انطلاق المغامرة
ظل البحر هادئًا والسماء صافية، لم أستطع رؤية أرض من أي جهة، ولم أعلم في بداية الأمر أين نرسو. ظهر رجل من طاقم السفينة على السطح وقاس ارتفاع الشمس، وفي غضون ثوانٍ عرفنا الوقت والموقع.
قال القبطان نيمو: «أتركك الآن مع دراساتك، هناك خرائط بالأسفل لتتبعها وحجرة مخصصة للتأمل، سأكون في حجرتي.»
أدهشني قصر الوقت الذي أمضاه معي القبطان. ومع ذلك، تطلعت إلى الساعات التي سأقضيها وحدي. مكثت بسطح السفينة، ثم ذهبت إلى الصالون بالأسفل. كان هناك العديد من الخرائط في انتظاري، ومدة ساعة كاملة لم أفعل فيها شيئًا سوى التفكير. لم أصدق أن هذه المغامرة حقيقية، لكن دخول صديقيّ جعلها تبدو حقيقية تمامًا.
سأل نيد: «أين نحن؟»
أجبت: «يا صديقيّ، أنتما على متن السفينة نوتيلوس. يجب أن نعتبر أنفسنا محظوظين. فهذه سفينة مذهلة.»
قال نيد بصوت عال: «محظوظين؟ نحن عالقون هنا في سفينة ليست مصنوعة إلا من عوارض حديدية! كيف يمكن أن نقول على ذلك حظ جيد؟»
أمضيت الدقائق التالية في محاولة إثارة إعجاب الرجل بالأشياء التي شاهدتها. عرفت أن نيد لن يشعر على الأرجح بما شعرت به. فقد رأيت الجمال والعجب على أصلهما، ومع ذلك، شعرت أنه يعي ما أحكيه، بقدر قليل على الأقل.
فجأة، عم الظلام حولنا، لكنني لم أقلق هذه المرة كما قلقت من قبل، بل انتظرت، توقعت رؤية شيء عجيب عندما عاد الضوء مرة أخرى. لم يخب ظني، على مدار الساعتين التاليتين، استمتعنا بمهرجان من الألوان والحركة الرشيقة، سبحت أسماك ومخلوقات أخرى لم أرها من قبل بجوار السفينة، كان هناك ثعابين يبلغ طولها ستة أقدام، والسمندر الياباني منتشر في كل مكان، سيطرة علينا حالة من الذهول لما نراه من الطبيعة الخلابة من حولنا.
كنت سعيدًا للغاية برؤية ودراسة هذه الحيوانات في موطنها الأصلي، اجتذب وهج السفينة الأسماك. توقعت رؤية القبطان نيمو مرة أخرى، لكنه لم يظهر. وبعد مرور بعض الوقت، عاد نيد وكونسيل إلى الحجرة الخاصة بهما، وذهبت إلى حجرتي لتناول الغذاء، كانت وجبتي مكونة من حساء السلاحف ونوع من الأسماك لم أستطع تمييزه. قضيت معظم المساء في المطالعة والكتابة والتفكير. وأثناء انطلاق سفينة النوتيلوس في النهر الأسود، تمددت فوق الأريكة واستغرقت في النوم.
كان اليوم التالي هو التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني، استيقظت بعد نوم طويل بلغ اثني عشرة ساعة. ارتديت ملابسي وذهبت إلى المكتبة. درست كل ما وقع بيدي ذلك اليوم، مر الوقت سريعًا، مر الوقت بأكمله دون زيارة من القبطان نيمو. وكان اليوم التالي كسابقه، لم أر أحدًا من طاقم السفينة. أمضى نيد وكونسيل اليوم معي، كانا مندهشين أيضًا من عدم زيارة القبطان لنا. هل هو مريض؟ هل هو شديد الانشغال لدرجة تمنعه من زيارتنا؟
قُدم لنا الطعام وسمح لنا التجول بحرية في السفينة، فأدركت أن القبطان لم ينسنا. في اليوم التالي كنت مسرورا لحدوث تغيير؛ إذا أدركت أننا صعدنا إلى سطح المحيط بعد انتشار الهواء النقي في السفينة.
وجدت السلم وصعدت إلى السطح، كانت الساعة السادسة، والجو ملبد بالغيوم، لكن البحر الرمادي كان هادئًا، وبددت أشعة الشمس الضباب، كنت أستمتع بمشهد شروق الشمس حين سمعت صوت خطوات قادمة إلى السطح. استعددت للترحيب بالقبطان نيمو، لكنني رأيت مساعده، نظر إلى البحر، وقال بضع كلمات بالألمانية، ثم غادر. مرت خمسة أيام مماثلة، كل صباح أذهب إلى السطح، ويأتي مساعده كالعادة إلى السطح، لم يظهر كابتن نيمو قط.
إلـى البروفيسور آروناكس الموجـود على متن السفينة نوتيلوس:
يدعو القبطان نيمو البروفيسور آروناكس إلى حفلة صيد غدًا في الصباح. سنزور غابات جزيرة كريسبو. يأمل القبطان ألا يكون هناك ما يمنع البروفيسور من المجيء. وسيسره مجيئك بصحبة صديقيك.
تعجب نيد: «صيد!»
أضاف كونسيل: «وفي غابات جزيرة كريسبو!»
قلت: «لنر أولًا أين تقع جزيرة كريسبو» لم أشعر بالإثارة مثلهما.
توصلنا من الخريطة أن جزيرة كريسبو هي جزيرة صغيرة في منتصف الجزء الشمالي من المحيط الأطلنطي. ذهبنا لتناول العشاء ثم إلى النوم ونحن نتساءل ما الذي ينتظرنا.
عند الاستيقاظ صباح اليوم التالي السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني، شعرت أن السفينة نوتيلوس كانت واقفة، ارتديت ملابسي سريعًا ودخلت المكتبة.
كان القبطان نيمو ينتظرني هناك، نهض وانحنى تحية وسألني هل أنا مستعد للرحلة.
دخلنا حجرة تناول الطعام، حيث تناولنا فطورنا، تحدث إليّ القبطان نيمو مجددًا عن آليات عمل السفينة. اليوم أخبرني عن تحديات توفير الأكسجين داخل السفينة. استمعت إليه باهتمام لمعلوماته عن عالم البحار وآليات عمل الغواصة.
وبعد أحاديث أخرى عن الهواء وعن أنواع بنادق الصيد التي قد تنجح تحت الماء، أخذني القبطان نيمو عبر الردهة، ناديت على صديقيّ أثناء مروري أمام الحجرات الخاصة بهما، لحقا بنا مباشرة وهما لا يعرفان ماذا ينتظرهما.