الغواصة نوتيلوس
استغرقنا في النوم مدة طويلة، سعدت بذلك القدر من الراحلة لأنه سيسمح لي بالتفكير بوضوح أكثر. شيئًا فشيئًا بدأنا نتساءل عن المكان وعن أسباب احتجازنا في زنزانة. لم يمر وقت طويل قبل أن نلحظ ارتفاع حرارة الجو بالمكان، فقد كنا نعاني صعوبة في التنفس! وما إن بدأ القلق يساورني حيال وجودي في هذه السفينة، حتى اندفع هواء نقي عبر منفذ ما، في الوقت نفسه بدأت السفينة تتحرك.
تحدثنا عن موقفنا، وأدركنا أنه مر علينا يوم كامل منذ تناولنا وجبتنا الأخيرة حتمًا؛ إذ شعرنا بجوع شديد، كان نيد من بدا عليه الانزعاج أكثر، فنقص الهواء النقي والشعور بالجوع جعلاه يتصرف بسوء وغضب. عندما ظهر بعض الرجال أخيرًا عند الباب، قفز نيد تجاه الرجل الأول وأحكم قبضته عليه، منعه كونسيل قبل أن يؤذي الرجل بالفعل.
«تحكم في أعصابك يا سيد نيد! وأنت يا بروفيسور عليك أن تستمع إليّ جيدًا.» تقهقرنا في دهشة بعد سماع الكلمات بالفرنسية، كان قبطان السفينة يتحدث إلينا، تراجع نيد، وأرخى قبضته عن الرجل، مر بضع دقائق قبل أن يتحدث الرجل المسئول مرة أخرى.
قال: «يا سادة، أنا أتحدث لغتكم، أعرف من أنتم وماذا كنتم تفعلون على متن سفينة أبراهام لينكولن.»
قلت: «لكن من أنت يا سيدي؟ ولماذا تحتجزنا هنا؟» كانت كلماتي هادئة لكنني استشعرت بالغضب داخلي.
«أنا رجل سئم العالم بما كان عليه، وأنشأت عالمًا خاصًّا بي، عالمًا لن أتركه أبدًا.»
«هذا يناسبك أنت يا سيدي، لكن ماذا عنا؟ لسنا جزءًا من خطتك.» حاولت ألا أبدو غاضبًا لأنني لم أكن أدري خططه.
أجاب الرجل الغريب: «أعرف أنكم كنتم تحاولون مطاردتي واصطيادي على مدى شهور، ولهذا السبب لا أحبكم، لكن بما أنكم هنا رغمًا عنكم، فسأهيأ الأمور كي تشعرون بالراحة، ستنعم أنت وأصدقاؤك بالحرية على سفينتي، ما لم أر بالطبع حاجة لإخفائكم. وإذا حدث ذلك، فمن الممكن أن أحتجزكم داخل الحجرات.»
لم يغير غضبنا الواضح من رأي الرجل.
قال الرجل: «لن تندمون من قضاء الوقت هنا، ولأنني رجل يدرس البحار، فستجدونها مذهلة.»
لا أختلف في أن هذا المكان قد يكون رائعًا للاستكشاف، قررت ألا أجادل معه وسألته عن اسمه بدلًا من ذلك.
«يمكنك أن تناديني بقبطان نيمو، وبالنسبة لي أنتم لستم سوى ركاب على متن النوتيلوس.»
دخل رجلان وأومآ لكونسيل ونيد ليتبعاهما، أخذني القبطان نيمو إلى طريق آخر. سرنا مسافة قصيرة وانتهى بنا الحال داخل حجرة طعام رائعة. جلست إلى طاولة لتناول الفطور، رأيت أصنافًا مختلفة من الطعام، تذوقت معظمها قبل أن يتحدث القبطان ثانية.
«البحار هي كل شيء، فهي تغطي معظم العالم، تجعلني أشعر بالحرية والأمان من كل أشكال الأذى.»
أدركت أنه يعني كل كلمة، سار جيئة وذهابًا وهو يتحدث عن كل شيء بدءًا من الأسماك حتى أعماق البحار. عندما شعرت أنه أنهى كلامه، نهضت. أشار القبطان إلي لأتبعه مرة أخرى.
وصلنا إلى حجرة المكتبة، كانت هذه الحجرة أجمل من حجرة الطعام، فكانت مزودة بكافة وسائل الراحة التي يحتاجها الفرد.
«هل هناك مكان أفضل للقراءة من أعماق البحار؟ أملك اثني عشر ألف كتاب هنا، هنا حيث السكون والخصوصية.»
وافقته على الفور وتوجهت مباشرة نحو الرفوف، فرأيت كتبًا في العلوم والأدب، كانت مكتوبة بعدة لغات مختلفة، وبدا أن جميع الكتب قد قرأت من قبل، فكرت في أن القبطان يحب هذه الحجرة حتمًا، ويأتي إلى هنا كثيرًا ليهرب إلى عالم القصص.
قلت: «شكرًا لك للسماح لي بهذه المتعة.» وأنا غير قادر على الابتعاد عن رفوف الكتب ولا أدري من أين أبدأ.
ضحك القبطان في دهشة من الأشياء الجديدة التي أتعلمها. بقدر معرفتي عن عالم البحار إلا أن القبطان كان يبهرني. ومع كل هذا، لم أكن شاهدت العجائب بعد. رافقت الرجل المهذب في جولة على متن النوتيلوس. كانت جميع الحجرات، بما في ذلك الحمام والمطبخ، تحمل طابعًا رفيعًا في الديكور. وكانت الآليات التي تحافظ على سير السفينة بسلاسة أغرب من أي شيء تصورته من قبل. تركت الكهرباء المستخدمة في تشغيل السفينة بأكملها شعورًا بالرغبة في معرفة مزيد من المعلومات حول السفينة الرائعة التي نبحر بها.
تحدث القبطان نيمو خلال الدقائق العديدة التالية عن تفاصيل تخص السفينة. فهمت كيف يتمكن الوحش الضخم من الصعود على سطح المياه والغوص مسافات بعيدة تحت سطح المياه لأنني عالِم؛ فأي مستمع آخر كان سيجد صعوبة في الفهم، لكنني فهمت كلامه واستمتعت به. ما زلت أشعر بالذهول من أن سفينة من هذا النوع يمكن تصميمها دون علم أي دولة؛ لكن ذلك كان صحيحًا، وأنا أثق بشدة في أنه ليس باستطاعة رجل آخر في العالم فعل ذلك. يتمتع القبطان نيمو بالذكاء والثروة والسلطة. يمكنه في الحقيقة تغيير المستقبل لأشخاص حول العالم، وجدت أن هذه الفكرة مخيفة ومريحة على حد السواء، أدركت أنني سأمضي وقتًا طويلًا مع هذا الرجل المثير للاهتمام.
سألني القبطان: «هل لك أن تنضم إلي على سطح السفينة؟» واتجه نحو السلم، صعدت السلم الحديدي ووجدت نفسي فوق سطح النوتيلوس، كان منظر البحر رائعًا من هنا، والسماء صافية ونسيم خفيف جعل الأمواج تتحرك، لم أشعر بإثارة أكثر من ذلك طيلة حياتي!