الفصل الأول
في بيت الخواجة حبيب
المنظر الأول
(هانم فقط)
هانم
:
دا احنا الضحى والساعة دقت خمسة. حقا اللي ما يعرفش بحقيقة حالي يقول عليَّ
كسلانة، خصوصًا أنا اللي معودة على القيام بدري، أما ما باليد حيلة، أعمل إزاي؟ لما
باسهر للصبح بالضرورة أتأخر في النوم؛ لأن الإنسان لا بد له من راحة جسمه، وأنا إذا ما
عطيتش لنفسي راحة لا شك أتشوش، وبوقتها مين يناظر أبويا ويخلي باله معاه، ويعطي له
الدوا اللازم في الوقت المعين من الطبيب. مسكين يا بابا، يا ما بتقاسي، دا أنت صار لك
شهر، يا كبدي، وعينك ما رأت النوم (تركع ثم تقول) يا ألله، يا قادر على كلشي،
اقبل تضرع بنت منكسرة، واشفي لها والدها، ولا تيتِّمها من بعده (ثم تقف وتقول) مين دا
اللي داخل؟ دا جودة الخدام ومعه جواب. يا ترى من مين؟ يكنش من حبيبي متري؟
المنظر الثاني
(جودة والمذكورة)
جودة
(يدخل)
:
صباح الخير يا ستي هانم.
هانم
:
يسعد صباحك يا جودة. دا إيه دا اللي في إيدك؟
جودة
:
بتسأليني؟ دا جواب من الخواجة متري، والله إنه شب ظريف، ما يهنش عليه يوم بدون أن
يرسل لكي جواب، ويسأل فيه عن صحة الخواجة. (يعطيه لها) اتفضلي.
هانم
(تأخذ منه)
:
طيب انت اخرج برا، لما يجي الحكيم اندهلي.
جودة
:
حاضر يا ستي، بس من فضلك طمنيني عن الخواجة، إزاي صبح النهار ده، إن شا الله يكون
أحسن من امبارح.
هانم
:
أهو على حاله يا جودة، الليل ما بيناموش، وعينه ما بتغفلش إلا وقت الصبح.
جودة
:
طيب والحكما بيقولوا إيه في الداء دا؟
هانم
:
يسموه داء العروق، وإنه ناتج من غم.
جودة
:
طيب والعروق دول مالهمش دوا يا ستي؟
هانم
:
أنا عارفة يا جودة. الظاهر إن الحكما احتارت. وحكيم البيت بيقول لازم له يغير
هوا؛ لأن جسمه سليم، فقط حاصل له ضيقة صدر. فشم الهوا والتسالي يمكن تقيم الغمَّة اللي
على قلبه.
جودة
:
إن شا الله يا ستي، إن شا الله، ربنا يشفيه، ويعود علينا أيام الهنا، ويرجع بيتنا
زي ما كان. دا ما كنش يعدي يوم علينا من غير ما يكون عندنا عزومة بالضهر أو بالليل،
وكان سيدي الخواجة دايمًا مبسوط وفرحان. يخي الله يلعن أبو الغم وما يتأتى
منه.
هانم
:
صحيح؛ لأن من يوم ما جاله خبر عمي من اسطنبول وهي مسكاه السورة.
جودة
:
ربنا يفرج عليه ويزيحها عنه. دا الخواجة صحي، سامعُه بينده.
هانم
:
روح شوفه حينما أقرا الجواب.
جودة
:
طيب (ثم يخرج).
المنظر الثالث
(هانم فقط)
هانم
(تفتح الجواب وتقرأ)
:
يا قرة العين يا هانم، (تتكلم) هو دايمًا يبدأ جواباته لي
بكلام لطيف زي قرة العين مهجة القلب. أما أنا ما اعرفشي إلا كلمة واحدة، أقول له حبيبي
الصادق والسلام. أنا مانيش فصيحة زيُّه، هو متعلم في المدارس، أما أنا كتر خيري اللي
كمان باعرف أقرا وأكتب لي كلمتين. إحنا في الجواب لما أشوف بيقول لي إيه (ثم تقرأ) من
بعد مزيد الشوق (تتكلم) السطر دا كله معروف، دا كلام العادة، إحنا في موضوع الجواب.
(تقرأ في نفسها وتقول) دا بيحب أبويا ما كأنه إلا والده، ويسألني عن كيفية صحته، ويقول
لي إنه جاي قبل الضهر بساعة، وبقى ما هوش رايح يغيب. دا أبويا صحي وجاي. وأما هس، آديني
سكت.
المنظر الرابع
(هانم ثم والدها)
حبيب
(يدخل)
:
روح ودِّي الجواب دا لزاهي أفندي وهاته ويَّاك، يا لله يا جودة كون هنا
بالعَجَل.
هانم
(تستقبل والدها)
:
زيك صبحت يا بابا.
حبيب
:
والله يا بنتي على حالي، ما نيش شايف جنس فرق أبدًا. لكن نحمده.
هانم
:
وزاهي أفندي مين دا اللي أرسلت تندهله؟
حبيب
:
دا حكيم شاطر من جماعة قصر العيني المشهورين، كل الناس تشكر فيه، ومين عارف يا بنتي
يمكن الشفا يكون على يده، يعني رايح أخسر إيه؟ النصف فنتي اللي رايح ياخده في مقابلة
مشواره يكون من جملة المصاريف.
هانم
:
بس تطيب أنت، والفلوس إن شا الله ما قعدت.
حبيب
:
أهو كدا بنقول يا بنتي؛ لأني ما أقدرش أعيش على الحالة دي، ضيقة الصدر قتلاني،
والغرابة اللي ما باحس لا بوجع راس ولا بوجع جنب، ولي شهية للأكل كأني طيب بخير، فقط
متضايق وبدي أبكي ما أقدرش، هو أنا يا بنتي إذا بكيت يحتمل أفوق، ويزال من على صدري
الضيقة دي، وتتفرتك الغمة اللي على قلبي زي الرحاية. لكن معالهشي، ما فيش فايدة لا
بالليل ولا بالنهار؛ لأنني بافتكر في أخويا اللي وفاته حرقت قلبي، وبردي ما بابكيش،
وبتزيد عليَّ الضيقة عوض ما تخف، لكن ربنا كريم يغير حال من بعد حال. إحنا مالنا.
الامتثال لحكمته.
المنظر الخامس
(متري والمذكورين)
متري
(يطرق على الباب من خارج)
:
يا جودة.
حبيب
:
روحي يا هانم شوفي مين برا؛ لأن جودة راح ينده الحكيم.
هانم
:
حاضر يا بابا (ثم تخرج).
حبيب
:
يا ترى مين دا؟ لازم يكون متري، إحنا مالناش صديق غيره، دا الجدع ربنا يستره، بيجي
ويشق علينا كل يوم.
هانم
(ترجع)
:
دا متري يا بابا جاي يسأل عليك.
حبيب
:
ما تقولي له يتفضل يا بنتي.
هانم
:
أهو دخل.
متري
(يدخل)
:
نهارك سعيد يا خواجة حبيب.
حبيب
:
نهارك سعيد يا ابني، ارتاح.
متري
(يجلس)
:
كيف حال مزاجك؟ عسى الله تكون صبحت أحسن نوعًا.
حبيب
:
أقول لك يا ابني للآن مانيش شايف جنس فرق.
متري
:
والدوا اللي أعطاه لك محمد أفندي الحكيم ما عملش معاك جنس تأثير؟
حبيب
:
لأ يا ابني، أنا صار لي باتعطاه الأربعة أيام دي.
متري
:
والعمل إيه؟ ما فيش تدبير؟
حبيب
:
التدبير عند الله يا ابني، آدحنا بعتنا ننده زاهي أفندي الحكيم لما نشوف يقول لنا
إيه.
متري
:
زاهي أفندي دا طبيب ماهر، وكل الناس تمدحه؛ كونه عالج أصعبها مرض وشفاه، والظاهر أن
يده مبروكة، في الواقع أن الرجل مسعد، ما يدخلش عند عيَّان إلا ربنا ياخد بيده، إن شا
الله عقبالك.
حبيب
:
إن شا الله يا ابني. (ينظر في الساعة) الساعة ستة ونصف. عن إذنك داخل أوضتي أبلع
لي حبة من حبوب أحمد أفندي.
هانم
:
ما تتعبش يا بابا، أنا أجيبهم لك.
حبيب
:
لا يا بنتي، ما تعرفيش حاطتهم فين، أنا أخرج وأرجع حالًا (يخرج).
متري
(إلى هانم)
:
وصلك جوابي يا ختي؟
هانم
:
وصلني وقريته وفهمت ما فيه.
متري
:
أيوا أما أنا ما كتبت لكيش عن الذي في مرادي أفعله اليوم، أنا بدي أظهر حبي إليكي
وأطلبك من حضرة الوالد كونه يعرف المرحوم أبويا عزِّ المعرفة، وعشمي أنه يجبر بخاطري
ويشرفني بزواجك إليَّ، وعلى ظني إنه ما يوجدش جنس مانع لذلك؛ لأن من جهتي أنا — لله
الحمد — أشغالي طيبة وكلما لي في التقدم، ولا أحد يقدر يقول عليَّ شيء؛ لأني ماشي على
قدر حالي.
هانم
:
أيوا، يحبك ولا شك أنه يفرح لمناسبتك، لكن أحسن تبقِّي موَّالك دا دلوقت؛ لأنه عيان
والعيان ما يفتكر إلا في صحة نفسه.
متري
:
برده رأيك في محله، لكن عدم صبري له سبب، أنت تعرفي المسيو حنين؟
هانم
:
أعرفه.
متري
:
بقى أنا أخبروني أصحابي أن بده يطلبك من أبوكي، ويحتمل إن الخواجة حبيب يرضى؛ لأنه ما
يعلمش حبنا في بعض.
هانم
:
صحيح، لكن إذا رضي أبويا عمرك ما تصدق إني أنا أرضى.
متري
:
الكلام دا عند الآلافرنكة، أما احنا يا ولاد العرب البت مالهاش قول، ولو إننا بدينا
في التمدن، وصار مباح إلينا الدخول والخروج عند بعضنا.
هانم
:
هس أحسن أبويا راجع، بردك أعمل معروف ابقي العبارة لكام يوم.
متري
:
أمرك يا ختي.
حبيب
(يرجع)
:
يا ما طعم الحبوب دول مر.
متري
:
إن شا الله يكون عقبهم حلو وينتج منهم الشفا.
حبيب
:
إن شا الله يا ابني. أما احنا في جودة غاب.
هانم
:
أهو جا يا بابا. أنا أعرف مشيته.
المنظر السادس
(جودة والمذكورين)
جودة
(يدخل)
:
نهارك سعيد يا خواجة متري.
متري
:
ونهارك. الحكيم فين؟
جودة
:
أهو جاي ورايا، بس ندهوا له في قصر العيني، لكن قال لي إنه ما يغبش. والحكما دول
كلامهم واحد. خصوصًا في صنعتهم اللي بيكتسبوا منها الجنيهات. (إلى حبيب) أما أنا يا
سيدي بدي أقول لك حاجة بس خايف ما تسمعش كلامي. أنت تعرف إني أحبك زي عنيا؛ لأني من
مدَّة الصغر وأنا خدامك ولم عمري سمعت من حضرتك كلمة تغيَّر خاطري، وربنا يعلم أني أريد
لك كل الخير.
حبيب
:
طيب وبدك تقول لي إيه؟ ما تتكلم.
جودة
:
بس يا خسارة إن حضرتك ما بتصدقش في الكلام دا، والحال واللَّه إن الراجل دا طَيِّب
واحد كان به داءك بعينه.
متري
:
ما تفهِّمنا كلامك على مين. على حكيم خلاف زاهي أفندي؟
جودة
:
دا الراجل موش حكيم، دا يعرف في السحر ولكن موش راجل دجَّال زي الجماعة دكهما اللي
يسلبوا الفلوس بالهلس. لا دا بَس بقيس القطر ويكتب أحجبة ويعطي دوا.
حبيب
:
بس بس، بلا هلس، الأمر دا ما يؤمنوا فيه إلا الجهلا، وأما احنا اللي درسنا علم
الطبيعة والفلك والطب وما أشبه، ما يدخلش في عقلنا شيء زي دا. (لمتري): موش كدا يا
متري؟
متري
:
أي نعم. نظرك في محله.
هانم
:
أيوا لكن يا بابا على شان خاطري جربه. يعني رايحين نخسر إيه؟
جودة
:
ولا حاجة. أروح أندهله. أهو واقف بيستناني برا.
متري
:
طيب أجري أندهله لما نسمع كلامه.
حبيب
:
يا خي يا ابني دول ناس دجالين.
جودة
:
رايح تشوف إن الدجالين دول يعرفوا أحسن من الحكما.
(يخرج.)
حبيب
:
جودة دا راجل طيب يحبني قوي.
متري
:
وإذا ما حبش سيده رايح يحب مين؟ العيش والملح دا له حق.
المنظر السابع
(علي والمذكورين)
علي
(يدخل)
:
السلام على من اتبع الهدى.
متري
:
تفضل يا شيخ.
حبيب
:
اجلس يا والدي ارتاح.
علي
:
الله يحفظك يا ولدي، ويجعل شفاك على يدي.
جودة
:
آمين يا رب.
علي
(ينظر لحبيب)
:
ها يا ولدي، أصابتك مصيبة مهولة، وحصل لك منها ألم. ما هو كدا يا ولدي؟
جودة
:
أيوا أخو الخواجة توفى. (إلى متري) شفت إزاي عرف أن أصل تشويشه ناتج من غمه؟
متري
(إلى جودة)
:
كل الناس اللي يكون لهم نظر يفهموا من وجه الخواجة حبيب كونه
مغموم.
جودة
:
طيب من صبر نال. دلوقت تشوف شطارته.
علي
(إلى حبيب)
:
أنت يا ولدي كنت تعز أخوك ووفاته كسر في قلبك. فحين جالك الخبر الشنيع في
البراوا ما قلت أستغفر الله. تقاسى عليك وركبك الشيطان اللعين، بقى صلِّي على النبي يا
ولدي، يا ما أفندية وبيكاوات وبشوات غلبت فيهم الأطبا، وصرفوا أموالهم يا ولدي من غير
فائدة ولا نفع، ولله الحمد ما حصل لهم إلا على يدي؛ لأن احنا يا ولد العرب لنا أسرار
ما
يعلمها ابن مصر؛ لأني أنا ما بانام الليل، باسهر، براعي النجوم وأحسب سيرها، وأقرا
وأعزم، وأحضَّر الشيطان، ولد القران خصمك، وأنده ما أريده منهم؛ لأن لي مقدمة عليهم يا
ولدي، والبعض منهم اسرجنوا، ودلوقت يا ولدي إذا القران ولد القران ما شفاك بالعجل
تاسرجنوا؛ لأنه ما حد يعرف أسرار سيدنا سليمان عليه السلام، وكتابة خاتمه، وحبس
الشياطين بالقماقم النحاس غير العبد الفقير.
متري
(في نفسه)
:
أما دي لهجة عجيبة، وأنا لو كنت حاكم كنت أسرجنوا زي ما بيسرجن
العفاريت.
حبيب
(إلى علي)
:
طيب بس فهِّمني من فضلك. يا ترى عندك دوا المرض دا؟
جودة
:
وإذا كان الحاج علي ما عندوش دواك يبقى عند مين؟ بس أنت اتوصَّى به.
حبيب
:
روحي، بس يطيبني.
علي
:
بقى صلي على النبي يا ولدي، وقول لي شو عملت لنا؛ لأن البخور غالي في الأيام دي يا
ولدي.
حبيب
:
أعطيك اللي تطلبه.
علي
:
يا ولدي، احنا مو ناس طمَّاعين، أقل الشي يكفينا، هات لنا جنيه دلوقت، لما يحصل
الشفا تبقى أنت وجودتك.
حبيب
(يوضع يده في جيبه ويعطيه جنيهًا)
:
خد أهو جنيه.
علي
:
فقط لي عندك سؤال يا ولدي، المريض ينبغي عليه يندر ندر يوفيه عند شفاه، بقى اندر يا
ولدي على نفسك بأعز ما عندك، والله يقبل ندرك.
حبيب
:
أنا ما عندي أعز من بنتي، ندر على قلبي إني أجوزها لمن يشفيني.
متري
(إلى علي)
:
إنت متجوز يا شيخ؟
علي
:
متجوز يا ولدي، لكن ما تفتكر، إذا حصل على يدنا الشفاء تحظى ببلوغ مرادك.
متري
(إلى هانم)
:
بس يا خسارة، الرجل دا دجال، ما يخرج من يده يطيِّب أبوكي.
هانم
(إلى متري)
:
مين يعرف؟ الشفا يجي على أهون سبب.
علي
(إلى حبيب)
:
شفت يا ولدي، إحنا فهمنا داءك، من دون أن نعمل أمر دجل مثل الرمل والودع
وغيره، أنت ابعت لي بكرة في الصباح خدَّامك جودة، نعطيه حجاب توضعه على صدرك بدون أن
تقراه، ونعطيه كمان ورقة بخور تحرقها، وتخطِّي عليها سبع مرات، وتقول: سامحوني يا هل
الجن إذا قاسيتكم، وارفعوا غضبكم وارحموني. فيحصل حالًا الشفا. ويبقى الحاج علي يستاهل
الحلاوة. السلام عليكم (يخرج).
جودة
(إلى حبيب)
:
اتطمن بقى يا سيدي، وقول على روحك إنك طبت خالص. ودلوقت لما يجي زاهي
أفندي أنا أقول له من الباب قبل ما يدخل: سيدي ربنا أخد بيده ما بقاش الأمر محتاج
لك.
حبيب
:
بس بس بلا هلس، لما يجي زاهي أفندي قول له يتفضل. أنا فقط رضيت بدخول الراجل دا على
قبول التسالي. والجنيه اللي خدوا زكا عني.
متري
:
أما احنا في الندر يا خواجة.
حبيب
:
أيوا فكرتني، الندر لا بد من وفاه إذا حصل الشفا. ولكن ما تخافيش يا هانم، الراجل
الدجال دا موش رايح يطيبني. (إلى جودة) وأنت يا جودة اخرج برا استنى زاهي أفندي.
جودة
:
والله ما حد كان رايح يفلح غير المغربي، لكن الأمر أمرك.
(ثم يخرج.)
متري
:
وإذا حكيم من دول ربنا جعل في يده الشفا وطيِّبك ويكون متجوز.
حبيب
:
يبقى يتصرف في هانم كيفه، يعطيها لابنه لاخوه لابن عمه أو لواحد صاحبه، فقط يكون
واحد من ديننا.
متري
:
يا ريتني كنت حكيم، كنت على كل حال أنا أولى من الغريب.
حبيب
:
يا ريت يا بني، ربنا يعلم معزَّتك عندي، ولو علمت أن قصدك في هانم لا كنت ندرت ولا
شي، لكن يا ابني كل شي نصيب.
هانم
:
نصيب إيه يا بابا؟ بقى رايح يتعلم الحِكمة ويجي يجرب فيك ويطيبك وياخدني؟ دا شي
مستحيل.
حبيب
:
لأ، يقدر يتصاحب مع الحكيم اللي يطيبني ويتحصل عليكي منه.
متري
:
وإذا كان الحكيم حط عينه على البنت. العمل إيه؟
حبيب
:
يبقى أمر الله، ما باليد حيلة.
هانم
:
بقى على الكلام؟ أنا ألتزم أتجوز اللي يطيبك ولو كان قرد.
متري
(إلى هانم)
:
خلي عشمك بالله، أنا قلبي بيقول لي إننا لبعض.
المنظر الثامن
(جودة ثم زاهي أفندي والمذكورين)
جودة
(يدخل)
:
الراجل اللي يرقع نصف فنتي في المشوار أهو جا، أصرفه وأقول له يروح في حال
سبيله والَّا أدخله؟
هانم
:
لا، خليه يدخل.
جودة
:
اتفضل يا زاهي أفندي.
زاهي
(يدخل)
:
نهاركم سعيد.
حبيب
:
ونهارك. اتفضل ارتاح.
زاهي
(يجلس)
:
ممنون.
متري
(إلى هانم)
:
إزاي الحال؟
هانم
:
أما اللي سمَّاه زاهي ما غلطش.
متري
(إلى هانم)
:
بقى عجبك على الكلام دا. (في نفسه) ادحنا رحنا الدوشار، الراجل عجبها
والسلام، لكن ما فيش خوف لفرق الديانة.
الحكيم
(إلى حبيب)
:
إأذنني يا حضرة الخواجة بِلَمْس نبضك.
حبيب
:
تفضل (يعطيه يده).
زاهي
(يخرج الساعة وينظر فيها ويتأنى لحظة)
:
أما حركة دق نبضك ليسها كالقانون الاعتيادي؛
لأنه بيدق في الدقيقة الواحدة ماية دقة، ويظهر من ذلك أن العروق حصل لهم انزعاج، ولا
بد
إن جنابك تحس بالألم في أصداغك، وأيضًا ضيقة في الصدر ومغص في البطن، وتقل في الانسهال،
ولو أن لك شهوة للطعام، معدتك لقلة المرارة التي تدخل على الطعام من الكبدة لأجل
تهضيمها، فيحصل من ذلك مانع لدوران الدم، وينتج من ذلك انخفاق في القلب، والعروق
المسلَّطة إلى المخ تقل منهم الكهربائية، حتى إن يبان لك أحيانًا إن راسك عازمة على
الوقوع من فوق أكتافك، والدنيا تدور قدامك وتزيد عليك السورة.
حبيب
:
كلامك يا حضرة الحكيم جميعه في محله، وجميع إخوانك حضرات الأطبا قالوا لي الكلام دا
بذاته، فقط لسوء البخت ما شفت جنس ثمرة من الأدوية اللي عطوها لي.
زاهي
:
لا شك أنهم أعطوا لك أولًا سترات المنيزيا وراوند وحبوب كربونات الحديد، وأعطوا لك
عامود الكبريت، ووضعوا على صدرك لزقة وحراريق في صدغيك، وربما يكون وضعوا لك دود في باب
البدن لتخفيف الدم من الدماغ.
حبيب
:
أي نعم، كل دا صحيح.
هانم
(إلى متري)
:
ودا عرف كل دا منين؟
متري
(إلى هانم)
:
دي موش شطارة، ومكتوب عندهم في الكتب، بكرة أشتري لي كتاب من دول، وإذا
ماكنتش أكلمك على العروق والمخ والمرارة والكبدة والقلب والطحال وما أشبه.
حبيب
(إلى زاهي)
:
فإذًا دوا جنابك إيه؟
زاهي
:
أكدب عليك. دا معالجته ما هيش في الأدوية إلا بتغيير الهواء وحمامين حلوان، وأنا
أكتب لك الجواب اللازم إلى حضرة الدكتور كبريت بيك، وهو يشمل أنظاره عليك، وإن شا الله
تتشكر منه، ويحصل هناك الشفا.
حبيب
:
كثر خيرك، وشكر الله فضلك.
هانم
(إلى زاهي)
:
أما يا حضرة الحكيم واحد غيرك ما كنش يقول الكلام دا؛ كونك احكيت
بالصريح.
متري
:
قلنا من الصبح الراجل عجبك والسلام.
هانم
(إلى متري)
:
أنت غلطان، ما حدش يعجبني غيرك، والقلب ما يهوى سواك.
زاهي
:
أرسل إليَّ خدامك بعد الظهر وأنا أعطيه الجواب، تبقى تسلمه إلى كبريت بيك عند وصولك
بحلوان، وكون بغاية الطمأنة؛ لأن مرضك ما فهش خطر، تغيير الهواء والتسالي يشفوك في أقرب
وقت (لمتري وهانم) أنتم اعملوا جهدكم، وضحَّكوه لأجل تتفرتك الغمة اللي على قلبه.
(للجميع) في أمان الله.
حبيب
:
وأنت في الأمان (يعطيه مشواره).
زاهي
:
ممنون (ثم يخرج).
حبيب
:
أما الجدع الحكيم دا لطيف قوي. ما شا الله على مدرسة الطب بيخرج منها حكما عظام.
(إلى هانم) يالله يا هانم قولي لجودة يجهز لنا لوازم السفر.
متري
:
أستأذن من جنابك بأن تسمح لي بمرافقتكم.
حبيب
:
بغاية حظنا، يالله يا ولادي.
(يخرجون جميعهم ثم تنقفل الستارة.)