مع العصابة وجهًا لوجه!
انطلقت السيارة وهي تحمل «أحمد» و«كريج» … كان كلٌّ منهما قد أصبح شخصيةً مختلفةً تمامًا، كان الليل قد انتصف، وظهرت في الجو نسمة برد منعشة. تحدَّث «أحمد» بصوتٍ خشنٍ لفت نظر «كريج» الذي قال ضاحكًا: هذه طبقة صوت غريبة جدًّا!
ضحك «أحمد» بنفس الصوت الخشن، ثم قال: ينبغي أن تتغير أصواتنا، وإلا فإننا نكون قد أوقعنا أنفسنا في فخ!
قال «كريج» بصوتٍ واهن: هذا حقيقي!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنه صوت يتفق مع طبيعة الماكياج، أيضًا ينبغي أن تتغيَّر الخطوة!
قال «كريج»: لا بأس؛ فمعي عصًا أنيقةٌ يمكن أن أستخدمها!
عندما وصلت السيارة إلى مطعم «فيلا»، اتَّجه بها «كريج» إلى مكان الانتظار، وهو يقول: كان ينبغي أن تقود أنت؛ ففي هذه السنِّ من الصعب قيادةُ السيارة!
ثم ضحكا معًا، كلٌّ بطريقته. قبل أن يغادر «كريج» السيارة مد يده وسحب عصًا غليظةً أنيقة، ثم عرضها على «أحمد» الذي أمسك بها، وأخذ يتفحَّصها ثم ابتسم قائلًا: هذه ليست عصًا فقط!
ضحك «كريج» وهو يقول: هذا حقيقي، إن لها استخداماتٍ كثيرة!
كان الضوءُ خافتًا في مكان انتظار السيارات، وكان هذا نفسه يُعطيهم فرصةً للحديث بعيدًا عن العيون، أمسك «أحمد» العصا وأبعدها عن جسمه، ثم جذب رأسها في قوةٍ فخرج سيفٌ رفيع النصل. ضحك «كريج» وهو يقول: أنت صاحب خبرةٍ في فحص الأشياء!
ظل «أحمد» يفحص نصل السيف ثم همس: إنه مسموم!
رد «كريج»: أنت رائع!
أخذ «أحمد» يقلب رأس العصا، الذي هو في نفس الوقت يد السيف. كان رأس العصا على هيئة رأس ثعبان يفتح فمه، وقد ظهر ناباه، ولمعت عينان حمراوان على الجانبين. نظر لهما «أحمد» قليلًا، ثم ضغط العين اليمنى؛ فترددت موجة لاسلكية جعلت «كريج» يغرق في الضحك، ثم ضغط العين مرة أخرى، فاختفت الموجة. بعد ذلك ضغط على العين اليسرى، فخرج من فم الثعبان شريط تصوير دقيق فعرف أن العين اليسرى عبارة عن كاميرا دقيقة، أما فتحتا الأنف، فكانتا عبارة عن مسدس يعمل بالأشعة. ابتسم «أحمد» وهو يعيد حد السيف إلى العصا، ويعلق: إنها كتيبة حربية، يمكن أن تقوم بكل هذه الأعمال!
ابتسم «كريج» وهو يقول: هذه هديتي إليك، بعد أن ننتهي من سهرة الليلة! قدم له «أحمد» العصا، فاستند إليها، وبدأ يخطو خطوةً خاصة، تتناسب مع طبيعة الماكياج الذي يختفي خلفه ثم تقدمها إلى حيث مطعم «فيلا» الذي يعمل طوال الليل فقط، ويغلق أبوابه بالنهار. وعندما تجاوزا الباب، كان «جلاكس» يجلس في صدر المكان، ومعه اثنان … توقفا وكأنهما يبحثان عن مكان. في نفس الوقت تساءل «كريج»: هل لفتنا نظر أحد؟!
همس «أحمد»: إن أحدًا لم يلتفت إلينا!
انتظر لحظة ثم قال هامسًا: هناك منضدة قريبة من «جلاكس». دعنا نجلس قريبًا منه!
قال «كريج» في صوتٍ خافت: هل تظن ذلك … أم أننا ينبغي أن نجلس بعيدًا!
قال «أحمد»: بل ينبغي أن نقترب منه، لنرى إن كنا سوف ننجح في لعبتنا أم لا. في نفس الوقت، فإن ذلك سوف يجعلنا متأكدين من خطوتنا القادمة!
تقدما في خطواتٍ متمهلةٍ حتى اقتربا من «جلاكس»، والتقطت أذن «أحمد» بعض كلماتٍ كان يقولها «جلاكس»: أظن أنهما لن يظهرا مرةً أخرى!
كاد «أحمد» أن يبتسم، لكنه أخفى ذلك بسرعة، وضغط على ذراع «كريج» الذي التقطت أذناه نفس الكلمات، اقتربا من المنضدة القريبة من «جلاكس»، ثم جلسا، همس «كريج» ﻟ «أحمد» وهو يبتسم: هناك شيءٌ ما لم تصل إليه في العصا. ثم أخرج من أذن رأس الثعبان سماعةً دقيقةً وضعها في أذنه، ثم وجَّه أذن الثعبان في اتجاه «جلاكس» وهمس قائلًا: الآن أستطيع أن أسمع كل ما يقولونه حتى لو كان همسًا!
أخفى «أحمد» دهشته لتلك الإمكانات الغريبة التي تجمعها تلك العصا الرائعة … وقال في نفسه: إنها سوف تفيدنا كثيرًا هذه المرة، وفي مراتٍ قادمة!
كان «كريج» يحرك شفتيه بلا صوتٍ، وكأنه يتكلم. في نفس الوقت كان مستغرقًا في سماع ما يدور بين «جلاكس» ورفيقَيه، أما «أحمد» فقد فهم الدور الذي يلعبه «كريج»، فتظاهر بأنه ينصت إليه باهتمامٍ، مع أنه في هذه اللحظة كان يفكر في اسمٍ يطلقه على العصا، واستقر على تسميتها «العصا الثعبان»، كانت الدهشة لا تخفى على وجه «كريج»، فكر «أحمد»: لا بد أنه يستمع إلى معلوماتٍ هامَّة. ابتسم «كريج» فقال «أحمد» في نفسه: لا بد أنها معلوماتٌ مفرحة. اقترب الجرسون فطلب «أحمد» العشاء، كان المكان قد بدأ يزدحم بالرواد، وكان يبدو على معظم الموجودين أنهم من السياح، تميزهم ملابسهم التي فيها كثيرٌ من الانطلاق. فجأةً وقف «جلاكس» وحده ثم انصرف، ابتسم «كريج» ومد يده يرفع السماعة الدقيقة من أذنه، نظر إلى «أحمد» وقال: عندي أخبار طيبة! ثم أضاف بسرعة: سوف أعرض عليك عند العودة تسجيلًا لكل ما دار.
اهتم «أحمد» وسأل: ماذا تعني؟!
قال «كريج»: أعني أنني التقطت لهم فيلمًا كاملًا بالصوت والصورة!
ظهرت الدهشة على وجه «أحمد» وقال: الثعبان أيضًا!
ابتسم «كريج» وأجاب: نعم … الثعبان … إنه ثعبان يقوم بكل العمل!
سأل «أحمد»: لماذا انصرف «جلاكس»؟!
أجاب «كريج»: سوف يعود مرة أخرى … لكن ليس هذا هو المهم!
أحضر الجرسون عربةً صغيرة، كان يدفعها أمامه، وفوقها كل ما طلبه «أحمد» من طعامٍ ثم أخذ ينقل الأطباق الساخنة منها إلى المنضدة التي يجلسان عليها، وعندما انصرف سأله «أحمد»: ما هي أخبارك الطيبة؟!
ابتسم «كريج» وهو يجيب: صديقك «مروان» سوف يظهر بعد قليل!
لمعت عينا «أحمد» في دهشة، وأضاف «كريج»: وصديقه «شداد» أيضًا!
فكر «أحمد» بسرعة: إن الفرصة جيدةٌ حتى يعرفهما «عثمان» … سأل «كريج»: أراك قد شردت لحظة … هل تفكر في عملية ما؟!
لم ينطق «أحمد» على الفور؛ فقد كان لا يزال يفكر في اتخاذ قرار، ثم سأل «كريج» مرة أخرى: ماذا هناك؟!
قال «أحمد»: ما رأيك في حضور «عثمان» الآن، حتى يتعرَّف على «مروان» و«شداد»، إنها سوف تكون فرصةً طيبة!
فكر «كريج» لحظة، ثم قال: لا بأس، المهم أن يصل سريعًا؛ فنحن لا نعرف إذا كان «مروان» و«شداد» سوف يبقيان فترة طويلة أم لا!
وبسرعة كان «أحمد» يرسل رسالةً شفويةً إلى الشياطين يطلب فيها حضور «عثمان» وحده، انتظر لحظة … ثم جاءه الرد يقول إن «عثمان» في الطريق وسوف يلبس ملابسه الوطنية؛ حتى يبدوَ كأحد السائحين … ابتسم «أحمد» وهو يتلقى الرسالة … فلاحظ «كريج» ذلك وسأل: ماذا هناك؟!
ابتسم «أحمد» وقال: سوف ترى «عثمان» في صورة رائعة! مد «كريج» يده وبدأ يأكل فبدأ «أحمد» يأكل هو الآخر، نظر «أحمد» حوله يبحث عن مكانٍ قريب ﻟ «عثمان» … لكنه وجد المكان كاملًا فهمس: إن «عثمان» لن يجد مكانًا!
قال «كريج» مبتسمًا: لا بأس يمكن أن ينضمَّ إلينا!
ظهرت الدهشةُ على وجه «أحمد»، لكن «كريج» أسرع يقول: سوف يكون ذلك أكثر فائدة؛ فسوف يرى ويسمع ما يقولونه، فقط عليك أن تبدأ في إفساح مكانٍ له!
في هدوء ظل «أحمد» يزيح كرسيه بين لحظة وأخرى … حتى أصبح في مقابل «كريج» تمامًا، وأصبحت هناك مساحةٌ خالية تكفي لاثنين معًا … ومن جديد، استغرقا في الطعام، بينما كان «أحمد» يرقب الرجلَين اللذَين في انتظار «جلاكس» وكانا يجلسان في هدوء، دون أن يفعلا شيئًا، ولا حتى يتحدثان، فجأةً وقعت عينا «أحمد» على منظرٍ كاد يجعله ينفجر من الضحك … ولاحظ «كريج» أيضًا ما يحدث، فكتم ضحكته هو الآخر … لقد كان منظرًا مضحكًا حقًّا.