غزل (١)
قفا نَبْك من ساجي اللواحظ أغيد
يصول بأسياف الجفون ولا يَدِي
غزال يناجيني بلفظٍ معرِّبٍ
ولكنه يسطو بلحظٍ مهنَّدِ
وقد روت عن لينه واعتداله
صحاحُ العوالي مسندًا بعد مسند
إذا قعدت أردافه قام عطفُه
فيا طولَ شجوي من مقيمٍ ومقعد!
كلفت به من قبل ما طال قده
فطوَّله فرط العناق المردَّدِ
وعاينت من فيه العقيقيّ خاتمًا
فصغتُ له باللَّثْمِ فصَّ زبرجد
وحدثني من ثغره ورضابه
عن الجوهريّ المنتقى والمبرّد
وكنت حَذَرْتُ الْخُودَ حين تمردت
فأَوقعني حظي لأمردَ أمردِ
يخيَّل لي أني له لست عاشقًا
لأنْ ليس لي في حبه من مفنِّدِ
ولولا الهوى ما بت بالدمع غارقًا
عليه وأشكو للورى غُلةَ الصدِى
وألْثُم عِطفيه وجفنيه بَعْدَ ما
قُتِلْتُ برمحٍ منهما ومهنَّدِ
وأُبصر فيما تحت صدغيه من سنا
خيالي خَلُوقًا تحت محراب مسجد
ورب مُدَامٍ من يديه شربتها
معتقةً تدعو لعيشٍ مُجَدَّدِ
إذا جئتَه تسعى إلى ضوء كأسه
(تجدْ خيرَ نار عندها خير موقد)
تحدثك الأنفاس فيها عن اللَّمَا
(ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد)
فشم بارقًا قد خوَّلتك ولا تشم
(لخولة أطلال ببرقة ثهمد)
من اللّاتي راقت في يمين مديرها
فلو أهرقتها الكأس لم تتبدَّد
مصفرة من حيث تمَّ كيانها
تطاف علينا في إناءٍ مجسد
فأحسِنْ بها من كفِّ ساقٍ كأنَّه
غزال تجلى في وشاحٍ مورَّدِ
إذا قهقه الإبريق في فمه انثنى
يمثل غصنًا ماس تحت مُغَرِّدِ
كأن سنا الإبريق حولَ شرابه
حبالُ شعاعِ الشمسِ تُفْتَلُ باليدِ
كأن بقايَا ما نَضَا مِنْ كُؤُسِهِ
أساوِرُ تبرٍ في معاصم خرَّدِ
كأن مليك الفُرْسِ صوَّرَ نفسَهُ
على هامهِ عمدًا فمن يدنُ يسجدِ
سقى الغيثُ عني ذلك العيشَ إنه
تولى هنئَ الوِرْدِ غير مصرَّدِ
وفرَّقَ إِلا مُهْجَتِي وحنانَها
وجمَّعَ إِلا مدمَعي وتجلُّدي
وبدرًا سرى في طِيَّةِ السُّحْبِ مسرعًا
فيا صاحبي دمعًا لعلك مُنْجِدي
وقال التسلِّي بعدنا لجفونه
سهرتِ زمانًا يا نواعسَ فارقدي!
حبيبٌ قسمتُ الشعرَ ما بين حسنه
فسبحان من وقاه شر الحواسد
فلا غزلٌ إِلا له في قصيدةٍ
ولا مدح إلا للحبيب (المخلّد)