غَرِيبٌ يُقَدِّمُ الْعَوْنَ
تَسَارَعَتْ خُطُوَاتُ هنري عِنْدَ حُلُولِ الْغَسَقِ. بَعْدَ فَتْرَةٍ، لَمْ يَعُدْ جُرْحُهُ يُؤْلِمُهُ. فَكَّرَ هنري فِي مَوْطِنِهِ أَثْنَاءَ سَيْرِهِ، وَأَخِيرًا بَلَغَ الْإِنْهَاكُ مِنْهُ كُلَّ مَبْلَغٍ، فتَدَلَّى رَأْسُهُ إِلَى الْأَمَامِ، وانْحَنَتْ كَتِفَاهُ كَأَنَّهُ يَحْمِلُ حِمْلًا ثَقِيلًا، وَأَصْبَحَ يَجُرُّ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ.
فِي النِّهَايَةِ سَمِعَ صَوْتًا مُبْتَهِجًا بِجِوَارِ كَتِفِهِ يَقُولُ: «تَبْدُو بِحَالَةٍ سَيِّئَةٍ لِلْغَايَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟»
لَمْ يَرْفَعْ هنري بَصَرَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: «بَلَى.»
أَمْسَكَ صَاحِبُ الصَّوْتِ الْمُبْتَهِجِ بِذِرَاعِ هنري بِإِحْكَامٍ.
قَالَ الرَّجُلُ ضَاحِكًا: «حَسَنًا، أَنَا ذَاهِبٌ فِي طَرِيقِكَ. الْمَجْمُوعَةُ كُلُّهَا ذَاهِبَةٌ فِي طَرِيقِكَ، وَأَظُنُّ أَنَّ بِاسْتِطَاعَتِنَا تَوْصِيلَكَ.»
أَثْنَاءَ سَيْرِهِمَا، سَأَلَ الرَّجُلُ هنري عَمَّا رَآهُ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا يَعْرِفُهُ عَنْ كَتِيبَةِ هنري.
قَالَ الرَّجُلُ: «إِنَّهُمْ هُنَاكَ فِي قَلْبِ الْمَعْرَكَةِ، أَعْتَقِدُ أَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أَخَذُوا نَصِيبَهُمْ مِنَ الْقِتَالِ الْيَوْمَ. كِدْتُ أَسْتَسْلِمُ بِضْعَ مَرَّاتٍ. كَانَ هُنَاكَ صُرَاخٌ وَإِطْلَاقُ نَارٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ. حَلَّ الظَّلَامُ، وَلَمْ أَعُدْ أَعْرِفُ أَيْنَ أَنَا، أَوْ فِي أَيِّ جَانِبٍ أَكُونُ. كَيْفَ وَجَدْتَ طَرِيقَكَ إِلَى هُنَا عَلَى أَيِّ حَالٍ؟ فَكَتِيبَتُكَ بَعِيدَةٌ جِدًّا مِنْ هُنَا. أَظُنُّ أَنَّ بِإِمْكَانِي الْعُثُورَ عَلَيْهِمْ.»
أَثْنَاءَ الْبَحْثِ عَنْ كَتِيبَةِ هنري، بَدَا صَاحِبُ الصَّوْتِ الْمُبْتَهِجِ وَكَأَنَّ لَدَيْهِ مَهَارَةً سِحْرِيَّةً. كَانَ قَادِرًا عَلَى شَقِّ طَرِيقِهِ بِسُهُولَةٍ عَبْرَ الْغَابَاتِ الْمُتَشَابِكَةِ. وَكُلَّمَا مَرُّوا بِأُنَاسٍ آخَرِينَ، أَبْدَى الرَّجُلُ ذَكَاءَ الْمُحَقِّقِينَ وَشَجَاعَةَ الْأَبْطَالِ. كَانَتِ الْمُشْكِلَاتُ تَخْتَفِي أَمَامَهُ، وَتَتَحَوَّلُ لِأَشْيَاءَ قَدْ تُسَاعِدُهُمَا فِي طَرِيقِهِمَا. كَانَ هنري يَنْتَحِي جَانِبًا عِنْدَمَا كَانَ رَفِيقُهُ يُحَاوِلُ أَنْ يَشُقَّ طَرِيقَ الْعَوْدَةِ لِكِلَيْهِمَا.
بَدَتِ الْغَابَةُ وَكَأَنَّهَا مُكْتَظَّةٌ بِرِجَالٍ يَرْكُضُونَ فِي دَوَائِرَ وَقَدْ ضَلُّوا طَرِيقَهُمْ، لَكِنَّ رَفِيقَ هنري تَجَاوَزَ بِهِ كُلَّ الْعَثَرَاتِ حَتَّى بَدَأَ يَضْحَكُ فِي سَعَادَةٍ وَرِضًى أَخِيرًا.
قال الرَّجُلُ: «هَا قَدْ وَصَلْتَ، أَتَرَى تِلْكَ النَّارَ؟»
أَوْمَأَ هنري بِرَأْسِهِ، وَتَمَلَّكَهُ شُعُورٌ بِالْحَمَاقَةِ.
قَالَ الرَّجُلُ: «هَذِهِ كَتِيبَتُكَ. إِلَى اللِّقَاءِ الْآنَ يَا فَتى. أَتَمَنَّى لَكَ حَظًّا سَعِيدًا.»
أَمْسَكَتْ يَدُ الرَّجُلِ الدَافِئَةُ القَوِيَّةُ بِأَصَابِعِ هنري الرَّقِيقَةِ هُنَيْهَةً، ثُمَّ سَمِعَ هنري صَفِيرًا مُبْهِجًا أَثْنَاءَ ابْتِعَادِ الرَّجُلِ. كَانَ الرَّجُلُ وَدُودًا مَعَهُ، وَبَيْنَمَا رَاقَبَ هنري ابْتِعَادَهُ، أَدْرَكَ فَجْأَةً أَنَّهُ لَمْ يَرَ وَجْهَه قَطُّ.