بضعة أيام فوق الأرض
بحلول صباح اليوم التالي، كنت تخلصت من إرهاق اليوم السابق. تحدثت مع القبطان نيمو عن عجائب البحار التي شاهدناها. كانت رؤية أنواع الأسماك والحياة البحرية التي تعيش في أعماق مختلفة في المياه أمرًا مثيرًا للغاية، إذ يملك كل مخلوق ما يلزم للبقاء حيًّا في موطنه البحري. كما سألت أيضًا القبطان عن محيطات العالم وعن أعماق المناطق المختلفة. كان يعرف الكثير من ذاكرته ودون الاستعانة بكتب، قال إن المنطقة التي نوجد بها الآن، في هذا الجزء من المحيط الهادئ، يبلغ عمقها أربعة آلاف ياردة تقريبًا.
«إذا نظرت إلى كافة المحيطات في العالم، وحسبت متوسط أعماقها بحيث تشكل قاع بحر عريض ومسطح، فسيكون الناتج نحو واحد وثلاثة أرباع فرسخ، أو خمسة أميال تقريبًا.» شكلت كلمات القبطان إضافة إلى البحث الذي كنت أجريه وأجابت عن بعض الأسئلة التي كانت تدور في ذهني.
لم أر القبطان كثيرًا على مدار الشهر التالي، أعتقد أننا كنا منشغلين للغاية بدراساتنا ومشاغل الحياة اليومية. حل شهر ديسمبر/كانون الأول سريعًا، كنت أدرس الجزر أثناء مرورنا بها، من وجهة نظر الإنسان العادي، ليست هذه الجزر سوى كتل أرضية تحيطها المياه من كل جانب، أما من وجهة نظري، فهي سلسلة صخرية قرب سطح المياه أو رواسب خلفتها البراكين أو الجبال القريبة. شاهدت الجدران عن كثب أثناء مرورنا بها كل يوم، وباستخدام المصباح الكهربي ظهرت واضحة للغاية، تعلمت قدر المستطاع كلما سنحت لي الفرصة.
مرت أسابيع، صادفنا فيها سفنًا غارفة وأسراب أسماك غنية بالألوان أكثر مما كنت أتخيل، وأجواء عاصفة هزت الغواصة هزًّا. وفي أحد الأيام اهتزت الغواصة فجأة، فقد ارتطمت بصخرة الآن، لكنها كانت كافية لتتسبب في إيقافها. كان من الممكن أن أعتبر هذا الأمر مشكلة، لكن بدلًا من ذلك رأيته فرصة، اتفق نيد معي في هذا.
«هذه جزيرة، فوق هذه الجزيرة هناك أشجار وتحت هذه الأشجار توجد حيوانات، يمكننا أن نصنع منها اللحم المشوي وشرائح اللحم ….»
سأل كونسيل: «هل سيسمح لنا القبطان بزيارة هذه الجزيرة؟»
كنت أشعر بالفضول أيضًا، حيال ما سيقول القبطان نيمو؛ سألته ووافق بسهولة. وفي تمام الساعة الثامنة، انطلقت أنا وصديقيّ ونحن مسلحون بالبنادق والفئوس من الغواصة.
تملكني شعور رائع لوقوفي على الأرض ثانية! استنشقت جمال الطبيعة من حولي كما استنشق الهواء. أذهلتني ضخامة الأشجار أولًا، وأخذنا من النباتات الزاخرة جوز الهند، التي حصلنا منها على اللبن لشرابه وعلى جوز الهند لتناوله. شاهدنا العديد من العجائب أثناء سيرنا بالغابة، وجدنا حمامًا وتناولناه، لكنه تسبب في فتح شهيتنا أكثر. كانت الخنازير البرية والأرانب قد ملأت بطوننا بما كنا نحلم به، لحم حقيقي. كانت الأسماك على متن الغواصة نوتيلوس شهية، لكننا اشتقنا جميعًا إلى مذاق اللحم، الذي لا يضاهيه مذاق. استمتعنا بوقتنا خارج الغواصة، واسترخينا وتأملنا العالم من حولنا، ولولا مطاردة السكان الأصليون لنا، لكانت رحلة مثالية.
أخبرنا القبطان نيمو أنه إذا اجتمع سكان جزيرة بابو معًا على الشاطئ، فليس هناك شيء نتخوف منه. وبحلول صباح اليوم التالي كان هناك خمسمائة أو ستمائة شخص على الأقل من سكان الجزيرة حولنا، كانوا مفتولي العضلات، يرتدون ملابس بسيطة تتلاءم مع المناخ، كانت بعض النساء تلف الأعشاب والخضروات حول خصرها، وجميع السكان تقريبًا يحملون أقواسًا وأسهمًا ودروعًا واقية على أكتافهم.
تحدثت مع القبطان نيمو عنهم، وأخبرته بمشاعر الخوف التي تملكتني، «علينا فتح أبواب الغواصة غدًا لتجديد الهواء داخلها، من المؤكد أنهم سيقفزون من زوارقهم وسيتسلقون على متن الغواصة.»
أجاب القبطان: «لا بأس، ليأتوا بالداخل إذن، غدًا في تمام الساعة الثالثة والثلث، سيدفعنا المد والجزر بعيدًا عن هذه الصخرة وسنستأنف رحلتنا مرة أخرى.»
استغرقت في نوم عميق، استيقظت في الساعة السادسة صباح اليوم التالي. لم تفتح أبواب الغواصة بعد. كان لا يزال لدينا مخزون هواء، لكنه كان ينخفض بما ينذر بالخطر. وفي تمام الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة، جاء القبطان نيمو إلى الصالون.
قال: «سنبدأ، لقد أعطيت الأوامر بفتح أبواب الغواصة.»
سألته: «وماذا عن سكان الجزيرة؟ ألن يقفزوا عبر الأبواب التي فتحتها؟»
«تعال وسترى.»
كان نيد وكونسيل يراقبان طاقم السفينة حول الأبواب، سمعنا صرخات ذعر وغضب في الخارج، رأينا وجوهًا مخيفة عندما نظرنا إلى الخارج، كان السكان الأصليون يعودون أدراجهم وهم يصيحون بصوت عالي مثلما أتوا. لكن هذه المرة، كان بسبب توجعهم.
لم يلمس سكان الجزيرة سور السفينة عندما حاولوا التسلق على سطحها، بل لمسوا كبلًا أو سلكًا معدنيًّا، شحنه القبطان نيمو بالكهرباء. فأي شخص يلمسه يشعر بصدمة كهربية قوية، ليست بالقوة التي قد تقتل إنسان، لكن الهدف منها إفزاعه. كانت كافية لتجعلهم يتراجعون ويسمحون لنا بالمغادرة.
ومع رحيل سكان الجزيرة وتحرر الغواصة ثانية، سبحت الغواصة في المياه ببطء، وغادرنا لمغامرة ثانية.