محمَّد جميل بيهُم
أمَّا حكومة الثورة فهي في الواقع لم تُرِد أن تقف محايدةً إزاء القضية النسائية، وإنما أَنكرَت على أربابها اجتماعاتِهم وضجتهم، واستَكبرَت تطرُّف بعض النساء، فأصدرت أمرًا في سنة ١٧٩٥ تحظر فيه على النساء الاشتغالَ بالسياسة والاشتراك بالاجتماعات، وشَرعَت تُطارِدهنَّ حتى لم يعد يُسمع لِقضيتهنَّ هَمس. ولمَّا تبوَّأ العرش نابليون الأول قضى على كلِّ أملٍ نسائي، وبنفوذه على متشرِّعي فرنسة جعل الأُسرة في القانون بمثابة الفرقة العسكرية، قائدها الأب، وعلى المرأة والأولاد الطاعةُ العمياء، طاعة الأجناد.
ولمَّا استعاد آل البوربون العرش (١٨١٤–١٨٣٠) شرع بعض المُفكِّرِين يحركون من جديد بكتاباتهم أسلاك القضية النسائية فتهتز معها أفئدة جمهورٍ من النساء على وجهٍ خاص. وقد أنشأ بعضهن صحيفتَين لهذه الغاية، وهما: جريدة «المرأة الحرة» و«الشرارة»، ولكنهما لم تكونا من ذوات الأعمار الطويلة؛ لأن الرأي العام كان لا يزال غير مستعدٍّ لقبول فكرتهما.
وقد عقد النسائيون الآمال على الجمهورية الثانية التي أُعلنت سنة ١٨٤٨، واستبشروا حينما استُقبلت ممثلاتهم في قصر الحكومة، ووعدتهن خيرًا، ولكن أجل هذه الجمهورية كان قصيرًا، فعادت المَلَكية سنة ١٨٥٢، وعادت معها الصرامة ضد المرأة، وأَصدرَت أمرًا بنفي مدبِّرات الحركة النسائية.
واستَمر أنصار المرأة، ولا سيما في أثناء شدة وطأة المَلَكية عليهم، يذكُرون مواعيد الجمهورية فيحنُّون إلى عهدها، فعُقدت بينهم وبين الحزب الجمهوري رابطة المصلحة وشرعوا بمظاهرة هذا الحزب. ولمَّا أُعلنت الجمهورية الثالثة (١٨٧٠) الحاكمة الآن اعترفت لهم بخدماتهم، وهي وإن لم تحقق لهم أمانيهم إلا أنها أَطلقَت لهم حرية العمل، فدَخلَت القضية النسائية منذ ذلك في دَورٍ جديد.