فذلكة تاريخية
فرغنا من رواية صلاح الدين وقد دخلَت مصر في حوزته، وبنى بها قلعة القاهرة وجعلها كرسي ملكه، ثم توارثها السلاطين من أولاده وإخوته وأولادهم وأحفادهم، واقتسموا فيما بينهم مُلك مصر والشام، حتَّى أفضت السلطنة بمصر سنة ٦٣٧ﻫ إلى الملك الصالح بن الكامل، فأكثرَ من اقتناء المماليك الأتراك، وجمع منهم نحو ألف مملوك، بنى لهم قلعة في جزيرة الروضة أسكنهم فيها، وجعلها سرير ملكه بدلًا من قلعة القاهرة، ونقل إليها أهله وحاشيته ومماليكه.
وفي أيامه حمل الصليبيون على مصر بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، وكان الملك الصالح مريضًا فما علم بأمر هذه الحملة حتَّى أمر بالتجنيد والاستعداد للحرب، لكن الصليبيين استولوا على دمياط بخيانة بعض أهلها وفرار بعض أمرائها، وتوفي الملك الصالح على أثر ذلك، وخَلَفَه ابنه غياث الدين طوران شاه، الذي لقب بالملك المعظم، ولكن النفوذ كان لشجرة الدر؛ إحدى جواري الملك الصالح، وهي التي دبرت أمور الدولة بعده، وكتمت موته حتَّى جاءوا بابنه غياث الدين من سورية وبايعوه سنة ٦٤٧ﻫ.
وعاد المصريون لمحاربة الصليبيين، ففازوا وردُّوهم على أعقابهم بعد معارك شديدة، وأَسَروا الملك لويس التاسع وكثيرًا من ضباطه وجنده.
ووقع الخلاف بعد ذلك بين رجال الملك المعظم غياث الدين ومماليك أبيه الملك الصالح، فخرج هؤلاء المماليك عليه، فخاف وأراد الفرار، ولكنهم قبضوا عليه وقتلوه شر قتله قرب فارسكور، ثم أجمعوا أمرهم على مبايعة شجرة الدر، وهي أول امرأة تولت الملك في الإسلام. وقام التنازع على السيادة بينها وبين بعض الأمراء المماليك وبين بقية الدولة الأيوبية وغيرهم من طلاب السيادة، وأفضت السلطة أخيرًا إلى المماليك الأتراك وتوارثوها، وفي أيامهم سطًا التتر على بغداد بقيادة هولاكو، وقتلوا الخليفة المستعصم، وانتقلت الخلافة إلى مصر مما سترى تفصيله في هذه الدولة إن شاء الله.