رسالة غامضة من «عثمان»!
عندما استيقظ «أحمد» من نومه، كان أول ما فكر فيه هو «مونتي»، سأل نفسه: هل من الأفضل أن يقوم «عثمان» بدور «مونتي» أو أنه يجب أن يستمر في دوره الجديد؟! لكن لم يضع إجابة نهائية، وإن كان قد فكر أن يعرض القضية على بقية الشياطين … ولذلك ما إن انتهى من ارتداء ملابسه حتى أرسل رسالةً شفريةً إلى «قيس» و«بو عمير» يحدِّد لهما لقاءً في النقطة «ص»، في نفس الوقت أرسل إلى «عثمان» رسالةً أخرى؛ ليعرف ما هو برنامجه اليوم.
جاء رد «عثمان» يقول إنه على موعدٍ للذهاب إلى مزرعة التجارب.
قال «أحمد» في نفسه بعد أن قرأ رسالة «عثمان»: إذن ﻓ «عثمان» سوف يلعب دوره الجديد ليس باختيارنا … ولكن باختيارهم هم.
وبسرعة انتهى من ارتداء ثيابه … ثم أخذ طريقه إلى خارج الفندق في الطريق إلى النقطة «ص»، غير أن خاطرًا مر برأسه يقول: وماذا عن «كريج» الآن؟ إنه لا بد أن يعرف خطواتنا حتى لا يتصرَّف كلٌّ منا في اتجاه … فكر لحظة، ثم أرسل رسالةً إلى «كريج» يخبره فيها أنه سوف يكون عنده في الواحدة ظهرًا.
وصل «أحمد» إلى النقطة «ص» ولم تكن سوى حديقة عامة، حيث تنتشر الأشجار والنباتات المختلفة، وعند مجموعة الصبار التي كانت تحتل جانبًا في نهاية الحديقة رأى «قيس» و«بو عمير» يشاهدان مجموعةً من نباتات الصبار الفريدة حيث كان كثيرون يشاهدونها، اقترب منهما بشكلٍ عادي حتى وقف بينهما … ثم قال: مجموعة رائعة!
قال «بو عمير»: إن نبات الصبار نباتٌ بديع!
همس: هل سنقف هنا طويلًا؟ ثم أضاف بعد لحظة: هيا نتناول بعض المرطبات في البوفيه القريب!
انسحب الثلاثة في هدوءٍ إلى حيث يوجد بوفيه قريب قائم بين الأشجار وتنتشر فيه المقاعد، طلب كلٌّ منهم زجاجة مياه غازية، ثم أخذوا جانبًا من المكان.
قال «أحمد»: لقد ذهب «عثمان» إلى مزرعة التجارب!
قال «قيس»: هذه فرصةٌ جيدة … فربما تكشف لنا هذه الزيارة أشياء لم نكن نعرفها!
أضاف «بو عمير»: إذن، فإن مغامرتنا سوف تنتقل من الفيلَّا الغامضة إلى المزرعة!
قال «أحمد»: حتى الآن لا نستطيع أن نقطعَ برأي … إن «عثمان» هو الذي سيحدِّد مكان المغامرة … ثم أضاف: مع ذلك، فالمهم هو أن نحقِّق مغامرتنا … سواء كانت في المزرعة أو في الفيلا!
تساءل «قيس»: هل سنظل في انتظار «عثمان»؟! إننا نستطيع أن نراقبَ الفيلا، وأن نرصدَ بعض ما يدور فيها!
ابتسم «أحمد» وقال: لو كان ذلك ممكنًا، لكنت حققته … إنها الفيلَّا الغامضة يا عزيزي «قيس»، لا يستطيع أحدٌ أن يدخلها، ولا حتى يقترب منها … بالإضافة إلى أنها مجهزة تجهيزًا جيدًا، حتى لا يمكن رصد أي شيءٍ داخلها!
ثم أضاف بسرعة: إنني أقترح أن نذهب إلى السيد «توماس كريج»، فعندي موعدٌ معه … هذا بالإضافة إلى أنكم سوف تشاهدون أشياء تهمكم.
أرسل «أحمد» رسالةً إلى «كريج» فجاءه الرد سريعًا يقول إنه يجب أن يغير من شخصيته وكذلك بقية الزملاء؛ فقد يكون المكان مراقبًا … نقل «أحمد» الرسالة إلى «قيس» و«بو عمير» الذي ضحك قائلًا: نحن جاهزون … وعندما نصل إلى هناك سوف نكون شخصيات أخرى!
ضحك الشياطين وأخذوا طريقهم إلى السيارة، وعندما انطلقت بهم … أخرج «بو عمير» أدوات الماكياج وفي سرعةٍ كان يغير ملامحه، وعندما انتهى تبعه «قيس» … ثم ترك «أحمد» عجلة القيادة ﻟ «بو عمير» وبدأ هو الآخر يضع لمساتِه الذكيةَ السريعة، فتحول إلى شخص آخر … ابتسم وهو يقول: سوف أخدع السيد «كريج» بهذه الشخصية الجديدة!
كانت هناك ساحة انتظارٍ للسيارات بعيدة بعض الشيء عن مقر «كريج»، ترك الشياطين السيارة فيها، ثم أخذوا طريقهم سيرًا على الأقدام إلى المقر، إن مقر «كريج» عبارةٌ عن شقةٍ في عمارة ترتفع إلى ثلاثين طابقًا … وهي تقع في الطابق الأخير حيث تجاورها أربع شقق أخرى … ورغم أن الشقق الأخرى يمكن أن ترصدها أو تتجسس عليها … إلا أن الشقة مبطنة بعوازل للصوت، كما أنها مجهزة بأجهزةٍ تمنع تسجيل أو تصوير أي شيءٍ داخلها … وهذا المقر هو الذي يعيش فيه «كريج» … أما المقر الآخر الذي التقى فيه مع «أحمد» فهو المقر السري … الذي لا يعرفه إلا الذين يحتاجهم «كريج»، و«أحمد» يعرف متى يكون «كريج» في شقته، أو في المقر السري الآخر … ولذلك فعندما اتجه بالشياطين إلى العمارة … همس «أحمد»: ينبغي أن ندخل متفرقين.
سأل «قيس»: وكيف سنعرف الشقة؟!
قال «أحمد»: عندما يصل أيٌّ منا سوف ينفتح الباب مباشرة!
ظهرت الدهشة على وجه «بو عمير» وسأل: كيف؟ هذا معناه أن أي إنسان يمكن أن يقف أمامها فينفتح الباب!
ابتسم «أحمد» وقال: يا عزيزي «بو عمير»، هذه شقة عميل رقم «صفر»، ليست شقة عادية. ثم أضاف بسرعة: إن من يقف أمام بابها تتحول صورته إلى الداخل لتظهر على شاشة أمام «كريج»، وفي نفس الوقت يقوم بالضغط على زرٍّ فينفتح الباب!
قال «قيس»: إذن فإنك لن تدخل بعد أن غيرت هيئتك!
ضحك «أحمد» وقال: هذه سوف أتركها لذكاء السيد «كريج»!
وصعد «أحمد» أولًا … وعندما وقف أمام باب شقة «كريج» انفتح الباب بعد لحظة … ابتسم ودخل؛ فقد عرف أن «كريج» لم يخطئ … وفي نهاية الصالة الواسعة، كان «كريج» يقف مبتسمًا قائلًا: مرحبًا بالصديق الخفي!
ضحك «أحمد» وهو يتقدم، وعلى شفتَيه سؤال: كيف عرفه «كريج»؟ وقبل أن ينطق كان «كريج» يقول: حتى لا تفكر كثيرًا سأشرح لك … إن كل جسمٍ له ذبذبة خاصة … هذه الذبذبة سجلتها في أول مرة التقينا فيها؛ ولذلك فمهما غيرت من هيئتك، فإن الذبذبة التي تصدر عنك تدل بالضرورة عليك!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إذن عليك بتسجيل الباقي.
ضغط «كريج» زرًّا بجواره، فانفتح الباب، وظهر «قيس» و«بو عمير»، ثم أغلق الباب، رحب بهما «كريج» وهو يضحك قائلًا: إنها فكرة طيبة … أن تكونوا في كل مرةٍ في هيئةٍ مختلفة … إنني أفكر في استخدام هذه الفكرة الذكية!
جلس الجميع فسأل «كريج»: ماذا عن صديقنا الغائب؟!
أجاب أحمد: إنه في عش النسر … أقصد في المزرعة التجريبية!
علت الدهشة وجه «كريج» وقال: هذه فرصة رائعة … إننا إذن نستطيع الاستغناء عن «مونتي»!
قال «قيس»: هذا ما كنا نناقشه ولم نقطع فيه برأي!
قال «كريج»: إنها مسألة لا تحتاج إلى مناقشة؛ فوجود «عثمان» بينهم سوف يقدم لنا الكثير، خاصة ونحن لا نعرف مَن خلفهم غير «مروان» و«شداد»، وقد يكون وراءهم الكثير!
علق «أحمد»: هذا صحيح … وإن كنت أظن أن العملية سوف تحتاج إلى وقت. فجأةً سجل جهاز الاستقبال مع «أحمد» رسالة، كانت رسالة شفرية تقول: «١٠ – ٥٨ – ٦ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٤٨ – ٢٢ – ٢٠ – ٣٦ – ٤ … «وقفة» ٤٨ – ٣٦ – ٢٨ – ٥٠ – ٤ … «وقفة» ٢ – ٢٠ – ٤٠ «وقفة» ٢ – ٤٦ – ٣٢ – ٢٠ – ٥٨ – ٤٢ «وقفة» ٥٢ – ٤– ٤٢ – ٥٨ «وقفة» ٥٤ – ٥٢ – ٢ «وقفة» ٣٦ – ١٦ – ٥٤ «وقفة» ٢ – ٥٨ – ٢ – ٤٨ «وقفة» ٥٦ «وقفة» … ١٠ – ١٦ – ٥٨ – ١٦» انتهى … ترجم «أحمد» الرسالة بسرعةٍ فظهرت عليه الدهشة.
سأله «كريج»: ماذا هناك؟
قال «أحمد» شاردًا: لقد دخلنا لغزًا جديدًا!
ثم قرأ عليهم الرسالة فقال «كريج» بسرعة: ينبغي أن ترسل له … عليه أن يرصد أي أصواتٍ قريبة من المزرعة … قد تكون في طريق المطار مثلًا فيرصد صوت الطائرات … أو قد تكون قريبةً من طريق رئيسي تمر به سيارات … وما دام قد ذهب إلى المزرعة معصوب العينين فلا بد أنه يقدر المسافة بالتقريب … وربما مر على مكانٍ فيه أصوات مميزة. صمت لحظة ثم أضاف: إن أي إشارات يمكن أن توصلنا إليهم … وتكون هذه عمليتكم الكبرى!
لم يرد «أحمد» مباشرة … كان لا يزال في حاجةٍ إلى بعض التفكير … لكن «قيس» قطع الصمت الذي شمل المكان قائلًا: أظن أن «عثمان» قد تعرض لعملية تعقيم كاملة، قبل أن يصل إلى هناك! ظهرت الدهشة على وجه «كريج» وسأل: ماذا تعني؟!
قال «قيس» مجيبًا: أعني أنه أصبح بلا مقدرةٍ على إرسال إشارات تحدد مكانه … كل ما استطاعه هو إرسال الرسالة … فالجهاز لا يلفت النظر لدقة حجمه … وربما تكون أجهزة تشويش خاصة قد أفسدت كل ما يحمله «عثمان»، ما عدا جهاز الإرسال لأنه ضد أي أجهزة تشويش.
قال «أحمد»: أعتقد أن هذا ما حدث ﻟ «عثمان».
ثم أضاف بسرعة: إن رأي السيد «كريج» حقيقي، وسوف أرسل رسالة إلى «عثمان» فورًا!
بينما كان «أحمد» يرسل رسالة «عثمان» الشفرية … كان «قيس» و«بو عمير» قد غرقا في تفكيرٍ عميق.