فقيد الطيران
ما للمَنُونِ سَطَتْ على أُسْدِ الشَّرَى
ما للضياءِ غَدَا ظلامًا أَعْكَرَا
خطبٌ دَهَى الأَبطالَ في رَحَلَاتِهَا
بكت العيونُ لهُ نجيعًا أَحمرا
رُزْءٌ تفطَّرَت القلوبُ لِهَوْلِهِ
لَبِسَتْ عليه حِدَادَهَا أُمُّ القرى
يا شَرْقُ ما لكَ كلَّمَا رُمْتَ العُلا
حكمَ ﭐلزمانُ عَلَيْكَ أَن تَتَقَهْقَرَا
يا شَرْقُ مالَكَ كلما آنَ الشِّفَا
خَلَعَ السَّقَامُ عَلَيْكَ ثوبًا أَصْفَرَا
يا شرقُ كُنْتَ إِلَى الْمَعَالِي كَعْبَةً
وَإِلَى المَعَارِفِ كُنْتَ بدرًا أَزْهَرا
يا شرقُ مَالَكَ وَالْكَرَى أَعَشِقْتَهُ؟
هَلَّا عَلِمْتَ بحالِ مَنْ عَشِقَ الكرى؟
يا شرقُ أهداك الزمانُ حسامَهُ
لما رآك بَلَغْتَ هاماتِ الذُّرَى
خَلَّفْتَهُ في غِمْدِهِ حتى ﭐنْبَرَى
من فَرْطِ ما لَعِبَ البِلَى وَتَكَسَّرا
ماذا دَهَاكَ وهل مَنَامٌ ما أرى
أم ذاك في عَيْنَيَّ حُلْمٌ صُوِّرا
يا دولةَ الْأُسْدِ الْبَوَاسِلِ لَيْتَنَا
كنا الفداءَ لمن غَدَوْا تحت الثَّرَى
يا شائدينَ المُلْكَ بالْهِمَمِ الَّتِي
وقف السُّهَى يرنو لها مُتَحَيِّرَا
يا مَنْ تَرَوْنَ دَمَ العدوِّ مُدَامَةً
وشرابَ جيشهم الحديدَ الأخضرا
صعبٌ علينا كلَّ يومٍ نكبةٌ
صَعِقَ الفؤادُ لِهَوْلِهَا وَتَسَعَّرَا
خَطْبٌ تَلَا خَطْبًا فضاعف حُزْنَهُ
أبكى ضريحَ المُصْطَفَي وَالْمِنْبَرَا
فلو استطعتُ قذفتُ حَبَّةَ مُقْلَتِي
نحو الشَّآمِ لكي تُشَاهِدَ ما جرى
خاض الفضاءُ سَميْدَعٌ في مُلْكِهِ
شهدت به الرِّيحُ العصيبُ غَضَنْفَرَا
قطع البحارَ وما ثناه عَجَاجُهَا
شَهْمٌ يُمَاثِلُ في الجلالِ الْقَيْصَرَا
وَعَلَا رُبَا (لُبْنَانَ) فوق هِضَابِهَا
فَصَبَا شَذَا تِلْكَ الرُّبوعِ وأسكَرا
وَالْتَفَّتِ الأقمارُ تَسطَعُ حوله
كالخاتم الماسيِّ زَانَ الخنصَرَا
هبطتْ سفينتُهُ الشَّآمِ فشاهدت
بالْبِشْرِ وَالتِّرْحابِ عيدًا أكبرا
أرضٌ حَبَاهَا الله منه رعايةً
ساحاتُهَا حَوَت المكانَ الأعطَرَا
تمشي الملائكُ حوله وَأَدِيمُهُ
مِسْكٌ يُخَالِطُ في العَبِيقِ الْعَنْبَرَا
هتفتْ لِرُؤْيَتِهِ القلوبُ تقول يا
(فتحي) لَقَدْ جَدَّدْتَ مجدًا غابِرا
حَمَلَتْكَ أَكْنَافُ الرِّياحِ مُطِيعَةً
كَرْهًا كما حملتْ أخاك الطائرا
وَقَضَى قَصِيرَ الوقتِ بَيْنَ رُبُوعِهَا
حَتَّى ﭐنْقَضَى مَا كان قبلُ مُقَدَّرا
سَلَّ الْحِمامُ عَلَى الْحَمامِ حُسَامَهُ
فَهَوَى صَرِيعًا مُرْغَمًا فَتَحَسَّرَا
بكت النسورُ الجارحاتُ عَلَى الَّذِي
عرضت مَنِيَّتُهُ لَهُ فَتَعَثَّرَا
عَمَّ الْأَسَى وَالْحُزْنُ جوَّ صفائنا
وَالدَّمْعُ فاض من المحاجرِ أَنْهُرَا
ما كادَ يَنْضُبُ دَمْعُ أولِ حادِثٍ
حَتَّى فُجِعْنا في هُمامٍ آخَرَا
إِنَّا لَنَعْجَبُ منك (نُورِى) كيف قد
لاحظْتَ أَنَّ أخاك رَامَ الْكَوْثَرا
فَلَحِقْتَهُ وَصَدِيقَهُ مُتَبَسِّمًا
فَرِحًا لِأَنَّكَ قَدْ طلبتَ الْجَوْهَرا
وَضَمَمَّتَ جِسْمَهُمَا إِلَيْكَ وَحَوْلَكُمْ
جيشُ السماءِ مُهَلِّلًا وَمُكَبِّرَا
وسكنتمو بَيْتًا تَقَادَمَ عَهْدُهُ
نجدًا حَوَى مُلْكًا عظيمًا أَشْهَرَا
هذا صلاحُ ﭐلدِّينِ مَنْ غَزَوَاتُهُ
أَهْدَتْ إِلَى العُرْبِ الكرامِ مَفَاخِرَا
يا أَيُّهَا الشهداءُ هُنِّئْتُمْ بما
نِلْتُمْ من الفردوس فوزًا أكبرا
إِنا سَنَذْكُرُ عَهْدَ رِحْلَتِكُمْ فَقَدْ
ضَمَّتْ إِلَى التاريخِ ذِكْرًا عاطِرا
يا مُبْدِعَ الأكوَانِ عَزِّزْ جَيْشَنَا
وﭐحْفَظْ لنا تاجَ القيادةِ (أَنْوَرَا)