في تهنئة محمود وهبي
ربِّ سَاعِدْ عَلَى البَيَانِ لِسَانِي
في جمالٍ قَدْ ضَاعَ فيه بَيَاني
مُبْدِعَ النَّثْرِ وَالقَرِيضِ أَغِثْنِي
أَنْتَ عوَّدْتَنِي رَقِيقَ المَعَانِي
كيف أَسْلُو هوى غَزالٍ رشيقٍ
ماسَ عُجْبًا بكأسهِ وَسَقَاني
أَضْرَمَ الْوَجْدُ في الفؤادِ سعيرًا
وبسهم الْجُفُونِ منه رَمَاني
أَهيفٌ أَغَيَدٌ تَمَلَّكَ لُبِّي
في مَجَالٍ قَدْ رَاقَ فيه زَمَاني
يَسْتَحِي البَدْرُ أَنْ يَرَاهُ ويأْبَى
بِدَلَالٍ من البُدُورِ التَّدَاني
فاقَ شَمْسَ الضُّحَى بِضَوءِ جبينٍ
وقوامٍ يُزْري بِغُصْنِ البَانِ
يا نَسِيمَ الصَّبَا تَرَفَّقْ بِقَلْبٍ
بَاتَ يَشْكُو من الأَسَى ويُعَاني
•••
سَاقِيَ الرَّاحِ هات بنت الدِّنَانِ
مِنْ رَحِيقٍ مَزْفُوفُةً لابن حَانِ
هاتِ تِبْرًا عَلَاهُ دُرُّ حَبَابٍ
كنضارٍ مُنَضَّدٍ بِجُمَانِ
عاطِنِيهَا وَغَنِّ يا بَدْرُ أُنْسِي
وَاطرب السَّمْعَ رَحْمَةً بِجنَاني
وتفضَّلْ على النَّدَامى بُسؤرٍ
من رحيقٍ تعتَّقَتْ في القناني!
رَشْفَةُ الرَّاحِ ما لها من مَثيلٍ
لَعِبَتْ بالعقُولِ لِعْبَ القِيَانِ!
هاتِهَا يا نديمُ في الكأس تُجْلَي
بَيْنَ غَنَّاءِ رَوْضَةٍ وَأَغَانِي
وغزالٍ يَرْنُو إلى كلِّ كأسٍ
بعيونٍ وَاللَّحْظُ منه بَرَاني
نالَ مِنْهُ الرَّحِيقُ نشوةَ صَبِ
مِنْهُ مُدَّتْ إِلى الكُوءُوسِ يَدَانِ
•••
يا حُمَاةَ القَريضِ هَلْ من بَلِيغٍ
ينظِمُ الدُّرَّ وَاصفًا ما أُعَانِي؟
ينظُرُ البدر بَيْنَ بُرْجٍ وَبُرْجٍ
هكذا البَدْرُ دَائبُ الدَّوَرَانِ
أَشْعَلَ الْجَمْرَ في فُؤَادِيَ لمَّا
غَابَ عَنِّي بِحُسْنِهِ الفَتَّانِ
وَتَجلت لِيَ الطَّبِيعَةُ تَكْسُو
سُنْدُسَ الأَرَضِ حُلَّةَ الأُرْجُوَانِ
مَطْلَعُ الشَّمْسِ أَوَّلُ المِهْرَجَانِ
يَا سَمَاءُ اكْتَسِي خُدُودَ الغَوَانِي
شَفَقٌ يَفْتِنُ الشَّقَائِقَ في ﭐلرو
ض وَيصْبِي قُلُوبَ حُورِ الْجِنَانِ
لونه يَمْلَأُ العُيُونَ جَمَالًا
وَيُثِيرُ السَّعِيرَ بالْوَلْهَانِ
بينما كنت غارقًا في خَيَالِي
ولذيذُ المَنَامِ قد عَادَاني
كان زَهْرُ الرُّبى وطَيْرُ الأَراكي
وَنسيمُ الصَّباحِ من نُدْمَانِي
هَبَّت الرِّيحُ أَحْيَتِ القلبَ مِنِّي
أَنْعَشَتْنِي فَضَاعَفَتْ أشجاني
زَفَّ نَحْوِي النسيم أحسنَ بُشْرَى
وَجَرَى لِلسُّوَيْسِ يُهْدِشي التهاني!
فَتَنَاشَدْتُ ذِكْرَ مَنْ رَقَّ طبعًا
وَغَدَا حائزًا جميلَ المعاني
وَتَرَنْمَّتُ عاشَ (محمودُ وَهْبِي)
رَاقِيَ المجدِ ما بَدَا الْفَرْقَدَانِ
جاء وادي قِنَا وكان وكيلًا
فامْتَطَى الْجِدَّ رغبةَ الْعُمْرَانِ
بات فيه حليمَ طَبْعٍ كريمًا
مُعْلِيَ الحقِّ مُقْسِطَ المِيزانِ
ناصرًا للضعيفِ خيرَ شفيقٍ
بَاسِمَ الثَّغْرِ صَادِقَ الإيمانِ
جاذِبًا نحوَهُ النفوسَ بفضلٍ
وَحَنَانٍ يدعو إلى الإذعانِ
كَوْكَبَ المجدِ نُورُهُ قَدْ تَجَلَّى
في قِنَا فَازْدَهَتْ عَلَى الْبُلْدَانِ
جاء بَرْدًا على قِنَا وسلامًا
عاطرَ الذِّكْرِ يستحقُّ التهاني
شَادَ لِلْأَمْنِ حِصْنَ مجدٍ مَنِيعًا
زادها رِفْعَةً فَصِيحَ اللِّسَانِ
وَتَجَلَّى عَلَى المَعَارِفِ فيها
فاستنارت بالْعِلْمِ وَالعِرفانِ
كم دِيَارٍ لِلْعِلْمِ عنها تَخَلَّى
هَاطِلُ الْغَيْثِ فَارْتَوَتْ بالأماني
جادها الغيثُ فارتوى الْعُودُ حتَّى
عَمَّ مَاءُ الحياةِ بالْعِيدانِ
•••
أصبح الْعِلْمُ شاكِرًا سَعْيَ شَهْمٍ
رَقى المجدَ فوق هَامِ الزمانِ
مَدَّ وادي قِنا إِليه يَمِينًا
ثم أَبْدَى له مزيدَ امْتِنَانِ
وتَمَشَّتْ قِنا إليه وقالت:
دُمْ بِنَيْلِ الْمُنَى عزيزَ الشَّانِ
لستُ أَنْسَى عُلَاكَ ما ﭐهْتَزَّ غُصْنٌ
بنسيمٍ وما بَدَا النَّيِّرَانِ
كلُّ مَنْ في قِنَا وَمَنْ في الضَّواحي
بين نائي الْهِضَابِ وَالوِدْيانِ
إِنْ يكن عَزَّ أمرُ بُعْدِكَ عنهم
إِذْ مَلَكْتَ القلوبَ بالإِحسانِ
فَصُعُودُ الْعُلَا لمثلك يدعو
كلَّ قلبٍ لأنْ يَزُفَّ التهاني
أَيُّها المُولَعُونَ بالشِّعْرِ جُودُوا
كيف لم يَدْعُكُمْ قَرِيضٌ دعاني؟
أَيُّها السَّاكِنُونَ في الْحَوْضِ بُشْرَى
أَنَّ بَدْرَ الْعُلَا قريبُ التَّدَاني
أَيُّها السَّيِّدُ العظيمُ لِسَاني
لم يَزَلْ قاصِرًا عن التِّبْيَان
•••
يَا رَعَي اللهُ يوم سَافَرْتَ وَهْبِي
من قِنَا والقلوبُ في خَفَقَانِ!
حين هَلَّ الْقِطَارُ كُنْتَ مُحَاطًا
بِلَفِيفِ الْوُجُوهِ والأعيانِ
يرأَسُ الكلَّ خيرُ شَهْمٍ مُدِيرٍ
باتَ وَالسَّعْدُ طَوْعُ أمرِ الْبَنَانِ
دُمْ خَلِيلَ الْعُلَا «مُحَمَّدَ نَايِلْ»
يا عظيمًا يَهَابُهُ الثَّقَلَانِ
يا كريمًا أَتى يُوَدِّعُ وَهْبِي
عِشْ وَوَهْبِي فأنتما آيتانِ
حين هَمَّ الْقِطَارُ مُدَّتْ أَيَادٍ
لِوَدَاعٍ أَجْرَى الدموعَ القَوَاني
وتمَشَّتْ بين الضُّلُوعِ قلوبٌ
هَزَّهَا الْوَجْدُ فاشْتَكَتْ ما تُعَاني
آسِفَاتٍ لِبُعْدِهِ راقصاتٍ
باسماتٍ لِفَضْلِهِ المُزْدَانِ
غَرَّدَ الطيرُ فوق رأسِ جُنُودٍ
أَطْرَبَتْنَا بِنَاعِمِ الألحانِ
حين طار القطارُ يحملُ وَهْبِي
صَاحَ جَمْعُ الأحبابِ: سِرْ بِأَمَانِ!
هَامَ (صَبْرِي) بِهِ فَأَنْشَدَ يَشْدُو
رَبِّ سَاعِدْ عَلَى البيانِ لِسَاني
عامَ وَهْبِي رُقِّي قِنَا أَرَّخَتْهُ
أَنْتَ فَرْدٌ حَجَّتْ إليه الأماني