بعد مضي ١٦ سنة
وحدث بعد ذلك العهد؛ أي بعد انقضاء ١٦ سنة، أمور كثيرة كانت الأحوال قد تبدلت فيها تبدلًا كليًّا، فكان السلطان عبد المجيد قد انتقل إلى رحمة ربه منذ ست سنوات، وجاء أخوه ولي العهد عبد العزيز أفندي، فحقق آمال العثمانيين به، وكان هذا السلطان كل أيام ولاية عهده حتى يوم تسنم عرش أجداده منقطعًا عن الأمور السياسية معتزلًا الأشغال العمومية مقيمًا في مزرعة «جفتلك» بجوار قرية بايكوس عائشًا عيشة الفلاحين البسيطة مصوبًا عنايته إلى الفلاحة والزراعة، فأحبَّه الجميع لحسن أخلاقه وأحوال معيشته.
وبينما كانت السراي السلطانية الهمايونية مكتظة بالجواري الحسان والسراري الشركسيات المجلوبة من جميع أطراف المملكة رغمًا عن عجز السلطان عبد المجيد ومرضه، كان ولي العهد عبد العزيز أفندي في مقتبل الشباب وعنفوان العمر مكتفيًا بسرية واحدة شركسية الأصل بديعة الجمال اختارها قرينة لنفسه، فلم تعرف لها ضرة. وبينما كان السلطان عبد المجيد يرقد إلى الظهر ولا يقابل وزراءه في الشهر مرة، كان عبد العزيز ينهض مع الشمس لمراقبة مزرعته، وقد جاء بمهندس زراعي بارع من سويسرا، وجلب منها ثيرانًا كبيرة وتقاوي جيدة من جميع الحبوب حتى صار يُضرب المثل بجودة ذلك الحقل، وصار أنموذجًا في البلاد العثمانية، وتعاظم ميل الناس إليه، وغدا مدحه أنشودة كل شفة ولسان.
ولما تسنم عبد العزيز عرش آل عثمان طفحت قلوب العثمانيين فرحًا وسرورًا، وتفاءلوا به خيرًا، وجاءت السنون الأولى من مُلكه محققة للآمال، مصدقة لذلك التفاؤل، مبشرة بحسن مستقبل الأيام ونهضة الدولة من حضيض الانحطاط.
وكانت فاتحة أعماله أن أخذ يرأس مجلس الوزراء كل مرة بنفسه في السر عسكرية فيقضي ليله ساهرًا معهم على النظر في شئون المملكة الدقيقة، مهتمًّا براحة رعاياه، الأمر الذي لم يسبقه إليه أحد من أسلافه.
وكانت العادة قد جرت في السراي كما لا يخفى أن تقدم والدة السلطان كل عام في أول شهر رمضان سرية إلى جلالة ابنها، فرغب السلطان عبد العزيز إلغاء تلك العادة، وإبدالها بتقديم جارية إلى امرأته السلطانة، ثم صوب اعتناءه إلى افتتاح المدارس المجانية لجميع الملل والنحل بقطع النظر عن الأديان والأجناس، وساعد كثيرًا على انتشار العلوم والمعارف من ماله الخاص، وشاد المستشفيات الطبية والجمعيات الخيرية وغيرها من الأعمال المفيدة.
وخصه الله بمعرفة قدر الرجال، فانتقى من بين وزرائه اثنين هيهات أن يأتي الزمان بمثلهما، امتازا في دولة آل عثمان بالذكاء ودقة الفهم وشدة الوطنية والبراعة في السياسة، أعني بهما عالي باشا وفؤاد باشا؛ اللذين شهدت لهما رجال الغرب بالسبق والفضل، فساعدا السلطان كثيرًا على إنهاض المملكة.
وكانت الملابس التركية باقية إلى ذاك العهد على زيها القديم، فأبدلها السلطان بالزي الأوروبي الحديث بعد أن نقحه كما يليق؛ إلا النساء، فقد بقين محافظاتٍ على «اليمشق والفراجية»، وإنما خففن كثيرًا من كثافة المنديل، فصار شفافًا يزيد الوجه حسنًا وجمالًا. واقتنى الوزراء والكبراء العربات الأوروبية، وجاءوا من عواصم أوروبا بالرياش الفاخرة والأمتعة الثمينة، وحدث بجملة القول في ذلك العهد ثورة تقليدية عظيمة للمعيشة الأوروبية، الأمر الذي سَر كثيرين ممن كانوا قد تلقوا العلوم واللغات الأوروبية، وكانوا من دعاة الحرية والمدنية. وقد بلغ الفرح والسرور منهم حده لما تحققوا أن السلطان قد عزم على نسخ العادة القديمة وهي عادة التقيد ضمن حدود ملكه، وأنه عازم على تفقُّد البلاد المصرية أولًا ترويحًا للنفس، ثم على زيارة العواصم الأوروبية متفرِّجًا ومستكشفًا سر التقدم الأوروبي، ومستطلعًا أسباب رقي الشعوب. فخيل لهم حينئذٍ أن تركيا قد بلغت أوج التمدن والفلاح، ووُهموا أنه سيعود من السياحة في تلك البلدان منبع الثروة والفنون حاملًا من المدنية لآلئ يقلد بها جيد عرشه، وناشرًا أعلام الرقي والحضارة في كافة أرجاء مملكته المترامية الأطراف. وقد استصحب السلطان معه في تلك الرحلة وزير خارجيته فؤاد باشا المشهور وولديْ أخيه مراد أفندي؛ ولي العهد وشقيقه عبد الحميد (السلطان المخلوع)، وسر الشعب من ذلك، وعدوه برهانًا جديدًا على دقة أفكار السلطان وسمو مبادئه، حيث قد جرت العادة أن يقصي السلطان أولياء العهد في قصور بعيدة يملؤها من النساء والسراري الحِسان بعيدين عن جميع الناس جاهلين أحوال المملكة التي ستلقَى مقاليدها إليهم. فكان استصحاب عبد العزيز لولديْ أخيه دليلًا على أنه يريد إفادتهما من مدنية أوروبا كي يحذوَا حذوه بترقية المملكة العثمانية في معارج التقدم والفلاح من بعدِه، ولذا كان يوم سفره إلى باريس يومًا حافلًا مشهودًا.
وقد أناب عنه في إدارة شئون المملكة الصدر الأعظم عالي باشا، وأطلق له حرية العمل في تدبيرها أثناء غيابه كما ترتئي حكمته، وكان مركز الدولة يومئذٍ حرجًا؛ إذ ظهر فرقة من المشايخ الذين أعماهم التعصب، وانضم إليهم المعزولون من رجال السلطان عبد المجيد، فألَّفوا حزبًا قويًّا لمعاكسة الحزب الجديد الذي سر من هذه الحركة المدنية الجديدة، ومن اندفاع السلطان إليها، وهذا الحزب هو الذي عُرف باسم «تركيا الفتاة»، وقد خال للجميع يومئذٍ أن الظفر سيبقى لهذا الحزب (حزب الإصلاح) لو لم تمد النساء أيديهن الضعيفة القوية آخذًا بناصر الحزب القديم الذي كان مبدؤه وشعاره «بقاء القديم على قدمه»، وللنساء في تركيا — كما في جميع أنحاء المعمور — نفوذ شديد، إلا أنهن في الشرق وراء الحجاب لا يمكن الوصول إليهن، ولكن قد أخطأ من قال إن لا نفوذ للنساء في الشرق.
ولما تقرر سفر السلطان في جلسة الوزراء رسميًّا قدم بعض كبار المشايخ استعفاءاتهم، فقبِلها السلطان حالًا، فاتخذ الحزب الديني ذلك إهانة لهم، وأما العظماء وغيرهم من نجباء الأمة فقد سرُّوا من عزم السلطان، وعدوه أمرًا سياسيًّا مهمًّا، ولكن المشايخ كانوا بالعكس، فثاروا وحاولوا إحباط ذلك المسعى، فأقنعوا السلطانة والدته أن مصير ابنها إلى الهلاك إذا ظل صاغيًا إلى حزب «تركيا الفتاة».
وحاولت والدته إقناعه بالعدول، فذهبت أتعابها أدراج الرياح، وإنما وعدها السلطان وعدًا شافيًا ألا يطيل تغيبه عن عاصمته أكثر من شهر.
•••
ففي اليوم الرابع والعشرين من شهر تموز (يوليو) لعام ١٢٨٤ للهجرة ورد نبأ برقي من فارنا إلى فخامة الصدر الأعظم مبشرًا بقدوم جلالة السلطان على يخته صباح غدٍ عائدًا من رحلته الأوروبية.
ولم ينشر هذا النبأ في أنحاء الأستانة حتى هبَّ سكانها على اختلاف أجناسهم وأديانهم يستعدون للزينة والاحتفال برجوع مليكهم المحبوب، ولما نشر ضوء الصباح في الأفق سرادقه ركب الوزراء والعلماء والكبراء والقواد بواخر الشركة الخيرية، وساروا إلى لقاء جلالة السلطان عند فم البحر الأسود. وركبت والدة جلالته والسلطانة قرينته يختًا ملوكيًّا مصحوبة بجميع الأميرات والسراري لاستقبال جلالته أيضًا.
وكانت شمس تموز لامعة الضياء، والجو صافيًا والهواء عليلًا، فلم تطل الباخرة المقلة جلالته حتى بدأت حصون الأستانة ومعاقلها في جميع أطرافها بإطلاق المدافع تبشيرًا بقدوم البادشاه، وكان الهتاف «بادشاهم جوق يشا» (فليَعِش سلطاننا كثيرًا) يدوي بين شاطئ القارتين آسيا وأوروبا، ويعجز القلم عن وصف عظمة ذلك الاحتفال وبهائه، فإنه كان مشهدًا بالغًا حد الأبهة والجلال أثَّر بجلالة السلطان كثيرًا؛ إذ استدل منه على تعلق الشعب به وآماله فيه.
ووقف يخت السلطان قليلًا ريثما صعد إليه المستقبلون، ثم أكمل مسيره بعظمةٍ وبهاءٍ يختال في مشيه كأنه عالِمٌ بعظمة من يقلُّ، ويتبعه عشرون باخرة، وبعد أن استقبل السلطان حرمه المصون عاد إلى ظهر المركب؛ حيث كان عالي باشا بانتظار جلالته، وكل منهما متشوق لرؤية الآخر؛ هذا للسؤال عن أحوال مملكته، وذاك لمعرفة التأثير الذي كان لتلك الرحلة في أفكار مولاه، فبعد أن سأله السلطان قليلًا عن أحوال المملكة عمومًا تجاسر عالي باشا فقال له: عسى أن يكون قد سُرَّ مولاي من هذه الرحلة.
– نعم، سُررت جدًّا، إنما أشكر الله تعالى أني لست بمليكٍ أوروبي تابعًا لديانةٍ مخالفة تمامًا لديانتنا.
– هل أتجاسر على سؤال مولاي، أي شيءٍ أثر في جلالته من أخلاق الأوروبيين وعوائدهم، وأي شيءٍ أعجبه في المدن التي شرفها بسياحته؟
– لا مشاحة في أن المدن الأوروبية جميلة المباني، وإنما مراكزها لا تساعدها على الحسن كمنظر الأستانة مثلًا؛ فضلًا عن أن الإنسان يشعر فيها للحال أن تلك الحركة الشديدة هي من أجل السعي وراء المال، وهي الغاية الوحيدة التي تطمح إليها أنظار الأوروبيين … أما النساء فحدِّث عنهن ولا حرج، يخرجن إلى المراقص متلعات الأعناق مكشوفات الأكتاف مفتوحات الصدور مشدودات الخصور، يلففن أذرعهن بقحة غريبة بأذرع الرجال على مرأى من أزواجهن الذين ينظرون إليهن بدون أقل غِيرة أو اكتراث.
– نعم، قد أصبت مولاي، للتمدن الأوروبي عادات لا تنطبق على عاداتنا، ومخالفة للدين المحمدي الشريف، ولكن رغمًا من تلك الحرية الظاهرة فإنهن على الغالب أمهات شقيقات، وزوجات محصنات، والتربية تساعدهن كثيرًا على هذا.
– ولكن ما هذه المدنية إذا كان الفقر والجوع يُميت في مدينة كعاصمة لندره مثلًا ألوفًا من الخلق في العام … فهل قرأت إحصاءات الجرائم والمسجونين في تلك البلاد الصناعية؟
– نعم قرأتها، وإنما يجازون في أوروبا جميع الجرائم بلا استثناء، أما في الأستانة فالعدالة غير تامة، فإن المجرم ينجو كثيرًا من العقاب.
– ولكنه لا ينجو من عقاب الله.
– أرى أن جلالتك لم تُسرَّ كثيرًا من رحلتك الأوروبية.
– بلى سررت، خصوصًا لإقدامي عليها، لكني لا أخفي عليك أني كنت أستعد للرجوع إلى الأستانة، فإن تلك العيشة المملوءة من الحركة الدائمة لا تروق لي؛ لأن الملك نفسه هناك كتلميذ مدرسة ليس له ساعة فراغ، فهو عبد الشعب مع أن الشعوب خُلقت لتكون عبيدنا.
فالتفت عالي باشا إلى من حوله خوفًا من أن يكون قد سمع أحد ذلك الكلام من فم السلطان الذي أتمَّ كلامه فقال: إن الشعوب الأوروبية كثيرة الاهتمام بالأمور التافهة كالفنون والصناعة والزراعة والتجارة والسياسة، ويغفلون عن أهم شيءٍ في هذه الدنيا ألا وهو الحرص على السلامة.
فتنفس عالي باشا الصعداء لهذا الكلام، وعرف أن السلطان لم ينظر إلا لحال الضعف في الأوروبيين، وأنه لم يستفد شيئًا جليلًا من رحلته هذه فقال: ولكن لا بد قد أعجبتك المتاحف والمشاهد، وخصوصًا لتضافر الأفراد على رفع منار بلادهم.
– لا، وإنما أشد شيءٍ أثَّر بي قباحة وجوه الأميرات الملوكيات، فلم أرَ فيهن امرأة جميلة إلا الإمبراطورة أوجيني والإمبراطورة اليصابات، مع أني أرى أن الملك إذا تزوج يجب أن يختار أجمل امرأة في مملكته، أما هم فبالعكس يكتفي الواحد منهم بأن تكون المرأة من عائلة ملوكية، ولا يهمه قبحها أو جمالها مع أن هذا هو الحمق بعينه.
ومر اليخت السلطاني أمام سراي «أميرجيان» الخاصة بإسماعيل باشا خديوي مصر، فصوب جلالته منظاره إليها، واغتنم عالي باشا تلك الفرصة فأرسل نظره باحثًا عن فؤاد باشا فوجده يتحدث مع مراد أفندي ولي العهد، فقال السلطان ساخرًا: حديقة إسماعيل باشا جميلة، فهي على الطراز الأوروبي، ويريد أن يتقلدنا.
– كلا مولاي؛ هو ولوع بتقليد الأوروبيين.
– تريد أن تقول المسيحيين.
– لا، ولكن لا تنكر جلالتك على إسماعيل باشا الذكاء.
– هذه كل بضاعته.
– هي كافية مولاي.
– أتعرف أني لما زرت مصر وجدت لباس جنوده أحسن من لباس جنودي؟
– ليس الجندي بلباسه بل بقواده.
– تعال غدًا بعد السلاملك لأطْلِعك على مشروع الإصلاح الذي وضعته.
– الأمر أمرك أطال الله عمرك.
– اصحب معك فؤاد.
– هذا جل متمناي.
وجاء أحد الخصيان فعرض على جلالته أن والدته بانتظاره، فقام السلطان عاجلًا، وبقي عالي باشا وحده على ظهر الباخرة، وقد غلب عليه الأسف واليأس؛ لأن أحوال كريت كانت على أهبة الثورة والعصيان، فلما رأى فؤاد باشا الصدر الأعظم وحده تقدم إليه لمصافحته، فتبادلا التحية، ثم سأله بلهفة: كيف أحوال كريت؟
– تلك مسألة كنت أحب سماعها من السلطان.
فتقدم إليه فؤاد وقبض على يده، وهمس في أذنه قائلًا: تريد أن تقول السلطنة … الويل يا عالي لتركيا يوم نسقط.
– إذن أنت مقتنع بأن السلطان عبد العزيز كأسلافه.
– نعم، لا يزيد ولا ينقص عنهم بشيء.
– وهل سمعت حكمه على أوروبا؟
– سمعت أكثر من ذلك، فقد قال لي إنه أكثر مدنية من الفرنسيين والإنجليز والبروسيانيين، وقال أرى نفسي في غنى عنهم وعن مدنيتهم، ولم يعجبني في فرنسا شيء، ثم رفس الأرض برجله، وقال: أقسم بالله العلي العظيم لا أكون سلطانًا إذا كنت لا أجد امرأة شبيهة بالإمبراطورة أوجيني، وإذا كنت لا أشيد في إنجلترا نفسها أسطولًا أمنع من أسطولهم.
– وهل هذه كانت نتيجة رحلته؟
– نعم وا حسرتاه على تركيا، وقد بدأتُ أقتنع بأن لا بد من ظهور نجم جديد في أفق السياسة يستلفت إليه أنظار تركيا الفتاة.
– وأيٌّ هو؟
فالتفت فؤاد إلى مؤخر الباخرة حيث كان يوجد حلقة من كبار رجال الدولة ووزرائها، وقال انظر إلى أبسطهم هيئة وأكثرهم بشرًا.
– منْ أمراد أفندي؟
– نعم هو بعينه، وأتنبأ لك أنه سيكون سبب سقوط السلطان عبد العزيز.
– تريد أن تقول سبب وفاته؛ إذ لا تسقط السلاطين إلا بوفاتها.
وحينئذٍ سمعا صوتًا من ورائهما يقول: تتغير العادات بتغير السنين والأيام، فالتفتا إلى ما ورائهما مذعورين خوفًا من أن يكون قد سمع حديثهما أحد، وإذا بهما رأيا شيخًا مهابًا بشوشًا قد تقدم إلى عالي باشا، ومد إليه يده وقال: صافحني بالأكف كي أقول إني جئت بعادة جديدة من جيراننا، وكان ذلك القادم شيخ السلطان خير الله أفندي، وقد اشتهر بحدة الذكاء وحرية الفكر وحب الإصلاح والمدنية.
فقابله عالي باشا بمزيد الترحاب، وهنأه بسلامة الوصول، ثم سأله قائلًا: ماذا تريد بعبارتك: تتغير العادات بتغير الأيام؟
– تلك فاتحة عملي بمصافحتي إياك بالأكف.
فقال له فؤاد: وهل تعلق كبير أمر على تلك المصافحة؟
– نعم؛ لأني نسخت بها عادة ثلاثين سنة، وهذه المصافحة الأوروبية هي العربون الذي يجب أن يكون بين تركيا والدول المتحابة، وهكذا برهنت لكما أني من رأيكما بوجوب الاتفاق من أجل سلامة المملكة ونجاحها؛ إذن إن العادات تتغير بتغير السنين والأيام، فأجابه فؤاد: لا تتغير لسوء الحظ إلا السنون.
– لا شيء يرضيك باشا أفندي حضرتلري.
– لا غرابة فقد صرت كهلًا …
ثم صعد السلطان إلى ظهر يخته يتبعه أركان حربه وكبار حاشيته، وكان الربان قد أوقف اليخت أمام سراي طلمه بغجه، وانحدر السلطان منه إلى زورقه المذهَّب البديع حتى أسفل سلم السراي، وكان العلماء والوزراء والكبراء قد احتشدوا من مدخل القصر حتى القاعة الكبرى؛ لتقديم واجبات التهنئة لجلالة السلطان بالعود المجيد من تلك الرحلة الأوروبية الجديدة في تاريخ آل عثمان.