الهمزية الكبرى
فاتحة
أَيُّها الناسُ أنْتُمُ الْفُقَرَاءُ
فاذكروا مَنْ له الْغِنَى والبقاءُ
لا تعيشوا في الأرضِ ظُلْمًا وَبَغْيًا
وٱتقوا اللهَ إنكم ضُعَفَاء
واسْتَعِينُوا بِالله فِي كلِّ أَمْرٍ
أَكْرَم الْخَلْقِ عِنْدَهُ الأتقياء
لا يَغُرَّنَّكُمْ نعيمُ حياةٍ
ورخاءٌ وصِحَّةٌ وهَنَاء
إنما العُمْرُ لَمْحَةٌ فَمَمَاتٌ
فَسُكُونٌ فَحُفْرَةٌ ظَلْماء
مَلَكُ المَوْتِ يَقْتَفِي كلَّ حَيٍّ
فِي أَوَانٍ قد آنَ فِيهِ الفَنَاء
يَتْرُك الْجِسْمَ هَامِدًا، لَيتَ شِعْري
أَنَعِيمٌ يَضُمُّهُ أم شقاء
كلُّ نَجْمٍ مُهَدَّدٌ بِأُفولٍ
ولنورِ الإِلۤه دام الضِّياء
كلُّ شَيْءٍ غَيْر البديعِ ظلامٌ
واسْتَضَاءَتْ بِنُورِهِ الأشياء
يا بني الأرضِ إِنَّ لِلهِ مُلْكًا
تَعْلَمُ الأرضُ قَدْرَهُ والسماء
إِنَّ رَبًّا يُدِيرُ مُلْكًا كهذا
قادِرٌ دائمًا على ما يشاء
حارتِ الْخَلْقُ في تَصَوُّرِ ذَاتٍ
بين حَرْفَيْنِ أمرُهَا والقضاء
•••
مَالِكَ المُلْكِ إِنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ
مَنْ لَهُ الحمدُ غيرُه والثناء
تَرْجُفُ الأرضُ والجبالُ ويُقْضَى
كلُّ أَمْرٍ ويَسْتَكِنُّ الهواء
وتمورُ السماءُ مورًا ويهوى
كُّل نَجْمٍ وَتَفْزَعُ الأرجاء
حَلَّقَتْ رهبةٌ وَسَادَ سُكُونٌ
وٱنْجَلَتْ قدرةٌ وآنَ الوفاءُ
كلُّ حَيٍّ إِلَّا المُهَيْمِنُ فَانٍ
صَاحِ سُبْحَانَ مَنْ لَهُ الْكِبْرِيَاء
الساعة
دَنَتِ السَّاعَةُ الرهيبة لمَّا
جاء أشراطُهَا وَحُقَّ الجزاء
وعَلَتْ صَيْحَةٌ تَجَمَّعَ مِنْها
بَالِيَاتُ الرُّفَاتِ والأشلاء
دَكَّتِ الأرضَ والجبالَ وَهَدَّتْ
كلَّ طَوْدٍ مُرِيعَةٌ بَطْشَاء
صَيَّرْتَ شَامِخَ الرواسخِ عِهْنًا
وَتَنَحَّتْ عن حملها الْجَرْداء
أَلْقَتِ الأرضُ ما بها وتَخَلَّتْ
وتَدَاعَتْ عن أُفْقِهَا الصَّمَّاء
هَالَها الروعُ فاستحالتْ هَبَاءً
غَيَّرَ الصَّدْعُ حالَها والفَنَاء
وٱنْشِقَاقًا ذاتُ البروجِ ترامتْ
فَتَوَارَتْ أقمارُها الزَّهْراء
ثم غَابَتْ نُجومُهَا وٱكْفَهَرَّتْ
واختفى نُورُهَا وَزَالَ الْبَهاء
•••
إِنَّ هذا يومُ الْحِسَابِ فطاشتْ
يا بني الأرضِ مُقْلَةٌ عَمْيَاء
يوم لا تنفعُ ٱبنَ آدم إلا
حسناتٌ تَقَدَّمَتْ ووفاء
يوم يدعو كلُّ امريءِ: رَبِّ نفسي!
وَتَفِرُّ الأباءُ والأبناء
يوم يَلْتَفُّ كلُّ سَاقٍ بِسَاقٍ
وَيُسَاقُ الضِّعَافُ والأقوياء
يوم لا ينفعُ المُسِيءَ اعْتِذَارٌ
عن ذُنُوبٍ وَيَدْلَهِمُّ البلاء
يومُ حَشْرٍ حَوَى البرايا جميعًا
شَاخِصَاتٍ أبصارها فَزْعاء
يومُ فَصْلٍ تُبْلَى السرائرُ فيه
حائراتٌ من هَوْلِهِ هَلْعَاء
يومَ لا تمِلكُ النفوس انتصارًا
وله الأمرُ وَحْدَهُ والقضاء
كلُّ نَفْسٍ يُغْنِي لها فيه شَأْنٌ
عن سِوَاهَا ولا يُفِيدُ الفِداء
كلُّ نفسٍ لها لِسَانٌ وَعَيْنٌ
وفؤادٌ وكلُّهَا رُقَباء
ثم أَيْدٍ وَأَرْجُلٌ وجلودٌ
تَنْطِقُ الحقَّ أنهم شهداء
البعث
يُهْرَعُ الناسُ مُنْذُ أَوَّلِ خَلْقٍ
وَاجِفَاتٌ قُلُوبُهَا حَيْرَاءُ
بَعْثَرَتْهَا القبورُ تجري سِرَاعًا
أَفْزَعَتْهَا من نَوْمِهَا الدَّهْماء
مَاجَتِ الأرضُ تحت أقدامِ خَلْقٍ
كجرادٍ يضيقُ عنه الفضاء
مُدَّتِ الأرضُ كي تُوَفِّي جُمُوعًا
فَوْقَهُمْ تُمْطِرُ العذابَ السماء
•••
يا بني الأرضِ تلك وَقْفَةُ حَشْرٍ
يا ٱبْنَ حواءَ أنتَ طِينٌ وماء
كلُّ فَرْدٍ له كِتَابٌ قديمٌ
سُجِّلَتْ فيه رحمةٌ أو بَلَاء
لم يُغَادِرْ صغيرةً ما حَوَاها
قدرةُ الله مَنْ له ما يشاء
كلُّ مَنْ مَدَّ للكتابِ يمينًا
ضَمَّهُ الأمْنُ والرِّضَا والهناء
وله قالت التهاني سلامٌ
وَبَدَا العفوُ بَاسِمًا والعطاء
وَيْحَ مَنْ كان حَظُّهُ بِشِمالٍ
هَالَهُ الْخِزْيُ خِيفَةً والعناء
صاح فيه صوتُ العذابِ وَعِيدًا
: قد تَنَحَّى عن مُقْلَتَيْكَ الغِطاء!
أُنْظُرِ النَّارَ كيف تُزْجِي سَعِيرًا
وعقابُ المُكَذِّبِينَ الشِّواء
•••
قَبْضَةُ الله تَجْمَعُ الأرضَ جَمْعًا
وَبِيُمْنَى البديعِ تُطْوَى السماءُ
قدرةُ الله حَيَّرَتْ كلَّ لُبٍّ
فَتَفَانَتْ في كُنْهِهَا الأنبياء
قُوَّةُ الله أَذْهَلَتْ كلَّ لُبٍّ
فَتَفَانَتْ في وَصْفِهَا الْعُلَماء
حكمةُ الله أحكمت كلَّ أمرٍ
فاستنارتْ بِرُوحِهَا الْحُكَمَاء
خِبْرَةُ الله أتْقَنَتْ كلَّ شَيْءٍ
فَتَبَارَتْ في مَدْحِهَا الشُّعَرَاء
رحمةُ الله أدركتْ كلَّ خَلْقٍ
فَتَلَاشَى في عَدِّهَا الإحصاء
•••
إِنَّ عِلْمَ الْإِلٰهِ عِلْمٌ قَديمٌ
بِخُلودٍ لَهُ يَدُومُ البقاءُ
وَصِفَاتٌ تَنَزَّهَتْ عن شَرِيكٍ
فتسامتْ من حُسْنِهَا الأسماء
نَافِذُ الأمرِ في جميعِ البرايا
عالِمُ الْغَيْبِ عرْشُهُ الْعَلْياء
كلُّ مَنْ في الوجودِ لِلهِ عَبْدٌ
ودوامًا إليه يَسْرِي الدُّعاء
•••
كلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ الله حَمْدًا
أَبَدَ الدهرِ كيْ يَدُومَ الثناءُ
وَبِنُورِ الإِلۤه أشرقت الأر
ضُ وجاء النَّبِيُّونَ والشُّهَدَاء
وقضى الحقُّ بينهم حُكْمَ عَدْلٍ
وَبِوَعْدِ الإِلۤه تَمَّ الرِّضاء
يا نَبِيُّونَ تلك جَنَّاتُ عَدْنٍ
فادخلوها وكبِّرِي يا سماء
هذه الجنةُ التي قد وُعِدْتُمْ
شَهِدَ الله أَنَّكُمْ أُمَناء
دَارُ خُلْدٍ جزاءُ ما قد صَبَرْتُمْ
تلك عُقْبَى الْجِهادِ يا أنبياء
سَيِّدُ الْخَلْقِ بَيْنَكُمْ يَتَهَادَى
بِجَبِينٍ يَفِيضُ مِنْهُ الضِّيَاء
أشرفُ الْمُرْسَلِينَ قَدْرًا وًجًاهًا
خيرُ بَدْرٍ قد أَنْجَبَتْ حَوَّاء
خَصَّهُ اللهُ بالشفاعةِ لمَّا
أَذِنَ الحقُّ وٱسْتُجِيبَ النِّداء
وَبِنُورِ القرآنِ كان إِمامًا
وحكيمًا على يَدَيْهِ الشِّفاء
•••
أَوَّلَ الدَّاخِلِينَ جَنَّاتِ عَدْنٍ
لَكَ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ شَمَّاءُ
صلواتُ الإِلۤه تَرْعَاكَ دَوْمًا
يا ٱبْنَ عَدْنَانَ بَارَكَتْكَ السماء
جنات النعيم
سِيقَ أَهْلُ التُّقَى لِدَارِ نَعِيمٍ
يَتَهَادَوْنَ حيثُ حَلَّ الهناءُ
تَتَلَقَّاهُمُ الملائكُ بُشْرَى
بَاسِمَاتٍ وُجُوهُهَا سَمْحَاء
زَانَ أَبْوابَهَا وَمِيضُ الدَّرَارِي
تَتَسامَى أنوارُها الزهراءُ
تِلْك دَارُ الَّذِين نَالُوا بِحَقٍّ
أَجْرَ إِيمانِهِم فَنِعْمَ الجزاء
آمَنُوا بالكتابِ لمَّا أَتَاهُمْ
وَأَطاعوا الرسولَ نِعْمَ الوفاء
صَدَقَ الْوَعْدُ فادخلوا بِسَلَامٍ
دَارَ خُلْدٍ يَطِيبُ فيها البقاء
إِنَّ فيها ما تَشْتَهي كلُّ نَفْسٍ
قَدَّرَ الله أَنْ لها ما تَشَاء
حُورُ عِين كأنهن الَّلآلي
كَاعِبَاتٌ قُدُودُهُنَّ الضِّياء
يَتَسَابَقْنَ حولَ زَهْرٍ وماءٍ
لَاعِبَاتٌ يَزِينُهُنَّ البهاء
رَاتِعَاتٌ عَلَى بِسَاطٍ بَدِيعٍ
تَتَرامَى أَطْرَافُهُ الخَضْرَاء
تَتَوَارَى خَلْف الدَّوَالي دَلَالًا
تَتَثَنَّى أَعْطَافُها الحسناء
ثم يُهْرَعَنْ للقصورِ حُسَاةً
مِنْ رَحِيقٍ مِزَاجُهُ السَّرَّاء!
حيثُ يَلْقَيْنَ أَهْلَهَا في نعيمٍ
وَسُرُورٍ بهم أَحَاطَ ٱلهنَاء
تَتَجَلَّى على الأَرائِكِ بِشْرًا
وٱبْتِهَاجًا عُيونُها حَوْرَاء
وعليهم تَطُوفُ وِلْدَانُ خُلْدٍ
بِكؤُوسٍ سُلَافُهَا ٱلصَّهْبَاء
وأَباريقَ من لُجَيْنٍ نَقِيٍّ
صَفَّهَا ٱلْحُورُ كَيْ يَدُومَ الصَّفَاء
إِنَّ لِلْجَنَّةِ ٱلْبَهِيجَةِ وَصْفًا
فَوْقَ ما قد تَخَيَّلَ الشُّعَرَاء!
ظِلُّهَا دَائمٌ فَلَا لَيْلَ فيها
عَاطِرَاتٌ ريَاضُهَا ٱلفَيْحَاء
فَوْقَ أَغْصَانِهَا ٱلعَنَادِلُ تَشْدُو
وعَلَيْهَا تُرَفْرِفُ ٱلْوَرْقَاء
وَتَفَيِضُ ٱلأنْهَارُ شُهْدًا مُصَفًّى
حيثُ تجري مِنْ تَحْتِهَا رَغْدَاء
ثم تَجْرِي أُخْرَى بِدَرٍّ شَهِيٍّ
لم تُغَيِّرْ من طَعْمِهِ الأَجْوَاء
وَبِخَمْرٍ كالْأَرْى تَنْسَابُ أُخْرَى
رِيحُهَا ٱلمِسْكُ رُوحُهَا نَشْوَاء
إِنَّ دار ٱلفِرْدَوْسِ كانت مآبًا
خيرَ دارٍ يَحْظَى بِهَا الأتْقِيَاء
أُدْخُلُوهَا قَدْ بَارَكَ ٱللهُ فِيهَا
في خُلُودٍ لا يَعْتَرِيهِ فَنَاءُ
فانْعَمُوا وَٱهْنَأُوا وطِيبُوا نُفُوسًا
عَلِمَ ٱللهُ أَنَّكم حُنَفَاء
رحمةُ ٱللهِ قد تَجَلَّتْ عليكم
فاشكُرُوا مَنْ لَهُ ٱلرِّضَا وَٱلبَقَاء
دار الجحيم
ثمَّ سِيقَ الْكُفَّارُ نَحْوَ جَحِيمٍ
يَسْتَغِيثُونَ حيثُ حَلَّ ٱلبَلَاء
وَوَقُودُ ٱلسَّعِيرِ زاد ٱشتِعَالًا
وٱستَشَاطَتْ مِنْ غَيْظِهَا ٱلرَّمْضَاء
ثم هَاجَتْ دارُ ٱلجحيمِ وَمَاجَتْ
تَقْذِفُ ٱلرُّعْبَ وَالْقُلُوبُ هَوَاء
في زَفِيرٍ كالرَّعْدِ تَنْدَكُّ مِنْهُ
هَامَةُ ٱلشُّمِّ وَٱلذُّرَا ٱلشَّمْخَاء
وَشَهِيقٍ يَنْقَضُّ من كلِّ فَجٍّ
رَجَّعَتْهُ مِنْ هَوْلِهِ الأَرْجَاء
شَرَرًا كالجمالَةِ ٱلصُّفْرِ تَرْمي
مِثْلُهُ ٱلقَصْرُ بِئْسَ ذَاكَ ٱلتِّوَاء
تلك نَارُ ٱلشَّوَى التي في لَظَاهَا
يُسْحَبُ ٱلمُجْرِمُونَ وَٱلأشْقِيَاء
إِنَّ حُرَّاسَهَا غِلَاظٌ شِدَادٌ
يَتَفَانَوْنَ طاعةً، أَقْوِياء
ما ٱلحديدُ الشديدُ أَعظَمَ بَأْسًا
من قلوبٍ لهم براها ٱلقَضَاء
حول أَبْوابها الصواعقُ دَوَّتْ
مُرْعِداتٍ صَيْحَاتُها فَزْعَاء
أُدْخُلُوهَا تَطَايَرَ ٱلْهَولُ فيها
فَاغِرَاتٌ أَفْوَاهُهَا غَضْبَاء
سَارِيَاتُ ٱلَّلهِيبِ تَنْسَابُ مِنْهَا
وبِرِيِح السَّمُومِ يَجْرِي ٱلْهَوَاء
من حَمِيمٍ تفيضُ فيها عُيُونٌ
وبِماءٍ كالمُهْلِ يَجْرِي ٱلسِّقَاء
إِنَّ هذا شَرَابُ كلِّ أَثيمٍ
منه تُشْوَى الْوُجوهُ وَٱلأَمْعَاء
وطعامٌ ذُو غُصَّةٍ وعذابٌ
منه تُكْوَى الْجِبَاهُ والأحشاء
إِنَّ دارَ الجحيمِ شَرٌّ مكانًا
لِعَصِيٍّ طَاشَتْ به الأهواء
ما جنودُ الشيطانِ إلا غواةٌ
قد أطعتم أَهْوَاءَهُمْ يا رعِاء
شَاغَلَتْكُمْ بِغَيِّها فَعَمِيتُمْ
عن طريقِ الهُدَى وَعَزَّ الدواء
إِنَّ هَذَا الشيطانَ كان عَدُوًّا
منذ وَافَتْ من خُلْدِها حَوَّاء
قد سَلَكْتُمْ سُبْلَ الضلالةِ جَهْلًا
وتركتم ما أنزلَتْهُ السماء
أَيُّها الظالمونَ ذُوقُوا نَكالًا
إِنَّ هَذا جزاءُ قَوْمٍ أَسَاءُوا
فَتَنَتْكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَبَنُوكُمْ
وَظَلَمْتُمْ فَحُقَّ هذا البلاء
وكفرتم بِأَنْعُمِ الله حَتَّى
حَلَّقَ الموتُ فوقكم والفَناء
إِنَّ هَذا تَصْديقُ ما قَدْ كَفَرْتُمْ
إِنْ صَبَرْتُمْ أو إِنْ جَزِعْتُمْ سواء
فَهَلُمُّوا إلى الجحيمِ جميعًا
لا ٱعتذارٌ لكم ولا شُفَعاء
إِنَّ فيها العذابَ من كلِّ نَوْعٍ
وعليها الملائكُ الرُّقَباء
قَدْ أطاعوا الرحمنَ في كلِّ أمرٍ
وبأمر العزيزِ يَجْرِي القضاء
دَرَكَاتٌ سَبْعٌ طِباقٌ عذابٌ
لا ظَلِيلٌ بها يُحِيطُ القضاء
كلُّ مَنْ في العذابِ يَسْتَصْرِخُ المو
تَ وَهَيْهَاتَ يُسْتَجابَ النِّداء
وَهَبَاءً يضيعُ كلُّ تَمَنٍّ
حيثُ حلَّ الخلودُ زالَ الفَناء
لا مَمَاتٌ بها يُهَوِّنُ كَرْبًا
أو عذابٌ مُخَفَّفٌ أو رجاء
كلما أنضج الحريقُ جُلودًا
بَدَّلَ اللهُ غيرَها ما يشاء
إِنَّ هَذا جزاءُ ما قَدْ صَنَعْتُمْ
وعَلَى العَدْلِ قَامَ هَذا الجزاء
•••
يا ٱبْنَ حواءَ قَدْ قَضَى اللهُ أَمْرًا
وَبِحُكْمٍ عَدْلٍ تَجَلَّى القضاءُ
ها هي الأرضُ وُفّيَتْ ما ٱستحقت
وَتُوَفَّى بمثل هذا السماء
قد تَسَامَى عرشُ القديرِ جلالًا
فاستضاءت بنورِه الأرجاء
حوله حَفَّتْ الملائكُ تَتْلُو
أحسن الذِّكْرِ كَيْ يَعُمَّ الرِّضاء
لا يَمَلُّونَ لحظةً من دُعاءٍ
هُمْ عَبِيدٌ لِرَبِّهِمْ أَوْفِياء
مَجَّدُوا الله بالثناءِ دوامًا
حَمَلَ العرشَ مِنْهُم الأكْفَاءُ
هم جنودُ المُهَيْمِنِ المُتَعَالِي
مَظْهَرُ البَطْشِ مِنْهُمُ الأقوِياء
رُكَّعًا سُجَّدًا قِيَامًا قُعُودًا
من تَوَالِي تَسْبِيحِهِمْ سُعَدَاء
•••
عَمَّ نُورُ الإِلۤه سَبْعًا طِباقًا
فتلاشتْ أمامَهُ الأضواء
وسع كُرْسِيُّهُ السمواتُ والأر
ضُ جميعًا، وفاضتِ الآلاء
حَفَّهُ المُولَعُونَ بالله حُبًّا
وَحَبَاهُ الأئِمَّةُ الأُمَناء
وَتَدَلَّى الْوَحْيُ الأمينُ ٱبْتِهَالًا
يا قديرًا يا مَنْ لَهُ ما يشاء
•••
أَسْفَرَتْ هَيْبَةٌ فَأَشْرَقَ عَدْلٌ
وَتَجَلَّى عَفْوٌ وَعَمَّ رِضاء
يَا عِبَادَ الرحمنِ بُشْرَاكُمُ اليو
مَ خلودٌ يدومُ فيه الهناء
وسلامٌ لكم بما قد أطعتم
شَهِدَ اللهُ أنكم رُحَمَاء
فإلى الجنةِ الفسيحةِ سِيرُوا
قَدْ وُعِدْتُمْ بها وتَمَّ الوفاء
فَتَعَالَى الْهُتَافُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ
جاوَبَتْهُ الآفاقُ والأرجاء
فأفاضَ العَطَاءَ حَمْدًا وَشُكرًا
لِلَّذي المُلْكُ مُلْكُهُ والبقاء
•••
أَيُّها النَّاسُ إِنَّ هذا بَيَانٌ
أَنْزَلَتْهُ الشريعةُ السمحاءُ
جاءَ بِالْحَقِّ لِلْقُلوبِ ضِياءً
فَتَلاشَتْ مِنْ نُورِهِ الظَّلْماءُ
لم يُغَادِرْ من الشرائعِ شيئًا
حارَ في فَهْمِ كُنْهِهَا البُلَغاء
جاءكم بالهدى كِتَابٌ كريمٌ
عربيُّ البيانِ فيه الدواء
إنه من لَدُنْ حَكِيمٍ عليمٍ
مُحْكماتٌ آياتُهُ عَصْماء
عاطِرُ الذِّكْرِ للقلوبِ شِفاءٌ
أعجزَ الخَلْقَ لَفْظُهُ الوَضَّاء
إِنَّ هذا القرآنَ يكفيه فخرًا
أنه رحمةٌ قَضَتْهَا السماء
فاض نُورًا بالوَحْيِ صدرُ نَبِيٍّ
من قُرَيْشٍ عَزَّتْ به الأنبياء
ورسولٍ للرُّسْلِ جاء خِتَامًا
وَبَشِيرٍ دَانَتْ له العَلْياء
جاء بردًا للعالمين سلامًا
كَنْزُ عِلْمٍ عليه طَابَ الثناء
كافَحَ الْكُفْرَ والضلالةَ حتى
شَادَ حِصْنَ الهدى وتَمَّ البِناء
وأقام الدِّينَ الحنيفَ وبَاتَتْ
خافِقَاتٍ أعلامُهُ الخضراء
آيةُ الحقِّ قد تَجَلَّتْ عليكم
وبنورِ الإِسلامِ تَمَّ الهناء
•••
أَيُّها النَّاسُ إِنَّ هذا بلاغٌ
فُصِّلَتْ فِيهِ رَحْمَةٌ أو بَلَاء
إِنْ دَنَا الخيرُ فالمَسَاءُ صَبَاحٌ
أو دَنَا الشَّرُّ فالصباحُ المَسَاء!
إِنَّ هذا الحديثَ أحسنُ ذِكْرَى
كلُّ نَفْسٍ يحلو لها ما تشاء
•••
أَيُّها الظالمون قد شَاغَلَتْكُمْ
وغَرتْكُمْ بِطَيْشِهَا الأهواء
فأجَبْتُمْ نِدَاءَها
شَهَواتٍ يَفِرُّ منها ٱلحياء
وضربتُمْ بشرعةِ ٱلحقِّ عَرْضًا
فٱشمأَزَّتْ نُفُوسُها ٱلعَلْيَاء
وَمَلكتم سُبْلَ ٱلضَّلالة جَهْلًا
فخبا النورُ وٱستحالَ الضِّيَاء
وعمِيتُمْ عن ٱلْهُدَى وَمُحَالٌ
أَن تَرَى النُّورَ مُقْلَةٌ عَمْيَاء
وٱندفعتُم إلى المَعَاصِي سُكارَى
وٱرتكبتُمْ ما فَاضَ منه ٱلإِناء
وٱتَّبعتم أهواءَ غاوٍ مُضِلِّ
زَيَّنَ ٱلشرَّ مكرُهُ والدَّهَاءُ
حَبَّبَ ٱللَّهْوَ وٱلفَسَادَ إِليكُمْ
وَحَدَتْكُمْ جُنُودُهُ ٱلْأَشْقِيَاء
فَرَكَبْتُمْ غِمَارَ بَحْرٍ خِضَمٍّ
هائجاتٌ أَمْواجُهُ ٱلظَّلْمَاء
ماخراتٌ عُبَابَهُ سُفُنُ ٱللَّهْـ
وِ رَمَاهَا أَنَّى أَرَادَ ٱلْهَوَاء
حملتكُمْ إلى ضَلالٍ بعيدٍ
تَتَلَاشَى أَحْلَامُهُ ٱلْحَمْقَاء
فَمُلِئْتُمْ من ٱلحياةِ غُرُورًا
زَيَّنَتْهُ لديكمُ ٱلْخُيَلاء
تتوارَوْنَ في ٱلنَّزَاهةِ وٱلصّدْ
قِ كما يَسْتُرُ ٱلإِنَاءَ ٱلطِّلاء
وَتُقِيمُونَ لِلنِّفَاقِ صُرُوحًا
شيَّدَتْهَا ٱلمَطَامِعُ ٱلْجَوْفَاء
وتُبِيحُونَ للخُمُورِ مَجَالًا
ما أُبيحَتْ من أَجْلِهِ الصَّهْبَاء!
قد تناهَى فيه ٱلفُجُورُ وأَضْحَى
والغوَاني عقولهن هواء
وسلبتمْ بِهِ عُقُولَ الغواني
مِنْهُ يَبْكِي ويستغيثُ الحيَاء
فَقَضَيْتُمْ عَلَى العَفَافِ ووجهٌ
زال منه ٱلحياءُ زالَ المَاء
إِنما الطُّهْرُ لِلْنُّفُوسِ جَمَالٌ
فإذا ضَاعَ زَالَ عَنْهَا البَهَاء
سَهَّلَ المَالُ كلَّ غَيٍّ لديكُمْ
فَلَهَوْتُمْ بِهِ فَحُمَّ القَضَاء
إِنما المَالُ قُوَّةٌ فَتَنَتْكُمْ
فَضحِكْتُمْ وراحَ يَبْكِي ٱلوَفَاء
إِنَّهُ للنُّفُوسِ خَيْرُ ٱخْتِبَارٍ
فهو للناسِ رحمةٌ أو بَلَاء
حكمةُ ٱلمَالِ أَن يُبرَّ يَتِيمٌ
وَتُوَفَّى حُقُوقَهَا الْأَقْرِبَاء
وتُؤَدَّى للوالِدَيْنِ فُرُوضٌ
واجباتٌ بها يدومُ ٱلوَلَاء
وتَعُمَّ الْخَيْرَاتُ كلَّ فقيرٍ
دَهَمَتْهُ بِشَرِّها ٱلنكبَاء
إِن لِلمُحْسِنِينَ أَحْسَنَ ذِكْرَى
يَشْهَدُ ٱلدَّهْرُ أَنَهُمْ رُحَمَاء
خُلِقَ ٱلمالُ للفَضِيلةِ ذُخْرًا
وسلاحًا تَسْمُو به العَلْياء
فأَسَأْتُمْ فيه ٱلتَّصَرُّفَ حتَّى
نَفِدَ المَالُ ثُمَّ ماتَ ٱلرَّجَاء
ذَهَب المال حين كُنْتُمْ سَكَارَى
وَصَحَوْتُمْ وقد عَفَا الإِغْوَاءُ
قد رَفَعْتُمْ عن الحياءِ قِنَاعًا
وغفوتُمْ حتى ٱختفى ذا ٱلغِطَاء
أَيُّها الْجَاحِدُونَ فَضْلَ إِلهٍ
شَمَلَتْكُمْ من حِلْمِهِ النَّعْمَاء
كيف يَعْصِي ٱلضَّعِيفُ أَمر قَوِيٍّ
قاهرٍ عادلٍ لَهُ مَا يَشَاء؟
كَمْ أَبَاحَتْ نُفُوسُكُمْ لَكُمُ الشَّـ
رَّ وكيف ٱسْتُطِيرَ هذا البلاء
أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ المُهَيْمِنِ عهدًا
أَمْ نَسِيتُمْ مَنْ عنده السَّرَّاء؟
أَمْ جَهِلْتُمْ بأنكم من تُرَابٍ
قاصراتٌ أحلامكم أَغْبِياء
خَدَعَتْكُمْ بِسِحْرِهَا أُمُّ دِفْرٍ
جَرَّعَتْكُمْ سُمُومَها الرَّقْطَاء
وٱستمالت عقولكم فَجُنِنْتُمْ
خاتَلَتْكُمْ مَنْ طَبْعُهَا الإِغواء
إِنَّ فيها من الفَوَاتِنِ طَيْفًا
منذ جاءت لآدم الأسماء
فهي مجبولةٌ على الغَدْرِ لا تحفظُ
عهدًا وليس فيها وفاء
كلُّ دَمْعٍ منها يسيلُ عليها
وَتَوَلَّى إذ تصعد الحَوْباء
دائمًا تَسْتَرِدُّ ما تَهَبُ الدنـ
ـيا كأنْ كان خُدْعةً ذَا العَطاء
وعجيبٌ أُمٌّ بغير حَلِيلٍ
عَشِقَتْهَا أبناؤها التُّعَساء
وَلَدَتْهُمْ وَمَتَّعَتْهُمْ قليلًا
ثم أَرْغَتْ كأنهم أعداء
فَطَوَتْهُمْ في جَوْفِهَا وٱطْمَأَنَّتْ
خَشْيَةَ العارِ أن يُقَالَ بِغَاء
•••
أَيُّها النَّاسُ باطِلٌ كلُّ شيءٍ
زَيَّنَتْهُ بِكَيْدِها الْهَيْفَاء!
فالجمالُ الذي سَبَاكُمْ خيالٌ
زائلٌ فوقه يَحُومُ الفَناء
كلُّ بَيْتٍ يَبْلَى على الدهرِ ما عَمَّـ
ـرَ مهما تَفَنَّنَ البَنَّاء
ونعيمُ الدنيا الذي نالَ منكم
ما تَقَضَّى حتى تَلَاهُ العَناء
تعب الناصِحُونَ طَوْعًا وكَرْهًا
وملالًا أًعْيَ الطبيب الدواء
لو نظرتم إلى الحقيقةِ يومًا
ما سًهًوْتُمْ حت ٱدْلَهَمَّ البلاءُ
خُلِقَ النَّاسُ للبقاءِ وَجَهْلٌ
بعد هذي الحياةِ يَفْنَى البقاء
سِنَةٌ كلُّهَا الحياة وصَحْوٌ
فارَقَ الْعَيْنَ بَعْدَهُ الإغفاء
أَرْجَعَ السَّمْعَ للأَصَمِّ وصارت
تُحْسِنُ النُّطْقَ أَلْسُنٌ خرساء
وأعاد الضِّيَاءَ للعينِ حَتَّى
أَبْصَرَتْ منه أَعْيُنٌ عَمْياء
ثُمَّ رَدَّ المَسْلُوبَ من كلِّ جِسْمٍ
عَذَّبَتْهُ الأمراضُ والأدواء
إِنَّما عَيْشُكُمْ مَنَامٌ قصيرٌ
فيه تَشْقَى وَتَسْعَدُ الأحياء
وكذا العمرُ والسنونَ خيالٌ
تَتَهَادَى كما يمرُّ الهواء
تتراءَى لكم طِوَالًا ولكن
لو عَقِلْتُمْ لَزَالَ هذا الْخَفاء
ينقضي العمرُ بين عُسْرٍ ويُسْرٍ
حُلْوُهُ المُرُّ والهناءُ الشَّقاء!
كلُّ مَنْ أَطْلَقَ البَصِيرَةَ بَحْثًا
يَتَسَاوَى سُرُورُهُ والبُكاء
فاسألوا مَنْ قَضَى ثمانينَ عامًا
كيف مرَّتْ وكيف زال الرُّوَاء؟
لستُ أَدْرِي كَيْفَ ٱنْقَضَى وكأني
في مَنَامٍ أحلامُهُ فَزْعاء
كنتُ بالأمسِ لَاهِيًا بالتَّصَابي
لا أُبالي مهما أحاط الشقاء
فَفَقَدْتَ الشبابَ حين دَعاني
شَيْبُ رأسي والِّلحْيَةُ البيضاء
إنما اللحظةُ التي أنا فيها
هي عَيْشِي وليكْفِنِي ذَا العَزَاء
•••
ما الحياةُ الدنيا سِوَى دَارِ لَهْوٍ
تَتَقَضَّى مَتَى تَوَارَى الضِّياء
أو كسوقٍ قد هُدِّدَتْ بانْفِضَاضٍ
سوف يَنْفَضُّ بَيْعُهَا وَالشِّرَاء
رابحاتٌ قُوَى الفَطَانَةِ فيها
خاسراتٌ من جَهْلِهَا الأغبياء
يُنْقَلُ الناسُ من حياةٍ لِأُخْرَى
قَدْرَ أعمالِهِم يكونُ الجزاء
تلك دارٌ تدومُ فيها حياةٌ
حيثُ في هذه الْبِلَى وَالتَّوَاء
خُلِقَ الموتُ بين دارٍ ودارٍ
ضُجْعَةً بعدها يكونُ الثَّوَاءُ
فهو بابٌ يجتازه كلُّ حَيٍّ
وهو كأسٌ فيه البرايا سَوَاء
أَيُّها النَّاسُ إن هذي لَذِكْرَى
وعِظَاتٌ جاءت بها الأنبياء
أَتُرِيدُونَ بعد هذا بَلَاغًا
فَصَّلَتْهُ الشرائعُ السَّمْحاء
أَيْنَ مَنْ عَمَّرُوا وَشَادُوا وسَادُوا
أين عُمْرَانُهُمْ وأين البِناءُ
أين من زَيَّنُوا العُرُوشَ جمالًا
أين تِيجَانُهُمْ وأين البَهاء
أين من عَزَّ مُلْكُهُمْ وَتَسَامَى
أين سُلْطَانُهُمْ وأين العَلاء
أين من كافحوا المَصَاعِبَ حَتَّى
ذَلَّلُوهَا وأين ذاك الدَّهاء
أين من دَمَّروا الْحُصونَ بِبَأْسٍ
من حديدٍ وأين تلك الدِّماء
أين من سَابَقُوا الرِّياحَ بِخَيْلٍ
صَافِنَاتٍ تَهَابُهَا الْهَيْجاء
أين من جالَدُوا الزَّمانَ بِصَبْرٍ
أين من صَاوَلَتْهُمُ النَّكباء
أين من شَيَّدُوا الهياكِلَ حُبًّا
وٱحترامًا لها فَعَزَّ البِناء
أين من هَدَّمُوا المَعَابِدَ ظُلْمًا
وعُتُوًّا وأين من قد أساءُوا
أين من خَرَّبُوا المَدَائِنَ جَبَّا
رينَ بل أين تِلْكُمُ الأشلاء
أين من جاهدوا وماتوا كِرَامًا
أين إِقْدَامُهُمْ وأين المَضَاء
أين من كان هَمُّهُمْ جَمْعُ مَالٍ
أين أموالُهم وأين الثَّرَاء
أين من أصلحوا فأحيَوْا نفوسًا
أَوْشَكَتْ تَسْتَمِيلُهَا الأهواء
أين من أوقفوا الحياةَ لِنُصْحٍ
أين إيمانُهم وأين النِّداءُ
أين من حاربوا النفوسَ بِزُهْدٍ
أين تَقْوَاهُم وأين الوَفاء
أين من أُرْسِلُوا لِجَمْعِ شُعوبٍ
مَزَّقَتْهَا الأديانُ والْخُلَطَاء
لم يَضِرْهُمْ مُرُّ الأذَى وبِصَبْرٍ
وَاصَلُوا الْهَدْيَ، نِعْمَتِ الأنبياء!
رَفَعَ الله ثَمَّ إِدريسَ حَيًّا
حيث أَضْحَتْ مكَانَهُ ٱلْعَلْياء
نوح
أين شيخُ الطُّوفَانِ مِنْ بَعْدِ يأْسٍ
صَنَعَ الفُلْكَ حِينَ حَلَّ البَلَاءُ
أَنْقذته وأهلَهُ وهي تَجْرِي
بين موجٍ جبالُهُ الدَّأْمَاء
بَرَكَاتُ الإِلۤه يا نوحَ حَلَّتْ
قُضِيَ الأمر أَقْلِعِي يا سَمَاء
هَدَأَ ٱلرَّوْعُ بَعْدَ أَن قيلَ بُعْدًا
ونجا ٱلرَّكْبُ حين غِيضَ ٱلماء
أَيْنَ هُودٌ وَقَدْ دَعَا قَوْمَ عَادٍ
فَعَصَوْهُ فَحَلَّ فيهم وباء
وثمودُ الذين قَدْ أَخَذَتْهُمْ
صَيْحَةُ القَهْرِ وِفْقَ ما قد أَسَاءُوا
ناقةُ الله أَنكروها وَظُلْمًا
عَقَرُوهَا فَحَقَّتْ النَّكْبَاء
إبراهيم
أَيْنَ مَنْ حَطَّمَ ٱلْهَيَاكِلَ حَتَّى
فَارَقَتْهَا أَصْنَامُهَا الصَّمَّاء
أَوْقَدُوا ٱلنَّارَ فٱستحَالَتْ هَبَاءً
ومحالٌ تَذُوقُهَا الأَنْبِيَاء
إِنَّما النَّارُ للعُصَاةِ عَذَابٌ
وهي للمُشْرِكِينَ بِئْسَ ٱلْجَزَاء
نارُ كُوني على خَلِيليَ بَرْدًا
وسلامًا وفي السَّلَام ٱلوِقَاء
وأرادوا كيدًا فزادُوا خَسَارًا
حيثُ شاءَ ٱلقَدِيرُ بالْخِزْيِ بَاءُوا
•••
يا أَبَا ٱلْخَلْقِ وٱلرِّسالةُ وَحْيٌ
وَيَقِينٌ وَمِلَّةٌ وٱبْتِلَاء
أَنْتَ خَلَّقْتَ ثَمَّ آلِهَة القَوْ
مِ جُذَاذًا وهم لَدَيْكَ سَوَاء
بعد أَنْ سِيلَ كلُّهم هَلْ يُرَجُّو
نَ طعامًا وهل يُجيبُ ٱلفَضَاء
وَرَمَيْتَ الكبيرَ مِنْهُمْ بِجُرْمٍ
هو فينا المَحَجَةُ البَيْضَاء
ثم أوقَفْتَهُمْ لديه حيارى
يَتَمَارَوْنَ، حين ضَلَّ ٱلمِرَاء
يَوْمَ لم تَخْشَ غَيْرَ رَبِّكَ قهَّا
رًا ولم يَنْتَقِصْكَ طينٌ ومَاء
بل تَقَدَّمْتَ وٱلنَّوَاظِرُ حَسْرَى
وَرَفَعْتَ التَّوْحِيدَ وهو اللِّوَاءُ
ثم لم تَعْتَصِم بأَجْنِحَةِ الرُّوحِ
وَللطَّيْرِ في ٱلجحيم ٱنْطِوَاء
فتأَبَّيْتَ عن سِوَى ٱلله غوْثًا
يا رسولًا يرادَ مِنْه شِوَاء
وبها كنتَ أُمَّةً قانِتًا للَّـ
ـه وٱلله في يديه ٱلعَطَاء
واهبُ الشيخِ بَعْدَ ضَعْفٍ وَبأْس
فَلَذَاتٍ نَعِمَّت ٱلأَبْنَاء
ثم لما أُرِيتَ مِنْهُمْ ذَبِيحًا
قُمْتَ لله ثُمَّ سِيقَ الفِدَاء
يعقوب
أين مَنْ وَاصَلَ البُكاءَ حزينًا
فَتَوَارَى عن مُقْلَتَيْهِ الضِّيَاءُ
يوم جاءُوهُ بالْقَمِيصِ عِشَاءً
وعليه للإفْكِ تجري دِماء
وٱدَّعُوا كاذِبِينَ أَنَّ أخاهم
خانَهُ الذِّئْبُ وٱعتراهم بُكاء
قال بل سَوَّلَتْ نفوسكم الْكَيْـ
دَ فَصَبْرٌ ورحمةٌ ورجاء
كَظَمَ الغَيْظَ بالتَّصَبُّرِ دَهرًا
وإلى الله حَقَّ مِنْه الْتِجاء
ودَعا اللهَ وَالِهًا مُسْتَغِيثًا
خاشِعًا قانِتًا فحلَّ الرِّضاء
يا أبا الغائبِ العزيزِ سلامٌ
بعد طُولِ الفِرَاقِ آنَ اللِّقاء
حين رَدُّوا قميصَ يوسُفَ فارْتَـ
ـدَّ بَصِيرًا وزال عنه العَناء
يوسف
وَٱبْنُ يعقوبَ إِذْ أَرَأَى الشمسَ والبَدْ
رَ مَنَامًا وللرُّؤَى فْياءُ
وبمرآهما رَأَى أَحَدَ الْعَشْـ
ر وَمَجْلَاهُ كوكب لَأْلَاء
سُجَّدًا كلُّهم له وهو عَبْدٌ
ذُبِحَتْ عنه سَخْلَةٌ عجفاء
وتَجَلَّتْ كأنها فَلَقُ الصُّبْـ
حِ لِسِبْطِ الذَّبِيحِ فيها رجاء
وَنَهَاهُ عن الإباحةِ بالسِّرِّ
وفي الصُّبْحِ لِلدُّجَى إفشاءُ
هكذا يَجْتَبيكَ رَبُّكَ بالتَّأْ
وِيلِ واللهُ فَاعِلٌ ما يشاء
وَرَأَوْهُ أَحَبَّ منهم إليه
فَأَسَرُّوا كَيْدًا وضاع الإخاء
وَرَأَوْا قَتْلَهُ فقال أخوهُ
إنما القتلُ سُبَّةٌ شَنْعاء
قال أَلْقُوهُ في غَيَابَةِ هذا الْجُـ
بِّ حَتَّى يُقْصِيهِ عنه الدِّلَاء
وإذا بِيعَ مرَتَيْنِ نَبِيٌّ
ورسولٌ كَفَى الْأُبَاةَ الإباء
كلُّ ضَرَّاءَ تَرْجُفُ النفسُ منها
هي بالصبرِ والتُّقَى سَرَّاء!
يا صَبِيًّا رَأَى الكواكبَ في النَّوْ
مِ سجودًا يَشِعُّ منها الضِّيَاء
حكمةُ الله في القضاءِ فأَكْرِمْ
بصَبُورٍ تحوطُهُ الأرْزَاء
إِنَّ زَوْجَ ٱلعزيزِ أَوسعُ عُذْرًا
فيكَ والنفسُ صَرْصَرٌ هَوْجَاء
إِذْ رأت مشهد ٱلنبوَّةِ نورًا
زانه منكَ مظهرٌ وَضَّا
وعزيزٌ على القلوبِ التَّجَنِّي
هل عن الْحُسنِ تَذْهَلُ الْحَسْنَاء
غير أن الحياءَ أدنى إلى الإِفْـ
كِ وهذا لتُسْتَرَ الفَحْشَاء
حينَ هَامَتْ وحين هَمَّتْ رَأَيْنَا
كَ وفيًّا ودُونَكَ الأَوْفِيَاء
نفسُهَا سَوَّلَتْ وأسْبَاطُنا أَنْـ
ـفُسُهُمْ سوَّلَتْ وَهَذَا بلَاء
وكفى نِسْوَةَ المدينةِ عُذْرًا
في خِضَابٍ تسيل منه الدِّمَاء
•••
حَسَمُوا فِتْنَةَ ٱلجَمَالِ بِسِجنٍ
ضَمَّ مَنْ كُلُّ أَهْلِهِ أَنْبِيَاء
بِيع بَيْعَ الرَّقيق مِنْ بَعْدِ رُؤْيَا
وإلى السِّجْنِ سيقَ وهو بَرَاء
وبرؤيا النديم صادف عَهْدًا
بدأ الوعظُ فيه والإلقاء
قال ما تَعْبُدُونَ إلا خَيَالًا
قَلَّدَتْهُ وشَاحَهَا الأَسْمَاء
وبرؤيا العزيزِ حطَّمَ أصفا
د البلَايا فزالت اللَّأْواء
وَدَعَوْهُ وللبريءِ احتِكامٌ
واحتجاجٌ وهكذا البُرآءُ
قال ما بالُهُنَّ قطَّعن أيديهـ
نَّ من قبلُ أيها الوُزَرَاء؟
قالت الآن حصحص الحقُّ إِني
أنا راودته وقُدَّ الرداء!
ليسَ لي أنْ أخُونَ بالغَيْبِ عَهْدًا
ثورةُ النَّفْسِ في ابْنِ آدمَ دَاء
هي نَفْسي وَمَا أُبُرِّيءُ نَفْسي
إِنما النفسُ لومُها إِغْرَاء!
فتلقوه طاهر اليَدِ والذَّيْـ
لِ ولاحت بأُفقِهِ الْجَوْزَاء
وأَحَلَّتْهُ عند ذي العرش حَقًّا
مَقْعَدَ الصَّدْقِ نَفْسُهُ العَصْمَاء
واجتباهُ لنفسه وَخَليقٌ
بابن يعقوبَ عِنْدَهَا الإجتِبَاء
هكذا يُصْهَرُ النُّضَارُ لِيَصْفُو
والبلايا يَتِمُّ فيها الصَّفَاء
أيوب
أيْنَ مَنْ قَاوَمَ البَلَاءَ بِصَبْرٍ
وَثَباتٍ ولم يُفِدْهُ الدَّوَاء
مسَّهُ الضُّرُّ وانبرى الدَّاءُ يَفْري
جِسْمَ طَوْدٍ فانهارَ هذا البنَاء
صَيَّرَتْهُ يد النُّحُولِ خَيَالًا
وتعدَّى على الصَّبُورِ البَلَاء
إِيه أَيَّوبَ قد بَرَتْكَ سِقَامٌ
كاد يدعوك لو جَزِعْتَ الثَّوَاء
كلَّما ازْدَادَ كَرْبُهُ زَادَ صَبْرًا
هَزَمَ الدَّاءَ حَمْدُهُ والثَّنَاء
كَشَفَ الله ضرَّه حين عادَتْ
لرميمِ العظام تَجْرِي الدِّمَاء
شعيب
أَيْنَ مَنْ قال أهل مَدْيَنَ أَوْفَوا
واتَّقُوا الله مَنْ لَهُ مَا يَشَاء
فَتَوَلَّوْا عنه وقالوا ضعيفٌ
أنتَ فينا وهُمْ هُمُ الضُّعَفَاء
وأَصَرُّوا على العِنادِ عُتُوًّا
ونُفورًا ولم يُفِدْهُمْ دَوَاء
وأهانوا شُعَيْبَ بِئْسَتْ نفوسٌ
قادها الكُفْرُ والعَمَى والرَّياء
فاستحقُّوا العذابَ لمَّا تَعَالَوْا
كِبْرِيَاءً وحلَّ فيهم شقاءُ
موسى
أَيْنَ موسى مَنْ جاءَ فِرْعَوْنَ طِفْلًا
تَرْقُبُ النَّجْمَ عَيْنُهُ النَّجْلاءُ؟
أُودِعَ الْيَمَّ خَوْفَ بَطْشٍ عَدُوٍّ
وتَوَلَّى مَهْدَ الكليمِ الماء
أكْرَموهُ إذ قِيلَ قُرَّةُ عَيْنٍ
تَمَّ حَقًّا ما قَدَّرَتْهُ السماء
إن فرعونَ قد طَغَى وتَعَالَى
بِئْسَ عهدٌ أُبِيحَ فيه الدماء
آلُ فرعونَ عَذَّبُوا قَوْمَ موسى
فاستجارتْ رِجالُهم والنِّساء
ودَعَوْا رَبَّهُمْ فأرسل سَيْفًا
كان حِصْنًا عَزَّتْ به الأبرِياء
عَزَّ قَدْرًا في قصر فرعونَ حَتَّى
إذ بدا الرُّشْدُ دَبَّتْ البَغضاء
ثم لما آتاه حُكْمًا وعِلْمًا
وٱسْتَوَى حين فاضت الآلاء
بات في مِصْرَ للمليك ظَهِيرًا
وتوارتْ أمامه الأقوِياء
وأتى القَوْمَ يَرْقُبُ الأمْنَ فيهم
فالْتَقَتْهُ الجناية النَّكْراء
فَدَعَا رَبَّهُ فأَوْلَاهُ عَفْوًا
نِعْمَةً منه وٱسْتُجِيبَ الدعاء
جاءَهُ مُؤْمِنُ المدينةِ يسعى
حَذَرَ الموتِ هكذا النُّصَحاء
فَرَّ يعدو تِلْقَاءَ مَدْيَنَ خَوْفًا
خَشْيَةَ الغَدْرِ يوم تَمَّ العَدَاء
وعلى مَائِهِ تَزَاحَمَ قوْمٌ
وعن الْوِرْدِ أُبْعِدَ الضُّعفاء
ما لِبِنْتَيْ شُعَيْبَ عنه تَذُودَا
نِ انكسارًا إذ هَزَّ موسى الوفاء
في مَضَاءٍ كَعَزْمَةِ اللَّيْثِ وَفَّى
وسَقَى وَٱتَّقَى وَحُقَّ الثناء
ودعاهُ شُعَيْبُ يَجْزِيهِ أجرًا
وهو من مَوْقِفِ الأجيرِ بَرَاء
فالْتَقَى عندها نَبِيَّانِ شَيْخٌ
وفَتِيٌّ فَنِعْمَ هذا اللِّقاء
هذه (صَفْوَةُ) العزيزةُ فاهْنَأْ
زانها الطُّهْرُ والوفا والحياء
بعد عشرٍ سَعَى فآنَسَ نارًا
مَا رآها حَتَّى تَعَالَى النِّداء
إخلع النَّعْلَ وَٱسْتَمِعْ ما يُوحَى
وَتَجَلَّدْ لا تَضْطَرِبْ يا هَوَاء
جانِبَ الطُّورِ كلَّم الله موسى
وَٱجْتَبَاهُ وفاضتِ النَّعْماءُ
قال أَلْقِ الْعَصَا فأَدْبَرَ خَوْفًا
قِيلَ خُذْهَا تَجِدْ بها ما تشاء
وَتَبَدَّتْ بيضاءَ من غيرِ سُوءٍ
يَدُ موسى وَأَيَّدَتْهُ السماء
آلَ فرعونَ قد أتاكم رسولٌ
فأطيعوه أو يَحِيقَ البلاء
قال فرعونُ إِنَّ هذا لَسِحْرٌ
ثم طارت بالساحر الأنباء
حين أَلْقَى عَصَاهُ خَرُّوا جميعًا
سُجَّدًا وٱعتَلَتْ ضُحَاهَا ذُكاء
شَهِدَ الكلُّ أَنَّ موسى رسولٌ
وَتَوَلَّتْ فِرْعَوْنَهُمْ كِبْرِيَاء
فَتَمَادَى وَجُنْدَهُ في ضلالٍ
وَغَوَتْهُمْ بِطَيْشِهَا الْخُيَلاء
أدرك البحرَ قبل أن يُدْرِكُوهُ
وَهَوَى بالْعَصَا فَشُقَّ الماء
وَٱقْتَفَاهُ فرعونُ وَالْجُنْدُ سَعْيًا
كان قبرًا لهم وتَمَّ الجزاء
قارون
إِنَّ قارونَ كان من قَوْمِ موسى
غَرَّهُ الْجَاهُ والمُنَى وَالثَّرَاء!
أَيَنَ ما حازَ من كُنوزٍ ومالٍ
خَبَّأَتْهَا في جَوْفِهَا الجرداء؟
كلُّ من يَفْتَرِي ينالُ جزاءً
وَيْحَ قارونَ هَدَّهُ الٱفْتِرَاء
دَبَّرَتْ نَفْسُهُ الخبيثةُ كَيْدًا
وعلى الحقِّ لا يفوزُ المِرَاء
وَٱعْتَدَى ظالمًا غويًّا كذوبًا
وَٱسْتَفَزَّتْ عُتُوَّهُ كِبْرِيَاء
فَرَمَاهُ القضاءُ منه بِخَسْفٍ
عِبْرَةً للذينَ عاثوا وَرَاءُوا
طالوت وجالوت
أَيْنَ جَالُوتُ مَنْ تَعَاظَمَ بَأْسًا
أَرْضَعَتْهُ لِبَانَهَا الْهَيْجاء
أَوْقَدَ النارَ ثم شَادَ حُصونًا
لجيوشٍ ضاقت بها الْبَيْدَاء
ما تَمَادَى جالوتُ في الظُّلْمِ حَتَّى
أَمَرَ اللهُ قَوْمَ موسى فجاءُوا
كان طالوتُ قد تَمَلَّكَ فيهم
وهو بَدْنٌ وكلُّهم ضُعَفَاء
قادَهُمْ مُرْغَمِينَ نحو الضَّوَاري
جَيْشُ جالوتَ صَخْرَةٌ صَمَّاء
أَظْلَمَ الجوُّ حين مَاجَتْ جيوشٌ
وَبَدَا الرُّعْبُ وَٱدْلَهَمَّ البلاءُ
صَالَ جالوتُ حين آنَسَ ضَعْفًا
وتمَشَّتْ في جَيْشِهِ الكِبْرِياء
أَذْهَلَ الخوفُ جيشَ أبناءِ إسرا
ئيلَ أو كاد فيه يخفى الهواء
صَاحَ طالوتُ بينهم لا تخافوا
كم ضعيفٍ دَانَتْ له الأقوِياء
وَٱنْبَرَى كالْحُسَامِ يطلبُ خَصْمًا
لا يُبَارِيهِ في الْوَفَى قُرَنَاء
رحمةُ الله أرسلتْ خلفَ طالو
تَ غُلَامًا قد عَزَّزَتْهُ السماء
كان هذا داودُ سابعَ رَهْطٍ
أينما حلَّ زالت النَّكْبَاء
رفع النصرَ حين صَالَ لِوَاءً
وكَسَاهُ ثَوْبَ الجلالِ الضّيَاء
لم يُرَوِّعْهُ بَأْسُ خَصْمٍ عَنِيدٍ
وجِيَادٌ مَاجَتْ بها الصَّحْرَاء
فَتَمَشَّى كاللَّيْثِ يطلبُ قُوتًا
ثم نَادَى جالوتَ آن الفَنَاء
ورماهُ فَخَرَّ يَهْوِي صَرِيعًا
وتَرَامَى على العَدُوِّ القضاء
سَبَّحَ اللهَ وهو يرمي حَصَاهُ
جَاوَبَتْهُ الْقِفَارُ والأرجاء
نَزَلَ الهَوْلُ واقْتَفَتْهُمْ جُنُودٌ
لم يَرَوْهَا وسالت الرُّحْضَاء
تَمَّ نصرُ الضَّعيفِ حينَ تَجَلَّتْ
قُوَّةُ الله واستقامَ البِنَاء
داود
أَيْنَ دَاوُدَ من أَنَابَ بِقَلْبٍ
خَشْيَةَ الله حَلَّ فيه الحيَاء
وأقام الصَّلاةَ خَمْسينَ عاما
لم يَشُبْ حُسْنَ صِدْقِهَا إِعْيَاء!
حَوْلَهُ أَوَّبَتْ جميعُ الرَّوَاسي
ثمَّ حَنَّتْ لصوتِهِ الشَّمْخَاء
وكذا الطيرُ جاوَبَتْهُ بِشَدوٍ
رَجَّعَتْ حُسْنَ شَدْوِهَا الأرْجَاء
وَأَلَنَّا لَهُ الحديدَ أن أعْمَلْ
سابغاتٍ هي الدُّروعُ رداء
سليمان
أَيْنَ من سُخَّرَتْ لَهُ الْجِنُّ والإِنْـ
ـسُ وَغَنَّتْ بِمُلكِهِ الْجَوْزَاءُ
يأْمُرُ الريح حَيْثُمَا شَاءَ تَجْرِي
مَلِكٌ صَدْرُ تَاجِهِ الزَّهْراء
زاده اللهُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ عِلْمًا
وتباهت بِمُلْكِهِ الشُّعَرَاء
وَرِثَ المُلْكَ عن أبيه وملكٌ
شاده الحمدُ طاب فيه الثناء
يا ابن دَاوُدَ قد ظَفِرْتَ بحُكْمٍ
كم تَمَنَّتْ مَنَالَهُ الأَكْفَاء
كنتَ في الأرْضِ خَيْرَ من حازَ مُلْكًا
يا سليمانُ تمَّ فيه العَطَاء
يونس
أَيْنَ ذُو النُّون إِذْ تَوَلَّاهُ كَرْبٌ
فامْتَطَى الْفُلْكَ حين طَابَ الهواء
وقف الفلكُ بَغْتَةً حين قالوا
أيها القَوْمُ سَاهِمُوا أو تُسَاؤُوا
قَدَّرَ اللهُ أن يونس يُجْزَى
لاختبارٍ وآن هذا الجزاء
فرموهُ في الْيَمِّ والْحوتُ يجري
سَاقَهُ الْوَحْيُ رحمةً والنِّدَاء
ظَلَّ في بَطْنِهِ يُسَبِّحُ حتى
أمر الله أن يَزُولَ العَنَاء
فَرَّجَ اللهُ كَرْبَ يونس عَدْلًا
وبهذا تَمَّ الرِّضَا والصَّفَاء
زكريا
أَيْنَ مَنْ قال لا تَذَرْنِي فَرْدًا
وَهَنَ الْعَظْمُ وَٱضْمَحَلَّ البِنَاء
يا سميعَ الدُّعاءِ هَبْ لِي وَلِيًّا
يَرِثُ النور كي يدوم الضِّيَاء
هَدِّيءِ الرَّوْعَ وَٱبْتَهِجْ زكريَّا
يا كَفِيلَ العذراءِ آن الوفاءُ
رحمةُ الله أكرمتك بِيَحْيَى
نَالَ حُكْمًا ما نَالَهُ أَبْناء
عيسى
ظلَّ حَيًّا مَنْ كلَّمَ الناسَ في المَهْـ
ـدِ وَطِفْلًا وَعَظَّمَتْهُ السماءُ
خيرُ رُوحٍ حَلَّتْ بِأَطْهَرِ أُمٍّ
شَهِدَ اللهُ أَنَّها عَذْرَاء
جاءها الْوَحْيُ فاستعاذتْ بِرَبِّ الـ
ـناسِ منه وَدَبَّ فيها الْحَيَاء
قال إِنِّي رسولُ رَبِّكِ حَقًّا
فاحْمِلِي النُّورَ نِعْمَ هذا العَطَاء
فتوارتْ به مكانًا قَصِيًّا
وأضاءت مِحْرَابَها الزَّهراء
وأتاها المَخَاضُ إِذْ تَتَنَاجَى
لَيْتَنِي مِتُّ أو دعاني الثَّوَاء
وَضَعَتْهُ وَالْجِذْعُ يحنو عليها
واستنارت بِوَضْعِها الأرجاء
إيهِ أُمِّي لا تحزَني وٱحْمِلِيني
سوف يبدو لِلْقَوْمِ هذا الضِّيَاء
فَأَتَتْ قَوْمَهَا به وهي خَجْلَى
فَرَمَوْهَا بأنَّ هذا بِغَاء
أُخْتَ هارونَ كيف تَرْضِينَ هذا
آلُ عِمْرَانَ كلُّهُمْ أَتْقِياء
إن هذا بَيْتُ العفافِ قديمًا
كنتِ نَذْرًا فكيف ضاع الوفاء
فأشارت إليه فاهتزَّ عيسى
وتَجَلَّى على المَسِيحِ الإِباء!
بُوغِتَ القومُ إذ تكلَّمَ في المَهْـ
ـدِ صَبِيًّا وَخَيَّمَ الإصغاء
قال إِنِّي عَبْدٌ لِرَبِّ البرايا
أَرْسَلَتْنِي بالْبَيِّنَاتِ السماء
حَمَلَتْنِي أُمِّي كما شاءَ رَبِّي
فهي أُمٌّ ما شَابَهَتْهَا نِسَاء
أَحْسَنَ اللهُ نَبْتَها وٱجْتَبَاهَا
وحَبَاهَا الرِّضَا فَنِعْمَ العطاء
وٱصْطَفَاها على النِّساءِ جميعًا
آيةُ الطُّهْرِ دُرَّةٌ عَصْماء
آمَنَ الكلُّ بابنِ مَرْيَمَ حَقًّا
أَمْطَرَتْهُمْ في عَهْدِهِ الآلاء
كان يدعو إلى الصلاةِ وَجِيهًا
فَتَفَانَتْ في حُبِّهِ الأوفياء
منه جاءت بالخارِقات عِظَاتٌ
حَدَّثَتْنَا عن صِدْقِهَا الأنباءُ
طَالَمَا أَبْرَأَ المسيحُ وأَحْيَا
حكمةُ الله نالَهَا مَنْ يشاء
سألوه أَنْزِلْ علينا طعامًا
عَلِمَ الله ما أَصَرُّوا وشاءوا
قال عيسى: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ علينا
ما أرادوا حتى يَتِمَّ الوَفاء
فَرِحَ القومُ حين قال بَشِيرٌ
إيهِ يا قوم قد أُجِيبَ الدعاء
وتَوَالَى نزولُها في أَوَانٍ
كان عيدًا لهم وزال المِرَاء
ظَلَّ يدعو عيسى بنُ مريمَ فيهم
للهُدَى ناصِحًا فسادَ الوَلاء
بِئْسَ قَوْمٌ كَالُوا لعيسى عَدَاءً
عَلِمَ الله أنهم سُفَهاء
دَبَّرُوا للمسيحِ كَيْدًا وَدَوْمًا
يُحْبِطَ الله كَيْدَ مَنْ قد أساءوا
رَفَعَ الله رحمةً منه عيسى
أَكْرِمي الضَّيْفَ رَحِّبِي يا سماء
محمد صلى الله عليه وسلم
من كُنوزِ الْيَقِينِ بَدْرُ قُرَيْشٍ
(أحمدُ) المُصْطَفَى عليه الثناء
خاتَمُ المُرْسَلِينَ مَنْ بَشَّرَتْنَا
قبل مِيلَادِهِ به الأنبياء
أَرْسَلَتْهُ للعالمين سلامًا
رحمةُ الله وٱصطفاهُ العَلاء
ورُقِيًّا أَسْرَى به الحقُّ لَيْلًا
فأَعَزَّتْ من شَأْنِهِ الإسراء
وبفضلِ الإلٰهِ أحرز مجدًا
لم تَحُزْ بعضَ قَدْرِهِ الأكْفَاء
وتدانَتْ له الصِّعابُ وأَضْحَى
يتسامى إلى السماءِ البِناء
وأنار القلوبَ بالْهَدْيِ حتى
عَمَّ نورُ الهُدَى وسادَ الضِّياء
وأقام الدِّينَ الحنيفَ بِسَيْفٍ
كُتِبَ النصرُ فوقه والمَضَاء
وأَعَزَّ الإسلامَ رغم أُنُوفٍ
خَيَّمَ الكُفْرُ حَوْلَهَا والعَداء
رَدَّ كَيْدَ العَدُوِّ شرقًا وغربًا
بجيوشٍ رجالُها أَوْفِياء
عَزَّزَتْهُمْ من السماءِ جنودٌ
لا يُبَالونَ بالْوَغَى أقوِياء
طاردوا المشركين من كلِّ صَوْبٍ
فَتَفَشَّى في الكافرين الفَنَاءُ
وَعَدَ المؤمنين جَنَّاتِ عَدْنٍ
فَتَمَنَّوْا لو أَنَّهم شُهداء
جاهدوا طائعينَ أَمْرَ نَبِيٍّ
كم تفانت في حُبِّهِ أَتْقِياء
شَرَّفَ اللهُ قَدْرَهُ وٱجتباهُ
فأضاءت بِنُورِهِ العَلْياء
جعل الله نورَهُ بَدْءَ خَلْقٍ
وعلى نورِهِ سَعَى الْحُنَفاء
رفع الله ذِكْرَهُ وٱصطفاهُ
وحَبَاهُ من الكريمِ العطاء
جاءَهُ الْوَحْيُ بالرِّسالةِ لمَّا
تَمَّ مِيقَاتُهَا وحانَ الوَفاء
كان للناسِ هاديًا وبشيرًا
ونذيرًا لِمَنْ عَصَوْهُ فباءُوا
كان في الأرضِ والسمواتِ عِيدًا
يوم ميلاده وعَمَّ النِّداء
كَبِّرِي يا بُدُورُ من كلِّ بُرْجٍ
وٱملئي الأرضَ رحمةً يا سماء
ها هو النورُ يا شُمُوسُ تَجَلَّى
فانظروا كيف تَسْطَعُ الأضواء
سَيِّدُ العالمينَ خيرُ بَشِيرٍ
قد أَقَرَّتْ بِبَعْثِهِ الأنبياء
كوكبُ الفاتحينَ أَشْرَفُ بَدْرٍ
صافحتْ سَيْفَ نَصْرِهِ الْجَوْزاء
أول الخَلْقِ رُتْبَةً ومقامًا
خاتَمُ الرُّسْلِ نورُها الْوَضَّاء
شَرَفٌ عَزَّ أن يُنَالَ ومجدٌ
وٱقْتِدَارٌ وهَيْبَةٌ ومَضاء
هِمَّةٌ جاوزت أقاصي الأماني
ووفاءٌ وحِكمةٌ وإباء
مُعْجِزاتٌ تَحَيَّرَ العقلُ فيها
لم تَنَلْ بُعْدَ شَأْوِهَا أَصْفِيَاء
خيرُ رُوحٍ حَلَّتْ بأشرفِ جِسْمٍ
لم يُعَادِلْهُ في الوجودِ نَقَاء
جَوْهرٌ خالِصٌ تَلَأْلَأَ نورًا
لم يُمَاثِلْهُ في السَّنَاءِ صَفَاء
رحمةٌ سَاقَهَا المُهَيْمِنُ للنَّا
سِ دَوَاءً فكان منه الشِّفَاء
أحمدُ المُجْتَبَى شفيعُ البرايا
يوم يَشْتَدُّ كَرْبُهَا والعَنَاء
جامِعُ الأنبياءِ تحت لِوَاءٍ
رَفَعَتْهُ يَمِينُهُ السَّمْحاء
قائدُ المُتَّقيِن نحو خُلودٍ
لم يُشَبَّهْ نَعِيمُهُ والهناءُ
صاحبُ الْحَوْضِ في فَسِيحَاتِ عَدْنٍ
يوم يَحْلُو وُرُودُهُ والسِّقَاء
أمرَ اللهُ أن تُصَلِّي عليه
سائرُ الكائناتِ والآلاء
ثم باتت فَرْضًا على كلِّ نَفْسٍ
تَتَنَاجَى بِذِكْرهَا الأوفياء
ياضِيَاءَ الأبصارِ يا بَدْرَ كَوْنٍ
أَبَدِىٍّ نُجُومُهُ الأنبياء
يا شِفَاءَ القلوبِ من كل دَاءٍ
يا طبِيبًا ما غابَ عنه الدواء
يا مُنِيرَ العقولِ ظُلْمَةِ الجهـ
لِ سلامٌ ورحمةٌ وولاء
يا رجاءَ العيونِ في كلِّ آنٍ
يا عظيمَ النُّهَى عليك الثناء
يا مُجِيرَ النفوسِ من كَرْبِ يومٍ
يُفْقِدُ الرُّشْدَ هَوْلُهُ والبلاء
يا سِرَاجَ الْهُدَى عليك صلاةٌ
وسلامٌ يَعُمُّ منهُ الرِّضاء
•••
كلُّ نَفْسٍ لاَ بُدَّ ذَائِقَةُ المَوْ
تِ يَقِينًا متى دعاها الفَناء
سُنَّةُ الله في جميعِ البرايا
وَنَفَاذٌ لما أراد القضاء
إنما الحَىُّ يا ٱبْنَ آدم فَرْدٌ
لم يُنَازِعْهُ ما قَضَى شُرَكاء
وَاحِدٌ لم يَلِدْ قَوِىٌّ عزيزٌ
نَافِذُ الأمرِ صانِعٌ ما يشاء
عالِمُ الْغَيْبِ لم يُمَاثِلْهُ شيءٌ
وله وَحْدَهُ العُلَا والبقاء
•••
أيها الناسُ خالِفُوا طَيْشَ نَفْسٍ
صَرَفَتْهَا عن الْهُدَى الأهواء
واتركوا الَّلهْوَ ما استطعتم فَعَارٌ
أن تولى في غَيِّهَا الْحَوْباء
واعملوا الطَّيِّبَاتِ ما لاحَ فجرٌ
إنَّ لِلطَّيِّبَات نِعْمَ الجزاء
واصنعوا الخيرَ للحياتَيْنِ حتى
تَأْمَنَ النفسُ إِنْ تَدَانَى القضاء
واستعينوا بالصبرِ في كلِّ خَطْبٍ
فهو للنفسِ والفؤادِ الدواء
أَنْفِقُوا المالَ في المَبَرَّاتِ حتى
لم يُهَدِّدْهُ بالنَّفادِ الفَناءُ
واطلبوا الرِّزْقَ طَيِّبًا وحلالًا
فإذا طَابَ عَزَّ منه البِناء
وأقيموا الصلاةَ لِلهِ فَرْضًا
فهي للقلبِ واليقينِ الضِّياء
وهي تَهْدِي إلى العفافِ وتَنْهَى
كلَّ نَفْسٍ طَاشَتْ بها الفَحْشاء
وأقيموا المِيزانَ بالْقِسْطِ حتى
لا يقولَ الكِرامُ ضاع الوفاء
واجعلوا الْبِرَّ والزكاةَ شَفِيعًا
يوم تَجْرِى بالمَوْقِفِ الرُّحَضاء
وأَتِمُّوا شهرَ الصيامِ قِيَامًا
إنَّ قرآنَ فجرِهِ لَأْلَاء
وأقيموا مَنَاسِكَ الْحَجِّ سَعْيًا
حول بَيْتٍ عِمَادُهُ العَلْياء
حَرَمٌ طاهرٌ ورُكْنٌ شريفٌ
وَحَطِيمٌ وكعبةٌ ولِوَاء
وَٱتَّقُوا اللهَ في الضَّعِيفَيْنِ عطفًا
وحنانًا نِعِمَّتِ الرُّحَمَاء
وَأَغِيثُوا المَلْهُوفَ جودًا وحلمًا
وَٱطْمَئِنُّوا فلا يَضِيعُ الجزاء
وَاكظِمُوا الغَيْظَ واصْفَحُوا عن مُسِيءٍ
واذكروا عَدْلَ مَنْ له الكِبْرِياء
وأطيعوا أوامرَ الله حُبًّا
وَٱتَّقُوا يوم لا يُفِيدُ الفِداء
واحذروا الشِّرْكَ فالمُهَيْمِنُ فَرْدٌ
لا شَبِيهٌ له ولا شُرَكاء
قادِرٌ قاهرٌ سميعٌ بصيرٌ
خالقُ الخَلْقِ فاعِلٌ ما يشاء
واقْصِرُوا في الْخُطَا وسيروا الْهُوَيْنَا
فمع العَدْوِ تَعْثُرُ الشَّهْباء
واغْضُضُوا الطَّرْفَ فالعيونُ شُهودٌ
واكبحوا النفسَ فالكمالُ الْحَيَاء
واجعلوا حِلْيَةَ التَّوَاضُعِ تاجًا
واحذروا أن تَغُرَّكُمْ كِبْرِياء
وازرعوا اليوم تحصدوا بعد حينٍ
وَٱبْتَنُوا حيث لا يزولُ البِنَاء!
وصِلُوا العهدَ بالوَفاءِ دَوَامًا
فمن الظلمِ أن يموتَ الوَفاء
واجعلوا العدلَ إنْ حكَمْتُمْ شِعَارًا
وانصروا الحقَّ يستحقَّ الثناء
واذكروا الموتَ بين آنٍ وآنٍ
فهو وِرْدٌ تجتازُهُ الأحياء
أين كنتم يُدْرِكْكُمُ الموتُ حَتَّى
لو حَوَتْكُمْ في بُرْجِهَا الْجَوْزاءُ
سَارِعُوا لِلْهُدَى وَعِفُّوا وَتُوبُوا
وَٱهْدِمُوا إِفْكَ ما ٱدَّعَى الأدعياء
وَٱتَّقُوا النَّارَدار كلِّ أَثِيمٍ
فهي مَثْوَى مَنْ أَنْكَرَتْ حَوَّاء
يوم يُدْعَى: هل امتلأْتِ؟ وتدعو
بزفيرٍ: إلَيَّ يا أَشْقِيَاء!
وَٱدْرَأُوا النفسَ عن سُمومِ الأفاعي
فَهَوَى النفسِ حَيَّةٌ رَقْطَاء
بَادِرُوا بالسُّجودِ لِلهِ شُكْرًا
وأطيعوهُ فالنعيمُ الجزاء
•••
أَيُّها الناسُ لا تُعِيرُوا ٱسْتِماعًا
لِهُرَاءٍ مما ٱدَّعَى الأغْبِيَاء
وٱضْرِبوا الأرضَ بالْخُرافاتِ وٱمْشُوا
مُطْمَئِنِّينَ حيث شاءَ القضاء
وٱسْتَعِيذوا بالله من شَرِّ غَاوٍ
وَمُضِلٍّ قد أنذرته السماء
قد عَصَى الله في السُّجودِ فَصُبَّتْ
لَعْنَةُ الله فوقه والبلاء
قال رَبِّ أَنْظِرْني حتى تُوَافى
من دَياجِي أجداثِهَا الأشلاء
يوم تجري الأجسادُ لِلْحَشْرِ حَيْرَى
وَيُنَادِي القضاءُ آنَ الوَفاء
إِبْقَ حتى مِيقَاتِ يومٍ عَبُوسٍ
قَمْطَرِيرٍ أَهْوَالُهُ صَعْقَاء
حارِبوهُ بالصالحاتِ وَأَدُّوا
كلَّ فَرْضٍ يدعو إليه العَلَاء
واتركوا الخمرَ فهي أكبرُ رِجْسٍ
زَيَّنَتْهُ جُنُودُهُ الأغْوِياء
سَهَّلَتْ للنفوسِ كلَّ المَعَاصِي
تحت إغرائها جَنَى الأشقياء
لَقَّبُوهَا أُمَّ الخبائث قِدْمًا
حيث مَالَتْ بالنفسِ زال الْحَيَاء
وادفعوا بالعفافِ كلَّ حرامٍ
بَيَّنَنْهُ الشريعةُ الغَرَّاء
وانشروا الْعِلْمَ والفضيلةَ حتى
تَتَوَارَى الرذيلةُ الحمقاء
واقطعوا دَابِرَ الفُجُورِ وَإِلَّا
تَتَمَشَّى مع الدَّمِ الفَحْشاء
وابذلوا النفسَ في صِيَانَة عِرْضٍ
كي يُوَارَى عَنِ العيونِ البغَاءُ
واجعلوا الصِّدْقَ والأمانة نورًا
فيه تمشون حين يَخْبُو الضِّياءُ
وامنعوا بالتُّقَى مَطَامِعَ نَفْسٍ
تَسْتَبِيهَا بمكرِها الأهواء
طَهِّرُوهَا من الذنوبِ عَسَاهَا
تُمْنَحُ الْعَفْوَ يوم تُطْوَى السماء
وَتَفَانَوْا في صُنْعِ كلِّ جميلٍ
إنما المَكْرُمَاتُ نِعْمَ العطاء
وَتَوَاصَوْا بالحقِّ وَٱسْعَوْا كِرامًا
واطلبوا الْعَفْوَ يَكْتَنِفْكُمْ رِضَاء
وَٱمْلَؤُا القلبَ رحمةً وحنانًا
وَيقَيِنًا إيمانُهُ لا يُرَاء
وَٱشْتَرُوا الْخُلْدَ باجْتِنَابِ الخطايا
صَحْوَةُ العَيْشِ لمحةٌ فالتَّوَاء
•••
يا ٱبْنَ حَوَّاءَ قد خُلِقْتَ ضعيفًا
فَإِلَامَ الْجَهَالَةُ الحمقاء؟
جِسْمُكَ الْغَضُّ هَيْكلٌ من تُرَابٍ
هَيْمَنَتْهُ عَلَى الثَّرَى الْخُيَلاء
سوف يَبْلَى مهما حَبَتْهُ الأماني
خاضِعَاتٍ وَمَاجَ منه الهواء
وَاثَقَتْهُ الْأُسُودُ بَرًّا وبحرًا
وَالْتَقَتْهُ المَوَانِعُ الشَّمَّاء
وَبَكَتْهُ العيونُ شرقًا وغربًا
وَرَثَتْهُ الأئِمَّةُ الشُّعَرَاء
وَتَدَانَتْ له المطالبُ سَعْيًا
واستنارت حياتُهُ الرَّغْداء
وأتاحت له المَعَالِي كُنوزًا
لم تَهَبْهَا لغيرِهِ العَلْياء
وَأَعَدَّتْ له المَوَاهِبُ حُكْمًا
ما استطاعت بُلُوغَهُ الْحُكماء
وَتَمَشَّتْ له المَصَاعِبُ طَوْعًا
حين طارت بِمُلْكِهِ الأنباء
•••
يَنْعَمُ الْجِسْمُ بالحياةِ قليلًا
ثم يدعوهُ بعد ذاك الفَنَاء
فَيُلَبِّي نِدَاءَهُ وَتُوَلِّي
عنه تلك النَّضَارَةُ الْحَسْنَاء
وَيُوَارَى عن العيونِ وَيَبْلَى
وهشيمًا تَضُمُّهُ الْغَبْرَاءُ
إنما النفسُ للخلودِ فَحَسْبِي
يا ٱبْنَ حَوَّاءَ يوم يدنو القضاء
موقفٌ حاشِدٌ وَحَشْرٌ رهيبٌ
وقيامٌ أَهْوَالُهُ فَزْعاء
يَجْمَعُ الخَلْقَ كلَّ قاصٍ وَدَانٍ
منذ عاشت عَلَى الثَّرَى حَوَّاء
فَادَّرِعْ مَا يَقِيكَ هَوْلَ عذابٍ
وَٱدَّخِرْ مَا يَفِرُّ منه البَلاء
إِنَّ تَقْوَى الإِلۤه أكبرُ ذُخْرٍ
وهي كَنْزٌ لا يَعْتَرِيهَ الفَنَاء
•••
أَيُّها النَّاسُ هذه بَيِّنَاتٌ
وَعِظَاتٌ قامت لها الخُطُبُاء
أَوْقَفَ النفسَ وَالنَّفِيسَ عليها
عُلَماءٌ أَئِمَّةٌ أَنْبِيَاء
فخذوها مِلْءَ اليقينِ وَوَفُّوا
ما أُمِرْتُمْ به يَحِلَّ الرِّضاء
ها هو العقلُ رائدٌ فَذَرُوهُ
يَتَخَيَّرْ لِحَظِّكُمْ ما يشاء
إِنْ تكونوا مُصَدِّقِينَ فَأَمْنٌ
ونعيمٌ ورحمةٌ وهناء
أو تكونوا مُكَذِّبِينَ فَوَيْلٌ
وعذابٌ ونِقْمَةٌ وشقاء
فاسْلُكُوا ما حَلَا لكم من طريقٍ
خَيْرُهُ النُّورُ، شَرُّهُ الظَّلْمَاء
لا يرى الظالمون فيه سبيلًا
وَبِنُورِ الْهُدَى يَرَى الأتقياء
فاستقيموا وآمِنُوا وَأَطِيعُوا
يَهْدِكُمْ رَبِّكُمْ وَيَحْلُو الثناء
وَٱعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ تَنَالُوا
أَجْرَ إيمانِكُمْ وَتَرْضَى السماء
واذكروهُ وسَبِّحُوهُ كثيرًا
ما تَغَشَّى دُجًى وَلَاحَ ضِيَاء