داخل مزرعة التجارب!
ساعة كاملة مرت، و«عثمان» المزيف لا ينطق بكلمةٍ واحدة، كان «أحمد» يعرف قيمة الوقت؛ فما داموا قد أرسلوا أحد أفرادهم، فهذا يعني أنهم كشفوا «عثمان»، ومن جهةٍ أخرى فإن «عثمان» في خطر.
قال «أحمد» بعد لحظة: لا بأس … فما دام لا يريد الكلام فسوف نضطر إلى استخلاص الكلام بسهولة! ثم أسرع إلى حقيبته السرية، فأخرج كبسولة صغيرة، ثم فتحها فظهر فيها سائل أزرق لامع … وفي هدوء كان يضع السائل على يد «عثمان» المزيف. كان «كريج» يراقب «أحمد» وهو يعمل، فيشعر بالإعجاب به … مرت لحظة ثم بدأ الرجل المزيف يتألم … لكنه في نفس الوقت كان يحاول أن يكون قويًّا … لكن بعد لحظاتٍ أخرى لم يستطع احتمال الألم … فصرخ: سوف أعترف، أنقذوني!
انتظر «أحمد» لحظةً ثم قال: إذا لم تنطق فسوف يستمر الألم ولن أتراجع.
ثم أخرج كبسولة أخرى حمراء اللون، فأفرغها فوق الكبسولة السابقة، ولم تمضِ لحظة، حتى بدأ الألم يخف حدته حتى اختفى تمامًا، وعرف الشياطين كل شيء، وأين تقع المزرعة، وكيف يدخلون إليها، وأين يوجد «عثمان» و«مروان» و«شداد» وأين «جلاكس»، الآن كل ما كانوا يريدون معرفته عرفوه، لكنه لم يكن يعرف شيئًا عن الفيلا الغامضة … وعندما انتهى الاستجواب، وقف «أحمد» بعيدًا عنه قليلًا ثم أخرج مسدسه، ثم ارتجف «بربكر» المنتحل شخصية «عثمان».
قال «كريج»: ماذا تفعل؟!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: فقط حتى ينتظرنا!
ثم ضغط زناد المسدس فخرجت منه إبرة مخدرة دقيقة أصابت «بربكر» في كتفه. مد يده يتحسس مكان الإبرة التي لم يرها … فابتسم «أحمد»، وبعد قليلٍ كان جفناه يتراخيان، ثم استغرق في النوم. ومن جديدٍ علَت الدهشة وجه «كريج»، إلا أن «قيس» قال: إنها إبرة مخدرة فقط! نقلوه إلى كنبة في المكان … ثم أخذوا طريقهم للخروج، انطلق «أحمد» و«بو عمير» إلى النقطة «ع»، وانطلق «قيس» و«كريج» إلى المقر، كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة، بينما كان «أحمد» و«بو عمير» يصلان إلى النقطة «ع» … انتظر قليلًا ثم ظهر «كريج» في سيارته، دخل بها في مكان آمن … ثم انضم إلى الاثنين … وعندما انطلقت السيارة بهم، كان «كريج» يوجه «أحمد» الذي جلس إلى مقعد القيادة. كانت الساعة تدق السادسة عندما قال «كريج» ينبغي أن نتوقف هنا، إننا في حاجةٍ لبعض الوقت حتى يجيء الليل، فسوف تكون تحركاتنا أسهل.
توقف «أحمد»، مرت لحظة قبل أن يقول «كريج» متسائلًا: دعني أسألك عن بعض الأشياء.
ابتسم «أحمد» وانتظر، فقال «كريج»: ما هي حكاية كبسولة الألم التي استخدمتها مع «بربكر»؟!
قال «أحمد»: إنها نوع من الكريم الخاص بالأعصاب؛ فهو يخترق مسام الجلد ويتعامل مع الأعصاب … لكنه بلا ضرر سوى الألم!
أبدى «كريج» دهشته وإعجابه … ثم سأل: ما مدى التخدير الذي أصاب «بربكر»؟!
أجاب «أحمد»: اثنتا عشرة ساعة … يفيق بعدها من نومه العميق!
قال «كريج»: إذن علينا أن ننتهيَ من مهمتنا قبل هذا الوقت!
مرَّت دقائق ثم قال «أحمد»: أقترح بقاءك في السيارة، فإذا لم نعُد إليك وتأخر الوقت، عليك أن تخاطب «قيس» ليتصرف مع «بربكر» فهو خطر يجب أن نحذر منه!
هز «كريج» رأسه موافقًا … كان الليل قد بدأ يزحف على المكان. فقال «كريج»: إن المزرعة تبدو أمامنا … هذه الأضواء التي تلمع … ويبدو أنها مساحة ليست كبيرة … ومعكم تفاصيل الدخول!
قال «أحمد»: ادعُ لنا بالتوفيق!
ثم نزل هو و«بو عمير» من السيارة، وغرقا في ظلام الليل، كان المكان لا يظهر منه شيء، ويكاد يختفي خلف مجموعةٍ من الأشجار الضخمة، وكان «أحمد» و«بو عمير» يتقدمان في سرعةٍ ورشاقة، همس «أحمد»: سوف نصل إلى أول بوابةٍ بعد قليل!
وعندما وصلا إليها، أخرج «أحمد» جهازًا دقيقًا من حقيبته السرية … ثم ضغط زرًّا فيه وهمس: الآن … لقد عطلنا أية أجهزةٍ عند البوابة … ويبقى أن نتعامل مع أفراد الحراسة.
كانت هناك بوابة حديدية مغلقة … نظر الاثنان إلى بعضهما … ثم أخرج «بو عمير» صندوقًا دقيقًا ووجهه إلى البوابة … فأخذت تنفتح بهدوء … فجأة جاء صوتٌ يقول: من هناك؟! ثم ظهر رجل ضخم الجسم … نظر إلى البوابة وهي تنفتح وصرخ: من هناك؟! كانت البوابة مستمرة في انفتاحها، أسرع الرجل إليها يحاول أن يوقف الباب لكنه لم يستطع … وعندما انفتحت تمامًا؛ قفز «أحمد» في الهواء وهو يسدد ضربةً قويةً إلى الرجل الذي ظهرت على ملامحه الدهشة، وتراجع إلى الخلف … إلا أن «بو عمير» كان قد اندفع وهو يدور حول نفسه، ثم وجَّه إليه ضرباتٍ متتاليةً جعلت الرجل يتجمَّد مكانه … وكأنه يتعامل مع شياطين ظهرت فجأة … مرة أخرى كان «أحمد» قد قفز في الهواء ثم سدَّد ضربتَين متتاليتَين إلى الرجل الذي احتملهما في قوة. كان يبدو كتمثالٍ من القطن، يتلقى الضربات فقط دون أن يهتز، أسرع «أحمد» وأخرج مسدسه وأطلق إبرة مخدرة … ثم تلاها بإبرةٍ ثانية … وبعد قليلٍ كان الرجل ممددًا على الأرض … جذباه بسرعةٍ إلى داخل غرفة الحراسة … ثم أغلقا البوابة … وفي رشاقةٍ كانا يقطعان المسافة من البوابة إلى مبنى المزرعة في سرعة. لكنهما فجأة توقفا … فقد كانت هناك مجموعةٌ من الكلاب راقدة أمام المبنى، فجأةً نبح واحد منها، ثم تلته الكلاب الأخرى.
فكر «أحمد» لحظةً ثم أخرج عدة كرات مسيلة للدموع، ودحرجها في اتجاهها، مرت لحظات ثم فجأة، وجد الكلاب وقد أصابها الجنون؛ فقد أخذت تنبح بقوة، وهي تجري مبتعدة عن المكان، فجأة ظهر عدد من الرجال، لكنهم ما إن وصلوا إلى المكان الذي كانت ترقد الكلاب أمامه حتى انتابتهم نوبة من السعال … فعادوا مسرعين إلى داخل المبنى … وفي أعقابهم دخل «أحمد» و«بو عمير»؛ فهما يعرفان أن الرجال في مثل هذه اللحظة لا يستطيعون الرؤية … كان مدخل المبنى واسعًا، وبه بعض الأبواب … وفي منتصفه سلم يؤدي إلى طابق أعلى … أسرع «أحمد» إلى أحد الأبواب، ثم فتحه وانتظر، فلم يظهر أحد ولم يسمع صوتًا … في نفس اللحظة دفع «بو عمير» بابًا آخر وانتظر … كانا يدفعان الأبواب واحدًا بعد الآخر، دون أن يظهر أحد … همس «أحمد»: إلى فوق!
بسرعةٍ كانا يقطعان الدرجات جريًا، لكنهما فجأة توقفا فقد جاء صوت يقول: من هناك؟!
كان الصوت صوت «جلاكس»، التصقا بالحائط، ولم تمر لحظة حتى كان «جلاكس» قد ظهر … وقبل أن يفكر في شيء كان «أحمد» قد قفز في الهواء، وهو يوجه له ضربةً سريعة جعلته يسقط … إلا أن اللحظة كانت غريبة … فقد كان هناك عدد من الرجال خلف «جلاكس»، ولم يقف «بو عمير» فقد ألقى بنفسه بينهم … وكانت المفاجأة كافيةً لتعطي «أحمد» فرصة التصرف؛ فقد أخرج كرات الدخان وطرحها على الأرض … وقبل أن يفكروا في شيء بدأت كرات الدخان تؤدي عملها … نظر الرجال إلى بعضهم، ثم أخذت أيديهم تتراخى عن «أحمد» و«بو عمير» … ثم ظهر عليهم ضيق في التنفس، فأسرع كلٌّ منهم هاربًا من المكان إلا «جلاكس» الذي وقف متجمدًا وهو لا يصدق ما يدور … وكانت هذه فرصة ليسرع إليه «أحمد» وقد أخرج مسدسه وبهدوء قال: أين هم؟!
كان «جلاكس» ينظر إليه وكأنه لم يسمعه … فصرخ فيه «بو عمير»: أين هم!
ظهرت أعراض ضيق التنفس على «جلاكس» فجذبه «أحمد» بسرعةٍ في اتجاه النافذة القريبة ثم ضرب الزجاج بمسدسه فانكسر، ثم أوقف «جلاكس» أمام الشباك فتنفس بعمقٍ مرة واثنتين … وثلاثة، ثم حوَّل عينيه إلى «أحمد» وهمس: هل خرجتما من تحت الأرض، أو نزلتما من الفضاء!
صرخ «بو عمير»: أين هم؟!
سأل «جلاكس»: من تقصد؟!
قال «أحمد»: «شداد» و«مروان»!
مرت لحظة قبل أن يبتسم قائلًا: لقد فهمتم خطأ … إننا منظمة تعمل على مساعدة الدول الفقيرة ولسنا كما تظنون!
صرخ «بو عمير»: وأين هما؟!
ابتسم قائلًا: تعالَ معي سوف نذهب إليهما!
تقدم أمامهما وهو يهبط السلم … لكن فجأة دوى صوت قوي، وأنار المكان حتى أصبح كالنهار … نظر «جلاكس» إليهما ثم همس: هناك شيء خطير حدث!
ثم نزل بسرعة لكن «أحمد» و«بو عمير» كانا في أعقابه تمامًا … وما إن وصلوا إلى الطابق الأرضي حتى كان الدخان يخرج من الأرض … كان المنظر غريبًا حتى استغرق «أحمد» و«بو عمير» في التفكير لحظة، استطاع خلالها «جلاكس» أن يختفي فقد سقط تحت الأرض … لكن «أحمد» و«بو عمير» استطاعا أن يعثرا على الزر الذي يفتح الباب … ضغط عليه «أحمد» فانفتح باب صغير في الأرض وتعالت ألسنة الدخان أكثر.
همس «بو عمير»: لقد هرب!
أسرع «أحمد» بابتلاع كبسولةٍ خاصة، وأعطى مثلها ﻟ «بو عمير» ثم قفزا بين ألسنة الدخان إلى تحت الأرض، وكانت المفاجأة أن «جلاكس» كان في أيدي «عثمان» و«شداد» و«مروان».
قال «شداد»: إن الجميع محبوسون في هذه الغرفة!
ثم أضاف بسرعة: المهم أننا فجرنا كل التجارب التي تحققت … إن ما كانوا يفعلونه هو نوع من التدمير الشامل … فقد كانوا يستنبطون بذورًا تقتل الأرض عندما تلقي فيها بذور قمح أو ذرة أو طماطم وغيرها!
كانت كلمات «شداد» مذهلة.
وأضاف: كنت لا أستطيع التصرف ولهذا استدعيت «مروان» حتى يساعدني، لكن الحمد لله أنه أرسلكم لنا.
أسرع الجميع إلى الخارج، في اللحظة التي تحدث فيها «أحمد» إلى رقم «صفر» الذي طلب منه العودة … أما باقي المهمة، فسوف تقوم بها جهات الأمن وتتولى القبض على أفراد العصابة.
انضمَّت المجموعة كلها إلى «كريج» الذي كان في انتظارهم، بينما كانت السيارة تأخذ طريقها إلى المدينة، كانت سحب الدخان تملأ الفضاء فقد انفجر كل شيء.