فيدورا
هَيْفَاءُ زَيَّنَ خَدَّهَا وَرْدُ الصِّبَى
فَتَمَايَلَتْ كالْغُصْنُ حَرَّكَهُ الصَّبَا
حسناءُ طاهرةٌ كزهرةِ روضةٍ
ما مَسَّهَا غيرُ النسائمِ والنَّدَى
بيضاءُ يُحْدِقُ شَعْرُهَا بجبينها
فتُرِيكَ وَجْهَ الصُّبْحِ في غَسَقِ الدُّجَى
نَشَأَتْ وحيدةَ أهلها في قريةٍ
كالزَّهْرِ يَنْشَأُ زاهيًا بَيْنَ الرُّبَا
لم تَدْرِ غيرَ الحقلِ والنَّبْتِ الَّذِي
يزهو عَلَيْهِ وَوَرْدُهُ الْغَضُّ الْجَنَى
والشمسُ غارِبَةٌ تُوَدِّعُهَا مَتَى
غابتْ وتلقاها مَتَى لَاحَ الضُّحَى
والبدر تَنْظُرُهُ فتحسبُ رَسْمَهَا
فيه ويحسبُ رَسْمَهُ فيها بَدَا
وَقَفَتْ عَلَى بابِ الْخِبَاءِ عَشِيَّةً
كالشمسِ قَدْ وقفتْ عَلَى أُفْقِ الضِّيَا
وَجَرَى النسيمُ بها يُلَاعِبُ شَعْرَهَا
حينًا فيخفقُ مثلما خفقَ الِّلوَا
وإِذا بِوَقْعِ حَوَافِرٍ في قُرْبِهَا
وَفتًى عَلَى سَرْجِ الجوادِ قَدْ ﭐسْتَوَى
ذُو قَامَةٍ هيفاءَ تُزْرِي بالْقَنَا
وَلَوَاحِظٍ نَجْلَاءَ تُزْرِي بالظُّبَى
وقد ﭐنْتَضَى سَيْفَ الْقِتَالِ وَلَحْظُهُ
أَمْضَى وَأَفْتَكُ مَقْتَلًا مما ﭐنْتَضَى
وعَلَى ملابِسِهِ الْحُلِيُّ لَوَامِعٌ
كالبدرِ في زُهرِ النجومِ قد ﭐنْجَلَى
وَافَى فحيَّا باسِمًا مُتَلَطِّفًا
وَدَنَا لها مُسْتَسْقِيًا يشكو الظَّمَا
فمضت فجاءته بكأسٍ وَﭐنْثَنَتْ
ترنو لِطَلْعَتِهِ كما ترنو المَهَى
يَحْسُو الشَّرَابَ وَتَحْتَسِي من حُسْنِهِ
خمرًا بها قلبُ الفتاةِ قد انكوى
حتى اكْتَفَى وأعاد كأسَ شرابِهِ
مملوءةً بعد الْمِيَاهِ من الثَّنَا
وَمَضَى فَوَدَّعَهَا وَأَوْدَعَ قلبها
بَدَلًا لبردِ شرابِهَا حَرَّ الْجَوَى
دَخَلَ الهوى قلبًا خليًّا لَمْ يَكُنْ
يدرى الْهَوَى حَتَّى تَمَلَّكَهُ الهوى
فقضتْ دَياجِي لَيْلِهَا في ظُلْمَةٍ
لليأْسِ يُوشِكُ لا يُضِئُ بها الرَّجَا
يهفو النُّعَاسُ بِجَفْنِهَا فَيَرُدُّهُ
ممن تَمَلَّكَهَا خَيَالٌ قَدْ سَرَى
حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الظَّلَامُ وَأَشْرَقَتْ
شمسُ الضُّحَى تزهو عَلَى تِلْكَ الرُّبَا
وَافَى رسولٌ من حبيبِ فؤادِهَا
بِهَدِيَّةٍ تُهْدَى لِرَبَّاتِ الْبَهَا
وَدَنَا وقال: هَدِيَّةٌ من سَيِّدِي
تُهْدَى لِسَيِّدَتِي! وَسَلَّمَ وَﭐنْثَنَى
كانتْ جزاءً للشَّرَابِ وَلَيْتَ لَمْ
يكن الشَّرَابُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا ﭐلجَزَا
فلقد سَبَا قَلْبَ الفتاةِ صبابةً
وهوًى لذيَّاكَ ﭐلجميلِ وما دَرَى
كالقَوْسِ أَطْلَقَ سَهْمَهُ فَجَنَى وَلَا
لَوْمٌ عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَدْرِي مَا جَنَى
ما زال يُذْكِيهَا الهَوَى وَيُذِيبُهَا
حَتَّى غَدَتْ شَبَحًا أَرَقَّ مِنَ الهَوَا
وهوتْ عَلَى مَهْدِ السَّقَام عَلِيلَةً
تَشْكُو ﭐلَّذِي يَبْدُو وتكتم ما ﭐخْتَفَى
حَارَ ﭐلجَميعُ بها فَلَمْ يَدْرُوا لَهَا
داءً تكابِدُهُ ولم يدروا ﭐلدَّوَا
وأَقام يندب وَالِدَاهَا حَسْرةً
وأَسًى وما يُجْدِي التَّحَسُّرُ وﭐلأَسَى
والظبيُ مخفيةٌ حقيقةَ دائها
وتقولُ لا أَدْرِي فَذَا حُكْمُ القَضَا
حَتَّى إِذا ذهبَ الظَّلَامُ وأَشْرَقْتَ
شَمْسُ الضُّحى تَزْهُو عَلَى تِلْكَ ﭐلرُّبا
وافَى رَسُولٌ من حبيب فُؤَادِهَا
بهديَّةٍ تُهْدَى لربَّاتِ البَهَا
سَمِعَتْ بِقُرْبِ الباب وَقْعَ حَوافرٍ
ورأَتْ حبيبَ فُؤَادِهَا مِنْهُ أَتَى
وافَي ولكنْ بعد ما ﭐنْقَطَعَ ﭐلرَّجَا
وَوَفَى ولكنْ حِينَ لا يُجْدِي ﭐلوَفَا
وَحَنَى عليهَا وهو يَسْأَلُ جَازِعًا
ويقولُ كيفَ أَصَابَهَا سهمُ الردى
فَرَنَتْ إِليه بِمُقْلَةٍ فَتَّانةٍ
وَكَسَى ﭐصْفِرَارَ جبينِهَا وَرْدُ ﭐلحَيَا
وتنهَّدَتْ أَسفًا وقالت إِنَّ بي
سَهْمًا أصابَ القَلْبَ من عَيْنَيْ فَتَى
هَذَا هو ﭐلدَّاءُ ﭐلَّذِي أَقْضِي بِهِ
حُبًّا وكَمْ مِنْ عَاشِقٍ قَبْلِي قَضَى
فأَجَابَ مَنْ هَذَا الفَتَى؟ فَتَنَاوَلَتْ
مُهْدَاتِهِ بِيَدٍ يُصَافِحُهَا الفَتَى
وَرَبَتْ وقالَتْ عِنْدَمَا يَبْدُو الضُّحَى
وتكونُ رُوحي فَارَقَتْ هَذَا المَلَا
إِنْ شِئْتَ تَعْرِفُ من قَضَيْتُ بِحُبِّهِ
ﭐنْظُرْ إِلى المرآةِ تَلْقَى مَنْ جَنَى!