فراشة دودة ورق العنب
ما إن تأذن شمس الربيع في شهر نيسان بالمغيب خلف الأفق، ويحلُّ المساء رويدًا رويدًا، وتروح أزهار حديقتكم تتفتَّح باسمةً للمساء، مزهوَّةً بجمالها وتعدُّد ألوانها، ناشرةً شذاها وعبير أزهارها؛ حتى ترَوني أحوم حولها بحركات سريعة، أتوقَّف أمام إحداها ثانيةً من الزمن أرتشف رحيقها اللذيذ بخرطومي الطويل، وأنتقل إلى أخرى بحركة خاطفة فيها الكثير من الخِفة والمهارة وسرعة المناورة.
كثيرون ممَّن رأوني للوهلة الأولى ظنُّوا أنني الطائر الطنَّان، ذلك العصفور الصغير؛ حيث أمتاز بطيراني السريع، وخفة حركاتي، وسرعة رفرفات أجنحتي التي لا تكاد تُرى، ممَّا يجعلني كثيرة الشبه بذلك الطائر.
وفي حقيقة الأمر أنا فراشة ليلية، جميلة الشكل، كبيرة الحجم، يصل طول جسمي إلى ٤ سنتيمترات، والمسافة بين نهايتَي جناحَي ٧ سنتيمترات.
أنشط مساءً وأتغذَّى على رحيق الأزهار، عاملًا بذلك على القيام بمهمَّة حيوية وخدمة جليلة لنباتاتكم، ولكم، ولأنعامكم؛ حيث أساعد على نقل حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى، فتتلقَّح الأزهار، وتتكوَّن الثمار، وتتشكَّل البذور، ويزداد الإنتاج.
أقوم بوظيفتي الحيوية تجاه عائلتي التي أنتمي إليها من أجل استمرار أجيالنا، فأضع مجموعةً من البيوض على السطح السفلي لورقة النبات يتراوح عددها بين ٥٠ إلى مائة بيضة.
وبعد مرور ١٣ يومًا على وضع البيوض تفقس عن يرقات خضراء صغيرة مُخطَّطة جائعة، يميُّزها ذلك القرن في نهاية جسمها.
يتوقَّف نشاط يرقاتي نهارًا، وتختفي عن عيون المفترسين من الطيور والحشرات الأخرى. ولكن ما إن يأتي المساء حتى تنشط وتنتشر تتغذَّى على الأوراق فتنمو ويكبر حجمها، وتزداد شهيتها وشراهتها للأكل يومًا بعد آخر، إلى أن تبلغ يرقاتي الجائعة حجمها الكامل في أوائل شهر تموز، مؤدِّيةً إلى تجريد النباتات من أوراقها، ولافتةً نظركم إلى الضرر الكبير الذي تسبِّبه، الأمر الذي يزيد نقمتكم عليها نتيجة ظهور أعراض الضعف على الأشجار، وانخفاض إنتاجها، وتدَنِّي جَودة محصولها الذي تنتظرونه من الثمار والأوراق.
وفي نهاية طَورها اليرقي تُسقط اليرقات نفسها إلى التربة لتدخل طَورًا جديدًا، متحوِّلةً إلى عذراء مكبَّلة تبقى هكذا مدةً تتراوح بين أسبوعَين إلى ثلاثة أسابيع.
إلا أن هذه العذارى المكبَّلة، ورغم عدم حراكها فإنها لا تسلم من أصحاب تلك الأشجار المتضرِّرة الحاقدين عليها، فيبحثون عنها في التربة، وبين الأعشاب وأوراق الأشجار المتساقطة، ويجمعون منها ما استطاعوا للتخلُّص منها قبل أن تخرج من شرنقتها فراشةً جديدةً تشبهني تمامًا، تطير وتتابع دورة حياتها.
أمَّا العذارى التي كُتِب لها النجاة فقد تبقى في حالة بيات شتوي حتى العام القادم، لتخرج بعدها في فصل الربيع فراشةً جميلةً تطير في الحقول، وتتغذَّى على غبار طلع الأزهار، حبوب اللقاح، وتتكاثر لضمان استمرار نسلنا وسلالتنا، مقدِّمةً خدمةً جليلة للنباتات وبقية الكائنات الحية خلال نقلها حبيبات اللقاح من زهرة إلى أخرى، عاملةً بذلك على زيادة إنتاجها من الثمار والبذور في أكثر من ١٠٠ نوع من النباتات الزهرية.
واسمحوا لي أن أدافع عن نفسي وأقول لكم: أنا فراشة مسالمة، أتغذَّى على رحيق الأزهار، وألعب مع أصدقائي من الحشرات والكائنات الأخرى دورًا هامًّا في تلقيح العديد من نباتاتكم الزهرية، وزيادة إنتاج محاصيلكم الزراعية.
وإذا كانت الظروف المناخية والبيئة مناسبة، فقد يكون لي أكثر من جيل في السنة؛ ولهذا تشاهدونني كثيرًا بين الحين والآخر أزور نباتات حديقتكم والأزهار التي تفَتَّحت على شُرفات منازلكم.
أمَّا الأضرار التي تشاهدونها على أوراق أشجاركم ونباتاتكم المزروعة: من العنب، والتفاح، والبطاطا، والبندورة، وغيرها من نباتات منازلكم المتسلِّقة: كالدالية، والخميسة، وما يتبعها من ضَعف وتدهور في حالتها، وانخفاض إنتاجها، فتعود إلى يرقاتي الخضراء بحجمها الكبير، وشهيتها النهمة؛ فهي المسئولة عن تلك الأضرار أثناء تغذيتها على أوراق تلك النباتات، من أجل نموِّها واكتمال دورة حياتها.
ويمكنكم الاستدلال على وجود يرقاتي على شجرة العنب، أو على غيرها من الأشجار في حديقة منزلكم، من خلال مشاهدة الأضرار على الأوراق المأكولة، أو مشاهدة أفرع مجرَّدة تمامًا من الأوراق.
كما يمكنكم رؤية براز اليرقاي المميَّز تحت الشجرة، حيث يكون على شكل كرات كبيرة الحجم، ذات لون أسود، تشبه بعر الأغنام أو الماعز.
وللحَدِّ من أضرار يرقاتي النهمة يمكنكم جمعها بأيديكم، وإبعادها عن أشجاركم الجميلة؛ للمحافظة على أوراقها سليمة، تؤمِّن لكم الهواء النقي، والظل، والجمال.
وختامًا أعزائي الأطفال أعرِّفكم على نفسي أكثر فأقول لكم:
أنا فراشة ورق العنب، يدعونني عثَّة الصقر الطنانة، وعثَّة أبو الهول، ودودة ورق العنب، وفراشة سفنكس. أتبع فصيلة فراشات الصقر التي يندرج تحتها عشرات أنواع العث والفراشات، من رتبة حرشفية الأجنحة، في طائفة الحشرات، من شعبة مفصليات الأرجل.
أمَّا نسبي فينتهي إلى المملكة الحيوانية.