«أحمد» يتأكد مما فكر فيه
ركب الشياطين سيارةً إلى فندق الصداقة، حيث حجَز لهم عميل رقم «صفر» مكانًا فيه كانت السيارة تقطع الطريق الخالي تقريبًا في سرعةٍ كبيرةٍ وكان «أحمد» مُستغرقًا في التفكير، إن «جون ماكدونالد» فرصةٌ طيبةٌ داخل المغامَرة، ويَنبغي أن يستغلَّه جديًّا، ولو أن عميل رقم «صفر» كان موجودًا في المطار لكان قدمه إليه، وقام بدور المُرشِد، وكان يُمكن أن يحضر معه اجتماعاته مع شركة التعدين أو حتى يعرف منه بعض التفاصيل، في نفس الوقت كان الشياطين يُريدون معرفة تفاصيل الحوار الطويل الذي دار بين «أحمد» وبين «جون»، لكن «أحمد» لم يتحدث؛ فقد أجل ذلك لحين الوصول إلى فندق الصداقة، كانت الغابات تمتد على جانبي الطريق، لكن سرعة السيارة لم تُعطِ أحدًا فرصةً حتى يستطيع أن يرى شيئًا، وعندما لاحت مدينة «دار السلام» قال السائق: إن الفندق يقع عند بداية المدينة.
لم يردَّ أحد من الشياطين، ولم تمض نصف ساعةٍ حتى كانت السيارة تقف أمام الفندق … غادرها الشياطين بسرعةٍ، بعد أن أعطى «خالد» للسائق إيجار السيارة، في داخل الفندق كانت الحركة نشطة تمامًا والصالة الواسعة مُزدحِمةً بالناس من شتى الألوان.
ابتسم «عثمان» وهو يهمس: هذا الزحام فرصةٌ طيبةٌ للعمل.
كان «رشيد» قد ذهب إلى الاستعلامات لإحضار مفاتيح الغرف، وعندما عاد أخذ الشياطين طريقهم مباشرةً إلى غرفهم، وبعد خمس دقائق، كانوا يعقدون اجتماعًا في غرفة «أحمد».
وقال «باسم» عندما ضمهم الاجتماع: لعلك حقَّقت شيئًا في الطائرة!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنه يمكن أن يكون خطوةً جيدةً، لكن المسألة لم تتم!
ظهرت الدهشة على وجه الشياطين، وسأل «رشيد»: ولماذا لم تتم؟
أخذ «أحمد» يشرح لهم ما دار بينه وبين «جون ماكدونالد» حتى لحظة وصول الطائرة إلى المطار، وفي النهاية قال «أحمد»: أخشى أن تُعطيَه الشركة مرشدًا من رجالها!
تساءل «باسم»: ولماذا قطعت بأن شركة التعدين هذه يُمكن أن تكون هي ما نبحث عنه!
رد «أحمد» بسرعةٍ: أولًا: هو احتمالٌ إما أن يكون صحيحًا أو خطأً. ثانيًا: هذه شركةٌ جديدةٌ ونحن نَعرف أن ما حدث يعتبر اكتشافًا جديدًا. ثالثًا: هذه شركةٌ لا تعمل في الذهب، وربما هي تُخفي سرَّ عملها، وهذه كلها نقاطٌ يُمكن أن تقودَنا إليها.
قال «خالد»: أقترح أن تتحدث إلى السيد «جون» تليفونيًّا، إن كانت الشركة قد حقَّقت ما فكرت فيه أم لا، فإن كان قد حدث فسوف نفكر في طريقةٍ أخرى، وإذا لم يكن فنفذ خطتك فورًا.
انتظر «أحمد» قليلًا، فقال «عثمان»: أعتقد أن تفكير «خالد» سليم.
توالت الأصوات، تُؤكِّد فكرة «خالد»، فقام «أحمد» إلى التليفون ومعه ورقة «جون» التي كتبها له في الطائرة، ثم أدار القرص وبعد لحظةٍ قال: الغرفة ٦٠٩.
لحظة، ثم قال: أهلًا بالسيد «جون» كيف حال الفندق الذي تَنزل فيه؟
انتظر لحظةً ثم قال: رائعٌ كان يُهمُّني أن تكون مرتاحًا، وهل توصَّلت إلى مرشد؟
لحظة، ثم ظهرت الفرحة على وجه «أحمد» وهو يقول: هذا المساء، نعم، سوف أصحبه معي هذا المساء، ظل «أحمد» يستمع، ثم في النهاية قال: إلى اللقاء، إذن إلى اللقاء.
وضع «أحمد» السماعة، كانت أعين الشياطين تلمع؛ فهم يعرفون بقية الحديث وقال «عثمان»: إذن نطلب عميل رقم «صفر» فورًا!
رفع «أحمد» سماعة التليفون، ثم أدار القرص بأرقامٍ خاصةٍ، ثم قال بعد لحظة: أهلًا بك، نعم أعرف، سوف تصلك الرسالة.
ثم وضع السماعة، ونظر إلى الشياطين قائلًا: سوف نُرسل له رسالةً شفريةً بالشفرة الجديدة؛ فقد عرفها من رقم «صفر».
انتظر لحظةً، ثم قال: يبدو أن العصابة تقوم بعملها جيدًا.
أسرع إلى جهاز الإرسال وبدأ يرسل الرسالة إلى عميل رقم «صفر»، كانت الرسالة تدور حول «جون» وحاجته إلى مُرشدٍ وأهمية هذا المُرشد في المغامرة الجديدة، وموعد اللقاء في فندق المدينة الذي يَنزل فيه «جون» لم تمض الدقائق حتى كان جهاز الاستقبال يسجل رسالةً شفريةً، عرف «أحمد» من أول حروفها أنها من عميل رقم «صفر»، كانت الرسالة تقول: «٥٠٠-٦٠٠» وقفة «١٤» وقفة «٨-٤٠٠-١٧٠» وقفة «١٦» وقفة «٥٠٠-٨-٦٠٠-١٢-٨» وقفة «١٧٠-٥٠-٤٠٠» وقفة «٨-١-١٢» وقفة «٤٤-٨-١-٧٠٠» انتهى.
ترجم «أحمد» الرسالة ونقلها إلى الشياطين، ثم قال: إذن «ماندا» سوف يكون نقطة البداية!
سكت لحظةً ثم قال: إن علينا أن نرسم خطتنا قد تكون معلومات «ماندا» مفيدةً وقد تُغيِّر من خطتنا، لكن ينبغي أن تكون الخطة جاهزةً.
صمت «أحمد» مرةً أخرى ثم قال: وأظنُّ أن الخطة لن تتغير؛ فالمعلومات التي قدمها لنا رقم «صفر» تقول إنَّ العصابة تنقل الذهب إلى جبال «كلمنجارو» وهناك يوجد معمل العصابة الذي يقوم بتحويل الذهب إلى رصاصٍ، ثم تبدأ عملية نقله إلى مدينة «دار السلام» ليخرج في حراسة القانون، دون أن يَعرف أحدٌ شيئًا.
قال «خالد»: هذا يعني أن أية معلومات سوف يحصل عليها «ماندا» لن تُغير خطتنا، إنه فقط سوف يختصر الزمن.
ظلَّ الشياطين يتناقشون حول خطتهم؛ فهم أولًا سوف يذهبون إلى مدينة «موانزا» أو مدينة الرصاص كما يُسمِّيها الشياطين، ومن هناك يُمكن معرفة كيفية خروج الذهب إلى جبال «كلمنجارو» وأيضًا يُمكن معرفة الرجال الذين يعملون مع العصابة، بعدها سوف تكون رحلتهم إلى جبال «كلمنجارو»، وهناك سوف تكون نهاية المغامرة.
كانت قد انقضت ساعةٌ فجأةً دقَّ الباب دقاتٍ خفيفةً، أسرع «عثمان» إليه ثم فتحه، ظهر وجهٌ أسمر مبتسمٌ يقول: إنني «ماندا».
مدَّ «عثمان» يده وسلم عليه في حرارة ثم دعاه للدخول، كان «ماندا» في عمر الشياطين تقريبًا، قويَّ البنيان يبدو عليه الذكاء، طيب الملامح، مبتسمًا دائمًا، أحنى رأسه في أدبٍ يحيي الشياطين، فوقفوا جميعًا يسلمون عليه، ثم قال «أحمد»: هيا إذن انضمَّ إلى حديثنا.
جلس «ماندا» وعلى وجهِه علامات الاهتمام، فأخذ «أحمد» يَشرح له المهمة التي سوف يقوم بها، وعندما انتهى من حديثه قال «ماندا»: إنني سعيدٌ أن أشترك معكم في هذه المغامَرة، فأنا أتابع مغامراتكم بإعجابٍ شديدٍ، وأرجو أن أكون عند حسن ظنِّكم.
قدم له «أحمد» خاتمًا أنيقًا وقال له: إنَّ هذا الخاتم سوف يدلُّنا على مكانك، ويجب أن تحرص عليه جيدًا؛ لأنك لو فقدته فقد تقع في يدِ العصابة دون أن ندري.
ابتسم «ماندا» وقال: أعتقد أنهم هم الذين سوف يقعُون في أيدينا.
ضحك الشياطين لتعليق «ماندا»، نظر «أحمد» في ساعة يده ثم قال وهو يقف: سوف أكون جاهزًا بعد ربع ساعةٍ.
أسرع يأخُذ حمامًا ثم أبدَل ثيابه، وعاد بسرعة فقال «ماندا»: إن في الخارج ثلاث سياراتٍ في انتظاركم، في دقائق كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى حيث توجد السيارات الثلاث، ركب «أحمد» و«ماندا» في السيارة الأمامية، حيث جلس «ماندا» إلى عجلة القيادة وركب «عثمان» و«خالد» السيارة الثانية، أما السيارة الأخيرة فقد ركبها «رشيد» و«باسم»، وبسرعةٍ كانت السيارات الثلاث تأخذ طريقها إلى وسط المدينة، حيث يُوجد الفندق الذي ينزل فيه «جون».
كان الليل قد بدأ يَهبط على المدينة وكانت الشوارع قد بدأت الحركة فيها تهدأ، كانت السيارات تنطلق في هدوءٍ، وكان الاتفاق أن تكون السيارات مُتباعدةً، وألا تقترب السيارتان الأخيرتان من الفندق، ولهذا عندما ظهر الفندق أضاء «ماندا» ضوء السيارة مرتين، ففهم الشياطين أن عليهم أن يَبتعدُوا الآن وأن يكونوا حول الفندق في نفس الوقت، فربما يحتاج إليهم إذا لزم الأمر.
أوقف «ماندا» السيارة أمام فندق المدينة، فأسرع «أحمد» بالنزول، أخذا طريقهما إلى الداخل وفي مكتب الاستعلامات تحدث «أحمد» إلى «جون» الذي قال له إنه سوف ينزل حالًا، أخذ «أحمد» و«ماندا» مكانًا في الصالة الواسعة ولم تمضِ دقيقتان حتى كان «جون» قد ظهر وهو ينظر حوله باحثًا عنهما، وقف «أحمد» ورفع يده، فرآه «جون» فرفَع يده هو الآخر، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ عريضةٌ، وعندما التقيا كانت تبدو السَّعادة على وجه «جون» الذي حيا «أحمد»، ثم حيا «ماندا».
فقال «أحمد»: صديقي «ماندا» إنه سوف يكون خير دليلٍ لك.
مرةً أخرى حيا «جون» «ماندا» وهو يقول: إنَّ ذلك يسعدني جدًّا … فسوف أسافر كثيرًا داخل المدينة وخارجها …
سكت لحظةً ثم قال: وقد أذهب إلى «موانزا». أخفى «أحمد» دهشته بسرعةٍ في حين ابتسم «ماندا» وهو يقول: أرجو أن أكون مفيدًا لك يا سيدي.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنني متأكدٌ من ذلك.
بدأ «جون» يسأل «ماندا» أسئلةً كثيرةً عن البلد … وعن الحياة فيها، وعن طرق المواصلات والطيران، كان «أحمد» يتابع ذلك باهتمامٍ، في حين أنَّ «ماندا» كان يجيب بلباقةٍ وبمعلوماتٍ غزيرةٍ جعلت «أحمد» نفسه يدهش كثيرًا … فجأةً كان أحد الرجال يقترب منهم وهو يَصيح: هاللو «جون».
وقف «جون» بسرعةٍ وهو يردُّ مبتسمًا: هاللو «برافو».
تصافحا ثم تعرف «برافو» على «أحمد» و«ماندا»، وشرح «جون» «لبرافو» قيام «ماندا» بدور الدليل منذ الصباح … وأن لديهما غدًا أعمالًا كثيرةً … وبعد ساعةٍ وقف «جون» وهو يقول: أعتذر لأنني يجب أن أنام مُبكرًا؛ فقد أجهدتني رحلة اليوم.
ثم قال ﻟ «ماندا»: أرجو أن تكون عندي في الساعة السابعة.
ثم انصرف … وخلفه انصرف «أحمد» و«ماندا» و«برافو» الذي ودعهما عند الباب، وخرج قبلهما … أخذا طريقهما إلى السيارة … كان «أحمد» مُستغرقًا في التفكير، فسأله «ماندا» عندما انطلق بالسيارة: ماذا هناك؟
رد «أحمد» بعد لحظةٍ: لا أدري غير أني أشعر أن شيئًا ما سوف يحدث بعد قليلٍ!
ابتسم «ماندا» وهو يقول: تقصد «برافو»؟
رد «أحمد»: نعم وربما «جون» أيضًا.
ظهرت الدهشة على وجه «ماندا» وهو يقول: جون؟ … كيف؟
رد «أحمد» بعد قليل: لا أدري غير أن إحساسًا يقول لي ذلك.
نظر «ماندا» في مرآة السيارة، ثم قال: الأصدقاء خلفنا.
قال «أحمد»: إلى الفندق إذن.
فجأة كان جهاز الاستقبال مع «أحمد» يُسجل رسالةً ولم يكن «ماندا» يعرف … وضع «أحمد» يده على الجهاز في جيبه … ثم أخذ يتلقى الرسالة التي كانت تقول: يبدو أن سيارةً ما تتبعنا … ظهرت الدهشة على وجه «أحمد»، حتى إن «ماندا» سأله: ماذا حدث؟
بعد قليلٍ قال: انطلق بسرعةٍ … يبدو أننا سوف نتعرض لحادثٍ ما!
في نفس الوقت أرسل رسالةً إلى آخر سيارةٍ، حيث «رشيد» و«باسم» قال فيها: إننا سوف نُغيِّر طريقنا حتى نتأكد … ويجب أن نفترق الآن.
ثم همس ﻟ «ماندا» غيِّرِ اتجاهنا، ولا داعي للذهاب إلى الفندق الآن.
وبسرعةٍ أرسل رسالةً إلى السيارة الثانية التي تضمُّ «عثمان» و«خالد» يقول فيها: اذهبا إلى الفندق مباشرةً وانتظرا … سوف نمضي بعض الوقت بعيدًا عنكما.
لقد تأكد «أحمد» الآن أن ما فكر فيه كان صحيحًا بالنسبة ﻟ «برافو» حتى الآن … أما «جون» فإنه لم يتأكَّد منه بعد.