الْجَانِبُ الْآخَرُ مِنَ السُّورِ
أَتَى قَائِدُ الْكَتِيبَةِ مُسْرِعًا مِنَ الْخَلْفِ يَتْبَعُهُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الضُّبَّاطِ.
صَاحُوا: «لَا بُدَّ أَنْ نَهْجُمَ عَلَيْهِمْ! لَا بُدَّ أَنْ نَهْجُمَ عَلَيْهِمْ!»
عِنْدَمَا سَمِعَ هنري ذَلِكَ، بَدَأَ يَدْرُسُ الْمَسَافَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ. أَدْرَكَ أَنَّ عَلَى كَتِيبَتِهِ التَّحَرُّكَ إِلَى الْأَمَامِ إِذَا أَرَادُوا تَحْقِيقَ النَّصْرِ. سَوْفَ يَلْقَوْنَ حَتْفَهُمْ إِذَا بَقُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ. أَمَلُهُمُ الْوَحِيدُ أَنْ يَدْفَعُوا الْعَدُوَّ بَعِيدًا عَنِ السِّيَاجِ الَّذِي يَخْتَبِئُ وَرَاءَهُ.
ظَنَّ أَنَّ رِفَاقَهُ سَيَكُونُونَ مُنْهَكِينَ لِلْغَايَةِ لَا يَقْوَوْنَ علَى شَنِّ الْهُجُومِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَشْجِيعِهِمْ، لَكِنْ عِنْدَمَا الْتَفَتَ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِمْ، أَدْهَشَهُ أَنَّهُ قَدِ ارْتَسَمَتْ عَلَى وُجُوهِهِمْ جَمِيعًا تَعْبِيرَاتٌ أَكِيدَةٌ وَسَرِيعَةٌ بِالْمُوَافَقَةِ. وعِنْدَمَا صَدَرَ الْأَمْرُ، تَقَدَّمَ الْجُنُودُ إِلَى الْأَمَامِ بِخُطًى مُتَحَمِّسَةٍ. كَانَتْ هُنَاكَ قُوَّةٌ جَدِيدَةٌ وَغَيْرُ مُتَوَقَّعَةٍ فِي حَرَكَتِهِمْ. كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُرْهَقُونَ، وَأَنَّ طَاقَةَ هَذَا الْهُجُومِ تُشْبِهُ الْقُوَّةَ الَّتِي تَظْهَرُ قَبْلَ النِّهَايَةِ مُبَاشَرَةً. رَكَضَ الْجُنُودُ بِحَمَاسٍ جُنُونِيٍّ. كَانَ انْدِفَاعًا أَعْمَى فَوْقَ حَقْلٍ أَخْضَرَ، وَتَحْتَ السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ فِي اتِّجَاهِ السِّيَاجِ الَّذِي يَظْهَرُ بِصُعُوبَةٍ وَسْطَ الدُّخَانِ. وخَلْفَ السِّيَاجِ، كَانَ جُنُودُ الْعَدُوِّ يُصَوِّبُونَ نَحْوَهُمْ مُبَاشَرَةً.
ظَلَّ هنري رَافِعًا الرَّايَةَ فِي الْمُقَدِّمَةِ يُلَوِّحُ بِيَدِهِ الْخَالِيَةِ وَيَصِيحُ. كَانَ يُحَاوِلُ إِثَارَةَ حَمَاسِ أَصْدِقَائِهِ، لَكِنْ بَدَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي حَاجَةٍ لِذَلِكَ. كَانَ الرِّجَالُ يَتَفَجَّرُونَ حَمَاسًا.
شَعَرَ هنري هُوَ الْآخَرُ بِالْجُرْأَةِ، وَكَانَ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِتَقْدِيمِ التَّضْحِيَاتِ مَهْمَا كَلَّفَتْهُ. لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ وَقْتٌ لِلتَّفْكِيرِ، لَكِنَّهُ أَدْرَكَ أَنَّ طَلَقَاتِ الْعَدُوِّ هِيَ الْحَاجِزُ الْوَحِيدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُلُوغِ غَايَتِهِ.