرا
:
وهل تتنازل بصداقتنا، وقد علمت أننا فقراء؟ (تتنهد).
تشاندس
:
وهل هذا يحتاج إلى شك، أيتها العذراء الشريفة؟ أتعتقدين أن
الفقر عار؟ ضعي يمينك فوق صدري تعلمي لمن يخفق الآن.
ليرا
(باستغراب)
:
أنحن في موقف غرام؟
تشاندس
(بخداع)
:
إنه الحب. ليرا. إني أعبد هذا المحيا النضر. أتشكِّين في حبي؟
أعيريني سمعك، واستحضري الرحمة من أعماق قلبك الطاهر، يتجلَّ لك صدقي. ليرا! إن
كلمة واحدة منك تنقذ أباك.
ليرا
:
أأنت تدفع الدين عن أبي، إذا قبلت حبك وصداقتك؟ (تتنهد).
تشاندس
:
هذا لا ريب فيه.
ليرا
:
ولماذا تحتمل بلاءً وقع على غيرك؟
تشاندس
:
إنه الحب الذي يدفعني إلى ذلك. هل تشكين في حبي، يا مس ليرا،
وأنا أنتفض وجدًا بين يديك الآن؟ (بخداع)
ليرا.. تصوري أباك وما هو فيه، واذكري مصيره بعد أيام. وقارني بعد عزِّك اليوم
وتعاستك غدًا وثقي أنني أدفع عنك الكارث فأستحق على ذلك الحب منك.
ليرا
:
لم أفهم مرادك من الحب.
تشاندس
:
لم تفهمي مرادي؟ ان هذا لعجيب. أأقدم نفسي فداء لشرف أبيك، ولا
أستحق منك كلمة شكر؟
ليرا
:
أمرادك مني أن أشكرك؟
تشاندس
:
ذلك على الأقل.
ليرا
:
إذا كان هذا غرضك، فإني أقدم لك عني وعن أبي وافر الشكر
اعترافًا لك بالجميل، وأقبل صداقتك.
تشاندس
:
إني أقبل منك هذا. أيتها الفاتنة، وأستزيدك رحمة بي وشفقة
علي.
ليرا
:
إذًا أنت تريد اكثر من الشكر والصداقة؟
تشاندس
:
نعم. يا ليرا أني أتمني أن أقدم حياتي ومالي فداء لك
وأبيك.
ليرا
:
إن شريف عواطفك تضطرني أن أقبل أكثر مما ذكرت.
تشاندس
:
عديني أن تكوني زوجتي، وأنا أنقذ أباك من خطر الدين (بتوسل).
ليرا
(تهم، وتسحب يدها من بين يديه)
:
ذلك لن يكون، أقام العالم أم قعد؟!
تشاندس
:
ليرا.. ماذا أسمع؟ أترفضين يد من قدَّم إليك ماله وحياته،
أيتها العذراء؟ (يقف) أزيحي قليلا هذا
الغطاء عن عينيك، ينكشف لك عن هول المستقبل وسوء المنقلب. وإذ ذاك تعلمين أنني
إنما أردت بك خيرُا. واحكمي بعد ذلك بما تشائين.
ليرا
(تقاطعه)
:
كفى، كفى.
تشاندس
:
إن كلمة واحدة من فمك الطاهر تبعث رسول الرحمة إلى أبيك
المسكين. ليرا … إن السعادة بين شفتيك. تكلمي. مالي أرى جبينك يتصبب عرقًا؟
ألحقتك مني إهانة؟
ليرا
:
كلا (مرتجفة).
تشاندس
:
ليرا! إني أنتظر أحد أمرين، القبول أو الرفض.
ليرا
(تتنهد)
:
يا إلهي، إنك أحرجتني. (تبكي) مستر بارل، أنقذ أبي وأنا أقبل ما تريد (وتسقط على المقعد واضعة يدها على
جبينها).
تشاندس
(لنفسه)
:
وافرحتاه! (إلى ليرا) إني
سأقوم حالا بوفاء الدين.
ليرا
:
شكرًا لك. (يتأوه).
تشاندس
:
إنك الآن تحسنين إليَّ وإلى أبيك. (يقترب منها) ما أوفاك في عيني الآن!
ليرا
(تبعده بلطف)
:
تمهل. هكذا أرادت مشيئة الله. إبق هنا حتى أخطر أبي وجرفث بذلك،
وما إخالهما يرفضان.
تشاندس
(برعب)
:
لا تفعلي هذا يا ليرا، إذ يجب أن تخفي ذلك عنهما.
ليرا
(بتعجب)
:
لا أفعل؟ أيجب أن أخفي ذلك؟ (بدهشة) إنه من الشهامة إعلان الزواج فهل هنالك سر؟
تشاندس
(بخبث)
:
نعم، أعيرني سمعك. إن ثروتي العظيمة تحت إشراف أحد أفراد أسرتي.
وإذا أعلن زواجي هذا الآن كان سببًا في ضياع تلك الثروة الكبيرة؛ ونحن في حاجة
إلى المال، لأنك كما تعلمين فقيرة.
ليرا
(بذهول)
:
زواجي يقضي على ثروتك بالضياع؟
تشاندس
:
ليس زواجك فقط، بل كل زواج بغير شرط الوصية.
ليرا
:
أتشترط الوصية زواجًا خاصًا؟
تشاندس
:
بلى، ولكن إلى أجل محدود ينصرم بعد سنة. وحينئذ أكون حرًا مطلق
التصرف.
ليرا
:
إذًا نؤجل زواجنا حتى تحصل على ثروتك.
تشاندس
(بخوف)
:
والدين؟ أنسيت أن أجله قد حل؟
ليرا
:
ولم لا تقوم بالسداد ويكفيك مني العهد؟
تشاندس
:
ومن يضمن لي ذلك، والعذارى قلوبهن هواء؟
ليرا
:
كأنك تطعن في أمانتي.
تشاندس
(بغضب)
:
إذًا أنت ترفضين، والرفض يفضي بأبيك إلى الهلاك. فهل تختارين له
التعاسة والشقاء؟ أنت لا تعلمين الخطر المحدق بكم. إنكم بعد ثلاثة أيام ستطردون
جميعًا من هذا الكوخ والمزرعة ويسلب منكم قهرًا جميع ما تملكون.
ليرا
(تبكي)
:
آه يا إلهي وارحمتاه!
تشاندس
:
لا تجزعي يا ليرا، فقد وفق الله لك منقذًا يحبك من كل
قلبه.
ليرا
:
ليكن ما أراده الله.
جرفث
(يدخل)
:
لقد طال انفرادكما، فهل لذلك من سبب؟
ليرا
(باضطراب)
:
وأبي، كيف هو الآن؟
جرفث
(بامتعاض)
:
أبوك! أظن لم يعد يهمك أمره. وإلا لما تأخرت عنه وهو يناديك في
غيبوبته، فلا يجاوبه غير صدى صوته (إلى
تشاندس) أبهذا تدعوك المروءة يا مستر بارل؟
ليرا
(برجفة)
:
يدعوني أبي فلا يجدني؟ (تجري إلى
الباب وتخرج).
جرفث
:
فيم كنتما تتباحثان؟
تشاندس
:
كنا نتكلم في أمر العناية بالمريض.
جرفث
(بسخرية)
:
المريض بين يدي رحمة الله، وهو في حاجة إلى الدواء، وسأذهب
لاستحضاره من بترال. فكن حارس المنزل حتى أعود.
تشاندس
:
أأنت في حاجة إلى مساعدة مالية؟
جرفث
(بازدراء)
:
ومن قال لك أننا فقراء؟ (يخرج
مسرعًا).
تشاندس
(لنفسه)
:
لقد تم مرادي، وحالفني التوفيق، بأن صرفت التحويل. سأشتري تلك
الغادة بمبلغ خمسمائة دينار. وإنه بلا شك ثمن بخث. إني نسيت الكاهن. وأين أجد
كاهنًا يقبل أن يعقد لي عليها؟ وماذا يكون جوابي إذا علم أني اختلسها؟ (حيرة) وإذا تم العقد، فهل يتيسر لي الهرب؟ ولو
علم داين بذلك فكيف يكون موقفي أمامه؟
جرفث
(يدخل)
:
مستر بارل، إني لم أكد أبتعد عن المنزل حتى اعترضني رجل وسألني
عنك.
تشاندس
(برجفة)
:
عني أنا؟ وبماذا أجبته؟ وهل ذكر لك اسمه؟
جرفث
:
نعم، علمت أن اسمه روبرت رودن.
تشاندس
(بدهشة)
:
روبرت رودن؟ وكيف علم هذا الرجل إنني هنا وبماذا أسماني؟
جرفث
(بتعجب)
:
بماذا أسماك؟ وهل لك اسم غير دوجرفري بارل؟
تشاندس
:
كلا.
جرفث
:
إنه وصفك دون أن يسميك.
تشاندس
(باطمئنان)
:
كيف وصفني؟ وما ملخص هذا الوصف؟
جرفث
:
سألني عما إذا كنت من سكان هذه الناحية، وعما إذا كنت أعرف
العائلة التي تسكن هذا الكوخ، قأجبته بقولي أنا من سكان هذا الكوخ. فعلى من
تسأل؟ فأردف قائلا: أسأل عن سيد بلغني أنه نزل ضيفًا على أهله. إثر حادث ألم
بساقه وأزيدك إيضاحًا أنه شاعر وموسيقي فعلمت أنه يسأل عنك.
تشاندس
(باهتمام)
:
وماذا كان جوابك؟
جرفث
:
قلت نعم، إنه لا يزال عندنا.. أتحب أن تراه؟
تشاندس
:
لا بأس، دعه يدخل. واذهب في قضاء حاجتك.
جرفث
:
إني عهدتك شريفًا. لذلك سأذهب مطمئنًا (يخرج).
تشاندس
(لنفسه)
:
هاقد حضر الشقي روبرت. فلأستخلصنه لنفسي. إنه شيطان رجيم. وهو
نعم الكاهن المطلوب.
روبرت
(يدخل)
:
المعذرة، ياسيدي تشاندس (رافعًا
قبعته) إذا جاءت زيارتي على غير دعوة منك.
تشاندس
:
أهلا بك يا روبرت.
روبرت
:
لفد دعتني إليك الحاجة الشديدة، يا لورد.
تشاندس
:
وأنا لا أنكر الوفاء بوعدي.
روبرت
:
لقد أوشك الدائنون أن يسدوا في وجهي كل الطرقات.
تشاندس
(يضحك)
:
إنك داهية، يا روبرت. أخبرني كيف علمت أنني هنا؟
روبرت
:
انتظرتك طويلا، فلما لم تشرفني بزيارتك، كما وعدت، تنسمت
أخبارك.
تشاندس
:
حسنًا، لقد كنت أفكر فيك قبل دخولك عليًّ ببضع دقائق؟
روبرت
(بدهشة)
:
عسى أن يكون الأمر خيرًا.
تشاندس
:
رأيت أن أنفحك بمبلغ كبير ليكون لك رأس مال يضمن لك حسن
المستقبل.
روبرت
(بدهشة)
:
مبلغ كبير! إنك بذلك تبرهن على مجد لأجدادك.
تشاندس
:
سأنقدك خمسين ذهبًا.
روبرت
(بدهشة)
:
خمسين ذهبًا؟ إني لا أكاد أصدق ذلك.
تشاندس
:
إنها الصداقة تدفعني إلى مساعدتك، يا عزيزي روبرت.
روبرت
:
سأتمكن بهذا المال من القيام برحلة تعود عليَّ بالثروة.
تشاندس
:
وسفرك إلى بلادك ثانية هو جل مرغوبي.
روبرت
(بدهشة)
:
جل مرغوبك! إن هذا لعجيب.
تشاندس
:
إني أتمنى لك السعادة والخير من وراء ذلك السفر.
روبرت
:
لقد عدنا إلى الفلسفة، إذ يريبني منك هذا العطاء.
تشاندس
:
إنه يهمني أن يكون صديقي غنيًا، فأبعد عن رأسك سوء
النية.
روبرت
:
الآن صرت على تمام الثقة، فهل يمكنك أن تدفع لي الآن شيئًا على
الحساب؟
تشاندس
:
لا شك.
روبرت
(بدهشة)
:
إنك تعاملني اليوم معاملة ما كنت أتوقعها. ويغلب على ظني أنك
ستطلب مني قضاء مهمة.
تشاندس
:
لا تكن كثير الفضول، ياروبرت، فستصبح سعيدًا.
روبرت
:
إنك أسرتني بلطف معاملتك. وستجدني طوع أمرك من الآن.
تشاندس
(بدهاء)
:
ولولا ثقتي بك ما اخترتك (يضع يده على
كتفه) روبرت! أتذكر عهد المدرسة؟
روبرت
:
نعم.
تشاندس
:
استجمع ذاكرتك. واذكر السنة الأخيرة من دراستنا، وأخبرني هل
تتمثل أمام عينيك الرواية التي مثلناها في ذلك العهد؟
روبرت
:
نعم وأتخيلها الآن. وكنت فيها تجيد تمثيل البارون أليس
كذلك؟
تشاندس
(يضحك)
:
ونسيت أنت الدور الذي كنت قائمًا بتمثيله، وأحرزت فيه السبق على
جميع الممثلين.
روبرت
(يضحك)
:
نعم. القس.
تشاندس
:
منذ ذلك العهد شاهدت روايات عديدة. ولم أوفق لرؤية ممثل أجاد
دور القس إجادتك إياه لذلك أطلب منك تمثيل هذا الدور غدًا في التاسعة
صباحًا!
روبرت
(بدهشة)
:
غدًا في التاسعة صباحًا!
تشاندس
:
نعم لتعقد زواجًا بين شاب وفتاة.
روبرت
:
لا شك أنك تمزح، إذ كيف يكون العقد محترمًا أمام
القانون؟
تشاندس
:
دعنا الآن من القانون، وافترض أنك تمثل ذلك تمثيلا..
روبرت
:
الممثل غير مسؤول يا لورد.
تشاندس
:
لك ذلك..فأجبني: هل تقوم بهذه المهمة فتستحق الذهب، أو ترفضها
فأضطر لمساومة سواك؟
روبرت
(باهتمام)
:
وأين يكون العقد؟
تشاندس
:
في كنيسة القديس مرقس القديمة.
روبرت
:
على الضفة اليمنى من نهر التو.
تشاندس
:
إذًا يجب أن تكون هناك قبل الساعة العاشرة من صبيحة
الغد.
روبرت
:
ومن هما؟
تشاندس
:
أما الشاب فهو أنا.
روبرت
(بدهشة)
:
أنت نفسك؟
تشاندس
:
نعم، ألم أقل إنها أُلعوبة؟
روبرت
:
وهل هي راضية، وتعلم سر الموضوع؟
تشاندس
:
عليك أن تقوم بواجبك كقس حقيقي. سلها أراضية هي أم لا، وسوف
تجيبك.
روبرت
(بانزعاج)
:
إسمح لي أيها السيد أني أشعر بأن هناك سرًا، وأخشي أن يكون
خطرًا عليَّ.
تشاندس
:
إطمئن، فلا خطر عليك.
روبرت
:
ومن هذه الفتاة؟
تشاندس
:
هذا ليس من شأنك.
روبرت
:
وهل سنكون وحدنا في الكنيسة؟
تشاندس
:
خوفًا من افتضاح أمرك، سأحضر معها فقط. فهل أنت على
استعداد؟
روبرت
:
تنقصني ملابس القس، وسأستأجرها اليوم.
تشاندس
(يضع يده في جيبه ويخرجها بالذهب)
:
خذ هذا على الحساب. يجب ألا تستريب بك الفتاة.
روبرت
:
كن مطمئنًا (يعد الذهب)
والباقي من الخمسين؟
تشاندس
:
سأدفعه بعد تمام العقد.
روبرت
(يمد يده)
:
إلى الملتقى.
تشاندس
(وهو يصافحه)
:
غيرت إسمي هنا، فأصبح دجوفري بارل. (بصوت خافت) فإذا صادفك الخادم الشيخ وسألك فلا تنسى.
روبرت
:
فهمت دجوفري بارل (يخرج).
تشاندس
(لنفسه)
:
لقد تم كل شيء. وأصبحت ليرا لي، ألهو بها ما شئت.
فيالسعادتي!
جرفث
(يدخل ومعه الدواء)
:
لقد أحضرت الدواء.
تشاندس
:
حسنًا. أسرع إلى المريض. (يدخل جرفث
إلى مخدع المريض).
تشاندس
:
سأمثل دوري الأخير، متي حضرت ليرا.
ليرا
(تدخل متلفتة)
:
يخيل إليَّ أني كنت أسمع محاورة هنا. كانت تدور بينك وبين رجل
آخر.. فهل أنا على يقين؟
تشاندس
(باهتمام)
:
هل وصل إلى سمعك منها شيء.
ليرا
:
كلا إني كنت منصرفة بكليتي إلى العناية بأبي.
تشاندس
:
اسأل الله له تمام الشفاء.
ليرا
:
شكرًا، يا مستر بارل.
تشاندس
:
لقد دعتني حوادث مهمة وظروف حرجة إلى المبادرة بإتمام عقد
زواجنا قبل فوات الوقت.
ليرا
:
إنك غريب الأطوار يا سيدي. ما هي تلك الدواعي المهمة؟
تشاندس
:
هنالك سببان قويان. أولهما أنه وردت الآن رسالة إلى أبيك من
مستر دجارفن الدائن يطلب فيها وجوب وفاء الدين بعد غد، وإلا اضطر إلى تنفيذ ما
اتفقا عليه ورفقًا بحال أبيك، سأخفي عنه ذلك.
ليرا
:
ويلاه! (مرتجفة) أين هذه
الرسالة؟
تشاندس
:
هاهي معي لأبرهن بها على صداقتي وحسن نيتي (يهمُّ بإخراجها ليوهمها أن ذلك حقيقي).
ليرا
(بسذاجة)
:
دعها إنك صادق. تكفيني منك الصراحة.
تشاندس
:
أما الثاني، فقد حمل إليَّ الرسول الذي كان هنا الآن نبأ
مزعجًا، ألا وهو أن عمتي البارونة في فراش النزاع، وهي لا وريث لها وتسألني
العودة حالا لأستلم الوصية.
ليرا
(تتنهد)
:
إذا ستسافر حالا؟
تشاندس
:
يمكنني تأجيل السفر إلى ما بعد إتمام العقد غدًا.
ليرا
:
ولم هذه السرعة؟
تشاندس
:
لأدفع المبلغ مطمئنًا هادئ البال.
ليرا
:
وماذا عليك لو دفعت المبلغ وسافرت، وبعد عودتك يتم ما أردت،
وربما تماثل أبي للشفاء، فيشترك معنا في هذا الزفاف؟
تشاندس
:
كان بودي أن أقوم بجميع أوامرك. غير أني أخشى تغيير
رأيك.
ليرا
:
أتخشى أن أنقض عهدك؟ أقسم لك بأبي وأمي…
تشاندس
:
لا داعي للقسم، وخير البر عاجله.
ليرا
:
آه، ولكن …
تشاندس
:
لا تترددي وتشجعي.
ليرا
:
أتشتريني بالمال، يا مستر بارل؟ إني أعتبر هذا قسوة منك.
تشاندس
:
كفي. ها أنا راحل عنك. آسف لرفضك يدي.
ليرا
(تبكي)
:
إرحم دموعي، يا مستر بارل، أيسمح شرفك أن تترك هذا الذي وضعك في
منزله واعتنى بك أيام آلامك لكي يذهب ضحية المال؟
تشاندس
:
كفى أيتها العذراء. فإنقاذ أبيك يتوقف على كلمة منك.
ليرا
:
آه! أيها القاسي ألا تزال مصممًا. (تتنهد).
تشاندس
:
لن أتحول قيد شعرة عن عزمي. وأقسم لك بشرفي أنك إن لم تذعني
لأمري ارتحلت عنكم حالا. إن كلمة واحدة تزف إليك السعادة.
ليرا
:
أليس للرحمة سبيل إلى فؤادك؟
تشاندس
:
لا أمل في استعطافي، أيتها العذراء. واحد من اثنين إجابة أم
رفض.
ليرا
(بجنون)
:
تمهل. انتظر يا صاحب المال. نج أبي، وافعل ما شئت (تبكي).
تشاندس
(يعود عودة الظافر)
:
إنك الآن تستحقين حبي، يا مس ليرا. فهل أنت راضية عن
زواجنا؟
ليرا
:
والمال، أتدفعه حالا متى قبلت؟
تشاندس
:
بلى، وها أنا على قدم الاستعداد. فغدًا صباحًا يعقد العقد ويدفع
المال.
ليرا
(برعب)
:
ويلاه. غدًا يتم هذا الزواج العجيب!
تشاندس
:
في كنيسة مرقس القديمة.
ليرا
(بذهول)
:
ياآلهة السماء! (لنفسها)
أأدنس هيكلها المقدس! آه. كيف أطرد خياله عني. ياآلهي. (تسقط).
تشاندس
(يساعدها على النهوض)
:
ماذا أصابك؟ (لنفسه) بماذا
كانت تتمتم كأنها مأخوذة! لا بد أن يكون لها سرٌّ سأكتشفه بعد. (إليها) انهضي يا ليرا.
ليرا
(تفيق قليلا. وهي تهذي)
:
زواج؟ هيكل القديس مرقس؟ كهف صباي؟ لا! لا!
تشاندس
:
ليرا! عودي إلى رشدك.
ليرا
(تمسح جبينها)
:
نعم. (تقف) أنقذ أبي. واعلم
أن ليرا العذراء باعت نفسها لتفدي شرف أبيها.
تشاندس
:
مسكينة أنت، يا ليرا. (يضع يده على
كتفها) أعيريني سمعك، سأذهب إلى برنستابل الآن لأستحضار المال.
وأعود في الثامنة صباحًا إلى الكنيسة مصحوبًا بالأب المحترم. فيجب أن نجدك. ولن
يكون لنا رابع أفهمت؟
ليرا
:
نعم، فهمت.
تشاندس
:
وماذا أنت قائلة؟
ليرا
(تنتحب)
:
لا شيء. وإن لم يتيسر لك الحصول على المال، فماذا يكون
العمل؟
تشاندس
:
التحويل معي، فاطمئني جدًا. إلى الغد (يخرج).
ليرا
(لنفسها)
:
ما أشد ما أقاسي! (تسقط على
الكرسي) آه. أين أنت يا أماه؟ إني أكاد أرى روحك الطاهرة تحلق
بأجنحة رحمتها فوق غصن شبابي الذابل. أماه، كيف تتركيني فريسة هذا الوحش
القاسي، ينشب مخالب قسوته في هيكل ابنتك المقدس؟ أبت، أين أنت لتذود عن ابنتك؟
لقد ضرب سوء طالعي حولك سورًا من حديد.. (تقف) ويلاه بماذا أشعر؟ ماذا أرى؟ أفي يقظة أنا أم في منام؟
لورد داين، أيها الحبيب! أين رحلت عني شهامتك في وقت الحاجة إليها؟ عفوً أيها
الشريف، إني مرغمة. ترى أين أجدك الآن قبل أن يفوت الوقت؟ (تتنهد) إلهي أنت وحدك القادر على الأخذ بناصري.
فإليك أضرع وبك أستجير. إلهي أترضى أن أبيع نفسي كالسلعة؟ أَقدّرت علي العذاب،
وكتبت لي الشقاء؟ أنا لم أقترف ذنبًا أستحق عليه هذا الجزاء. فلم كتبت علي
التعاسة والشقاء؟ (تبكي) إلى اي حمى غير
حماك ألتجئ؟ وبأي قدرة غير قدرتك أتوسل؟ كنت أكل أمري إلى أبي وحبيبي، بيد أن
مشيئتك أقصتهما عني. (تبكي) إلهي إني أكاد
أجن من هول هذه الضربات المتواليات. آه، ماذا أرى؟ (بحزن) وحقك يا ملك الموت (تركع) رفقًا به، رحمة بأبي. أتوسل إليك، اتركه لي. (تبكي). أيتها الروح الطاهرة، أتوسل إليك بدموعي
(تحدق ببصرها وترتجف فاتحة ذراعيها).
أماه! أماه! يا من أرى سعادتي في قربها، هل أنت راحلة كسابق عادتك، أم اخترت
البقاء لحماية ابنتك؟ ويلاه! إنها حانقة علي. أماه رفقًا بابنتك. لم أجن ذنبًا
إني بريئة. ما رضيت إلا كرهًا، وما قبلت الأمر إلا مرغمة. اختفى عني من كان
يستطيع إنقاذي، لو علم. أبي يحتضر، المرابي لا يرحم، الدين يجب أن يدفع بعد غد.
(تجهش بالبكاء) أماه، إنقاذًا لشرف أبي
قذفت بنفسي إلى الهاوية. نعم، سأكون بالكنيسة في الأجل المضروب. (تسقط على الأرض وهي تلفظ أ … ما … ه … إ … ني لاحقه …
بك).
(تسدل الستار على مهل أثناء نطق الجملة الأخيرة)