كلادينيوس: الهرمنيوطيقا في عصر التنوير
(١) العصر الوسيط
-
المعنى الحرفي Literal Meaning.
-
المعنى الرمزي (الاستعاري) Allegorical (Metaphorical Meaning).
-
المعنى الباطني (الروحي) Anagogic (Spiritual Meaning).
-
المعنى الخلقي Topological (Moral).
(٢) عصر التنوير
يُعرف «عصر التنوير» بأنه تلك الفترة من الفكر الأوروبي التي اتسمت بروح جديدة من الثقة بالعقل والشك في كل سلطة تقليدية، وبزوغ تدريجي لأفكار الحرية والديمقراطية وفصل السلطات، والتعويل على المنهج والتجربة، والتفاؤل والإيمان بالتقدم التاريخي البشري من خلال التربية وباستعمال العقل والالتزام بالموضوعية العلمية. بدأت إرهاصات التنوير في إنجلترا في القرن السابع عشر مع كتابات فرنسيس بيكون وتوماس هوبس، وفي فرنسا أيضًا مع كتابات ديكارت الذي أكد على قدرة العقل وحده، ودون عون من أي ملكة أخرى، على الوصول إلى جميع الحقائق العسيرة المنال، غير أن التنوير بلغ أوجه في القرن الثامن عشر وبخاصة في فرنسا مع «الموسوعيين»، وفي اسكتلندا مع ديفيد هيوم وآدم سميث، وفي ألمانيا مع إمانويل كانت، ويُعد «دستور الولايات المتحدة» بعامة هو التجسيد العيني الملموس لأفكار التنوير.
(٣) كلادينيوس
الهرمنيوطيقا عند كلادينيوس هي فن تقني ضروري للدراسات التي تعتمد على تأويل النصوص: التاريخ، والشعر، واللاهوت، والقانون، والإنسانيات باستثناء الفلسفة باعتبارها شكلًا من الجدال المحض أو من الاختبار النقدي للأفكار.
يعتقد «كلادينيوس» حقًّا في إمكان الوصول إلى تفسيراتٍ تامةٍ وسديدة، ويقترح طريقةً للظفر بفهمٍ كاملٍ لأي نص من النصوص، يقول كلادينيوس إن العمل المنطوق أو المكتوب، ما لم يصطنع الكذب والخداع، يرمي إلى هدف واحد وهو أن يفهم القارئ أو المستمع النص المقروء أو المنطوق فهمًا كاملًا، والحكاية التي تُقال أو تُكتب لشخصٍ ما تفترض دائمًا أن هذا الشخص سوف يستخدم معرفته عن الأحوال السائدة لكي يُكوِّن قرارًا معقولًا، ويمكن أيضًا تعزيز هذا الهدف بفضل طبيعة الوصف ذاته وبفضل ما لدينا من حسٍّ مشترك، ومن ثم فإذا كان باستطاعتنا الحصول من الرواية على فكرةٍ عن الظروف تسمح لنا بصنع القرار المناسب نكون عندئذٍ قد فهمنا الرواية فهمًا كاملًا.
-
الأحوال السائدة أو الظروف الغالبة.
-
غرض النص أو نيته.
-
الحس المشترك.
ويبدو أن فهم الأحوال السائدة يعني فهم حقائق الموضوع، ويضرب كلادينيوس في ذلك مثلًا بقائد حربي يتسلم رسالةً تحذره من احتمال وقوع هجومٍ على حصونه، مثل هذا القائد يجب أولًا أن يعرف أن مرسل التحذير هو شخص يمكن أن يُوثق به، وهذا اللون من المعرفة هو جزء من الأحوال السائدة، ويجب أن يعرف أن الرسالة تعني حقًّا ما تقول وتقصد التحذير بالفعل ولا تقصد شيئًا آخر، وذلك حتى لو كانت الرسالة مكتوبة بطريقة غامضة ملتبسة، والآن إذا ما اتخذ هذا القائد قرارًا بهذا الشأن يكون عندئذٍ قد «فهم» التحذير فهمًا كاملًا.
ويرتبط بمسألة النية أو القصد، أن بعض النصوص تعني ما هو أكثر من تقرير حقائق، وتقدم ما هو أكثر من أخبار وقائعية، فهناك نصوص تقدم دروسًا أخلاقية وبعض النصوص تُعلِّم مفاهيم، فإذا ما تم لنا تعلم هذه المفاهيم وتلك الدروس نكون قد فهمنا النص فهمًا كاملًا.
(٤) إضاءة من اللغويات الحديثة، على ذكر تأويلية كلادينيوس
(٤-١) الإضمار الحواري Conversational Implicature
(٤-٢) معنى الكلمة/الجملة، والمعنى عند المتحدث word/sentence meaning vs. speaker’s meaning
(٥) أهمية الحس المشترك في التأويل
يؤكد كلادينيوس على أن الحس المشترك له دوره الحيوي في عملية الفهم، فالمرء يفهم القول المنطوق أو المكتوب فهمًا تامًّا إذا ما أخذ بالاعتبار جميع الأفكار التي يمكن أن توقظها الكلمات فينا وفقًا لأحكام القلب والعقل، ولا نعني هنا كل فكرة ممكنة بل الأفكار التي تتفق مع الحس المشترك، بالنظر إلى معرفتنا بالأحوال السائدة.
على أن ما يهم هنا ليس المحتوى السيكولوجي بل الغرض المقصود للنص، وكذلك قواعد الإنشاء التي يمليها هذا الغرض، أي أن المرء يفهم مقصد المؤلف لا من خلال فهم حالاته السيكولوجية بل من خلال فهمه للنص، ويفهم النص من خلال فهمه كيف يستخدم الناس النصوص استخدامًا مقبولًا، نحن إذن نفسر ونتواصل مع بعضنا البعض وفق مجموعةٍ من القواعد المعقولة.
ولكن هنا تبرز مشكلة: وهي أنه حتى مع افتراض أفضل النوايا والمقاصد، فإن الكلمات أحيانًا ما تحيد عن نية المتكلم، والتعبير أحيانًا ما يطيش عن الهدف الذي كان يرمي إليه القائل، هنالك تضيع فرصة الفهم الصحيح وتنقطع خيوط التواصل، يقول كلادينيوس: إن المرء لا يمكن أن يحيط بكل شيء أو يتوقعه، ومن ثم فإن كلماته وأحاديثه وكتاباته قد تعني شيئًا لم يكن يعنيه. وعليه فنحن لكي نفهم هذه الكتابات فقد نفكر في شيءٍ لم يدُر بخَلَد الكاتب وما خطر بباله ولا جال بوعيه.
وقد يفشل المؤلف في وضع فكرته بتمامها في كلماتٍ ملائمةٍ أو صحيحة، الأمر الذي يفرض علينا، ويمنحنا صلاحية، النظر في نية المؤلف لا في مجرد النص، يقول كلادينيوس: إن العمل المنطوق أو المكتوب يكون مفهومًا تمامًا إذا كان مُنشأً بحيث يمكن للمرء أن يفهم مقاصد المؤلف ونواياه فهمًا كاملًا وفقًا للقواعد السيكولوجية، أما إذا لم يستطع المرء أن يفهم كل شيء أراد المؤلف أن يقوله فإن الكتابة عندئذٍ لا تعود مفهومة، والكتب والأحاديث التي يصدرها الناس سيكون بها شيءٌ ما يَنِدُّ عن الفهم، هذه القواعد السيكولوجية التي يشير إليها كلادينيوس ليست أكثر من «قواعد وأحكام القلب والعقل» التي تتعلق بالحس المشترك.
-
فإذا كان المؤلف يستخدم اللفظة س،
-
وكانت س في الأحوال المعنية تشير إلى ص،
-
إذن فالمؤلف يعني ص.
ثمة مع ذلك هامشٌ من الاحتمال، فإذا ما كان النص من الغموض بحيث يكون حمَّال أوجه، هنالك يستحيل الفهم الكامل، وعلى المؤوِّل في هذه الحالة أن يلجأ إلى قواعد معينةٍ تخص هذا الصنف من «التأويل القضائي» لأنه هو نفس اللون من التأويل الذي يحدث في ساحات القضاء ويكون على القاضي فيه أن يأخذ على عاتقه تأويل مادةٍ غامضةٍ أو متناقضة أو غير محددة.
(٦) الوجه التربوي للتأويل
وتتضمن الهرمنيوطيقا عند كلادينيوس جانبًا بيداجوجيًّا (تربويًّا/تدريسيًّا) أساسيًّا، «فإن تؤول لا يعدو أن تعلِّم شخصًا ما التصورات الضرورية لفهم عملٍ مكتوبٍ أو منطوق»، وتتجلى الطبيعة التربوية للتأويل في دعوة كلادينيوس لأن يكون تفسير النص مكيفًا بحسب جمهور المتلقين، بذلك يرتبط التأويل عنده بفن الخطابة وعلم التربية ارتباطًا وثيقًا.
ففي الأحوال العادية، حيث لا غموض في النص ولا التباس، وحيث مفاتيح فهم النص كاملةٌ في يد المفسِّر، فإن التأويل عند كلادينيوس يصبح لونًا من «التربية» أو «التدريس»، أي تعليم القارئ أو المستمع تصورات معينةً ضروريةً للفهم الكامل لهذا النص، في هذه الحالة يكون على المؤوِّل أن يأخذ بعين الاعتبار درجة استبصار التلميذ ويراعي قصوره المعرفي حين يتخير الصياغة المناسبة، ولما كان هناك درجاتٌ من الاستبصار والمستوى المعرفي بعدد قرَّاء النص أو مستمعيه، فإن هناك أيضًا تأويلات صحيحة بعدد القراء أو المستمعين، وصفوة القول أن كل شخص تقريبًا يلزمه تأويل معين، وأن التأويل منسوبٌ إلى المتلقي بقدر ما هو منسوبٌ إلى المؤوِّل.
(٧) زاوية الرؤية
ويضرب «كلادينيوس» مثالًا بميدان المعركة ليبين كيف تتحكم زاوية الرؤية في التأويل، فإذا ما وُضع ملاحظون في مواقع مختلفةٍ حول ميدان قتالٍ كبير، فمن المتيقن أن كلًّا منهم سوف يقدم أوصافًا مختلفة، أي تأويلات مختلفة، لما حدث، ويبقى السؤال الحقيقي الهام هو: كيف يحكم المرء بين هذه المنظورات المتعددة المختلفة ويفصل فيما بينها؟ والجواب عند كلادينيوس هو: باستخدام العقل، فحيث إن هناك حقيقة محددة للأمر المتعلق بما حدث بالفعل في ميدان المعركة، حتى لو كانت هذه الحقيقة قد شُوهدت من زوايا مختلفة، فإن هذه المنظورات لا بد أن تكون متسقة مع الأحداث الفعلية كما وقعت، وهذا الاتساق يجب أن يصنعه العقل ويسبغه ويضفيه، ومن ثم يمكن الفصل فيما بين وجهات النظر المختلفة والمتباينة باستخدام العقل.