مقدمة الطبعة الرابعة
لمَّا نشبت الحرب بين دولتنا العلية والدولة الإيطالية، وأجمعت الجالية العثمانية في الديار الأرخنتينية على وجوب تعزيز بحريتنا بابتناء غواصة باسم جاليتنا المحبوبة تضم إلى أسطولنا، فكرت طويلًا بطريقة أعضد بها هذا المشروع الوطني الجليل، فعنَّ لي ساعتئذٍ أن أعيد طبع هذه الرواية التي صادفت ما صادفته من استحسان القوم، وأن أضيف ريعها إلى تعزيز ذلك المشروع.
وقد أجهدت نفسي طويلًا في هذه الأيام الأخيرة للحصول على نسخة من إحدى الطبعات الثلاث، فأعياني البحث ولم أظفر بواحدة منها إلا بعد طول التساؤل، مما دلني على أن اهتمام القوم بالكتاب كان متواليًا حتى نفدت كل طبعاته مما لم يسبق له مثيل في تاريخ الروايات الشرقية على ما أظن.
وبالطبع إن الذي ساعد كثيرًا على نشر الرواية هذا الانتشار الغريب هو السلطان المخلوع عبد الحميد الذي لما بلغه رنينها قام لها وقعد، ولشدة جبنه حسب قوائم عرشه تهتز لدى حقائقها التاريخية وهو في إبان صولته وعلى منصة مجده. فأوفد من قبله الوفود، وبث العيون والأرصاد، وظل مقتفيًا آثارها حتى عثر أخيرًا على أكثر نسخها، فاستحضرت إلى الأستانة، وهنالك أمر بحرقها — قيل على مشهد منه — ووهم حينئذٍ أنه قد طمس ذكرها … وكأنما فاته أن أحب شيءٍ إلى الإنسان ما منعا، وبعد زمن عاد الناس يلهجون بذكر الرواية، وتضاعفت رغبة الجمهور إلى مطالعتها، فاندفع بعضهم رغبة بالكسب فأعادوا طبعها مرتين دون علم مني.
هذا، وأحسبني بإقدامي على إعادة نشرها للمرة الرابعة أخدم كل ذي فكر حر، وأجيب رغبة الكثيرين ممن فاتهم درس الكتاب، واستيعاب حوادثه التاريخية التي ستكون بمثابة مثال أورده إلى القراء الكرام عن تقييد الأفكار والأقلام في الدور الحميدي المشئوم، وعن هلع ذلك السلطان لدى أقل تلميح إلى الحرية والإصلاح، ولدى نشر أية الحقائق على أبسط علاتها.
فإلى العالم العربي أزف هذه الرواية رافلة بثوبها القديم، ومتشحة بالحلَّة التي ألبستها إياها منذ أربع عشرة سنة، وأنا مقصي عن بلادي في إحدى زوايا عاصمة الفرنسيس، آملًا أن تروق لقرائها اليوم كما راقت لهم بالأمس.
والله ولي الصادق الأمين.
عن بونس أيرس في ٢٠ تشرين الثاني سنة ١٩١١م.