تهنئة
البَدْرُ عَنْ وَجْهِ البشاشة أَسْفَرَا
وَالجو رَقَّ نَسِيمُهُ وَتَعَطَّرَا
وَالنِّيلُ من طربِ المَسَرَّةش ماؤُهُ
رَوَّى بِلَذَّتِهِ القُلُوبَ وَأَسْكَرَا
وَكواكبُ العلياءِ زَادَ وَمِيضُهَا
وعقودُهَا أَمْسَتْ تَفُوقُ الْجَوْهَرَا
وَتَجَّلَتْ الْهَيْفَاءُ تَلْعَبُ بالنُّهَى
لَعِبًا تُبَاعُ بِهِ القُلُوبُ وتُشْتَرَى
عَصْمَاءُ كلُّ الكائناتِ غَدَتْ لَهَا
أَمَةً تَرَى مِنْ سَعْدِهَا أَنْ تُؤْمرَا
شَخَصَتْ إِلَى الزرقاءِ منها مُقْلَةٌ
أَهْدَتْ إِلى هَاتُورَ لحظًا ساحِرًا
وَعَلَتْ عِلَى عَرْشِ الْجَمَالِ بِعِزِّهَا
فَكَسَتْ أَدِيمَ الْأَرْضِ ثوبًا أَخْضَرَا
مَرَّ النَّسِيمُ بِهَا فَحَيَّا بَاسِمًا
وَجَرَى فَحَفَّ بِزَهْرِهَا وَتَبَعْثَرَا
وَالتَفَّتِ الأَقْمَارُ تَسْطَعُ حَوْلَهَا
كالْخَاتَم المَاسِيِّ زانَ الْخِنْصَرَا
وَاصطفَّت الْحُورُ الْحِسَانُ كأنَّهَا
نَظْمُ الصُّفُوفِ يُمَجِّدُ الإِسْكَنْدَرَا
وَكأَنَّنِي وَالسَّعْدُ كَان مُرَافِقِي
زُرْتُ الْجِنَانَ وقد وَرَدْتُ الكَوْثَرَا
فسأَلْتُ نَفْسِي هَلْ مَنَامٌ ما أَرَى
أَم يَقْظَةٌ أَم ذَا خَيَالٌ صُوِّرَا؟
•••
هبَّ النَّسِيمُ فَشَاغَلَتْ حَرَكَاتُهُ
سِنَةَ الْخَيَالِ وَأَبْعَدَتْ طَيْفَ الكَرَى
فذكرتُ شَهْمًا قَدْ دُعِيتُ لِعِرْسِهِ
في ذَا المَسَاءِ وَحُقَّ لِي أَنْ أَحْضَرَا
بَدَرتْ إِليه يَدُ الزَّمَانِ كأَنَّهَا
وَجَدَتْهُ مَشْغُولَ اليَرَاعِ مُفَكِّرَا
نَثَرَتْ عَلَيْهِ قلائدًا مِنْ جَوْهَرٍ
جَعَلَتْهُ نَافَسَ في الجلالِ الْقَيْصَرَا
وَكَسَتْهُ من حُلَلِ المَهَابَةِ بُرْدَةً
لجمالِهَا قام الزمانُ مُكَبِّرَا
وَسَمَتْ بِهِ عرشَ البلاغةِ فَاعْتَلَى
بِفَصَاحَةِ التعبيرِ هاماتِ الذُّرَى
خاض الْقَرِيضَ بِفُلْكِهِ حتَّى إِذَا
عَبَرَ السريعَ أَتَى يَؤُمُّ الْوَافِرَا
(الطَّاهِرُ الْعَشِّيُّ) مَنْ نَفَحَاتُهُ
في الشِّعْرِ مِسْكٌ قَدْ يُخَالِطُ عَنْبَرَا
الكاتبُ اللَّبِقُ البليغُ بَيَانُهُ
الشاعرُ المطبوعُ مشدودُ الْعُرَا
شمسٌ التُّقَى وَشُعَاعُ أقمارِ الْهُدَى
وسليلُ مجدٍ بالْعَلَاءِ تَفَاخَرَا
روضٌ بِزَهْرِ عُلُومِهِ فاقَتْ (قِنَا)
أَتْرَابَهَا وَغَدَتْ مكانًا عامرا
حَسَنَاتُهُ نَفِدَ الْمِدَادُ لِحَصْرِهَا
وَغَدَا اليراعُ لِعَدِّهَا مُتَقَاصِرَا
شَغَلَتْ مَحَاسِنُ فَضْلِهِ وخصاله
أَسْبَى مهاةً للقلوبِ وَجُؤْذَرَا
جمعت مكارِمُهُ مكارِمَ حاتمٍ
وأعاد هَاطِلُها زمانًا غابِرَا
يا مَنْ لِجُودِ يَدَيْهِ في أَمْوَالِهِ
نِعَمٌ تَفِيضُ عَلَى الْيَتَامَى أَنْهُرَا
في شَأْنِهِ وَجَنَانِهِ وَلِسَانِهِ
وَبَنَانِهِ حِكَمٌ تُثِيرُ الشَّاعِرَا
لو أَنَّ مَوْجَ البحرِ مَسَّ يَمِينَهُ
لرأيتَ ماءَ البحرِ خالَطَ سُكَّرَا
يا ﭐبْنَ الذي ما ضَمَّ بُرْدٌ كابْنِهِ
لا زال نجمُ عُلَاكَ يبدو زَاهِرَا
قد شِدْتَ سُوقًا للثناءِ ولم تكن
بأقلَّ من سوقِ الْقَرِيضِ مآثِرَا!
منك الشُّمُوسُ أَخَذْنَ ضوءَ جَبِينِهَا
وَأَتَتْ تَقُودُ إِلى الصَّبَاحِ الْعَسكَرَا
صَاغَ النُّحَاةُ اللَّفْظَ وَقْتَ نَبَاتِهِ
وَظَلِلْتَ تُصْلِحُ فيه حتى نَوَّرَا!
يا طاهِرَ الأجدادِ أَبْلَغُ خاطِبٍ
قَلَمٌ لك اتَّخَذَ الصحائفَ مِنْبَرَا
لو أمكن الأقلامَ أن تَسْعَى عَلَى
قَدَمٍ لِعُرْسِكَ عَزَّ أن تَتَأَخَّرَا
من كلِّ مَنْبِتِ شَعْرَةٍ لو كان لي
قَلَمٌ يُجِيدُ الوصفَ كنتُ مُقَصِّرَا
صَبْرِي إذا ما تَمَّ بَدْرُ قِرَانِكُمْ
وَحَلَا لَهُ التاريخُ قال مُسَطِّرَا
بِظَرِيفِ عُرْسِكَ طَاهِرٌ وَقُدُومِهِ
أَمَّ السُّرُورُ قِنَا وَزَارَ الْأَقْصُرَا