الدكتور شاكر الخوري (١٨٤٧–١٩١١)
الحرية السياسية التي نلناها هي: خَلاصنا من الجاسوسية والمراقبة؛ فالأولى تُخرِّبنا وتجعلنا محتالِين غشَّاشِين قاتلِين، وتجعل حياتنا بيدِ مفسدٍ دنيءٍ يبيعنا حسب شهواته. والثانية تجعلنا في جهلٍ وتأخُّرٍ بحيث نرى أنفسنا أدنى من الحيوانات؛ فالمراقبة هي التي جَعلَت صاحب مطبعة كتابي أن يقول: طُبِع في مصر، مع أنه طبعه في بيروت. والذي علَّمه الكذب هو المراقبة؛ فلا ظلمٌ أمَرُّ من الجاسوسية، ولا ضعفٌ أذلُّ من المراقبة التي تفتكر أن مجرَّد كتاب، أو حرف أو كلمة، أو كلمة في جملة تُخرِّب المملكة وتُغيِّر أفكار الرعايا، فأيُّ كتابٍ لحد الآن عمِل هذا العمل؟
والسبب لانتشار مبدأٍ هو جعل الناس مستعدةً لقبوله؛ فالظلم السابق يجعل الإنسان يتغير بسهولة وينتقل إلى مبدأٍ ضده؛ فهذه هي الأسباب التي تغيِّر الأفكار؛ فالدستور الذي هو الكتاب السياسي المقدَّس للمملكة العثمانية لا يمكن حفظه ما لم تحفظه الجندية وتحامِ عنه؛ فيلزم عند دخول الجندي في العسكرية أن يحلف يمينًا بالمحافظة عليه، وكذلك كل مُستخدَم. والأمل من «المبعوثان» تعديله، ولا يكون اجتماعهم كبرج بابل تتبلبل فيه اللغات لكثرتها، ويُقلِّدون الخطباء الأقدمِين بخطاباتهم ويخرجون عن موضوع الإصلاح الحالي، وأن يُسنَّ لكلِّ ولاية بعض قوانينَ مخصوصةٍ حسب عوائدها ومناخها وعلمها وجهلها، ليكون الاتحاد أعظم … لأن مملكتنا مكونة من ولاياتٍ فيها أعظم تمدُّن، ومن أخرى متوحشةٍ جدًّا، فلا يمكن تكلُّم الاثنين بلغةٍ واحدةٍ، فحكمة «المبعوثان» تُرتِّب ذلك.