معركةٌ في منجم الذهب
ألقى «أحمد» نظرةً سريعةً على المعركة، ثم أخفى ابتسامةً … وقال في نفسه: من الغريب أن العمَّال قد تحركوا معنا وحدهم!
أسرع في ركنٍ من المكان وأخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالةً شفريةً إلى قائد الطائرة يطلب منه حضور الطائرة فورًا … قال في نفسه: ما دمنا قد سيطرنا على المنجم، فينبغي أن نُوقف العمل في «كلمنجارو» ثم عاد إلى المعركة التي كانت قد أوشكت أن تنتهي، اقترب أحد العمال منه وقال: اسمي «مانجا» إنني أشكر لك ما فعلت.
قال «أحمد» مبتسمًا: إن هذا منجمكم، وهذه ثروتُكم ويجب أن تحافظوا عليها.
نظر إلى الشياطين، ثم أعطى إشارةً، فانضمُّوا إليه … قال ﻟ «مانجا»: إن وراءنا مهمةً أخرى ينبغي أن ننتهي منها وعليكم أن تُسيطِروا على المكان وسوف تصل الجهات الرسمية الوطنية حالًا.
ثم تحرك إلى الخارج وخلفه الشياطين، أمام المنجم كانت السيارات واقفة، قفز إلى واحدةٍ منها فتبعه الشياطين، انطلق بها إلى حيث هبطت الطائرة خارج المدينة … في الطريق قال مبتسمًا: لقد تحرَّك العمال من أنفسهم في الوقت المناسب.
ابتسم «خالد» وقال: لقد كانوا ينتظرون من يدفعهم إلى الثورة ضد من يسرقون ثرواتهم.
رد «أحمد»: لكنهم دفعوا أنفسهم كما رأينا.
قال «خالد» مرةً أخرى: لقد تحدَّثتُ ﻟ «مانجا» وشرحتُ له ما حدث … فقد كنت أتوقع هجومًا كبيرًا، قد لا نستطيع الوقوف أمامه!
علتِ الدهشة على وجه «أحمد» وهو يقول: كيف استطعت أن تعرف زعيم العمال بهذه السرعة؟
رد «خالد» في لحظةٍ سريعةٍ: عرفته، لقد كان متذمِّرًا وقت أن اندسسنا بينهم وكانت فرصتي.
ابتسم «أحمد» وقال: لقد استطعتَ إنجاز المهمة جيدًا.
كانت السيارة قد خرجت من المدينة إلى الخلاء ومن بعيدٍ ظهرت الطائرة في منطقةٍ خاليةٍ … اتجه «أحمد» إليها، كان قائدها يقف في انتظارهم … قال عندما رآهم: لعلكم أنجزتم المهمة!
ابتسم «أحمد» وقال: الرجال هم الذين أنجزوها.
نظر له القائد في تساؤلٍ وقال: أي رجالٍ تقصد؟
رد «أحمد»: رجال المنجم أصحاب الحق!
كان قائد الطائرة قد بدأ يتحرَّك بها وسأل: إلى أين؟
ابتسم «أحمد» وهو يضع أمامه خريطةً صغيرةً ألقى عليها القائد نظرةً ثم همس في دهشةٍ: كيف توصلت إليها.
ابتسم «أحمد» مرةً أخرى ولم يردَّ … وإن كان قد قال: إنها بلادنا في النهاية.
رد قائد الطائرة بابتسامةٍ … بينما كانت الطائرة تأخذ طريقها في الفضاء إلى جبال «كلمنجارو» كان الشياطين يرقبون اللون الأخضر الممتد حتى النهاية … وأشجار الغابات المرتفعة … فجأةً قال «رشيد» ترى ماذا حدث لصديقنا «ماندا» الآن؟
رد «أحمد»: لا أظنُّ أنها عصابةٌ خطيرةٌ، ربما تكون الصدمة فقط أفقدتْه وعيه … إن «ماندا» قائدٌ ماهرٌ.
مضى بعض الوقت وبدأت الطائرة تأخذ ارتفاعًا عموديًا … قد اقتربوا من الجبال العالية … قال قائد الطائرة وهو ينظر إلى الجبال: هناك طريقٌ أسفلتيٌّ … يبدو واضحًا في الجبل.
ثم أشار بيده إلى الجبل، فاتجهت أعين الشياطين إلى حيث أشار … كان هناك طريقٌ يبدو كثعبانٍ يلوي في بطنِ الجبل … سأل «باسم» … ألا يوجد منظارٌ مكبرٌ؟
مدَّ قائد الطائرة يدَه وقدم لباسم منظارًا أخذه بسرعةٍ ووضعه على عينيه، ثم صاح: هناك إحدى الناقلات في طريقها إلى الهبوط.
ثم قدم المنظار إلى «رشيد» الجالس بجواره، فأخذه وفعل نفس الشيء، وقال مُتسائلًا: هل تكون تابعةً للعصابة؟
أخذ «أحمد» المنظار ثم وضعه فوق عينيه وقال: يَنبغي أن نوقفها لنرى.
أعطى المنظار ﻟ «عثمان» ثم تحدَّث إلى قائد الطائرة الذي قال: يُمكن طبعًا أن تهبط قبلها بكثيرٍ.
رد «أحمد»: ينبغي أن نفعل ذلك!
قال «خالد»: إنَّ المعمل يُهمُّنا تمامًا وهو هدفنا في النهاية.
رد «أحمد»: إنَّ المعمل سوف يظلُّ مكانه … لكن الناقلة لن تتوقَّف.
وبسرعة أخذ قائد الطائرة دورةً مضاءةً مبتعدًا عن الجبل، ثم دار دورةً أخرى كاملةً عائدًا إلى الجبل مرةً ثانيةً، أخذ يَقترب حتى أصبحت الناقلة واضحةً أمامهم.
قال «أحمد»: هل نستطيع الاقتراب منها، ثم النزول فوقها؟
رد قائد الطائرة مبتسمًا: كالأفلام الأجنبية!
ثم أضاف: أستطيع طبعًا أن أقف فوقها تمامًا، لولا خوفي أن تسقط خصوصًا وأن الطريق ليس متَّسعًا.
قال «أحمد»: نُريد أن نقفز فوقها!
ابتسم قائد الطائرة ثم قال: إذن استعدوا.
نظر «أحمد» إلى الشياطين الذين وقفوا جميعًا … قال قائد الطائرة: هناك ذراعٌ في يمين الطائرة حركه جهة اليمين وسوف يكون تحت قدمك طاقةٌ يمكن أن تَفتحها لتنزل من بطن الطائرة فوق الناقِلة تمامًا.
أسرع «أحمد» بتنفيذ ما قاله القائد … حرك الذراع فظهرت فتحةٌ مستديرةٌ تكفي لنزول انسانٍ … كانت الطائرة تُحلق فوق الناقلة تمامًا في هذه اللحظة … وكانت الناقلة تبدو قريبةً تمامًا الآن … أسرع «أحمد» ووقف عند الفتحة المُستديرة … ثم نظر إلى قائد الطائرة وهو يقول: هل أقفز الآن؟
رد القائد مبتسمًا: ليس هكذا … هناك حزام أمانٍ … أمسكه وانزل حتى تتحاشَى السقوط … وعندما تُصبح فوق ظهر الناقلة، اتركه لينزل به من بعدك.
نفذ «أحمد» تعليمات قائد الطائرة … أمسك حزام الأمان وأنزله من الفتحة ثم نزل عليه حتى أصبحت قدماه فوق الناقلة، ثم تركه، كانت الناقلة تَسير بسُرعةٍ فكاد «أحمد» أن يسقط على الأرض، إلا أنه استطاع أن يحفظ توازنه وبسُرعةٍ كان «رشيد» يهبط ثم تبعه «باسم» ثم «خالد» وبقي «عثمان» يُراقب الموقف فقد قال قائد الطائرة: ينبغي أن يَبقى أحدكم فربما حدَث شيءٌ!
ظل «عثمان» يُراقب حركة الشياطين فوق ظهر الناقلة … كان «أحمد» يتقدَّم حتى وصل إلى مقدمة السيارة الضخمة … نام فوقها ونزل برأسه حتى زجاجها الأمامي، رآه قائد السيارة فظهرتْ على وجهِه علامات الفزع … وفجأةً انطلقت السيارة في سرعةٍ هائلةٍ، قال «أحمد» في نفسه: إنه يُريد أن نسقط … نظر بسرعةٍ إلى الشياطين وقال: تشبَّثوا جيدًا حتى لا يسقط أحدنا!
أخذت السيارة تتلوَّى في سيرها حتى يَفقد الشياطين توازنهم، ثم فجأةً فُتح بابها وظهر أحد الحراس، كان مسدَّسُه يبدو قريبًا من «رشيد» الذي كان منبطحًا بجوار «أحمد» فأسرع يمد يده وجذب المسدس منه … في نفس اللحظة كان «أحمد» قد ضرب الحارس ضربةً قويةً جعلته يكاد أن يسقط، لولا أنه تشبث بالباب … فجأةً زعقت فرامل السيارة، فاهتز الشياطين بعنفٍ وكادوا يسقطون لولا أنهم كانوا مُستعدين لهذه اللحظة، وعندما توقفت قفزوا جميعًا إلى الأرض إلا أن قائدها كان ذكيًا، فقد انطلق مرةً أخرى فجأةً، غير أن الشياطين كانوا جاهزين بهذه الخدعة … فقفزوا في رشاقة إلى سقفها من جديدٍ … استمرَّت المحاولات بين قائد السيارة والشياطين الذين لم يكونوا يعرفون من بداخلها أكثر من قائدها والحارس، فكر «أحمد» بسرعةٍ وقال في نفسه: إنها تجربةٌ وأرجو أن تحقق ما أفكر فيه … بحث عن شيءٍ صلبٍ حوله فلم يجد، كشف غطاء السيارة … فوقعت عيناه على عمودٍ من المعدن له لون الرصاص … فكر: هل تكون هذه هي السبائك الذهبية؟ … مدَّ يده وأمسك بأحد القوالب … كان ثقيلًا تمامًا برغم حجمه المتوسط … نظر إلى «رشيد» فرأى المسدَّس في يده همس … أعطني المسدس … أخذه منه ثم رفع يده في قوةٍ وبكعب المسدس نزل على زجاج السيارة … فجأة اهتزت السيارة بعنفٍ … ثم أخذت ترُوح وتجيء على الطريق وكادَت أن تصطدم بالجبل لولا أن السائق كان ماهرًا، ثم توقفت في النهاية، في نفس الوقت كان الشياطين يقفزون وقبل أن يصلوا إلى الأرض كان بابا السيارة قد فُتحا في عنفٍ، فاصطدم أحدهما ﺑ «رشيد» فأطاح به بعيدًا واصطدم الآخر ﺑ «باسم»، ففعل به نفس الشيء لكن «أحمد» و«خالد» كانا في الانتظار، فما إن نزل الرجال الخمسة حتى كان «أحمد» قد قفز في الهواء وضرَب اثنين منهما ضربةً قويةً جعلتهما يصطدمان ببعضهما، بينما كان «خالد» قد دار حول نفسه وضرب أقرب الرجال إليه ضربةً دائريةً جعلته يصطدم هو الآخر بزميله …
في نفس الوقت كان «رشيد» قد استعاد نفسَه وقفز في الهواء، بينما كان الرجل الخامس يُصوِّب مسدَّسه في اتجاه «أحمد»، ضرب «رشيد» يدَ الرجل بقوةٍ … في نفس اللحظة التي ضغط فيها على الزناد فطارَت الطلقة في الهواء وإن كان المسدس قد ظل في يد الرجل … كان «باسم» قد انضم إليهم، فأسرع إلى الحارس وضربه ضربةً قويةً جعلته ينحني، فضربه ضربةً أخرى جعلته يسقط على الأرض.
كان «أحمد» و«رشيد» قد اشتبكا مع اثنين من الحراس، واشتبك «خالد» مع ثالثٍ، في نفس اللحظة قفز أحدهم إلى السيارة وانطلق بها … إلا أن الطائرة كانت تقف فوقها تمامًا، فنزل «عثمان» بسرعةٍ وما إن ترك حزام الأمان حتى قفز بسرعةٍ إلى مقدمة السيارة، ثم نزل في رشاقةٍ إلى الباب، واختفى داخل كابينة السيارة.
كان «أحمد» يُراقب ما حدث، بعد أن انتهى من ضرب خصمه رأى السيارة تتأرجح، فعرف أن معركةً تدور داخلها بين السائق و«عثمان»، أشار إلى قائد الطائرة فهبط أكثر، كان حزام الأمان يتدلى من الفتحة الدائرية بعد نزول «عثمان»، قفز «أحمد» في الهواء وتعلق به … فتحركت الطائرة حتى وصل إلى السيارة التي كانت قد توقفت … قفز في رشاقةٍ ونزل على الأرض، ثم أسرع إليها.
فجأةً كان «عثمان» ينزل مُبتسمًا، وهو يقول: لقد انتهت المهمة.
نظر «أحمد» إلى قائد الطائرة الذي كان يُراقب ما يحدث، ثم أشار إليه إشاراتٍ فهمها … تحركت الطائرة إلى حيث يقف بقية الشياطين … وقف «أحمد» و«عثمان» يراقبان الطائرة وهي تتَّجه إلى الشياطين حتى وصلت إليهم وبدئوا يصعدون بواسطة حزام الأمان، حتى ركبوا جميعًا … فتحرَّكت الطائرة مرةً أخرى عائدة إلى حيث يقف «أحمد» و«عثمان» وقال «أحمد»: لقد انتهينا من الجولة الأولى وبقيت الجولة الأخيرة.
وبسرعةٍ أخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالةً شفريةً لرقم «صفر»، وبعد قليلٍ جاء رد الزعيم: أهنئكم … استمرُّوا للانتهاء من المغامرة.
وبدأ الشياطين يرسمون خطتهم لتنفيذ تعليمات الزعيم …