في انتظار «مونتي»!
كانت الليلة هي موعد لقاء «مونتي» الطباخ الزنجي في الفيلَّا الغامضة، وكان هذا اللقاء هو آخر خطوةٍ في مغامرة «أحمد»: «سر الفيلَّا الغامضة».
كان «أحمد» قد خرج وحده في مغامرة، أرسله فيها رقم «صفر»، بعد أن اشتبه عميل الزعيم في «بلجيكا» في فيلا وحاول أن يحصلَ منها على معلومات، لكنه فشل، ولكنه استطاع تصوير الفيلَّا من الخارج، أما في الداخل فقد اكتشف «أحمد» أنهم يملكون أحدث أجهزة تشويش … فإذا حاول أي شخصٍ أن يصوِّرَها من الداخل بأجهزة خاصة، أو حتى يسجل ما يدور بداخلها من حوار فإن الأجهزة تقوم بالتشويش عليها … وتعمل على حراستها، وكان كل ما استطاع أن يفعله عميل رقم «صفر» هو تسجيل اسم «شداد» … وأثناء سفر «أحمد» في الطائرة بين المقر السري و«بروكسل» عاصمة «بلجيكا» قابل «مروان» الشاب السوري المتجه إلى «بروكسل»، بعد أن أرسل إليه زميله «شداد» يدعوه للحاق به.
و«مروان» — كما عرف «أحمد» من حديثه معه — متخصِّص في الذرة الزراعية، أو استخدام الذرة في مجال الزراعة، ولأنه لا يجد مجاله في بلده، فقد قرر اللحاق بزميله الذي سبقه إلى هناك من سنوات؛ ولذلك فعندما ذكر «توماس كريج» — عميلُ رقم «صفر» في «بلجيكا» — اسمَ «شداد»، عرف «أحمد» طبيعة المغامرة الغامضة التي خرج إليها.
عندما وصل «أحمد» إلى «بروكسل»، كان هناك مَن ينتظر «مروان»، وقد قدم نفسه باسم «جلاكس»، وفي نفس الليلة كان «توماس كريج» يدعو «أحمد» إلى سهرة في أحد أماكن السهر. وهناك رأى «جلاكس» فعرف أنه يتبعه، وقام صراع بين رجال «جلاكس» و«أحمد» وكانت هذه مشكلة … فقد انكشف «أحمد» أمام «جلاكس». وكان عليه أن يختفي، وأن يستدعي الشياطين — وخصوصًا «عثمان» — لتكملة المغامرة.
كانت خطة «أحمد» أن يدخل «عثمان» إلى الفيلَّا الغامضة بدلًا من «مونتي» بعد أن يكون «مونتي» قد شرح ﻟ «عثمان» كلَّ شيءٍ عن الفيلا من الداخل، في نفس الوقت يكون هو الوسيط بين «مروان» و«أحمد» في هذه القضية التي يعرفها «أحمد» جيدًا، والتي قرأ عنها دراساتٍ متعددةً.
إن الدول الغنية تسرق العقول العربية … فكلما نبغ عالم أو مهندس أو طبيب تعمل تلك الدول على الحصول عليه، وإخضاعه لها؛ بالتهديد، أو الإغراء بالمال، ولأن علماء دول العالم الثالث لا يجدون مجالًا لإظهار نبوغهم، فإنهم يعملون في تلك الدول التي تستفيد منهم ومن نبوغهم، وتفقد أوطانهم ثروةً هائلةً متمثلةً في تلك العقول العظيمة. وكان «شداد» و«مروان» يمثلان جانبًا من ثروة العقول العربية، لكن «أحمد» لا يعرف لماذا استمر «شداد» في هذه الفيلا، لكن عندما قابل «مروان»، عرف أن «شداد» يغري مواطنيه النابغين بالهجرة إلى «بلجيكا»، حيث توجد رئاسة السوق الأوروبية المشتركة.
وكان على «أحمد» أن يكشف هذه اللعبة القاتلة، وأن يعرف ماذا وراء «شداد». في نفس الوقت وضع «أحمد» احتمالًا بأن يكون «شداد» واقعًا تحت التهديد، وفي هذه الحالة، فإن عليه أن ينقذه، وربما يكون «مروان» هو الطريق إلى ذلك … في هذه الليلة كان «أحمد» و«توماس كريج» يجلسان في مقرٍّ سري لا يعرفه أحد، في انتظار وصول «مونتي» الذي استطاع «كريج» أن يجنِّده لحسابه، قال «كريج» بينما هما يجلسان في صالةٍ واسعةٍ بيضاء اللون: من الضروري أن يصلَ الزملاء في وقتٍ مبكر، حتى لا تفوت علينا فرصة الاستفادة من «مونتي»!
رد «أحمد»: أعتقد أنهم سوف يصلون في موعد مناسب … فالزعيم يعرف ماذا نحن بصدده!
فجأةً وقف «كريج» وهو يقول: هل تشاهد فيلمًا مسليًا، بدلًا من القلق الذي نعانيه!
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس … إن فيلمًا عن رعاة البقر مثلًا يمكن أن يكون مفيدًا؛ فهو لا يحتاج إلى تفكير. وعندما تحرك «كريج» إلى المكتبة الزرقاء الضخمة التي تغطي الجدار الذي أمامهما … أضاف «أحمد» مبتسمًا: علينا أن نوفِّر قوانا الذهنية للأيام القادمة … فأظن أننا سوف نحتاجها كثيرًا!
ابتسم «كريج» وهو يسحب فيلمًا من مكتبة الفيديو المزدحمة بالأفلام وقال: هذا صحيح!
ثم التفت ﻟ «أحمد» وقال: إن انكشافنا أمامهم سوف يمثِّل عقبةً أمامنا!
ابتسم «أحمد» ثم أكمل حديثه قائلًا: لا أظن؛ فنحن نستطيع أن نفعل الكثير تحت أعينهم دون أن يستطيع أحدهم اكتشاف أمرنا!
ظهرت الدهشة على وجه «كريج» وتوقفت يده قبل وضع الفيلم في جهاز الفيديو وتساءل: كيف!
ضحك «أحمد» وهو يقول: إن الشياطين يستطيعون عمل الكثير … هل تريد أن تجرِّب؟!
قال «كريج» بسرعة: أتمنَّى ذلك، وسريعًا!
نظر «أحمد» في ساعة يده، وقد امتلأ وجهه بابتسامةٍ عريضةٍ … وقال: إن أمامنا نصفَ ساعةٍ حتى يصل «مونتي» وهي كافيةٌ لأعرض أمامك بعض إمكانات الشياطين!
أمسك «أحمد» بحقيبته السرية التي كانت قريبةً من يده وقال وهو يقف: هيا إذن … وسوف نرى هل يعرفك «مونتي» أم لا!
ابتسم «كريج» وقال: كيف؟!
جلس «كريج» على مقعد أمام «أحمد» كما طلب منه. ثم بدأ في وضع لمسات الماكياج على وجهه، كان يعمل بسرعةٍ وإتقان، وعندما انتهى قال ضاحكًا: انظر في المرآة … لن تعرف نفسك الآن!
قام «كريج» إلى مرآة في المكتبة، ووقف أمامها مذهولًا … إنه فعلًا شخص مختلف تمامًا؛ فقد أصبح عمره بعد السبعين، قال معجبًا بنفسه: هكذا سوف أكون في المستقبل!
ثم ضحكا معًا … وقال «أحمد»: سوف نسهر الليلة في نفس النادي الليلي!
دهش «كريج» وسأل: وأنت؟!
قال «أحمد» وهو يقف أمام المرآة: سوف ترى!
أخذ يجري بفرشاة الماكياج على وجهه في سرعة وبراعة … وعندما انتهى نظر إلى «كريج» وقال: ما رأيك الآن؟!
وقبل أن ينطق «كريج» بكلمة، كان جهاز الاستقبال مع «أحمد» يعطي إشارة … قال «أحمد»: انتظر، هناك شيء ما!
ظهرت الدهشة على وجه «كريج» وتساءل: ماذا تعني؟!
كان جهاز الإرسال يستقبل رسالةً شفويةً تقول: «٥٢ – ١٢ – ٥٢ «وقفة» ٤٠ – ٥٨ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٤٢ – ٣٢ – ٥٤ «وقفة» ٤٤ – ٥٨ – ٤٠ «وقفة» ٥٢ – ٢٨ – ٤٦ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٥٨ – ٤٤» … انتهى.
ترجم «أحمد» الرسالة، ثم رد عليها برسالة شفوية تقول: «٢ – ٦ – ١٠ – ٥٤ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٥٨ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٥٢ – ٤٢ – ٣٢ – ٥٤ «وقفة» ٢٤ «وقفة» ٢٤ – ٥٠ – ٤٠ «وقفة» ٢ – ٦ – ٤٨ – ٤٦ «وقفة» ٤ – ٤٤» انتهى.
عندما انتهى «أحمد» من إرسال الرسالة نظر إلى «كريج» الذي تساءل: ماذا هناك؟!
أجاب «أحمد»: الزملاء وصلوا!
ظهرت الفرحة على وجه «كريج» وقال: بهذه السرعة!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أعرف أنهم سوف يصلون في الوقت المناسب!
فجأةً رن جرس الباب رنات معينة … فقال «كريج»: إنه «مونتي»!
قال «أحمد»: إذن فقد وصل الجميع في الوقت المناسب.
أسرع «كريج» إلى الباب، ونظر من العين السحرية، فوجد «مونتي» أمامه … فتح الباب مرحِّبًا، وهو يقول: أهلًا بالسيد «مونتي»!
نظر له «مونتي» في دهشةٍ وقال: هل السيد «كريج» هنا!
ضحك «كريج»، فظهرَت الدهشة على وجه «مونتي» وهو يقول: إنه صوت السيد «كريج» تمامًا!
ضحك «كريج» وقال: هل ستقف عند الباب كثيرًا؟!
خطا «مونتي» إلى الداخل بخطواتٍ مترددة، فأغلق «كريج» الباب وهو يقول: لا تندهش … إنني «كريج» فعلًا، فقط في حالةٍ خاصة! ثم تقدم إلى الداخل وهو يقول: إنني مدعوٌّ لحفلة تنكرية … فما رأيك؟!
ابتسم «مونتي» وقال: سوف تنال الجائزة الأولى يا سيدي!
عندما دخل «مونتي» حيث يوجد «أحمد» بادره بقوله: أهلًا يا سيدي … أُدعى «بومبال»!
قال «مونتي»: أهلًا بالسيد «بومبال»! ثم أضاف سريعًا: أظن أنك السيد الذي سوف ألتقي به!
ابتسم «أحمد» وقال: نعم يا سيد «مونتي» … إنه أنا!
قال «كريج»: أعتقد أننا نحتاج لشيء ساخن!
ابتسم «مونتي» وقال: دعني أجهزه يا سيدي … فهذه مهنتي!
ضحك «كريج» وهو يقول: بل سوف أتركك مع السيد «بومبال» وسوف أجهِّز لكما كاكاو باللبن سريعًا!
اختفى «كريج» بسرعةٍ، وقال «أحمد»: تفضل يا سيد «مونتي».
عندما جلس «مونتي» بادره «أحمد» ببعض الأسئلة، وكأنه كان ينتظره … فقد أخذ يرد عليه بتفصيل دقيق، ويستعرض الفيلا الغامضة بكل تفاصيلها … وعاداته وعادات «شداد» … وكيف يمكن التحرُّك داخل الفيلا، وكلمة السر التي يقولها حتى يدخل … ثم تحدث عن «مروان» الذي جاء منذ يومين … كان «أحمد» يستمع له في تركيزٍ شديد … في نفس الوقت كانت هناك كاميرا سرية تصور اللقاء بالصوت والصورة … وعندما ظهر «كريج» كان «مونتي» قد شرح كل شيء ﻟ «أحمد»، وسأل «كريج»: هل انتهيتما؟!
أجاب «أحمد»: تقريبًا … فقط علينا الاتفاق على موعد لقاء مرة أخرى، وتحديد اليوم الذي سوف يختفي فيه السيد «مونتي»!
قال «مونتي»: تحت أمركما!
وعندما دقَّت الساعة الحادية عشرة مساءً، كان اللقاء قد حدد كل شيء … فانصرف «مونتي» واستعد «أحمد» و«كريج» لقضاء السهرة في وكر «جلاكس».