مغامرة في الطريق!
كانت اللحظة التي ظهر فيها «عثمان» بملابسِه الوطنية البيضاء وعمامته الضخمة، هي نفس اللحظة التي ظهر فيها «جلاكس» ومعه «مروان» و«شداد» … التقى الجميع عند باب دخول المطعم … وكان كلٌّ منهم يفسح الطريق للآخر، ويدعوه للدخول أولًا في أدبٍ شديد، كان المنظر لا يُنسى فعلًا؛ لأن «مروان» و«شداد» لا يعرفان أن «عثمان» نفسه قد أتى من أجلهما، ولأن المطعم كان يبدو مزدحمًا؛ فقد دعا «مروان» «عثمان» ليجلس على منضدتهم، تقدَّم الجميع إلى المنضدة التي يجلس عليها الرجلان، فوقفا وانصرفا … في نفس اللحظة التي كان «جلاكس» يشير إلى الجرسون الذي أسرع بإضافة مقاعد للمنضدة حتى تكفي الجميع.
كان «أحمد» يخفي ضحكة وهو يهمس: إنها فرصة لا تعوض!
قال «كريج» بسرعة: المشكلة أن «عثمان» لا يعرف أنهما الهدف!
غير أن «أحمد» قال: لا أظن … سوف يكتشف «عثمان» ذلك دون أن نلفت نظره!
فقال «كريج»: سوف نعرف الآن عن طريق العصا!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: تقصد الثعبان!
وضع «كريج» السماعة في أذنه، ووجه الثعبان في اتجاههم وبدأ يسمع، في نفس الوقت الذي كان فيه «أحمد» يراقب وجه «كريج» ليعرف النتيجة، كان وجهه عاديًّا، همس «أحمد»: كيف يتحدثون؟!
أجاب «كريج»: إنهم يتحدثون بالإنجليزية!
فكر «أحمد» لحظة ثم قال في نفسه: هل يكتشف «عثمان» شخصية «مروان» و«شداد»؟ أم أن ذلك سوف يفوت عليه؟ … غير أن سؤالًا تردد في ذهنه: ترى هل يمكن أن يكتشف «جلاكس» شيئًا؟!
قال في نفسه: أتمنى ألَّا يتحدث «عثمان» العربية مع «مروان» و«شداد»، وإلا فإن ذلك سوف يلفت نظر «جلاكس». كان «كريج» منهمكًا في سماع ما يقوله الآخرون، وقد أغلق عينيه، وكأنه قد استغرق في النوم … لمح «أحمد» ذلك فأخفى ابتسامة؛ فالماكياج الذي يتخفى «كريج» خلفه، والذي يجعله طاعنًا في السن، يُعطيه فرصة أن ينام جالسًا دون أن يلفت النظر … وحتى إذا لفت النظر، فإنه يعطي معنى التعاطف معه؛ لكبر سنه … لكن «أحمد» كان متشوقًا لأن يعرف ماذا يدور هناك، خصوصًا وأن «عثمان» كان غارقًا في حوارٍ مع الثلاثة، فتح «كريج» عينيه، ونظر إلى «أحمد» مبتسمًا، ثم همس: سوف نستطيع أن نقضي على هذه الشبكة كلها!
تساءل «أحمد»: ماذا تعني؟!
قال «كريج»: إن بداية صداقةٍ قد بدأت تظهر الآن … فهم يدعونه إلى قضاء بعض الوقت في المزرعة التجريبية التي يعمل فيها «شداد»!
ظهرت الدهشة على وجه «أحمد» … ثم قال: إن هذه مسألة ينبغي أن نعود فيها إلى رقم «صفر»!
هز «كريج» رأسه، ثم أغمض عينَيه واستغرق في تتبُّع الحوار الذي يدور هناك … فكر «أحمد» أنها فرصةٌ هائلة … لكنها تحتاج إلى وقت … وتعني أننا لن ننقذ «شداد» و«مروان» الآن!
ألقى نظره في اتجاه «عثمان»، الذي كان قد بدأ يأكل، بينما كان فم «مروان» يتحرك بالكلام.
قال «أحمد» في نفسه: هل أنصرف الآن وأتحدث إلى رقم «صفر» … أم أنتظر حتى يعود «عثمان» إلى مقره؟
انتظر لحظةً، ثم قال في نفسه: إن الشياطينَ قادرون دائمًا على التصرف … ولن تفوت الفرصة من «عثمان»! فجأةً تردد صوت طلقات خارج المطعم … التفت «أحمد» في اتجاه مصدر الصوت … في نفس اللحظة، حدث هرج في المطعم … فجأةً ظهر بعض الرجال وبأيديهم مسدسات، وصرخ أحدهم: لا أحد يتحرك … ومن يتحرك فسوف أطلق الرصاص عليه!
نظر «أحمد» في اتجاه «كريج» وهمس: أرجو ألَّا نخطئ.
ابتسم «كريج» ابتسامةً صغيرةً ثم همس: لا تخشَ شيئًا … إنها إحدى عصابات السرقة. كل ما سوف يفعلونه أن يستولوا على ما معنا من نقود!
فجأةً صرخ مَن يقف عند الباب: ضعوا أموالكم وساعاتكم على الموائد! ثم أضاف بحدة: وأي حركةٍ سوف ينتهي صاحبها!
أخذ رواد المطعم يُخرجون ما في جيوبهم ويخلعون ساعاتهم … ألقى «أحمد» نظرةً في اتجاه «عثمان»، كان هو الآخر ينظر في اتجاه «أحمد»، تفاهما بعينَيهما … وضع «أحمد» يده في جيبه وكأنه يُخرج ما معه من نقود، في نفس اللحظة … كان يبحث في حقيبته السرية عن كرة مخدرة … وقعت يده على عددٍ منها … أخذ اثنتين … ثم في هدوءٍ أسقطهما عند طرف حذائه … وفي هدوء أيضًا ضرب الكرتين الصغيرتَين بطرف حذائه، في اتجاه الرجال عند الباب … تدحرجت الكرتان تحت أقدام الرواد، حتى استقرتا عند آخر منضدة، وحيث يقف رجال العصابة قريبًا منها … مرت لحظة، وكان أحدهم قد بدأ بجمع النقود من فوق المناضد.
فجأةً أخذ الرجال الجالسون على أول منضدة يسعلون بشدة … ثم انتقل السعال إلى رجال العصابة … وكانت هذه فرصة … لكن «أحمد» لم يكن يستطيع التحرك … حتى لا ينكشف … إلا أن «عثمان» كان يفهم كل شيء … ففي لمح البصر كان قد قفز في اتجاه الرجال الذين كانوا يسعلون بشدة … وطار فوق المقاعد حتى أصبح عندهم تمامًا … وانطلقت يداه ورجلاه في رشاقةٍ ومرونة … وفي دقائق كان الرجال جميعًا على الأرض.
كان رواد المطعم يرَوْن ما يحدث في دهشة، حتى إن أحدهم لم يتحرك من مكانه … وبسرعة كان يقف خلف الباب، في نفس اللحظة التي دخل فيها أحد رجال العصابة مسرعًا، فعاجله «عثمان» بضربةٍ قوية جعلته يسقط على الأرض وهو يئن … بينما كانت صفارات رجال الشرطة تدوي في الخارج … في نفس اللحظة كان رواد المطعم قد بدءوا يسعلون هم أيضًا … فأشار «عثمان» أن يسرعوا بالخروج … ومع الرواد الذين تدافعوا للخروج، خرج «عثمان» و«مروان» و«شداد» و«جلاكس»، بينما بقي «أحمد» و«كريج» الذي بدأ يسعل هو الآخر، إلا أن «أحمد» قدَّم له كبسولةً صغيرة، وطلب منه أن يمضغها فأخذ يمضغها بسرعة، وفي لحظةٍ توقف السعال … هدأ المطعم تمامًا … وأصبح خاليًا إلا من رجال الشرطة الذين كانوا يحملون أفراد العصابة.
ابتسم «كريج» قائلًا: لا يقدر على تنفيذ هذه الأعمال إلا الشياطين!
ابتسم «أحمد» وقال: الشياطين دائمًا على أتم الاستعداد!
تحرك «كريج» في هدوء ومعه «أحمد» … وكان يمشي بخطوات عجوز في السبعين، حتى غادرا المطعم … في الخارج لم يكن هناك شيء، وبدا الليل هادئًا تمامًا … وصلا إلى سيارتهما وانطلقا … قال «أحمد»: مغامرة سريعة جيدة!
ابتسم «كريج» وعاد إلى حالته العادية وقال: إن «عثمان» سوف يؤدي دورًا طيبًا الآن، ما دام قد صحبهم، وما دامت هذه المغامرة السريعة قد لفتت الأنظار إليه!
عندما وصلا إلى حيث مقر «كريج» ودَّعه «أحمد» وهو يذكِّره بموعد «مونتي» غدًا … إلا أن «كريج» قال: أعتقد أننا لا نستطيع تحديد الموعد، ما لم يخبرنا «عثمان» بخطواته القادمة!
هز «أحمد» رأسه وهو يقول: هذا صحيح! ثم أضاف بعد لحظة: إذن … سنكون على اتصال.
ضحك «كريج» وهو يعلق: نحن على اتصال دائم!
انصرف «أحمد» وحده … في طريقه إلى فندق «أوستريا» كان غارقًا في تفكيره … ولم يكن يفكر إلا في «عثمان»، كانت الأسئلة تتردد في خاطره: أين هو الآن؟! ماذا فعلوا معه؟! هل سيدخل الفيلَّا الغامضة؟! وكيف سيتصرف؟! عشرات الأسئلة كانت تدور في رأسه دون أن يصل إلى إجابة محددة … لكن كان متأكدًا أن الشياطين قادرون دائمًا على التصرف … وأن «عثمان» سوف ينتهز هذه الفرصة الذهبية … ويحقق نتيجة ممتازة … عندما دخل الفندق، ألقى نظرةً سريعةً على الصالة الواسعة، التي كانت خاليةً إلا من العمال الذين يقومون بتنظيف المكان … أخذ طريقه إلى غرفته. كانت الغرفة تقع في نهاية ممر طويل … ولم يكن يُسمع صوتٌ في هذا الوقت المتأخر من الليل … فجأةً فُتح باب، وامتدت يد سريعة جذبت «أحمد» بقوة فاندفع داخلًا … فلم يكن تركيزه في المكان. كان لا يزال مشغولًا ﺑ «عثمان»؛ ولذلك فقد كانت الحركة مفاجئة سريعة لدرجة أنه لم يستطع معها فعل أي شيء … وانغلق باب الغرفة بسرعة … وقف «أحمد» داخلها مشدوهًا، لكنه فجأة غرق في الضحك، لقد كان «قيس» هو الذي فاجأه، ومعه كان «بو عمير» أيضًا.
ظل الثلاثة يضحكون … ولم يستطع أيهم أن يتوقَّف عن الضحك.
بعد دقائق قال «أحمد»: إنها ليلة المفاجآت!
ضحك «بو عمير» وهو يقول: ما رأيك في هذه الحركة المفاجئة؟!
ضحكوا من جديد … وتساءل «قيس»: ماذا فعل «عثمان»؟!
أخذ «أحمد» يحكي لهم ما حدث في مطعم «فيلا» … وما فعله «عثمان» ثم اختفاءه مع «جلاكس» و«شداد» و«مروان».
قال «قيس»: لا بأس … إنها خطوة جيدة!
سأل «بو عمير» عن الفيلَّا الغامضة … فحكى لهم «أحمد» المغامرة من بدايتها منذ أن غادر المقر السري، بعد تكليف الزعيم له … فجأةً أعطى جهاز الاستقبال إشارة. أسرع «قيس» في استقبال الرسالة، وهو يعلم مسبقًا أنها من «عثمان»، كانت رسالة قصيرة … ترجمها «قيس» وكانت: لقد وصلت الفندق الآن وأنا في غرفتي … أرجو عدم الاتصال بي إلا عن طريق الرسائل، هناك مفاجأة سوف تحدث!
قال «أحمد»: كما توقعت … سوف يحقق «عثمان» عملًا طيبًا!
قال «بو عمير»: ربما يكون الذهاب إلى مزرعة التجارب!
رد «أحمد»: ربما … فقد سمعت ذلك كما ذكرت لكم من خلال رأس الثعبان!
ضحك «قيس» وهو يقول: إنه ثعبان رائع … وأين هو؟!
قال «أحمد» مبتسمًا: سوف أحصل عليه … عندما تنتهي المغامرة!
ثم وقف وقال: إلى اللقاء في الصباح؛ فأنا في حاجةٍ إلى النوم!
وعندما تحرك ضحك «بو عمير» وهو يقول: كن حذرًا … فربما تدخل غرفة أخرى.
ضحكوا وانصرف «أحمد» على موعد الغد … وكان الغد يحمل لهم تفاصيل أخرى.