نزهة على الأقدام
كانت الثياب التي من المفترض أن نرتديها ثقيلة، كانت مصنوعة من المطاط ومعها أحذية طويلة وقفازات. وسريعًا كنت أنا والقبطان نيمو وأحد معاونيه وكونسيل مستعدين. في النهاية، اختار نيد عدم الذهاب معنا. فقد استشعر الرجل المسكين بالغرابة حيال فكرة الرحلة برمتها، وكانت البدلة المطاطية كافية لتجعله يتراجع تمامًا. ربما احتاج إلى الاستراحة من كل هذا الغموض، لعله — لمرة واحدة — أراد أن يسترخي ويسمح لشخص آخر بالبحث عن أجوبة، أيًّا كان السبب فقد غادرنا وتركنا نيد بكل سرور وبدأنا رحلتنا بدونه.
أعطاني أحد أفراد طاقم الغواصة نوتيلوس بندقية مصممة خصوصًا للاستخدام في الماء، أخذتها واستعددت لارتداء خوذتي، كان الجزء العلوي من الثياب به ثلاثة ثقوب يحميها زجاج سميك، هذا سيسمح لنا بالرؤية في كافة الاتجاهات. وعندما عُلقت المعدات على ظهورنا، تمكنت من التنفس في الخوذة.
استعددت للمسيرة بمصباح يتدلى من حزامي وبندقية بيدي. مع ذلك وجدت صعوبة في التحرك بهذه الثياب! لكن لم يكن هناك داع للقلق، شعرت بشيء يدفعني داخل حجرة صغيرة، تبعني كونسيل وانغلق الباب وراءنا، ومجددًا وجدنا أنفسنا في مكان مظلم.
وبعد بضع دقائق، سمعنا صوت أزيز عال، شعرت بالمياه الباردة حول جسدي، انفتح باب آخر، رأينا ضوءًا خافتًا، وفي غضون لحظة أخرى كانت أقدامنا في أعماق البحر.
كيف يمكنني حتى البدء في تفسير روعة السير تحت المياه؟ لم أكن أشعر بثقل الثياب والحذاء وجهاز الأكسجين أو خوذتي السميكة.
كان الضوء من حولي يذهل العقول! اخترقت أشعة الشمس المياه بسهولة، كان من السهل رؤية الأشياء التي تبعدني بمسافة مائة وخمسين ياردة.
خضت في الرمال على مدى ربع ساعة، يا له من مهرجان يسر الأنظار! رأيت زهورًا وقطعًا صخرية ونباتات وقواقع وحياة بحرية. يا له من منظر بديع! كل هذه العجائب التي رأيتها في ربع ميل فقط! لوح لي القبطان نيمو، واصلت السير. تحولت الرمال أسفلنا إلى وحل لزج. بعد ذلك سرنا فوق بساط من الأعشاب البحرية، مع كل خطوة أخطوها، تعلمت المزيد والمزيد عن هذا العالم تحت البحار، تمنيت كتابة الملاحظات، كان لدي الكثير لأكتبه! تخترق الشمس الآن الماء بطريقة مختلفة، وجعلت كل شيء يبدو مختلفًا. نظرت إلى الأسماك والأعشاب التي بدت أنها تستمتع بالسباحة بين الأعشاب. وفي الوقت الذي وصلت فيه إلى قمة الاستمتاع، توقف القبطان نيمو، انتظر حتى أدركته، ثم أشار إلى شيء ضخم في الظلام، شيء بعيد قليلًا.
فكرت في نفسي: «إنها غابة جزيرة كريسبو» لم أكن مخطئًا.
وصلنا أخيرًا إلى حدود الغابة، تألفت الغابة من أشجار ضخمة، كان المكان رائعًا، لم تكن ساق النباتات أو فروعها منكسرة أو ملتوية، وقف كل شيء مستقيمًا، يمكن تفسير سبب نمو هذه النباتات بهذا الشكل علميًّا، لكنني لم أشغل نفسي بالتفكير كثيرًا في الأمر، كنت أمضي وقتي في التأقلم مع الظلام من حولي، استكشفت المكان على مدار ساعة تقريبًا قبل أن يصدر القبطان نيمو إشارة للتوقف، سعدت بأخذ استراحة، رقدت فوق الأعشاب المستقيمة، ساعدتني هذه الراحة القصيرة على الاسترخاء.
وبعد مرور أربع ساعات من السير احتجت إلى غفوة. أغلقت عيني سريعًا خلف الزجاج السميك واستغرقت في نوم عميق.
لا أدري المدة التي استغرقتها في النوم، وعندما استيقظت، بدا أن الشمس تغرب، كان القبطان نيمو قد استيقظ بالفعل، بدأت في بسط ذراعي حين طرحني سريعًا شيء ما أرضًا.
كان عنكبوتًا بحريًّا ضخمًا له عينان مغمضتان جزئيًّا يراقبني على بعد بضع خطوات. بدا في حالة استعداد للانقضاض عليّ، ارتجفت ذعرًا، مع أنني أعرف أن البدلة ستحميني، لم يمض سوى بضع ثوانٍ حتى مات المخلوق القبيح. استخدم القبطان نيمو بندقيته، جعلني ذلك أدرك أنه مع روعة هذا العالم، فمن الممكن أيضًا أن يكون خطيرًا للغاية.
واصلنا السير مجددًا، كانت الأرض مرتفعة إلى حد ما، لاحظت أن المكان يزداد ظلمة وكانت توجد جدران من حولنا، لن تصل أشعة الشمس إلى هنا، من ثم تعذرت الرؤية للغاية. كنت أتحسس خطواتي حينما رأيت فجأة ضوءًا أبيض ساطعًا، فقد أشعل القبطان نيمو مصباحه الكهربي، فعلت أنا وكونسيل مثله.
كان القبطان نيمو يشق طريقه في الأعماق المظلمة للغابة، لاحظت أن الحياة النباتية كانت تختفي ببطء، وأثناء سيرنا، تملكني شعور أنني مراقب، اعتقدت أن هناك مخلوقات بحرية تختبئ في الظلام، حتى إنني رأيت القبطان نيمو يصوب بندقيته في وقت ما، ثم انتظر، ثم تابع السير بحذر. وبعد مرور عدة ساعات بدأنا نبطئ السير، نظرت أمامي لأرى جدارًا من الصخور أمامنا، استغرقت دقيقة لاستيعاب الأمر، كانت هذه جزيرة كريسبو، توقف القبطان نيمو فجأة، ومع إشارة من يديه توقفنا جميعًا أيضًا، بقدر ما كنت أريد تسلق هذا الجدار، أدركت أن هذه نهاية النزهة.
بدأت رحلة العودة، سلكنا طريقًا آخر إلى السفينة. كان ذلك الطريق وعرًا ومؤلمًا للغاية، لكن سرعان ما عاد ضوء الشمس وشعرت بالانتعاش قليلًا، رأيت الأسماك وغيرها من المخلوقات البحرية على الفور. وفي وقت ما رأيت القبطان نيمو يطلق النار تجاه شجيرات بالقرب من سطح المياه. سمعت صوت أزيز منخفض وسقط حيوان بحري أمامنا، كان ذلك المخلوق ثعلبًا مائيًّا ضخمًا، طوله خمسة أقدام وبدا من أنواع الحيوانات التي يستخدم فراؤها في صنع المعاطف في معظم البلدان. التقط رفيق القبطان نيمو الحيوان وألقاه فوق كتفه، وواصلنا رحلتنا.
كنت مسرورًا لعودتنا، إذ كان الهواء الذي زُودت به يقل. كنت أتابع السير حين رأيت القبطان نيمو يهرول باتجاهي، دفعني على الأرض وفعل رفيق القبطان الشيء نفسه مع كونسيل، راقبت الموقف مع استلقاء القبطان نيمو بجواري في ثبات شديد.
تجمد جسدي من الخوف عندما نظرت إلى أعلى ورأيت سمكتي قرش. عرفت من أبحاثي أنها مخلوقات ضارية — أي حيوانات مفترسة يمكنها التهام إنسان كامل بين فكيها.
لحسن الحظ لا ترى هذه الحيوانات ذات الأسنان الحادة جيدًا، فقد مرَّا دون رؤيتنا، كنت سعيدًا للغاية عندما وصلنا إلى النوتيلوس. كل ما أردته الذهاب إلى حجرتي وتناول الطعام والنوم. علمت أن أحلامي ستدور حول مغامرتنا في قاع البحر.