الحقبة الجديدة في السياسة العالمية
(١) مقدمة: الأعلام والهوية الثقافية
في الثالث من يناير عام ١٩٩٢م، عُقد اجتماع بين باحثين روس وأمريكيين في قاعة أحد المباني الحكومية في موسكو. قبل ذلك بأسبوعين، كان الاتحاد السوفيتي قد اختفى من الوجود، وأصبح الاتحاد الفيدرالي الروسي دولة مُستقلة. ونتيجة لذلك اختفى تمثال «لينين» الذي كان يُزين منصة القاعة، وبدلًا منه كان علَم الاتحاد الفيدرالي الروسي يُرفرف على السور الخارجي. المشكلة الوحيدة التي لاحظها أحد الأمريكيين هي أن العلم كان مُعلقًا بالمقلوب. وبعد أن أوضح ذلك للمُضيفين الروس قاموا بتصحيح الخطأ بسرعةٍ وهدوء شديدَين أثناء فترة الاستراحة الأولى.
وقد شهدت السنوات التي تلت الحرب الباردة بدايات تغيراتٍ مثيرة في هويات الشعوب ورموز تلك الهويات، وبدأت السياسة الكونية في إعادة التشكل على خطوط ثقافية. كانت الأعلام المقلوبة علامة على الانتقال، ولكنها تدريجيًّا أصبحت تُرفرف صحيحة، وأصبح الروس وشعوبٌ أخرى يُنظمون صفوفهم ويسيرون خلف تلك الرموز وغيرها من التي تدلُّ على هويتهم الثقافية الجديدة.
وفي السادس عشر من أكتوبر عام ١٩٩٤م سار سبعون ألف مواطن في «لوس أنجلوس» تحت «بحر من الأعلام المكسيكية» يعلنون معارضتهم للاقتراح رقم ١٨٧، وهو معيار استفتائي قد يحرم المهاجرين غير الشرعيين وأطفالهم من كثيرٍ من المميزات التي تمنحها لهم الدولة.
لماذا يسيرون في الشوارع خلف علم مكسيكي ويُطالبون بأن يمنحهم هذا البلد تعليمًا مجانيًّا؟ كان لا بد أن يلوِّحوا بالعلم الأمريكي. هكذا كان يتساءل المراقبون.
بعد أسبوعين كان المزيد من المحتجِّين يجوبون الشوارع حامِلين العلم الأمريكي — مقلوبًا.
استخدام الأعلام على هذا النحو أمَّن الانتصار للاقتراح رقم ١٨٧ الذي وافق عليه ٥٩٪ من المقترعين في كاليفورنيا.
في عالم ما بعدَ الحرب الباردة أصبحت الأعلام تدخلُ في الحساب، توضع في الاعتبار، وكذلك رموز الهوية الأخرى مثل الصليب والهلال … حتى غطاء الرأس، لأن الثقافة لها أهميتها ولأن الهوية الثقافية هي الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الناس.
الناس يكتشفون هويات جديدة، ولكنهم في أحوالٍ كثيرة يكتشفون هويات قديمة. ويسيرون تحت أعلام جديدة، ولكنهم في أحوال كثيرة يسيرون تحت أعلام قديمة تؤدي إلى حروب مع أعداء جدد … ولكن في أحوالٍ كثيرة مع أعداء قدامى.
إحدى النظرات العرقية المروِّعة إلى هذه الحقبة الجديدة، يعبر عنها الديماجوجي القومي الفينيسي في رواية «ديبون»، «البحيرة الميتة»: «لا يمكن أن يكون هناك أصدقاء حقيقيون دون أعداء حقيقين. إن لم نكره ما ليس نحن، فلن يمكننا أن نحب ما هو نحن. تلك هي الحقائق القديمة التي نعيد اكتشافها بألَم بعد قرنٍ أو أكثر من النفاق العاطفي، والذين ينكرونها إنما ينكرون أسرتهم وتراثهم الثقافي وحق الميلاد … إنهم ينكرون ذواتهم نفسها … ولن يُعفَى عنهم ببساطة.»
والحقيقة المؤسفة في تلك الحقائق القديمة لا يمكن تجاهلها من قبل رجال الدولة أو الباحثين. بالنسبة للشعوب الباحثة عن هوية، والتي تعيد اختراع العرقية فإن العدو ضروري. وأخطر العداوات المحتملة تحدث عبر خطوط التقسيم بين حضارات العالم الرئيسية.
الموضوع الرئيسي لهذا الكتاب هو أن الثقافة والهويات الثقافية والتي هي على المستوى العام هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسُّخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة. والأجزاء الخمسة في هذا الكتاب تُفَصِّل النتائج الطبيعية لهذا الافتراض الرئيسي.
- الجزء الأول: لأول مرة في التاريخ نجد الثقافة الكونية مُتعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات، التحديث مختلف بدرجةٍ بينة عن التغريب، ولا يُنتِجُ حضارةً كونية بأي معنًى ولا يؤدي إلى تغريب المجتمعات غير الغربية.
- الجزء الثاني: ميزان القوى بين الحضارات يتغير: الغرب يتدهور في تأثيره النسبي. الحضارات الآسيوية تبسط قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. الإسلام ينفجِر سكانيًّا مع ما ينتُج عن ذلك من عدم استقرار بالنسبة للدول الإسلامية وجيرانها، والحضارات غير الغربية عمومًا تعيد تأكيد ثقافتها الخاصة.
- الجزء الثالث: نظام عالمي قائم على الحضارة يخرج إلى حيز الوجود، المجتمعات التي تشترك في علاقات قُربى ثقافية تتعاون معًا، الجهود المبذولة لتحويل المجتمعات من حضارةٍ إلى أخرى فاشلة، الدول تتجمَّع حول دولة المركز أو دولة القيادة في حضارتها.
- الجزء الرابع: مزاعم الغرب في العالمية تضعه بشكلٍ مُتزايد في صراع مع الحضارات الأخرى وأخطرها مع الإسلام والصين. وعلى المستوى المحلي فإن حروب خطوط التقسيم الحضاري وبخاصة بين المسلمين وغير المسلمين ينتُج عنها «تجمع الدول المتقاربة» وخطر التصعيد على نطاق أوسع، وبالتالي جهود من دول المركز لإيقاف تلك الحروب.
- الجزء الخامس: إن بقاء الغرب يتوقف على الأمريكيين بتأكيدهم على الهوية الغربية، وعلى الغربيين عندما يقبلون حضارتهم كحضارة فريدة وليست عامة، ويتحدون من أجل تجديدها والحفاظ عليها ضد التحديات القادمة من المجتمعات غير الغربية. إن تجنب حرب حضارات كونية يتوقَّف على قبول قادة العالم بالشخصية متعددة الحضارات للسياسة الدولية وتعاونهم للحفاظ عليها.
(٢) عالم متعدد الأقطاب؛ متعدد الحضارات
في عالم ما بعد الحرب الباردة ولأول مرة في التاريخ أصبحت السياسة الكونية متعددة الأقطاب متعددة الحضارات. وخلال معظم فترات الوجود الإنساني كانت الاتصالات بين الحضارات إما متقطعة أو غير موجودة، ثم مع بداية الحقبة الحديثة حوالي سنة ١٥٠٠م اتخذت السياسة الكونية بُعدَين. ولمدة تزيد عن أربعمائة عام كانت الدول القومية في الغرب: بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والنمسا وبروسيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، تشكل نظامًا عالميًّا متعدد الأقطاب في داخل الحضارة الغربية، كما تداخلت وتنافست وخاضت حروبًا مع بعضها البعض.
وفي الوقت نفسه اتسعت الأمم الغربية أيضًا وهزمت واحتلت أو أثرت بدرجة كبيرة على كل حضارة أخرى. (خريطة ١-١). وفي أثناء الحرب الباردة أصبحت السياسة الكونية ثنائية القطب وانقسم العالم إلى ثلاثة أجزاء. مجموعة من المجتمعات الأكثر ثروة وديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة وكانت منغمسة في تنافس أيديولوجي وسياسي واقتصادي عام. وأحيانًا عسكري، مع مجموعة من مجتمعات أفقر إلى حدٍّ ما مرتبطة بالاتحاد السوفيتي وتحت قيادته. معظم هذا الصراع كان يدور خارج هذَين المعسكرَين في العالم الثالث المكوَّن من دول فقيرة في غالبيتها تفتقر إلى الاستقرار السياسي، مستقلة حديثًا وتدَّعي أنها غير مُنحازة (خريطة ١-٢).
وفي أواخر الثمانينيات انهار العالم الشيوعي وأصبح نظام الحرب الباردة العالمي في ذمة التاريخ. وفي عالم ما بعد الحرب الباردة لم تعد الفروق المائزة بين الشعوب أيديولوجيةً أو سياسية أو اقتصادية … وإنما هي فروق ثقافية. وبناء على ذلك تحاول الشعوب والأمم أن تجيب عن السؤال المهم: من نحن؟ وتأتي الإجابة عنه دائمًا بالأسلوب التقليدي الذي اعتاده البشر، وذلك بالإشارة إلى الأشياء التي تعني الكثير بالنسبة إليهم.
فالناس يعرفون أنفسهم من خلال النَّسَب والدِّين واللغة والتاريخ والقِيم والعادات والمؤسسات الاجتماعية، ويتطابقون مع الجماعات الثقافية: (قبائل – جماعات إثنية – مجتمعات دينية – أمم) ومع الحضارات على المستوى الأكبر. كما يستخدِم الناس السياسة لتحديد هويتهم إلى جانب دفع مصالحهم وتنميتها؛ فنحن لا نعرف من نكون إلا عندما نعرف من ليس نحن، وذلك يتم غالبًا عندما نعرف «نحن ضد من.»
تظل الدول القومية هي «اللاعبون الرئيسيون» في شئون العالم. يتشكل سلوكها كما كان في الماضي بالسعي نحو القوة والثروة، كما يتشكل بانحيازاتها الثقافية وبما هو مشترك وبما هو مختلف. ولم تعد الكُتَل الثلاث التي كانت إبان الحرب الباردة هي أهم التجمعات الدولية. الحضارات العالمية السبع أو الثماني الرئيسية هي أهم التجمعات. (خريطة ١-٣).
المجتمعات غير الغربية في شرق آسيا بخاصة، تقوم بتطوير ثروتها الاقتصادية وتضع أساس قوة عسكرية ونفوذ سياسي مُتزايدَين. وبتزايُد قوتها وثقتها الذاتية فإن المجتمعات غير الغربية تؤكد كذلك — وعلى نحوٍ متنامٍ — قِيَمها الثقافية الخاصة، وترفض تلك المفروضة عليها من الغرب.
الصراع الدموي بين القبائل في «الصومال» لا يشكل أي تهديدٍ بصراع أبعد. الصراع الدموي في «رواندا» له نتائج على «أوغندة» و«زائير» و«بوروندي»، ولكن ليس أبعد من ذلك. الصراعات الدموية بين الحضارات في البوسنة والقوقاز وآسيا الوسطى أو كشمير قد تتحوَّل إلى حروب أوسع. في الصراعات اليوغوسلافية قدمت روسيا مساعداتٍ دبلوماسية للصرب، وقدمت السعودية وتركيا وإيران وليبيا معونات وأسلحة للبوسنيين … لا لأسباب أيديولوجية أو سياسة قوى أو مصلحة اقتصادية، وإنما بسبب القربى الثقافية.
المجتمعات التي اتحدت عن طريق الأيديولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسِمة بسبب الحضارات، إما أنها تتفتت كما حدث للاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا والبوسنة، أو تتعرض لتوترٍ شديد كما هو الحال في أوكرانيا ونيجيريا والسودان والهند وسريلانكا وغيرها. الدول التي بينها صلات قربى ثقافية تتعاون اقتصاديًّا وسياسيًّا. المنظمات الدولية التي تعتمِد على دول بينها عناصر ثقافية مشتركة مثل الاتحاد الأوروبي، أكثر نجاحًا من تلك التي تحاول أن تتجاوز الثقافات. لمدة خمسة وأربعين عامًا كان الستار الحديدي هو خط التقسيم الرئيسي في أوروبا. هذا الخط تم تحريكه عدة مئات من الأميال شرقًا، وهو الآن الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية، والشعوب الإسلامية والأرثوذوكسية من ناحية أخرى. العلاقات الاجتماعية والعادات وكل النظرات الشاملة للحياة تختلف تمامًا من حضارة إلى أخرى، وإعادة إحياء الدين في معظم أنحاء العالم تُقوِّي من تلك الفروق الثقافية. الثقافات يمكن أن تتغير، وطبيعة تأثيرها على السياسة والاقتصاد يمكن أن تتغير من فترة لأخرى، إلا أن الاختلافات الرئيسية في التطور السياسي والاقتصادي بين الحضارات ذات جذور عميقة في ثقافاتهم المختلفة.
النجاح الاقتصادي في شرق آسيا له جذوره في الثقافة الشرق آسيوية، وكذلك أيضًا الصعاب التي واجهتها المجتمعات هناك لإقامة أنظمة سياسية ديمقراطية.
الثقافة الإسلامية تفسر إلى حدٍّ كبير فشل قيام الديمقراطية في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي. التطورات في مجتمعات ما بعد الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق تتشكل طبقًا لهوياتها الحضارية. المجتمعات ذات التراث المسيحي الغربي تتقدَّم نحو النمو الاقتصادي والسياسة الديمقراطية، أما أُفق نجاح النمو الاقتصادي والسياسي في الدول الأرثوذوكسية فهي غير مؤكدة … أفق النجاح في الجمهوريات الإسلامية كئيبة. الغرب حاليًّا هو أقوى الحضارات وسيظل كذلك لسنوات قادمة، إلا أن قوته تتدهور بالنسبة للحضارات الأخرى. وبينما يحاول أن يؤكد قِيَمَه ويحمي مصالحه تواجِهُ المجتمعات غير الغربية خيارًا. البعض يحاول أن يحاكي الغرب وأن يلحق به أو «ينحاز» إليه. المجتمعات الكونفوشية والإسلامية الأخرى تحاول أن تُوسِّع قوتها الاقتصادية والعسكرية وأن تتوازن ضد الغرب. وهكذا يكون تفاعل قوة وثقافة الغرب مع قوة وثقافة الحضارات غير الغربية محورًا مركزيًّا للسياسة في عالم ما بعد الحرب الباردة.
والخلاصة أن عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مُكون من سبع أو ثماني حضارات. العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تُشكل المصالح والخصومات وتقارُبات الدول. أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة. الصراعات الأكثر ترجيحًا أن تمتدَّ إلى حروبٍ أوسع هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة. وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة لأخرى. القضايا الرئيسية على أجندة العالم تتضمن الاختلافات بين الحضارات. القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلًا إلى الحضارات غير الغربية. السياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
(٣) عوالم أخرى؟
خرائط ونماذج: هذه الصورة للسياسة في عالم ما بعد الحرب الباردة، والتي تشكلها العوامل الثقافية والمتضمنة لتفاعلات بين الدول والجماعات المنتمية إلى حضارات مختلفة، صورة شديدة التبسيط. فهي تحذف أشياء كثيرة وتشوِّه بعض الأشياء وتحجُب غيرها. بيد أننا إذا كنا نريد أن نفكر جديًّا بشأن العالم ونعمل فيه بفعالية، فمن الضروري أن يكون لدَينا خريطة حقيقية موضحة ونظرية ما ومفهوم ونموذج. بدون هذه البُنى الفكرية لن يكون سوى «ارتباك» و«طنطنة» و«فوضى» كما يقول «وليم جيمس».
وكما يوضح «توماس كوهن» في عمله الشهير «بنية الثورات العلمية»، فإن التقدم الفكري والعلمي يتكوَّن من إزاحة نموذج أصبح عاجزًا عن تفسير حقائق جديدة أو مكتشفة حديثًا، وإحلال نموذج جديد يفسر تلك الحقائق بطريقة أكثر مقبولية.
على مدى أربعين عامًا كان الطلاب وممارسو العلاقات الدولية يفكرون ويعملون بلغة النموذج المبسط جدًّا والمفيد جدًّا رغم ذلك، نموذج الحرب الباردة في العلاقات الدولية. هذا النموذج لم يستطع أن يُفسِّر كل شيءٍ في السياسة العالمية، وبتعبير «كوهن»: «كانت هناك حالات شاذة كثيرة، وأحيانًا كان النموذج يُعمي الدارسين ورجال الدولة عن قياس التطورات الحادثة مثل الشقاق الصيني السوفيتي. إلا أنه كنموذج بسيط للسياسة الكونية كان يفسر ظواهر أكثر أهميةً عن النماذج الأخرى، كما كان نقطة بداية ضرورية للتفكير في الشئون الدولية وأصبح مقبولًا بوجه عام وظل يشكل التفكير في السياسة العالمية على مدى جيلَين.»
- (١)
الترتيب والتعميم بشأن الواقع.
- (٢)
فهم العلاقات السببية بين الظواهر.
- (٣)
توقع وتنبؤ — إن كنا محظوظين — بالتطورات المستقبلية.
- (٤)
التمييز بين المهم وغير المهم.
- (٥)
رؤية أي الطرق نسلك لتحقيق أهدافنا.
إنَّ أيَّ خريطةٍ أو نموذج ما هي إلا تجريد وسوف تكون أكثر فائدة من أجل أهداف بعينِها، لا من أجل أهداف أخرى. فخريطة الطرق سوف تُوضح كيف نتحرك بالسيارة من النقطة «أ» إلى النقطة «ب» مثلًا، ولكنها لن تكون مفيدةً لنا إذا كنَّا نقوم بتوجيه طائرة، حيث في الحالة الثانية نكون في حاجةٍ إلى خريطة تُوضِّح أماكن الهبوط والإرشاد اللاسلكي وممرات الطيران والطوبوغرافيا. ودون خريطة فلا شك أننا سوف نضِل. وكلما كانت الخريطة أكثر تفصيلًا فإنها ستعكس الحقيقة بطريقةٍ أشمل. ولكن الخريطة المغرقة في التفاصيل لن تكون مفيدة لأغراض كثيرة. لو أننا نريد الذهاب من مدينةٍ كبرى إلى مدينة أخرى على طريق سريع، فلن نكون في حاجة إلى خريطة عليها معلومات كثيرة لا علاقة لها بالنقل البري، بل إنها قد تكون مُربكة، لأن الطرق الرئيسية ستضيع بين شبكةٍ معقدة من الطرق الثانوية.
بينما خريطةٌ مُبيَّنٌ عليها طريق سريع واحد سوف تستبعد معلوماتٍ كثيرة وتُحدد قدرتنا لكي نجد طرقًا بديلة في حال إغلاق الطريق السريع نتيجة حادث ما مثلًا. وباختصار، نحن في حاجةٍ إلى خريطة تُصور الحقيقة وتُبسطها في الوقت نفسه وعلى نحو يخدم هدفنا. وقد قُدِّمت خرائط ونماذج كثيرة للسياسة العالمية في نهاية الحرب الباردة.
عالم واحد: الشعور بالبهجة والتوافق
توقُّع التوافق كان أمرًا مشتركًا على نطاق واسع، وقد عبر قادة السياسة والفكر عن أفكار مشابهة. حائط برلين سقط، النظم الشيوعية تهاوت، الأمم المتحدة كان لها أن تتبنى لنفسها أهمية جديدة، متنافسو الحرب الباردة مُنهمكون في مشاركات و«صفقة كبرى»، صناعة السلام والحفاظ عليه تصبح هي الحالة السائدة، رئيس الدولة المهيمنة في العالم أعلن عن «النظام العالمي الجديد»، رئيس الجامعة الرئيسية — تقريبًا — في العالم اعترض على تعيين أستاذ للدراسات الأمنية؛ لأن الحاجة لذلك لم تعد قائمة: «هللويا! لم نعد ندرس الحرب، فلم تعُد هناك حرب!»
لحظة الشعور بالبهجة في نهاية الحرب الباردة ولَّدت وهمًا بالتوافق والانسجام، الذي سرعان ما تكشَّف أنه وهم بالفعل. أصبح العالم مختلفًا في أوائل السبعينيات ولكنه بالضرورة ليس أكثر سلامًا. التغير كان حتميًّا، التقدُّم لم يكن كذلك. ازدهرت أوهام مُماثلة عن التوافق والانسجام في نهاية كلٍّ من صراعات القرن العشرين الرئيسية الأخرى.
وبالرغم من ذلك فقد ولدت الحرب العالمية الأولى الشيوعية والفاشية وعكست اتجاه نزعة إلى الديمقراطية كان عمرها قرنًا من الزمان. الحرب العالمية الثانية أفرزت «حربًا باردةً» كانت كونية فعلًا.
وَهْم التوافُق أو الانسجام في نهاية تلك الحرب الباردة سرعان ما تبدد بسبب تضاعف الصراعات العرقية و«التطهير العرقي»، انهيار النظام والقانون، بروز أشكال جديدة من التحالفات والصراعات بين الدول، انبعاث حركات شيوعية وفاشية جديدة، اتساع الأصولية الدينية، انتهاء «دبلوماسية الابتسامات»، و«سياسة العيون» في علاقات روسيا بالغرب، عجز الأمم المتحدة والولايات المتحدة عن كبح الصراعات المحلية الدموية والتوكيد المتزايد لصين ناهضة.
في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين، كانت كلمة «المذبحة الجماعية»، تتردَّد أكثر مما سبق أن تردَّدتْ على مدى، أيِّ خمسِ سنواتٍ أخرى من الحرب الباردة. من الواضح أن نموذج عالم واحد منسجم، بعيد جدًّا ومُنفصل عن الواقع لكي يكون دليلًا مفيدًا لعالم ما بعد الحرب الباردة.
عالمان: «نحن» و«هم»
كل من هذه العصور يعكس بعض عناصر الواقع، إلا أنه ينطوي على أوجه قصور. فالدول الغنية الحديثة تشترك في بعض الصفات التي تميزها عن الدول الفقيرة التقليدية، التي تشترك هي أيضًا بدورها في بعض الصفات.
قد تؤدي الفروق في الثروة إلى صراعات بين المجتمعات ولكن الدلائل تُشير إلى أن ذلك يحدث أساسًا عندما تحاول المجتمعات الغنية والأقوى غزو أو احتلال المجتمعات الفقيرة أو الأكثر تقليدية. لقد فعل الغرب ذلك على مدى أربعة قرون، ثم ثارت بعض المستعمرات وخاضت حروب تحرير ضد القوى المحتلة التي فقدت الإرادة في أن تكون إمبراطوريات. في العالم المعاصر تم التخلص من الاحتلال، وبدلًا من حروب التحرير ظهرت الصراعات بين الشعوب المحررة.
وعلى مستوى أعم، فإن الصراع بين الأغنياء والفقراء غير وارد الآن، فالدول الفقيرة — باستثناء حالات خاصة — تنقُصها الوحدة السياسية والقوة الاقتصادية والمقدرة العسكرية لكي تتحدَّى الدول الغنية.
والنمو الاقتصادي في آسيا وأمريكا اللاتينية يطمس الانقسام البسيط بين من يملكون ومن لا يملكون، الدول الغنية قد تشن حروبًا تجارية على بعضها البعض، الدول الفقيرة قد تشن حروبًا طاحنة على بعضها البعض، ولكن حربًا عالمية طبقية بين الجنوب الفقير والشمال الغني لهي أمر بعيد عن الواقع، كما هو بعيد عن الواقع كذلك عالم سعيد متآلِف.
أثناء الحرب الباردة كان العالم مُستقطبًا على نحو كبير بامتداد منظور أيديولوجي، بيد أنه لا يوجَد منظور ثقافي وحيد. إن استقطاب «الشرق» و«الغرب» ثقافيًّا، هو في جزء منه، ولسوء الحظ، نتيجة أخرى لتسمية الحضارة الأوروبية بالحضارة الغربية. وبدلًا من «الشرق» و«الغرب»، من الملائم أن نتكلم عن «الغرب والآخرين» والذي يعني على الأقل وجود أكثر من «غير غربي».
إن العالم لعلى درجة كبيرة من التعقيد، بحيث لا يمكن أن نقسِّمه — ببساطة — اقتصاديًّا: إلى شمال وجنوب، وثقافيًّا: إلى شرق وغرب، ونتصور أن ذلك سوف يكون مفيدًا لأغراض كثيرة.
١٨٤ دولة، أكثر أو أقل
هذه الصورة الواقعية للعالم هي نقطة بداية مفيدة لدرجة كبيرة من أجل تحليل الشئون الدولية كما أنها تفسر الكثير من سلوك الدولة. وستظل الدول — كما هي الآن — الكيانات السائدة في الشئون العالمية. فهي تحتفظ بالجيوش، وتمارس الدبلوماسية وتتفاوض للوصول إلى اتفاقيات، وتخوض الحروب وتتحكم في المنظمات الدولية كما تشكل الإنتاج والتجارة وتؤثر عليهما إلى حدٍّ كبير. وتعطي الحكومات الأولوية لضمان الأمن الخارجي لدولها (رغم أنها غالبًا ما قد تولي أهمية لأمنها كحكومة ضد التهديدات الداخلية).
وفوق ذلك، فإن نموذج الدولة هذا يقدم لنا صورة أكثر واقعية ودليلًا إلى السياسة الكونية أكثر مما يقدم نموذج عالم واحد أو عالمين. إلا أنه ينطوي أيضًا على عيوب شديدة، فهو يفترض إدراك جميع الدول لمصالحها بنفس الدرجة وتصرفها على نفس النحو.
افتراض الدولة البسيط أن القوة هي كل شيء، يعتبر هو نقطة البداية لفهم سلوكها، ولكنه لن يوصلنا بعيدًا. الدول تعرف مصالحها بلغة القوة وبأشياء أخرى غيرها، وغالبًا ما تحاول أن توازن القوى. ولكن، لو كان ذلك هو كل ما تقوم به لكانت دول غرب أوروبا قد اندمجت مع الاتحاد السوفيتي ضد الولايات المتحدة في أواخر الأربعينيات.
الدولة تستجيب أساسًا للأخطار التي تتصورها، والدول الأوروبية الغربية آنذاك كانت ترى خطرًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا وعسكريًّا من ناحية الشرق، ورأت مصالحها بطريقةٍ ما كان ليمكن التنبؤ بها بواسطة النظرية الواقعية التقليدية. وتؤثر القيم والثقافة والمؤسسات باستمرار على كيفية تحديد الدولة لمصالحها، وكذلك فإن مصالح الدول لا تتشكل بواسطة قيَمِها ومؤسَّساتها المحلية فقط، وإنما بالنماذج والمؤسسات الدولية كذلك.
وعلاوة على اهتمامها الرئيسي بالأمن، فإن أنماطًا مختلفة من الدول تحدد مصالحها بأساليب متباينة، الدول ذات الثقافات والمؤسسات المماثلة سوف ترى مصلحة مشتركة. الدول الديمقراطية بينها أشياء مشتركة مع الدول الديمقراطية الأخرى ومن ثم لا يحارب بعضهم بعضًا. كندا مثلًا ليست مضطرة للتحالف مع قوى أخرى لمنع غزو من قبل الولايات المتحدة. وعلى مستوى أساسي فإن فروض نموذج الدولة كانت صحيحة عبر التاريخ، وهكذا تساعدنا على فهم كيف أن السياسة الكونية بعد الحرب الباردة ستختلف عما كانت عليه أثناءها وقبلها. وواضح بالرغم من ذلك أن هناك اختلافات، والدول تتابع مصالحها بوسائل مختلفة من مرحلة تاريخية إلى أخرى. في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبحت الدول تحدد مصالحها على أسس حضارية. تتعاون وتتحالف مع دول ذات ثقافة مشتركة، وغالبًا ما تكون في حالة صراع مع دول تنتمي لثقافات مختلفة. الدول تحدد الأخطار والتهديدات على أساس نوايا الدول الأخرى، هذه النوايا وكيفية إدراكها تشكلها الاعتبارات الثقافية على نحوٍ جلي. الشعوب ورجال الدولة لا يتوقعون تهديدًا محتملًا من شعوب يشعرون أنهم يفهمونها ويثقون بها بسبب اللغة أو الدين أو القيم أو المؤسسات أو الثقافة المشتركة. إنهم يتوقعون التهديد، بدرجة أكبر، من دول مختلفة عنهم ثقافيًّا.
وبينما تظل الدول هي «اللاعبون الرئيسيون» في الشئون العالمية فإنها تعاني أيضًا من فقدان في السيادة والمهام والقوة. فالمؤسسات الدولية الآن تؤكد حقَّها في الحكم على ما تفعله الدول داخل أراضيها وحقها في أن تُقيده. وفي بعض الحالات، وفي أوروبا بالذات، تقوم المؤسسات الدولية بمهام كانت في الماضي من بين وظائف الدولة، كما نشأت بيروقراطيات دولية قوية تعمل مباشرة بواسطة أفراد من بين المواطنين العاديين.
فوضى عارمة
قد يكون العالم في حالة فوضى ولكنه ليس دون نظام بالكلية. وصورة فوضى عارمة بلا تمييز، تقدم لنا بعض المفاتيح لفهم العالم، من أجل ترتيب الأحداث وتقييم أهميتها، والتنبؤ باتجاهات الفوضى والتمييز بين أشكالها، وأسبابها المحتملة ونتائجها المختلفة، ولاستجلاء خطوط هادية تساعد صانعي السياسة الرسميين.
المقارنة بين عوالم: الواقعية والاقتصاد الشديد والتنبؤات
والتحدي هو أن نتبنى نموذجًا يفسر الأحداث الأكثر أهمية ويقدم لنا فهمًا أفضل للتوجهات عما تقدمه النماذج الأخرى في نفس المستوى من التجريد الذهني.
كما أن هذه النماذج الأربعة متنافرة فيما بينها، فالعالم لا يمكن أن يكون واحدًا وفي الوقت نفسه مقسَّمًا بين «شرق» و«غرب» أو «شمال» و«جنوب»، ولا الدولة القومية يمكن أن تكون حجر الأساس في الشئون العالمية إن كانت ممزقة ومفتتة بفعل الصراع الأهلي. العالم إما واحد أو اثنان أو ١٨٤ دولة، وربما عدد لا محدود من القبائل والجماعات العرقية والقومية.
-
أن قوى الاندماج في العالم حقيقية وهي بالتحديد ما يولد قوى مضادة من التوكيد الثقافي والوعي الحضاري.
-
أن العالم اثنان بمعنًى ما، ولكن التمييز الرئيسي هو بين الغرب باعتباره الحضارة السائدة حتى اليوم، وكل الآخرين الذين لا يُوجَد بينهم سوى القليل المشترك إن وُجد. وباختصار فإن العالم مقسَّم إلى عالمين: عالم غربي واحد، وكثرة غير عربية.
-
أن الدول القومية هي — وسوف تظل — أهم اللاعبين في الشئون الدولية، ولكن مصالحها وصراعاتها وارتباطاتها تتشكل بدرجةٍ متزايدة بعوامل ثقافية وحضارية.
-
أن العالم فعلًا في حالة فوضى؛ حافل بالصراعات القبلية والجنسية، ولكن الصراعات التي تشكل الخطر الأعظم على الاستقرار هي تلك التي بين الدول والجماعات التي تنتمي إلى حضارات مختلفة.
وهكذا فإن نموذجًا يقوم على الحضارة، يقدم لنا خريطةً مبسطة، ولكن دون إخلال، لفهم ما يدور في العالم، والقرنُ العشرون يجمع أوراقه. إلا أنه لا يُوجَد نموذج ما صالح إلى الأبد. فنموذج الحرب الباردة في السياسة العالمية كان مفيدًا وملائمًا لعدة سنوات، ولكنه أصبح قديمًا في نهاية الثمانينيات، وفي مرحلةٍ ما سوف يلقى هذا النموذج القائم على الحضارة نفس المصير.
ومع ذلك فإنه يقدم في الحقبة المعاصرة دليلًا مفيدًا للتمييز بين ما هو أكثر أهمية وما هو أقل أهمية. أقل قليلًا من نصف عدد الصراعات العرقية الثمانية والأربعين التي شهدها العالم في سنة ١٩٩٣م كان بين جماعاتٍ من حضارات مختلفة. المنظور الحضاري سوف يؤدي بالسكرتير العام للأمم المتحدة ووزير خارجية الولايات المتحدة أن يركزا جهودهما لصنع السلام، على تلك الصراعات التي تحمل إمكانية الاتساع أكثر من غيرها والتحوُّل إلى حروب أوسع.
وبينما يركز التناول طبقًا لنموذج الدولة على احتمال حرب روسية أوكرانية، فإن نموذج الحضارات يقلل من ذلك إلى أدنى حد، وبدلًا منه يركز على احتمال انقسام أوكرانيا إلى اثنين، وهو انفصال تجعل فيه العوامل الثقافية المرء يتنبأ بأنه سيكون أكثر عنفًا عما كان في تشيكوسلوفاكيا، ولكنه أقل دموية عما كان في يوغوسلافيا. هذه التنبؤات المختلفة بالتالي تخلق أوليات سياسية مختلفة.
والتنبؤ الذي يصل إليه «ميرشيمر» لاحتمال حرب وقيام روسيا باحتلال أوكرانيا، يجعله يوافق على أن تكون لأوكرانيا أسلحتها النووية.
أما التناول من منظور حضاري فسوف يشجع التعاون بين روسيا وأوكرانيا، ويحث أوكرانيا على التخلي عن أسلحتها النووية، والحصول على مساعدات اقتصادية كبيرة ووسائل أخرى للحفاظ على الوحدة الأوكرائينية وعلى استقلالها وأن تكفل تخطيطًا لمواجهة الطوارئ المحتملة لتفكك البلاد.
تطورات مهمة كثيرة بعد نهاية الحرب الباردة كانت متماشية مع النموذج الحضاري، وكان يمكن التنبؤ بها من خلاله وهي تتضمن:
تفكك الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا، الحروب الدائرة في أراضيها السابقة، انبعاث الأصوليات الدينية في العالم، النزاعات داخل روسيا وتركيا والمكسيك حول الهوية، اتساع الصراعات التجارية بين الولايات المتحدة واليابان، مقاومة الدول الإسلامية للضغط الأمريكي على العراق وليبيا، جهود الدول الإسلامية والكونوفشية للحصول على أسلحة نووية ووسائل استخدامها، الدور المتواصل للصين كقوة عظمى من «الخارج»، تعزيز النظم الديمقراطية في بعض الدول دون غيرها وتطور المنافسة في مجال السلاح في شرق آسيا.
-
استمرار واتساع رقعة الحرب بين الكروات والمسلمين والصرب.
-
فشل الغرب في تقديم دعم ذي قيمة لمسلمي البوسنة أو إدانة فظائع الكروات بنفس الدرجة التي أدينت بها فظائع الصرب.
-
عدم استعداد روسيا للانضمام إلى أعضاء مجلس الأمن الآخرين لحمل الصرب في كرواتيا على عقد سلامٍ مع الحكومة الكرواتية، وعرض إيران ودول إسلامية أخرى لتقديم قوات قوامها ١٨٠٠٠ جندي لحماية مسلمي البوسنة.
-
اتساع نطاق الحرب بين الأرمن والأذريين، ومطالبة الأتراك والإيرانيين للأرمن بالتخلي عن الأراضي التي احتلوها، ونشر قوات تركية وإيرانية على حدود أذربيجان، والتحذير الروسي من أن الإجراء الإيراني يسهم في «تصعيد الصراع»، «ويدفع به إلى حدود تدويل خطيرة.»
-
القتال المستمر في آسيا الوسطى بين القوات الروسية وعصابات المجاهدين.
-
المواجهة في مؤتمر حقوق الإنسان في «فيينا» بين الغرب بقيادة «وارن كريستوفر» وزير خارجية الولايات المتحدة الذي يدين «النسبية الثقافية»، وتحالف الدول الإسلامية والكونفوشية الرافضة لمبدأ العالمية الأمريكية.
-
إعادة تركيز المخططين العسكريين في روسيا وحلف شمال الأطلنطي بصورة متوازية على «الخطر القادم من الجنوب».
-
الاقتراع، الذي يبدو أنه قد تم بصورة كاملة تقريبًا على أسس حضارية، والذي منح «سيدني» تنظيم الأولمبياد عام ٢٠٠٠ ولم يمنحه ﻟ «بكين».
-
بيع مكونات الصواريخ من الصين إلى باكستان، وما نتج عن ذلك من فرض الولايات المتحدة عقوبات على الصين، والمواجهة بين الصين والولايات المتحدة على النقل المزعوم للتكنولوجيا النووية لإيران.
-
كسر الصين قرارها بوقف انتشار الأسلحة وإجراء تجارب نووية رغم الاحتجاجات الأمريكية الشديدة، ورفض كوريا الشمالية الاستمرار في المحادثات بخصوص برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية.
-
الكشف عن اتباع وزارة الخارجية الأمريكية «سياسة تحجيم مزدوجة» ضد كل من إيران والعراق.
-
إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن استراتيجيات جديدة استعدادًا «لنزاعَين إقليميَّين كبيرَين»، أحدهما ضد كوريا الشمالية والثاني ضد إيران والعراق.
-
دعوة الرئيس الإيراني لتحالفات مع الصين والهند حتى «تكون لنا الكلمة الأخيرة في الأحداث العالمية.»
-
التشريع الألماني الجديد الذي يحد بصورة كبيرة من قبول اللاجئين.
-
الاتفاق بين الرئيس الروسي «يلتسين» والأوكراني «ليونيد كرافتشوك» حول وضع أسطول البحر الأسود وقضايا أخرى.
-
قصف الولايات المتحدة بغداد، والدعم الاجتماعي لها من الحكومات الغربية وإدانتها من قبل جميع الحكومات الإسلامية تقريبًا.
-
وضع الولايات المتحدة للسودان على قائمة الدول الإرهابية واتهام الشيخ «عمر عبد الرحمن»، المصري الجنسية، وأتباعه بالتآمر «وشن حرب إرهاب مدني ضد الولايات المتحدة.»
-
تحسن احتمالات قبول جمهوريات بولندة والمجر والتشيك وسلوفاكيا في حلف شمال الأطلنطي أخيرًا.
-
الانتخابات الرئاسية في روسيا سنة ١٩٩٣م، والتي أظهرت أن روسيا كانت بالفعل بلدًا «ممزقًا»، كما أظهرت شعبًا ونخبةً في شكٍّ وحيرة بين الانضمام إلى الغرب أو تحدِّيه.
إن من الممكن تقديم قائمة مشابهة بأحداث تصور وثاقة الصلة بالنموذج الحضاري عن أي ستة شهور أخرى في بداية التسعينيات.
في السنوات الأولى من الحرب الباردة، أشار «ليستر بيرسون» — رجل الدولة الكندي — بكل نفاذ بصيرة إلى انبعاث وحيوية المجتمعات غير الغربية. وحذر قائلًا إنه «سيكون من العبث أن نتخيل أن هذه المجتمعات السياسية الجديدة التي ظهرت إلى حيز الوجود في الشرق سوف تكون نسخًا مطابقة من تلك المألوفة لنا في الغرب. إن إحياء تلك الحضارات القديمة سيتخذ أشكالًا جديدة.»