إِصَابَةُ حَرْبٍ
مَا إِنِ اخْتَفَى الْجُنُودُ الَّذِينَ كَانُوا يَسِيُرونَ عَلَى الطَّرِيقِ عَنِ الْأَنْظَارِ حَتَّى رَأَى هنري كَثِيرِينَ آخَرِينَ قَادِمِينَ مِنَ الْغَابَاتِ وَعَبْرَ الْحُقُولِ. أَدْرَكَ هنري أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْرُبُونَ إِنْقَاذًا لِحَيَاتِهِمْ. انْدَفَعُوا بِجِوَارِهِ كَقَطِيعٍ مِنَ الْجَامُوسِ الْمَذْعُورِ، وَخَلْفَهُمْ تَمَوَّجَ الدُّخَانُ وَتَجَمَّعَ فَوْقَ قِمَمِ الْأَشْجَارِ بَيْنَمَا اسْتَمَرَّ انْطِلَاقُ الْمَدَافِعِ.
انْتَابَتْ هنري حَالَةٌ مِنَ الذُّعْرِ، وَحَدَّقَ فِي الْمَشْهَدِ أَمَامَهُ فِي ذُهُولٍ؛ لَقَدْ خَسِرَ الْجَيْشُ الْمَعْرَكَةَ. سُرْعَانَ مَا وَجَدَ هنري نَفْسَهُ وَسْطَ الْفَارِّينَ. حَاوَلَ أَنْ يَطْرَحَ بَعْضَ الْأَسْئِلَةِ عَلَى الْقَرِيبِينَ مِنْهُ، لَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ. كَانَ الرِّجَالُ يَفِرُّونَ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ، وَأَخِيرًا، أَمْسَكَ هنري بِذِرَاعِ أَحَدِ الرِّجَالِ، وَتَمَايَلَ كِلَاهُمَا وَجْهًا لِوَجْهٍ.
قَالَ هنري مُتَلَعْثِمًا: «لِمَاذَا …؟ لِمَاذَا …؟»
صَرَخَ الرَّجُلُ: «دَعْنِي! دَعْنِي!» كَانَ الرَّجُلُ يَلْهَثُ وَيَسْحَبُ نَفسَهُ فِي هِيَاجٍ: «دَعْنِي!»
تَمْتَمَ هنري: «لِمَاذَا …؟ لِمَاذَا …؟»
صَاحَ الرَّجُلُ: «حَسَنًا، إِذَنْ!» وَضَرَبَ هنري فِي رَأْسِهِ وَلَاذَ بِالْفِرَارِ.
سَقَطَ هنري أَرْضًا، وَوَجَدَ صُعُوبَةً فِي الْوُقُوفِ ثَانِيَةً. وَعِنْدَمَا وَقَفَ أَخِيرًا، شَعَرَ بِالْوَهَنِ الشَّدِيدِ، وَكَانَتْ هُنَاكَ ضَوْضَاءُ صَاخِبَةٌ فِي رَأْسِهِ. فِي النِّهَايَةِ نَجَحَ فِي الِانْتِقَالِ إِلَى الْحَشَائِشِ، وَشَعَرَ بِجُرْحٍ فِي أَعْلَى رَأْسِهِ.
رَأَى هنري بَعْضَ الْجُنُودِ وَالضُّبَّاطِ يُحَاوِلُونَ تَجْمِيعَ أَنْفُسِهِمْ لِلْعَوْدَةِ إِلَى الصُّفُوفِ. كَسَا ضَبَابُ الْمَسَاءِ الْأَزْرَقُ الْحَقْلَ، وَاكْتَسَتِ الْغَابَةُ بِظِلَالٍ قُرْمُزِيَّةٍ مُمْتَدَّةٍ، وَكَانَتْ هُنَاكَ سَحَابَةٌ وَحِيدَةٌ فِي السَّمَاءِ. تَرَكَ هنري الْمَشْهَدَ وَرَاءَهُ، وَمَا إِنْ فَعَلَ حَتَّى سَمِعَ طَلَقَاتِ الْبَنَادِقِ تُدَوِّي مُجَدَّدًا فَجْأَةً.