انْتِصَارٌ مُؤَقَّتٌ
فَجْأَةً قَطَعَ صَمْتَ الْجُنُودِ صَوْتُ الْمُلَازِمِ الْمُنْفَعِلِ عِنْدَمَا قَالَ: «هَا هُمْ قَادِمُونَ!» وَتَاهَتْ كَلِمَاتُهُ الْأُخْرَى وَسْطَ ضَجِيجِ الطَّلَقَاتِ.
نَظَرَ هنري إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُلَازِمُ، وَرَأَى جُنُودَ الْعَدُوِّ يَقْتَرِبُونَ. كَانُوا قَرِيبِينَ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُ رَأَى وُجُوهَهُمْ وَزِيَّهُمُ الرَّمَادِيَّ الَّذِي بَدَا جَدِيدًا.
كَانَتْ قُوَّاتُ الْعَدُوِّ تَتَقَدَّمُ بِحَذَرٍ وَبَنَادِقُهُمْ مُسْتَعِدَّةٌ لِإِطْلَاقِ النِّيرَانِ. وعِنْدَمَا صَاحَ الْمُلَازِمُ، وَبَدَأَتْ كَتِيبَةُ هنري فِي إِطْلَاقِ النِّيرَانِ، بَدَا وَكَأَنَّ جُنُودَ الْعَدُوِّ بُوغِتُوا وَأُخِذُوا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ.
تَبَادَلَ الْجَيْشَانِ الضَّرَبَاتِ، وَاسْتَمَرَّ الْقَصْفُ الْغَاضِبُ وَالسَّرِيعُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ. كَانَ الْجُنُودُ فِي كَتِيبَةِ هنري — بِزِيِّهِمُ الْأَزْرَقِ — مُتَلَهِّفِينَ لِلثَّأْرِ. تَوَارَى هنري بَعْضَ الْوَقْتِ. لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ الْعَدُوِّ بِوُضُوحٍ، لَكِنْ بَدَا أَنْ هُنَاكَ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى الْأَمَامِ شَيْئًا فَشَيْئًا. جَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ حَزِينًا وَالرَّايَةُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ.
وعِنْدَمَا لَاحَظَ هنري الْغَضَبَ الشَّدِيدَ الَّذِي يَجْتَاحُ أَصْدِقَاءَهُ، أَدْرَكَ أَنَّهُ إِذَا انْتَصَرَ العَدُوُّ حَقًّا، فَسَيَكُونُ ذَلِكَ نَصْرًا عَسِيرًا وَمُؤْلِمًا.
لَكِنْ بَدَأَتْ ضَرَبَاتُ الْعَدُوِّ تَضْعُفُ، وَتَضَاءَلَ عَدَدُ الطَّلَقَاتِ الْقَادِمَةِ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَأَخِيرًا عِنْدَمَا تَوَقَّفَ الرِّجَالُ قَلِيلًا لِإِلْقَاءِ نَظْرَةٍ، لَمْ يَرَوْا سِوَى الدُّخَانِ الدَّاكِنِ يَمْلَأُ الْمَكَانَ. وَقَفَ الْجُنُودُ، وَحَدَّقُوا فِي الْخَلَاءِ حَوْلَهُمْ، فَرَأَوُا الأَرْضَ خَالِيَةً مِنْ جُنُودِ الْعَدُوِّ عَدَا جُثَثَ الْقَتْلَى.
عِنْدَ رُؤْيَةِ هَذَا الْمَشْهَدِ، انْطَلَقَ الْكَثِيرُ مِنَ الْجُنُودِ مِنْ مَخَابِئِهِمْ، وَرَقَصُوا رَقْصَةَ فَرَحٍ غَرِيبَةٍ. اتَّقَدَتْ عُيُونُهُمْ، وَانْطَلَقَ هُتَافٌ أَجَشُّ مِنْ بَيْنَ شِفَاهِهِمُ الْجَافَّةِ.
كَانُوا قَدْ أَوْشَكُوا أَنْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُمْ بِلَا جَدْوَى، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَصْمُدُوا أَمَامَ الْعَدُوِّ، لَكِنَّهُمْ عِنْدَمَا كَانُوا عَلَى وَشْكِ خَسَارَةِ هَذِهِ الْمَعْرَكَةِ الصَّغِيرَةِ، أَدْرَكُوا أَنَّ حَجْمَ الْجَيْشِ لَيْسَ مُهِمًّا. لَقَدْ ثَأَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِ.
نَظَرَ الْجُنُودُ حَوْلَهُمْ فِي تَفَاخُرٍ، وَشَعَرُوا بِالثِّقَةِ فِي أَسْلِحَتِهِمُ الْبَسِيطَةِ. لَقَدْ كَانُوا رِجَالًا بِحَقٍّ.