منجم الفحم
في اليوم التالي، العشرين من فبراير/شباط، استيقظت متأخرًا للغاية، كانت الساعة الحادية عشرة قبل أن أرتدي ملابسي وأتجه نحو الصالون لتفقد البوصلة لمعرفة اتجاهنا، اتضح أننا نتجه جنوبًا بسرعة ٢٠ ميلًا في الساعة وفي عمق يبلغ خمسين قامة.
لاحظت أنواع الأسماك خارج النافذة، لقد رأيت الأسماك الأكثر ندرة كثيرًا حتى إنني لم أعد منبهرًا بها، ومع ذلك كانت ألوانها ورشاقتها مذهلة. ومع دقات الساعة الرابعة بدأ شعوري بالإرهاق يزداد، كنت منهكًا من الليلة الطويلة الماضية، عدت إلى حجرتي وأمضيت أمسيتي في هدوء قبل الذهاب إلى النوم.
كانت الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي عندما دخلت الصالون، نظرت إلى الأجهزة التي أظهرت أن الغواصة نوتيلوس تطفو بسطح المحيط. سمعت وقع أقدام فوقي صعدت إلى السطح، لكن بدلًا من أن أجد ضوء النهار الساطع، وجدت ظلمة تحيط بي من كل جانب. هل ما زلنا في فترة الليل؟ كلا، لم يكن هناك نجمة واحدة.
عجز عقلي عن التفكير عندما سمعت صوتًا بجواري: «ما الأمر يا بروفيسور؟»
أجبت: «آه! يا قبطان، أين نحن؟»
«تحت سطح الأرض يا سيد آروناكس.»
صحت: «تحت سطح الأرض! ولا تزال النوتيلوس تسير!»
«إنها تسير دائمًا!»
«لكنني لا أفهم.»
«انتظر بضع دقائق، سوف تضاء فوانيسنا وسترى.»
وقفت عند السطح وانتظرت، كان الجو مظلمًا للغاية حتى إنني لم أتمكن حتى من رؤية القبطان نيمو. شاع ضوء الفانوس، أغلقت عينيّ مدة ثانية ثم فتحتهما مجددًا، توقفت الغواصة نوتيلوس، وهامت باتجاه جبل، كنا في بحيرة تحيط بنا جدران شاهقة.
سألته: «أين نحن؟»
أجابني القبطان: «نوجد الآن في بركان قديم توقف عن النشاط منذ سنوات مضت.»
سألته: «كيف وصلنا إلى هنا؟»
«شكلت مياه المحيط الأطلنطي قناة تشبه الخندق تؤدي بنا إلى هنا، نحن في أمان، نحن نستخدم هذا البركان كثيرًا للغاية، حيث نحصل على الطاقة من هنا.»
سألته وأنا أحاول التوصل إلى كيفية فعل ذلك: «ماذا تقصد؟»
قال القبطان نيمو: «نحن نستخرج الفحم من الصخور، وهكذا نحصل على الطاقة.»
كان الأمر غريبًا، لم أفكر فيه من قبل بالفعل، وبعد أن عرفت هذا المكان، وكيفية مواصلة الحيوان المفترس سيره، كانت إضافة رائعة لقصة الغواصة.
قال القبطان: «سنعمل هنا اليوم، إذا أردت أنت وصديقاك التجول في الكهف، فلا بأس.»
شكرت القبطان وذهبت للبحث عن نيد وكونسيل، وأثناء ذلك، تساءلت هل لدى القبطان نيمو أدنى فكرة عن رغبة نيد الشديدة في مغادرة السفينة. هل يعمل أننا كنا نخطط للهرب؟ هل سيضع هو خطته الخاصة لإبعادنا عن اليابسة ليجعل محاولتنا مستحيلة؟
دعوت صديقيّ لاتباعي دون اطلاعهما على المكان الذي سنذهب إليه، كان من الصعب مفاجأة كونسيل بأي شيء، فقد كان دائمًا يسبقني بخطوة، وهكذا كان الأمر اليوم. أما نيد، فبدلًا من استمتاعه باليوم، لم يفكر في شيء سوى اكتشاف هل سنتمكن من مغادرة الجبل عبر الكهف.
رغم حقيقة أنهما لا يشعران بالإثارة التي أشعر بها، قضينا باقية النهار في الاستكشاف. وأثناء صعودنا على متن النوتيلوس في نهاية اليوم، رأينا طاقم السفينة بعد أن انتهى الآن من تحميل الفحم. يمكن أن تغادر السفينة في ذلك الوقت، لكن القبطان نيمو لم يصدر أوامره. هل أراد الانتظار حتى الليل ثم يغادر سرًّا ليلًا؟ هل هذا من باب الحيطة في حالة أننا حاولنا التسلل والهروب؟ لعل الأمر كذلك، لكن أيًّا كان السبب، في اليوم التالي ابتعدت النوتيلوس تمامًا عن أي يابسة. هذا جعلني أتعجب أكثر من القبطان نيمو.
على مدار تسعة عشر يومًا مكثت فيها الغواصة نوتيلوس في منتصف المحيط الأطلنطي، تسير بنا بسرعة تبلغ مائة فرسخ يوميًّا، لم يحدث أي شيء ذي أهمية أثناء هذه المدة الطويلة، مع ذلك، بدا نيد يزداد غضبًا يومًا بعد يوم.
وفي الثالث عشر من مارس/آذار قطعنا ما يقرب من ألف وثلاثمائة فرسخ منذ مغادرتنا المحيط الهادئ، جاء صديقاي إلى حجرتي.
قال نيد: «لديّ سؤال بسيط لك.»
«تفضل يا نيد.»
«كم في رأيك يبلغ عدد الرجال الموجودين على متن الغواصة نوتيلوس؟»
قلت: «لا أستطيع تحديد العدد يا صديقي.»
«أستطيع التأكيد أن العمل هنا لا يحتاج إلى طاقم كبير.»
قلت: «أوافقك الرأي، في رأيي عشرة رجال بحد أقصى.»
تركت نيد يتحدث قليلًا عن قدر الهواء الذي يستهلكه كل رجل على متن النوتيلوس كل يوم وكم عدد الرجال الذين يمكنهم البقاء لقدر معين من الوقت. شعرت بالأسف حيال الرجل، لا بد أنه تعيس للغاية لوجوده هنا، لكن لم أشعر بأسف شديد يضاهي مشاعره بالأسف، كنت سعيدًا إلى حد ما لوجودي بالغواصة وكنت أتطلع ليوم غد بالفعل.