مُحَارِبَةٌ قديمةٌ تحسم المعركة وحدها
سألت الطفلة أمها قائلة: هل سيطلقون الرصاص مرة أخرى؟
قالت الأم: لا …
– ولكنك قلتِ لي إنهم سكارى يا أمي.
قالت الأم: إن الخمرة ذاتها التي جعلتهم يطلقون الرصاص هي نفسها التي ستُنيمهم فيكفُّون عن إطلاق الرصاص.
ولو أن الطفلة لم تقنع برد والدتها إلا أنها نامت، وظلت الأُم مستيقظة، تتوقع بين الحين والآخر أن يطلق أحد الجنود السكارى النار عشوائيًّا فتصيب طفلتها النائمة أو تصيبها هي.
لا أحد يستطيع أن يمنع الجنود السكارى من إطلاق النار طالما لا أحد يستطيع أن يمنعهم تناول الخمر، حتى السلطات نفسها لا تفعل شيئًا.
يؤكد زوجها: إذا غضب الجندي المسلح وهو سكران قتل نديمه أو صاحبة المنزل، وكلاهما خارجان عن القانون، وقد يصيبكِ أنتِ وانتصار، وموتكما أو إصابتكما بأذًى لا تؤثر على أحد له سلطة أو تُخلُّ بالأمن القومي. وكالعادة كان يسخر من نفسه ومن زوجته وابنته الوحيدة، كان بعيدًا جدًّا في هذه الليلة في مأمورية للعاصمة؛ حيث يعمل سائقًا بإحدى الشركات الخاصة. سوف يطلقون النار مرة أخرى، هي متأكدة من ذلك، في الغد سأرحل عن هذا المكان إلى حيث يقيم والدي، وعندما يأتي صابر من مأموريته سأقول له بالحرف الواحد: يا أنا … يا هذا المكان اللعين.
وكرر الطارق الطرق، بحركة لا إرادية أطفأت النور الرئيسي أبقت على سراج صغير، ضمت ابنتها إلى صدرها، أغمضت عينيها ولكن أذنها كانت تتصيد الأصوات في الخارج، زوجها لا يطرق الباب؛ لديه مفتاحه الخاص ولا تعرف هي أحدًا يزورهم ليلًا، يصرُّ الطارق على الطرق، تغمض عينيها أكثر، أكثر، أكثر، غدًا سترحل عن هذا المكان اللعين، يزداد الطرق على باب الشارع، تستيقظ الطفلة.
لماذا لم تنامي إلى الآن يا أمي، هل سيطلقون الرصاص مرة أخرى؟
يسمون أنفسهم «البوم» لأن الناس يتشاءمون بصوتهم، ولأن المواطنين يعتقدون أن من دخل البُوم بيته لا بدَّ أن يخرج من البيت أحدهم ميتًا، ومن رأى البوم نهارًا لا بدَّ أن يفقد نظره، ومن رآه ليلًا لا بدَّ أن يفقد ذكورته، وإذا كانت امرأة لا بدَّ أنها ستعقر، ويسميهم أبي: «شياطين الليل»، وأُمي تسميهم الجماعة، أما السلطة تسميهم: «الجنود الأشاوس الذين يُحاربون قوى البغي والكفر والعدوان»، كانت البنت الصغيرة تموت من النعاس، فهي تسميهم: «ناس الحرب.»
يزداد الطرق أكثر، أكثر، تغمض الطفلة عينيها الكبيرتين، تُغمض الأم عينيها الكبيرتين.
– قد يكون أبي؟
– أبوك عنده مفتاح.
– قد يكون خالي آتيًا من السفر؟
– خالك لا يأتي هذه الأيام.
– إذًا دعيني يا أُمي أهاجمهم، إنهم الأعداء.
– نامي يابنتي، الباب مغلقٌ جيدًا ولا أحد يستطيع الدخول، ولسنا في حاجة لمهاجمة أحد، وضعت البنت الصغيرة يدها المبتورة على فمها، انتصار تحب اللعب مع ابن الجيران مصطفي، مصطفي يحب أن يلعب جيش جيش، هي تلعب جيش جيش، واشتركا معًا في الهجوم الكبير ضد ثوار الخور، هي المعركة ذاتها التي فقدت فيها يدها اليمني وأودت بحياة صالح وصديق، وفقدت فيها البطلة أسماء عينها، كان ذلك قبل عام بالتمام والكمال.
لست سكران، لست لصًّا، قالت الطفلة: هل هو عدو يا أمي؟
– نامي، نامي.
– هل تطفئين السراج يا أمي؟
– دعيها، لا تشغلي نفسك بشيء، نامي فعليك أن تستيقظي غدًا مبكرة للذهاب إلى المدرسة.
– هل يحملون قنابل أيضًا، مثل التي وجدناها في الخور الكبير؟
– إنهم سكارى، ولا يحملون شيئًا سوى بعض الأسلحة الخفيفة!
– إذا كان مصطفي صاحيًا فإنه لن يتركهم يفعلون ما يفعلونه الآن، ابتسمت أمها في غيظ، ذكرى بتر اليد ذكرى مؤلمة، لا أحد يستطيع أن يفعل شيئًا من أجل الأطفال، الأسلحة في كل مكان؛ في النهر، الخور، المزارع المجاورة، في الغابة، تحت جدران المنازل: قنابل، ألغام، قرنوف، ذخائر …
يبدو أن بعض الجيران قد تجمعوا حول الطارق وبدءوا يستجوبونه، كثير من الجيران، ثم أخذ الجيران أنفسهم يطرقون الباب، باستطاعتها أن تسمع صوت الخالة نفيسة تقول: ما حدث لآمنة وابنتها؟
– إنه صوت الخالة نفيسة، هل انضمت إلى الأعداء كذلك؟
– لن ينفتح الباب لأي كان.
وعندما عاودوا إطلاق الرصاص، بكثافة هذه المرة، ربما استخدم سلاح ثقيل أيضًا، صمت الطارقون، ربما انبطحوا على الأرض محتمين بسواتر طبيعية في تلك الليلة المقمرة، إلا أنه لا أحد بإمكانه رؤيتهم، كانوا يشربون الخمر في مكان ما قريب جدًّا، إنهم لا يبالون بشيء ولا يحترمون أحدًا ولا يخافون من أحد، يسمون أنفسهم «البوم.»
أعرف أن أُمي خائفةٌ من الموت؛ لأنها لم تدخل معارك بعد، لم تشترك في الهجوم الكبير على ثوار الخور، لم تتدرب على يد مصطفي، تكتفي بأن تغمض عينيها، أطلقوا الرصاص مرة أخرى؛ طلقات متباعدة، ذهبت ابنتي إلى المرحاض، وهو عبارة عن بناية صغيرة غير مسقوفة تقع في الجهة الخلفية للمنزل، جهة آمنة تلاصق حائط الجيران، ذهبتُ خلفها؛ لأنها عندما تفرغ من قضاء حاجتها تحتاج إليَّ لكي أساعدها في تنظيف نفسها؛ حيث إن يدها واحدة، لكنها لم تخرج من المرحاض، تأخرت كثيرًا، في اللحظة التي ناديتها سمعت صوتها يأتيني من باب الشارع صارخة.
– يجب ألا يتحرك أحد، وإلا أطلقت الرصاص.