معركة في بطن الجبل
كان «ماندا» يَنطلِق بالسيارة في شوارع جانبيةٍ جعلت «أحمد» ينظر إليه دهشةً؛ فقد كان «ماندا» يعرف مدينة «دار السلام» جيدًا … فهو من أبنائها … بجوار أنه كان ماهرًا في القيادة … نظر إلى «أحمد» ثم قال: هل نَخرُج خارج المدينة؟
قال «أحمد» بعد لحظةٍ: لا بأس فأنا في حاجةٍ إلى التفكير!
ثم قال بعد لحظةٍ وهو يَبتسِم: لا ينبغي أن تذهب بنا إلى الغابات.
ابتسم «ماندا» وهو يرد: لا بأس وإن كنا لن نصلَ إلى هناك.
انطلق «ماندا» بالسيارة إلى خارج المدينة في نفس طريق المطار … ثم أبطأ من سرعتها … ولم يَشغلْ «أحمد» بكلمةٍ … فقد كان «أحمد» مُستغرقًا فعلًا في التفكير … مدَّ «ماندا» يده، وضغط زرًّا في تابلوه السيارة … فانسابَت موسيقى هادئةٌ جعلَت «أحمد» ينظر إليه مُبتسمًا … فجأةً استقبل جهاز الاستقبال رسالةً من «عثمان» يقول إنه و«خالد» موجودان في الفندق الآن … لكن «رشيد» و«باسم» لم يعودا بعد.
بعد لحظةٍ أرسل «أحمد» الرد قائلًا: لا بأس … انتظرا! …
مرَّت دقائق … ثم سجَّل الجهاز رسالةً أخرى كانت من «رشيد» يقول فيها: إنَّ «باسم» و«رشيد» قد استطاعا الإفلات من السيارة التي تُطاردهما … وإنهما يقفان الآن في النقطة «ع»، أخرج «أحمد» خريطةً، وأجرى فوقها بعض الحسابات … فعرف مكانهما … ثم ردَّ: يَنبغي أن تعودا إلى الفندق في حذرٍ، وسوف أكون خلفكما تمامًا.
ثم نظر إلى «ماندا» وقال: سوف نتبع هذا الطريق في العودة.
مدَّ يده، وأدار البوصلة المثبتة في تابلوه السيارة، فحدَّدت ﻟ «ماندا» طريق العودة، في نفس الوقت كان «أحمد» يُراقب الطريق جديًّا؛ فقد تظهر السيارة الغريبة فجأةً … لكن شيئًا لم يحدث حتى وصلا إلى الفندق … وعندما اتَّجها إلى غرفة «أحمد» كان بقية الشياطين قد وصلوا وفي الحال عقد الشياطين اجتماعًا سريعًا … وقال «أحمد»: ينبغي أن نكون في مدينة «موانزا» غدًا.
ابتسم «عثمان» وهو يقول: مدينة الذهب.
قال «أحمد» إنَّ الواضح أمامنا الآن أن «برافو» أحد رجال العصابة، وإلا ما حدثت هذه المطاردة …
رد «رشيد»: وربما يكون «جون ماكدونالد» واحدًا منهم أيضًا.
قال «أحمد»: أعتقدُ ذلك.
صمت لحظةً ثم قال: إننا سوف نُضيِّع وقتَنا هنا في «دار السلام» … إننا سوف نترك «ماندا» وهو كفيلٌ بأن يُخبرنا بأيِّ جديدٍ في الوقت الذي نكون فيه قد دخلنا المعركة فعلًا!
استمرَّت المناقشات حتى وقتٍ متأخرٍ، ثم قال «أحمد»: إذن لقد اتفقْنا، سوف ننتظر رسالةً من «ماندا» بعد لقائه مع «جون» وبعدها سوف ننطلق إلى «موانزا».
وقف «ماندا» وهو يقول: أتمنَّى لكم نومًا هادئًا …
ثم انصرَف مباشرةً في الوقت نفسه … كان الشياطين يأخُذُون طريقهم إلى غرفهم … بقي «أحمد» وحده، كان مُستغرقًا في التفكير … لكنه فجأةً قال لنفسه يجب أن أنام الآن فغدًا سيكون يومًا شاقًا.
وبسرعةٍ قفز إلى سريره ولم تمض دقيقتان حتى كان قد استغرق في النوم، لكنه في الصباح الباكر كان يَقفز من سريره … نظر في ساعة يده ثم قال لنفسه: يجب أن يستيقظ «ماندا» الآن هو الآخر حتى يكون عند «جون» في الساعة السابعة.
ضغط زرًّا في جهاز الاستقبال … فأضاءت لمبةٌ فيه … ابتسم وهو يقول لنفسه: إن «ماندا» لم يغادرْ منزله بعدُ، ومن الواضح أنه يلبس الخاتم … رفع سماعة التليفون ليُوقظ الشياطين، لكن صوت «رشيد» جاءه بتحية الصباح، ابتسم مرة أخرى وقال لنفسه: إن الشياطين جاهزون دائمًا … وبسرعةٍ كان يُجهِّز حقيبته السِّحرية، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، كانت الساعة قد اقتربتْ من السابعة … وعندما وصل إلى المطعم … وجد الشياطين هناك … ألقى عليهم تحية الصباح ثم جلس، بدأ يأكُل طعام الإفطار الذي أحضره له الشياطين … دقت الساعة السابعة … فهمس «عثمان».
– إن «ماندا» عند «جون» الآن.
أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال، وضغط زرًّا فيه، ثم علت الدهشة وجهه وهو يقول: إن «ماندا» لم يَصِل إلى «جون»!
سأل «عثمان» بسرعةٍ: لماذا؟
قال «أحمد»: إن «ماندا» في الطريق مع أن موعدَه مع «جون» الآن … هذا يعني أن شيئًا ما قد حدث!
غادر الشياطين الفندق مُسرعين … واتجهوا مباشرةً إلى مكان انتظار السيارات، ركب «أحمد» و«خالد» و«عثمان» في سيارةٍ، وركب «رشيد» و«باسم» السيارة الأخرى.
قال «عثمان»: كان يجب أن نتحرَّك بسيارةٍ واحدةٍ.
أجاب «أحمد» مسرعًا: لا تضع البيض كله في سلةٍ واحدةٍ.
انطلقت السيارتان تبعًا لمؤشِّر جهاز الاستقبال الذي يَتلقى الإشارات … كان السهم فيه يتحرَّك في اتجاهٍ معينٍ، فاتجه «خالد» معه، فجأةً ظهر حشدٌ كبيرٌ من الناس يكاد يسد الطريق … فكَّر «أحمد» بسرعةٍ هذه حادثةٌ مدبرةٌ بالتأكيد!
تقدَّمت السيارتان حتى توقفتا عند الزحام … نزل «أحمد» بسرعةٍ، وعندما وقفتْ عيناه على «ماندا» تجمَّد وجهه … كانت حادثة مروعة، فكر «أحمد» هل يتدخَّل الآن … إن ذلك يمكن أن يكشف كل شيءٍ نظر إلى «عثمان» وقال: تحدث إلى عميل رقم «صفر» بسرعةٍ.
انسحب «عثمان» مسرعًا إلى السيارة … في الوقت الذي كانت سيارة الإسعاف تنقل «ماندا» وقال أحد رجال الشرطة: إنَّ أحدًا لم يَستطِع التقاط رقم السيارة التي تسببت في الحادث!
تأكَّد «أحمد» من أن الحادث مدبرٌ، وعرف في نفس اللحظة أن العصابة قد بدأت الحرب، عاد «عثمان» وهمس في أذن «أحمد» هناك رسالةٌ من عميل رقم «صفر»!
أسرع «أحمد» إلى السيارة حيث كانت الرسالة في انتظاره … كانت الرسالة تقول: طائرةٌ في انتظاركم في المطار … التحرُّك فورًا إلى «موانزا» كل شيءٍ جاهزٌ هناك.
قرأ «أحمد» الرسالة ثم قال على الفور: ينبغي أن نصل إلى المطار حالًا … انطلقت السيارتان إلى مطار «دار السلام» … وهناك كانت طائرةٌ صغيرةٌ في انتظارهم … نظر إليها «رشيد» وقال: طائرةٌ رائعةٌ … إنها من المُمكن أن تكون سيارةً فضائيةً … قفز الشياطين في الطائرة فارتفعَت في الجو مباشرةً، كان الشياطين يرون الغابات الممتدة ويرون كثيرًا من الحيوانات تمرح فيها … كان منظرًا فريدًا … غير أن «أحمد» كان مستغرقًا في التفكير، وكان «ماندا» محور تفكيره، انقضت ساعةٌ ثم أخذت الطائرة طريق الهبوط، وكان مكان هبوطها منطقةً نائيةً على أطراف مدينة «موانزا» … وعندما توقفت تمامًا قفز الشياطين منها.
وقال قائد الطائرة: هذه شفرةٌ سريةٌ يُمكن استدعائي بها! ثم قدم ﻟ «أحمد» ورقةً صغيرةً، نظر إليها «أحمد» بسرعةٍ في الوقت الذي أخذتْ فيه الطائرة طريقها مُغادرةً المكان … كانت هناك سيارةٌ في انتظار الشياطين، قفزوا إليها فتحرَّك السائق مباشرةً دون أن يَنطق كلمةً، ولم يمضِ نصف ساعةٍ حتى كانت مدينة «موانزا» قد ظهرت، فقال السائق: إنها مدينةٌ صغيرةٌ يسكنها العمال، والمهندسون وبعض الموظَّفين الذين يعملون في المناجم … وعندما دخل المدينة اتجه مباشرةً إلى منزلٍ صغيرٍ وقال: هذا هو المكان الذي ستَنزلون فيه.
نزل الشياطين بسرعةٍ واتجهوا إلى المنزل الذي كانت تقف أمامه سيارة جيب … دخلوا، فوجدوا منزلًا بسيطًا أنيقًا … في جانبٍ من الصالة وجدوا ملابس عماليةً متسخةً … فقال «أحمد»: أظنُّ أنها لنا.
فجأةً سجَّل جهاز الاستقبال رسالةً تلقاها «أحمد» وعرف أنها من عميل رقم «صفر» يشرح له كل شيءٍ … ويحدد له مواعيد عمل العمال منذ البداية وحتى ساعة الانصراف، وبسرعةٍ كان الشياطين يلبسون ملابس العمال المتَّسخة، نظر «أحمد» في ساعة يده ثم قال: سوف يعود العمال إلى عملهم الآن … يجب أن نسرع حتى نكون بينهم.
وقف «أحمد» أمام مرآةٍ ثم أخذ يضع بعض الماكياج بما يعطي لشكله صفة العمال … وكذلك فعل بقية الشياطين، فجأة دوَّت في الفضاء صفارةٌ متقطعةٌ، فقال «خالد» إنها صفارة العودة!
أسرع الشياطين وخرجوا من المنزل، كانت هناك سياراتٌ تنقل العمال … فوجدوا مجموعةً منهم تقف في جانب الطريق … وبسرعةٍ انضمُّوا إليهم، وعندما اقتربت إحدى السيارات قفزوا مع العمال داخلها، وبعد ربع ساعةٍ كانوا يُغادرون السيارة بين العمال إلى داخل المنجم …
عند الباب توقف «أحمد» لحظةً وكاد يَصرخ لكنه تمالك نفسه، لقد رأى «جون» ومعه «برافو» أعطى ظهره لهما حتى لا يرياه … كان الاثنان يدخلان المنجم في هذه اللحظة … أسرع يمشي خلفهما واستطاع ببساطةٍ أن يسمع ما يدور … قال «برافو»: نعم يا سيد «ويلي» إن العمل يَمشي بشكلٍ مُنتظِمٍ … فالذهب ينقل إلى «كلمنجارو» حسب التعليمات وهناك يتم كل شيءٍ.
قال «أحمد» في نفسه: … إذنْ ليس اسمه «جون» ولكن «ويلي» لقد فكرتُ جيدًا!
قال «ويلي»: اسمع يا سيد «بول» أنت تَعرف أننا معرَّضون الآن لمخاطر كبيرةٍ … فقد تسرَّب خبر اكتشافنا لمادة تحويل الذهب إلى رصاصٍ ولهذا يَنبغي أن نستولي على أكبر كميةٍ من الذهب … وفي أقصر وقتٍ.
رد «بول»: سوف يتحقَّق هذا يا سيدي …
كان المنجم مضاءً … لكن الضوء لم يكن كافيًا … في نفس الوقت الذي كانت فيه رائحة الفحم، والتراب عاليةً تمامًا، فجأةً التفتَ «ويلي» فوقعت عيناه على «أحمد»، حاول «أحمد» أن يسرع بعيدًا، إلا أن «ويلي» قال: أليس هذا صديقي الأفريقي؟ التفت «بول» وهو ينظر في اتجاه «أحمد» لا أظن … لعله أحد العمال.
– نادى «ويلي»: أنت!
إلا أن «أحمد» استمر في طريقه … في نفس الوقت كان بقية الشياطين يندسُّون بين العمال غير بعيدين عن «أحمد» فجأةً كانت يدٌ تُمسك كتف «أحمد» وسمع صوت «ويلي» يقول: أنت.
وقف «أحمد» وهو يقول نعم يا سيدي … نظر له «ويلي» لحظةً ثم رفع يده، وأخذ يَمسح وجه «أحمد» ثم رفع غطاء رأسه وقال: أنت الأفريقي صديق الطائرة!
أبدى «أحمد» دهشةً وهو يقول: أي طائرةٍ يا سيدي؟!
رد «ويلي»: أنا «جون ماكدونالد» وأنت «ألبرت»!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أُدعى «كالي» يا سيدي!
مد «ويلي» يده ونزع قميص «أحمد» فظهر صدرُه وهتف «يلي»: إنه أنت!
ثم نظر إلى «بول» وهو يقول: إنه هو، اقبضْ عليه.
ولم يكن أمام الشياطين إلا أن يدخلوا المعركة في لمحِ البصر بضربةٍ إلى «ويلي» في الوقت الذي التفَّ فيه الشياطين حول «بول».
قفز «رشيد» في الهواء وضرب «بول» ضربةً قويةً دفعته إلى الجدار، وفي لحظةٍ كان عددٌ من الحراس قد ملئوا المكان … طار «عثمان» في الهواء وضرب اثنين ضربةً مزدوجةً، جعلتهما يصطدمان بآخرين … وفي نفس الوقت كان «رشيد» قد أمسك بأحدهم ودار به فاصطدم في الحائط وتهاوى على الأرض … كانت المسألة الغريبة أن العمال لم يشتركوا في المعركة … فقد انصرفُوا إلى عملهم … كانت معركةً سريعةً استطاع الشياطين فيها أن ينتصروا بسرعةٍ، وكان جو المكان يُعطيهم فرصة هزيمة أي عددٍ من الرجال … لكن فجأةً أصبح مدخل المنجم مسدودًا تمامًا، فقد أقبلت مجموعةٌ مسلحةٌ من الرجال وتصرَّف الشياطين بسرعةٍ، فقد قفزوا داخل المنجم، واندسوا بين العمال كانوا يُعطون أنفسهم فرصةً، فهم لا يستطيعون العودة الآن، لكنهم يمكن أن ينشغلوا في العمل مع العمال حتى لا يُفاجئوا بمن يصل إليهم … ومن حُسنِ الحظ أن العمال كانوا قريبين منهم، فانهمك الشياطين معهم في العمل فمنهم من يمسكون بالأسلاك الممتدة ومن يعملون في الحفارات الصغيرة ومنهم من يخرجون الأتربة … كان رجال العصابة قد وصلوا عند العمال، وبينهم كان يقف «ويلي» و«بول» وقد ظهر عليهما الإجهاد.
نظر «أحمد» إلى الشياطين وتحدَّث إليهم بلغة الشياطين … وعندما وقف «بول» و«ويلي» وحراسهما صرخ «ويلي»: توقفوا … توقَّفَ العمال عن العمل … وكانت هذه هي فرصة الشياطين، كان كلٌّ منهم يحمل مقطفًا مملوءًا بالأتربة، وعندما صرخ «ويلي» كانت المقاطف الخمس قد ارتفعت في الهواء ودارت المقاطف وغطت المساحة كلها بالتراب … كانت الحركة مفاجئةً حتى إن «ويلي» و«بول» والحراس … لم يستطيعوا عمل شيءٍ في نفس الوقت كان الشياطين قد بدءوا عملهم؛ فقد دارت المقاطف فوق رءوس «ويلي» ومن معه مرةً أخرى، وكانت المفاجأة … أن عددًا من العمال قد اشتركوا وساعَدُوا الشياطين في معركتهم … وكانت بدايةً رائعةً.