الهروب الأخير
كنا سجناء الغواصة نوتيلوس على مدى سبعة شهور، قطعنا خلالها عشرين ألف فرسخ. قال نيد في النهاية: «ليس هناك سبب لاستمرارنا هنا.»
هذا إلى جانب تغير معاملة القبطان معي مؤخرًا، فلم يكن ودودًا أو متعاونًا كما كان في السابق، حتى إنه بدا يتجاهلني، ونادرًا ما كنت أراه. فقد اعتاد أن يشارك معي أي شيء مثير يجده في دراساته في السابق، أما الآن فهو يتركني لدراساتي ولا يأتي إلى الصالون أبدًا، ماذا تسبب في هذا التغيير؟
مرت علينا ليلة مفزعة في أبريل/نيسان لن ينساها أي منا، حبار ضخم، سمكة تشبه الوحش أكثر من كونها حيوانًا بحريًّا، هاجم الغواصة وقتل أحد أفراد الطاقم. كان ذلك الرجل صديقًا مقربًا للقبطان نيمو، رأيته يبكي أكثر من مرة وهو ينظر إلى الأمواج.
وفي ذلك الوقت أيضًا جاء إليّ نيد بطلبٍ مُلح.
قال لي: «بروفيسور، لا بد أن ينتهي هذا الأمر، نيمو يغادر المكان ويتجه نحو الشمال، لكنني أؤكد لك أنني سأمت القطب الجنوبي، ولن أتبعه إلى الشمال.»
«ما الذي تنوي فعله يا نيد؟»
قال نيد: «هناك بعض الأماكن التي يمكنني الوصول إليها قبل أن نذهب بعيدًا للغاية، لكن مهما كان الأمر، فسألقي بنفسي في البحر قبل الاستمرار في هذه الرحلة! لا بد أن تتحدث معه!»
أدركت أنه جاد في حديثه للغاية، كنت أشعر بمثل شعوره يومًا بعد يوم، منحت نفسي ساعة للتفكير ثم ذهبت لمقابلة القبطان.
قلت: «لكننا هنا منذ سبعة أشهر!» عندما أجابني القبطان بحزم: «لا» من البداية.
انفجر القبطان غضبًا: «لقد أخبرتكم بأن من يدخل الغواصة نوتيلوس لا يغادرها أبدًا.»
تجادلنا بضع دقائق، كان الكلام لا طائل منه، أدركت أنني لن أتوصل معه إلى شيء، أخبرت نيد أنه علينا التخطيط للهروب في سرية. لم نطق الانتظار أكثر من ذلك، سيكون الهروب الليلة، لا تهم الأحوال الجوية.
لكن السماء كانت تنذر بأحوال جوية سيئة، بدأت علامات قدوم إعصار في الظهور، رياح وأمطار شديدة، ورعد قوي وبرق هز الغواصة هزًّا.
قال نيد: «لا يزال بإمكاننا تنفيذ الخطة!» مع ما بدا عليه الأمر من خطورة، قررت المخاطرة معه، جمعت ملاحظاتي، ومشيت في قلق عبر الصالون حيث كان يجلس القبطان، وصعدت إلى السطح، لكن الأمطار العاتية أجبرتنا على الدخول مرة أخرى داخل الغواصة للتحدث بضع دقائق. وعندما بدأنا حديثنا، شعرت بأن أبواب الغواصة تغلق، وفي غضون ثوان بدأت الغواصة نوتيلوس في النزول في أعماق المياه، ومجددًا أحبطت خطة هروبنا.
شعرنا باعتلال أجسادنا نتيجة لخيبة الأمل، فإذا لم يحدث ما حدث بعد ذلك، أعتقد أن نيد كان سيقفز داخل المياه شديدة البرودة. وعلى مدى ربع الساعة شاهدنا سفينة تقترب نحونا، وعندما اقتربت بما يكفي لنشعر ببارقة أمل، بدأ إطلاق النيران مما جعلنا نشعر بالذعر والغضب.
صاح نيد: «لماذا يطلقون النيران علينا؟»
قال القبطان في هدوء أعصاب: «لا يهم حقًّا، فهم يريدون معركة.»
لكن أيًّا كان السبب، منع القبطان نيمو نفسه من إطلاق النيران حينها. ذهبت أنا وصديقاي إلى حجراتنا تلك الليلة. مرت معظم فترة المساء دون أي فعل جديد. وعند الساعة الثالثة صباحًا، ذهبت إلى السطح وأنا أشعر بتوتر شديد، كان القبطان نيمو هناك. استغرق الأمر ساعات، لكن القبطان نيمو تمكن في النهاية من تدمير السفينة، بقدر ما كان الأمر مروعًا، تمنيت أن أكون هناك بالسفينة لأخوض معهم المغامرة في هذه المعركة.
خلال الأيام التالية، فقدت إحساسي بالزمن بالفعل، لم أعرف سرعتنا أو موقعنا، فقد انجرفنا مع التيار، ولا أكترث إلى أين، شعرت بما يشعر به صديقاي يومًا بعد يوم، أردت مغادرة الغواصة.
قال نيد في وقت مبكر من صباح يوم ما: «سنغادر الليلة!»
لم نعرف ما هي البلد التي سنرسو بها أو المسافة التي سنقطعها أو الأحوال الجوية، لكننا قطعنا وعودًا على أنفسنًا أن تلك الليلة هي ليلة الهروب. كانت الساعات التالية صعبة، أردت الذهاب إلى القبطان لأشكره، أردت إخباره أنني لن أنسى الوقت الذي أمضيته بالغواصة. لكنني أدركت أيضًا، أنه لن يتركنا نغادر الغواصة أحياء، بدلًا من ذلك، أمضيت الوقت في غرفتي حتى الساعة العاشرة.
وعند الساعة العاشرة، تسللت بمحازاة السجادة بالردهة وفتحت باب حجرة الصالون بهدوء، كان القبطان نيمو يجلس بالقرب من أجهزته، لم أملك خيارًا آخر، كان علي الاقتراب منه، وأثناء فعلي ذلك، استدار حوله، كانت عيناه تمتلئ بالدموع، أردت التحدث معه، لكن لم أستطع. بدلًا من ذلك أسرعت الخطى عبر حجرة المكتبة ثم صعدت السلم وخرجت من الباب ثم وصلت إلى زورق صغير كان على متن الغواصة، تأكدت من أن القبطان لا يتبعني.
صحت: «لنرحل! لنرحل!»
كان الأمر مروعًا، فالأمواج تهز الزورق هزًّا عنيفًا صعودًا وهبوطًا، والضجيج عال حتى إننا لم نستطع سماع بعضنا، بدا أن مغادرة الغواصة واستقلال زورق صغير للتحرر وسط المحيط فكرة حمقاء في ذلك الوقت. لكن العودة مجددًا ومواجهة القبطان، الذي سيكون بالتأكيد غاضبًا، فكرة لا تقل حماقة.
لم يكن لدينا خيار آخر حقًّا، كان صديقاي يحاولان التوصل إلى أفكار عندما ارتطم رأسي بقطعة حديدية، وفقدت الوعي فوق الزورق، لا أدري أين أخذتني الساعات القليلة التالية.
عندما استعدت الوعي، كنت أرقد في كوخ صياد، وصديقاي على مقربة مني، في أفضل حال، يمسكان بيدي. عانقنا بعضنا بعضًا بقوة.
وضعت رأسي مرة أخرى فوق الوسادة، وابتسمت، هل سيصدق أي فرد المغامرة التي خضناها الآن؟ حقًّا … لا يهم. فقد اكتسبت حق الحديث عن هذه البحار، ومع كل هذا، في أقل من عشرة شهور، قطعت عشرين ألف فرسخ في جولة حول العالم على متن غواصة.
لكن ما مصير الغواصة نوتيلوس؟ أين القبطان نيمو الآن؟ هل ستحمل له الأمواج يومًا ما الكتاب الذي ألفته عنه؟ هل سأعرف يومًا إجابات الأسئلة التي تدور بخلدي عن هذا الرجل؟
أتمنى هذا، كما أتمنى أن تنجو هذه الغواصة القوية من المحن التي أخفقت فيها سفن أخرى. أدعو الله أن يملأ الخير قلبه، كما أدعو له أن يجد قلبه الطمأنينة في دراساته عن البحر.
وبعد قضاء تسعة أشهر مع القبطان نيمو في عالم أعماق المحيطات، هل عثرنا على إجابة الأسئلة الحياتية كافة؟ ربما لا. لكن هل نملك الحق في عرض النتائج التي توصلنا إليها لنجعل العالم مكانًا أفضل؟ سيخبرنا الوقت بذلك. كل ما أدركه أنني أمضيت وقتًا ليس له مثيل، تعلمت الكثير من ذلك الرجل أكثر مما يمكن أن أتعلمه في أي مدرسة أخرى. كنت سجينًا، لكن سجين متحمس، أحترم هذا الرجل وأشكره للهدية التي أهداني إياه.
تلك الأشياء البعيدة التي توجد في الأعماق، من يستطيع استكشافها؟ رجلان فقط يملكان الحق في تقديم الإجابة الآن: القبطان نيمو وأنا.