من حروب الانتقال إلى حروب خطوط التقسيم
(١) حروب الانتقال: أفغانستان والخليج
كلتا الحربَين بدأت كغزوٍ مباشر قامت به دولة لأراضي دولةٍ أخرى، ولكنها تحولت إلى حروب حضارات وصارت تعرف بذلك. والحقيقة أيضًا أنها كانت حروب انتقال إلى حقبة يغلب عليها الصراع الإثني وحروب خطوط التقسيم بين جماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة.
بدأت الحرب الأفغانية كسعي من الاتحاد السوفيتي للإبقاء على نظام تابع، وأصبحت حربًا باردة عندما ردت الولايات المتحدة بعنف ونظمت ومولت وسلحت المتمردين الأفغان الذين كانوا يقاومون القوات السوفيتية. بالنسبة للأمريكيين كانت هزيمة السوفيت إثباتًا لمبدأ «ريجان» في تشجيع المقاومة المسلحة للأنظمة الشيوعية وإذلالًا أكيدًا للسوفييت كذلك الذي عاناه الأمريكيون في فيتنام. وكانت أيضًا هزيمة انتشرت تداعياتها في أنحاء المجتمع السوفيتي ومؤسساته السياسية، وساهمت بدرجةٍ كبيرة في تفكك الإمبراطورية السوفيتية. وبالنسبة للأمريكيين والغربيين بشكل عام، كانت أفغانستان هي الانتصار الأخير والحاسم. كانت «ووترلو» الحرب الباردة.
الدعم المالي للحرب جاء من السعودية أساسًا. بين عامي ١٩٨٤م و١٩٨٦م دفع السعوديون ٥٢٥ مليون دولار للمقاومة، وفي سنة ١٩٨٩م وافقوا على تحمل ٦١٪ من إجمالي ٧١٥ مليون دولار، أي ما يقرب من ٤٣٦ مليونًا، والباقي جاء من الولايات المتحدة. في ١٩٩٣م قدموا للحكومة الأفغانية ١٩٣ مليون دولار. المبلغ الإجمالي الذي قدموه على مدار الحرب كان لا يقلُّ عما أنفقته الولايات المتحدة وهو ٣–٣٫٥ بليون دولار إن لم يكن أكثر. شارك في الحرب حوالي ٢٥٠٠٠ متطوع من دول إسلامية أخرى، عربية أساسًا، كان سيتمُّ تجنيد معظمهم في الأردن وتقوم المخابرات الباكستانية بتدريبهم. كما قدمت باكستان القاعدة الخارجية الضرورية للمقاومة إلى جانب الدعم اللوجستي وغيره. باكستان كانت أيضًا هي الوكيل والموصل الذي يوزع الأموال الأمريكية، ووجهت ٧٥٪ منها إلى الجماعات الإسلامية الأشد أصولية، كما كان نصيب الفصيل السني الأكثر تطرفًا بقيادة «قلب الدين حكمتيار» حوالي ٥٠٪ من الإجمالي.
الحرب الأفغانية تحولت إلى حرب حضارات لأن المسلمين في كل مكان كانوا يرونها هكذا، وتجمعوا ضد الاتحاد السوفيتي. حرب الخليج تحولت إلى حرب حضارات لأن الغرب تدخل عسكريًّا في صراع إسلامي، الغربيون دعموا هذا التدخل بأغلبية ساحقة، والمسلمون في جميع أنحاء العالم فهموه على أنه حرب ضدهم، فتجمعوا ضد ما رأوه مرحلة أخرى من مراحل الاستعمار الغربي. الحكومات العربية والإسلامية بداية، انقسمت بشأن الحرب. «صدام حسين» انتهك حرمة الحدود، في أغسطس ١٩٩٠م صوتت الجامعة العربية بأغلبية كبيرة (١٤ مع، ٢ ضد، ٥ امتناع عن التصويت) لإدانة العمل الذي قام به.
مصر وسوريا وافقتا على المشاركة بقوات كبيرة، وباكستان وبنجلاديش بأعداد أقل، في التحالف المضاد للعراق والذي نظمته الولايات المتحدة. تركيا أغلقت خط الأنابيب الذي يمر عبر أراضيها من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط، كما سمحت للتحالف باستخدام قواعدها الجوية. في مقابل ذلك قَوَّتْ تركيا من طلبها للانضمام إلى أوروبا، وحصلت مصر على إسقاط لديونها، وسوريا أخذت لبنان. على العكس من ذلك: حكومات إيران والأردن وليبيا وموريتانيا واليمن والسودان وتونس، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وحماس والجبهة الإسلامية — رغم الدعم الكبير الذي كان يحصل عليه الكثير منهم من السعودية — أيدوا العراق وأدانوا التدخل الغربي. الحكومات الإسلامية الأخرى مثل حكومة إندونيسيا اتخذت مواقف وُسطى، أو حاولت تجنُّب اتخاذ أي موقف.
وباختصار، فإن النظرة السائدة كانت: «صدَّام» أخطأ لقيامه بالغزو، الغرب أخطأ بدرجة أكبر بتدخُّله، ومن هنا فإن «صدَّام» على حق في محاربة الغرب، ونحن على حق في تأييدنا له. «صدام حسين»، مثل المشاركين الأولين في حروب خطوط التقسيم الأخرى، يوحِّد بين نظامه العلماني السابق والقضية التي ستحظى بالتأييد الواسع: الإسلام.
وبالنسبة للمسلمين. سرعان ما أصبحت الحرب حربًا بين حضارات، حرمة الإسلام مهددة فيها. الجماعات الإسلامية الأصولية في مصر وسوريا والأردن وباكستان وماليزيا وأفغانستان والسودان وغيرها شجبتها كحربٍ ضد «الإسلام وحضارته» من قبل «الصليبيين والصهاينة»، وأعلنت دعمها للعراق في وجه «العدوان العسكري والاقتصادي ضد شعبه.» وفي خريف ١٩٨٠م أعلن «سفر الحوالي» عميد الكلية الإسلامية في مكة في شريط انتشر في السعودية أن الحرب «ليست حربًا ضد العراق، إنها الغرب ضد الإسلام»، وعلى نحو مشابه كان الملك «حسين» يقول إنها «حرب ضد كل العرب وكل المسلمين وليست ضد العراق فقط»، وبالإضافة إلى ذلك كما تقول «فاطمة المرنيسي»: إن الرئيس «بوش» بذكره المتكرر لله والتضرع إليه باسم الولايات المتحدة، قوَّى من شعور العرب بأنها كانت «حربًا دينية». مع إشارات «بوش» التي كانت تفوح «برائحة هجمات المرتزقة الماكرة لقبائل ما قبل الإسلام في القرن السابع والصليبيين المسيحيين فيما بعد.»
في أغسطس ١٩٩٠م، صوتت الحكومات المغربية الثلاث في الجامعة العربية لإدانة العراق، في الخريف صوتت لصالح اقتراح بإدانة التدخُّل الأمريكي تحت ضغط مشاعر الغضب الشعبي.
حرب الخليج أول حرب موارد بين الحضارات بعد الحرب الباردة. الرهان كان على ما يأتي: هل يظل الجزء الرئيسي من احتياطي البترول في العالم تحت سيطرة حكومات السعودية والدول الخليجية المعتمدة أمنيًّا على القوة العسكرية الغربية، أم يقع تحت سيطرة أنظمة مُستقلة معادية للغرب قادرة، وربما مستعدة، لاستخدامه سلاحًا ضده؟
الغرب فشل في إزاحة «صدام حسين»، ولكنه سجل انتصارًا رديئًا بكشفه اعتماد دول الخليج أمنيًّا على الغرب، وفي تحقيق وجود عسكري ممتد في الخليج في وقت السلم. قبل الحرب كانت إيران والعراق ومجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة يتصارعون من أجل السيطرة على الخليج، بعد الحرب أصبح الخليج الفارسي بحيرة أمريكية.
(٢) خواص حروب خطوط التقسيم الحضاري
صراعات خطوط التقسيم الحضاري هي صراعات طائفية بين دول أو جماعات تنتمي إلى حضارات مختلفة. حروب خطوط التقسيم الحضاري صراعات تحولت إلى عنف، وحروب كتلك التي قد تنشب بين دول، أو بين جماعات غير حكومية، أو بين دول وجماعات حكومية. صراعات خطوط التقسيم الحضاري داخل الدول قد تتضمن جماعات تتمركز بشكلٍ عام في مناطق جغرافية محددة، حيث تحارب الجماعة التي لا تسيطر على الحكومة عادة من أجل الاستقلال، وربما تكون أو لا تكون مستعدةً لقبول شيء أقل من ذلك. كما قد تتضمَّن أيضًا صراعات خطوط التقسيم الحضاري جماعات ممتزجة جغرافيًّا، تتطوَّر فيها العلاقات المتوترة إلى عنفٍ من وقتٍ لآخر وعلى نحوٍ مستمر، كما هي الحال بين الهندوس والمسلمين في الهند، والمسلمين والصينيين في ماليزيا، وربما يحدث قتال على نطاقٍ واسع عند تحديد الدول ورسم حدودها ويؤدي ذلك إلى محاولات لتقسيم الشعوب أو فصلها بالقوة.
صراعات خطوط التقسيم الحضاري هي صراعات للسيطرة على الناس، وكثيرًا ما تكون القضية قضية صراع للسيطرة على أراضٍ. وقد يكون هدف أحد المشاركين فيها على الأقل هو انتزاع أرض وتحريرها من آخرين بطردهم أو قتلهم أو القيام بالعملَين معًا وهو ما يُسمَّى ﺑ «التطهير العرقي». هذه الصراعات غالبًا ما تكون عنيفة وفظيعة حيث يشتبك الجانبان في مجازر وعمليات إرهاب واغتصاب وتعذيب. وغالبًا ما تكون الأرض المتنازع عليها رمزًا لهوية وتاريخ طرفٍ من طرفي الصراع أو لهما معًا، قد تكون أرضًا مقدسة لهما فيها حق لا يجوز المساس به مثل: الضفة الغربية أو كشمير أو ناجورنو كاراباخ أو وادي درينا أو كوسوفو.
حروب خطوط التقسيم الحضاري لها بعض سمات الحروب الطائفية وليس كلها، فهي صراعات ممتدة. عندما تدور في داخل الدول، تستمر على الأقل ست مرات أطول من تلك التي بين الدول وبعضها. وحيث إنها تتضمن قضايا أساسية تتعلق بهوية وقوة الجماعة، يكون من الصعب حلها عن طريق التفاوض والتسوية. وعند الوصول إلى اتفاقيات، لا تلتزم بها جميع الأطراف في كلا الجانبين، ولذلك لا تدوم طويلًا. حروب خطوط التقسيم الحضاري تقوم وتتوقف وتقوم وتتوقف حيث يمكن أن تنفجر في عنف شامل ثم تخمد إلى مستوى الأعمال القتالية أو العدائية المحدودة لكي تعاود الاشتعال مرة أخرى. نيران الهوية الاجتماعية وأحقادها نادرًا ما تنطفئ تمامًا، إلا عن طريق الإبادة الجماعية.
تمرد «المورو» في الفلبين بدأ في أوائل السبعينيات، ثم هدأ في ١٩٧٦م، بعد التوصل إلى اتفاق منح حكمًا ذاتيًّا لبعض المناطق في «ماندانو»، وفي ١٩٩٣م تجددت أعمال العنف مرارًا وتكرارًا على مستوى متصاعد، وهبت جماعات انفصالية متمردة ترفض مساعي السلام. قادة الروس والشيشان توصلوا إلى اتفاق لوقف الأعمال العسكرية في يوليو ١٩٩٥م بغرض إنهاء العنف الذي كان قد بدأ في ديسمبر السابق. هدأت الحرب لفترة قصيرة ثم تجددت بهجوم الشيشان على القادة الروس أو الموالين لهم، ثم انتقام روسي، ثم إغارات للشيشان على داغستان في يناير ١٩٩٦م ثم الهجوم الروسي الكبير في أوائل ١٩٩٦م.
- أولًا: الحروب الطائفية قد تحدث بين جماعات إثنية أو دينية أو جنسية أو لغوية. وحيث إن الدين هو السمة الرئيسية المحددة للحضارات فإن حروب خطوط التقسيم غالبًا، وفي معظم الأحوال، ما تكون بين شعوب لها أديان مختلفة. بعض المحللين يُقلل من أهمية هذا العامل، فيشيرون مثلًا إلى الإثنية المشتركة واللغة الواحدة والتعايش السابق والزواج المتبادل على نطاق واسع بين الصرب والمسلمين في البوسنة، ويستبعدون العامل الديني بالإشارة إلى «نرجسية الاختلافات الصغيرة»21 عند «فرويد»، إلا أن هذا الحكم متجذِّر في قصر نظر علماني. ألوف السنين من التاريخ الإنساني تثبت أن الدين ليس «اختلافًا صغيرًا»، بل لعله أعمق اختلاف يمكن أن يوجَد بين البشر. إن تكرار واتساع وعنف حروب خطوط التقسيم الحضاري يعززها إلى حدٍّ كبير الإيمان بآلهة مختلفة.
- ثانيًا: الحروب الطائفية الأخرى تبدو خاصة. ومن هنا فهي — نسبيًّا — لا يحتمل أن تنتشر لكي تضم أطرافًا أخرى. حروب خطوط التقسيم على العكس من ذلك وحسب تعريفها، تقع بين جماعات تعد أجزاء من كيانات ثقافية أكبر.
في الصراع الطائفي العادي، الجماعة «أ» مثلًا تحارب الجماعة «ب». وليس هناك ما يدعو الجماعات «ج» و«ﻫ» للتورط إلا إذا هاجمت الجماعة «أ» أو الجماعة «ب» مصالح أي منهما.
في حروب خطوط التقسيم الأمر على العكس من ذلك: الجماعة «أ» تحارب الجماعة «ب١»، كل منهما سيحاول أن يوسع نطاق الحرب ويحشد الدعم من جماعات القربى الحضارية: أ٢، أ٣، أ٤، ب٢، ب٣، ب٤، كما أن هذه الجماعات سوف تتحد مع أقاربها المحاربة.
اتساع وسائل الاتصال والانتقال في العالم الثالث، سَهَّلَ إقامة هذه الصلات، وبالتالي سَهَّلَ عملية «تدويل» صراعات خطوط التقسيم. الهجرة أيضًا أدت إلى وجود حالات الديسابورا (الشتات) في حضارات ثالثة. وسائل الاتصال يَسَّرَتْ طلب المساعدة من جماعات القربى، كما يَسَّرَتْ أيضًا معرفة ما يحدث لتلك الأطراف المتحاربة. الانكماش العام للعالم، يُمَكِّن جماعات القربى من أن تُقدِّم الدعم المعنوي والدبلوماسي والمالي والمادي للأطراف المتصارعة، والأكثر صعوبة هو ألا تفعل ذلك. الشبكات الدولية تتطوَّر لكي تفي بهذا الدعم. والدعم بدوره يحافظ على المشاركين ويُطيل من عمر الصراع.
(٣) تصادف: الحدود الدموية للإسلام
الصراعات الطائفية وحروب خطوط التقسيم الحضاري هي مادة التاريخ، وبحسبة واحدة نجد أن ٣٢ صراعًا إثنيًّا قد حدثت خلال الحرب الباردة تتضمَّن حروب خطوط تقسيم بين العرب والإسرائيليين، والهنود والباكستانيين، والسودانيين المسلمين والمسيحيين، والسريلانكيين البوذيين والتاميل، واللبنانيين الشيعة والمارون.
في بنجلاديش يحتجون على التمييز الديني الذي تمارسه الأغلبية المسلمة ضدهم، بينما يحتج المسلمون في «ميانمار» ضد التمييز الديني الذي تمارسه الأغلبية البوذية.
في ماليزيا وإندونيسيا يثور المسلمون من وقتٍ لآخر على الصينيين اعتراضًا على سيطرتهم الاقتصادية. في جنوب تايلاند الجماعات الإسلامية متورطة في أعمال عنف وتمرد متقطع ضد الحكومة البوذية، بينما في جنوب الفلبين يحارب الثوار المسلمون من أجل الاستقلال عن دولة وحكومة كاثوليكية. في إندونيسيا — من ناحية أخرى — يناضل كاثوليك تيمور الشرقية ضد قمع الحكومة المسلمة. في الشرق الأوسط: الصراع بين العرب واليهود في فلسطين يعود إلى أيام تأسيس الوطن اليهودي. وقعت أربع حروب بين إسرائيل والدول العربية، والفلسطينيون اشتبكوا ضد الحكم الإسرائيلي بالانتفاضة. في لبنان حارب المسيحيون المارون معركة خاسرة ضد الشيعة والمسلمين الآخرين. في إثيوبيا — تاريخيًّا — يكبح الأمهريون الأرثوذوكس الجماعات العرقية المسلمة كما يواجهون انتفاضة المسلمين «الأرومو»، وعلى امتداد المساحة المترامية في أفريقيا دارات صراعات متنوعة بين الجماعات العربية والإسلامية في الشمال والجماعات المسيحية الأرواحية السوداء في الجنوب. أما أكثر الحروب الإسلامية-المسيحية دمويةً فحدثت في جنوب السودان واستمرت عقودًا وخلفت مئات الألوف من الضحايا. السياسة النيجرية يغلب عليها الصراع بين مُسلمي الهاوسا الفولانيين في الشمال والقبائل المسيحية في الجنوب، مع أعمال تمرد وشغب عديدة وحرب كبيرة واحدة. في تشاد وكينيا وتنزانيا حدثت صراعات مشابهة بين الجماعات الإسلامية والمسيحية. في جميع هذه الأماكن كانت العلاقات دائمًا عدائية بين المسلمين وشعوب الحضارات الأخرى — الكاثوليك، البروتستانت، الأرثوذوكس، الهندوس، الصينيين، البوذيين، اليهود — وكان معظمها عنيفًا أحيانًا في الماضي، وكثير منها كان عنيفًا في التسعينيات. وحيثما ينظر المرء على امتداد حدود الإسلام، يجد أن المسلمين لهم مشكلات في العيش مع جيرانهم بسلام.
- (١) شارك المسلمون في ٢٦ صراعًا من إجمالي ٥٠ صراعًا عرقيًّا-سياسيًّا في ١٩٩٣-١٩٩٤م، قام بتحليلها بعمق «ت. روبرت جور» (الجدول رقم ١٠-١). عشرون من هذه الصراعات كانت بين جماعات تنتمي لحضارات مختلفة، وعشرون بين مسلمين وغير مسلمين. باختصار، كانت هناك صراعات بين مسلمين وأطراف من حضارات أخرى، ثلاثة أمثال ما كان بين كل الحضارات غير الإسلامية. كما كانت الصراعات داخل الإسلام نفسه كثيرة، وأكثر مما كانت داخل أي حضارة أخرى، بما في ذلك الصراعات القبلية في أفريقيا.
الغرب، على العكس من الإسلام، لم يتورط إلا في صراعين بين حضارات مختلفة وصراعين داخل حضارات بعينها.
الصراعات التي كان المسلمون طرفًا فيها، كانت دائمًا كثيرة الضحايا. الحروب الست التي يقدر فيها «جور» القتلى ﺑ ٢٠٠٠٠٠ كانت ثلاث منها بين مسلمين وغير مسلمين (الصومال – أكراد العراق) وواحدة فقط لم يكن بها مسلمون (أنجولا).
- (٢) حددت نيويورك تايمز ٤٨ موقعًا كان يدور بها ٥٩ صراعًا عرقيًّا في سنة ١٩٩٣م، في نصف عدد هذه المواقع كان المسلمون يتصارعون مع مسلمين آخرين أو مع غير مسلمين. في ٣١ من هذه الصراعات كانت الأطراف جماعات من حضارات مختلفة. وبالتوازي مع بيانات «جور» كان ثلثا هذه الصراعات (أي ٢١) داخل الحضارات بين مسلمين وآخرين (الجدول رقم ١٠-٢).
- (٣) إلا أن «روث ليجر سيفارد» يرصد في تحليل آخر ٢٩ حربًا (صراعات نتج عنها ١٠٠٠ قتيل أو أكثر في العام) في سنة ١٩٩٢م، ٩ من اﻟ ١٢ صراعًا داخل الحضارات كانت بين مسلمين وغير مسلمين، ومرة أخرى كان المسلمون يخوضون حروبًا أكثر من أي جماعة في أي حضارة أخرى.24
مع حضارات أخرى | داخل الحضارة | الإجمالي | |
---|---|---|---|
الإسلام | ١١ | ١٥ | ٢٦ |
حضارات أخرى | ١٩* | ٥ | ٢٤ |
الإجمالي | ٣٠ | ٢٠ | ٥٠ |
وقد استخدمت تصنيف «جور» للصراعات باستثناء تغيير الصراع الصيني التبتي الذي يصنفه كصراع غير حضاري واعتباره من ضمن الصراعات داخل الحضارة الواحدة حيث من الواضح أنه صراع بين صينيين هان كونفوشيين وتبت لاما بوذيين.
الدول الإسلامية أيضًا لديها ميل شديد للجوء إلى العنف في الأزمات الدولية، وقد استخدمت ذلك لحل ٧٦ من مُجمل ١٤٢ أزمة كانت طرفًا فيها بين عامَي ١٩٢٨م، ١٩٧٩م، وفي ٢٥ حالة كان العنف هو الوسيلة الرئيسية للتعامل مع الأزمة، وفي ٥١ حالة استخدمت العنف إلى جانب وسائل أخرى.
متوسط نسبة القوة | متوسط الجهد العسكري | |
---|---|---|
الدول الإسلامية (٢٥) | ١١٫٨ | ١٧٫٧ |
الدول الأخرى (١١٢) | ٧٫١ | ١٢٫٣ |
الدول المسيحية (٥٧) | ٥٫٨ | ٨٫٢ |
الدول الأخرى (٨٠) | ٩٫٥ | ١٦٫٩ |
المقصود بالدول الإسلامية والدول المسيحية تلك التي يلتزم فيها أكثر من ٨٠٪ من السكان بالدين المتبع فيها.
وعندما كانت تستخدم العنف، كانت الدول الإسلامية تستخدمه بأعلى درجاته، كما لجأت إلى حروب كاملة في ٤١٪ من الحالات التي استخدمته فيها، واشتركت في صدامات في ٣٨٪ من الحالات. وبينما لجأت الدول الإسلامية إلى العنف في ٥٣٫٥٪ من أزماتها، لم تستخدم المملكة المتحدة العنف سوى في ١١٫٥٪ والولايات المتحدة في ١٧٫٩٪ والاتحاد السوفيتي في ٢٥٫٥٪ من الأزمات التي كانوا أطرافًا فيها.
(٤) الأسباب: التاريخ، الديموغرافيا، السياسة
ما المسئول عن عدد زيادة حروب خطوط التقسيم الحضاري وعن الدور المركزي للمسلمين في تلك الصراعات في أواخر القرن العشرين؟
- أولًا: هذه الحروب لها جذورها العميقة في التاريخ. العنف المتقطع على خطوط التقسيم بين الجماعات الحضارية المختلفة حدث في الماضي، وموجود في الذكريات الحاضرة عنه، وبالتالي فإنه يُوَلِّدُ المخاوف وعدم الشعور بالأمان على كِلا الجانبين. المسلمون والهندوس في شبه القارة الهندية، الروس والقوقاز في شمال القوقاز، الأرمن والأتراك فيما وراء القوقاز، العرب واليهود في فلسطين، الكاثوليك والمسلمون الأرثوذوكس في البلقان، الروس والأتراك من البلقان إلى آسيا الوسطى، السنهاليون والتاميل في سريلانكا، العرب والسود عبر أفريقيا: تلك كلها علاقات تضمنت على مدى قرون أعمالًا تناوبت بين التعايش المفتقر للثقة والعنف الوحشي. هناك ميراث تاريخي من الصراع يجري استغلاله واستخدامه عندما يرون سببًا لذلك. التاريخ في هذا النوع من العلاقات حي وغني ومرعب. إلا أن تاريخًا من المذابح المتقطعة لا يكفي في حد ذاته لتفسير عودة العنف مرة أخرى في نهاية القرن العشرين.
بشكل عام، وكما يوضح كثيرون: الصرب والكروات والمسلمون عاشوا معًا في يوغوسلافيا في سلام لعدة عقود. المسلمون والهندوس في الهند كذلك. الجماعات الإثنية والدينية المتعددة في الاتحاد السوفيتي تعايشت باستثناء حالات قليلة كان سببها الحكومة السوفيتية. التاميل والسنهاليون أيضًا عاشوا في هدوء على جزيرة كانت توصَف دائمًا بالجنة الاستوائية. التاريخ لم يمنع أن تسود تلك العلاقات المسالمة نسبيًّا لفتراتٍ طويلة من الزمن، ومن هنا فإن التاريخ بمفرده لا يمكن أن يفسر انهيار السلام، ولا بدَّ أن هناك عوامل أخرى تدخلت في العقود الأخيرة من القرن العشرين. أحد هذه العوامل: التغيرات التي حدثت في التوازن الديموغرافي. الاتساع العددي لجماعاتٍ ما، يولد ضغوطًا سياسية واقتصادية واجتماعية على الجماعات الأخرى، ويؤدي إلى استجابات مساوية. والأهم، أنه ينتج ضغوطًا عسكرية على الجماعات الأقل حركة من الناحية الديموغرافية.
وبنفس الأسلوب، فإن حروب خطوط التقسيم الحضاري بين روسيا والشعوب الإسلامية في الجنوب، كان الفرق الكبير في الزيادة السكانية هو الذي يدعمها.
في أوائل التسعينيات كان معدل خصوبة النساء في الاتحاد السوفيتي الروسي ١٫٥، بينما كان في الجمهوريات الإسلامية أساسًا في الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى حوالي ٤٫٤، ومعدل الزيادة السكانية الصافية (معدل المواليد ناقص الوفيات) في أواخر الثمانينيات كان أكثر مما هو في روسيا بخمس أو ست سنوات.
بعد عامين، في ٢٨ يونيو ١٩٨٩م عاد «ميلوسيفتش» إلى «كوسوفو» مع مليون إلى ٢ مليون صربي لإحياء الذكرى الستمائة للمعركة الكبرى، كرمز لحربهم المستمرة مع المسلمين.
التغيرات في التوازنات الديموغرافية، وزيادة نسبة الشباب (٢٠٪ وربما أكثر) تفسر الكثير من الصراعات بين الحضارات في أواخر القرن العشرين، ولكنها لا تُفسرها كلها بالطبع.
القتال بين الصرب والكروات مثلًا لا يمكن أن يُعْزَى للديموغرافيا، وبسبب ذلك الأمر يُعزى جزئيًّا للتاريخ، فهذان الشعبان كانا يعيشان معًا في سلام — نسبيًّا — إلى أن قام «الأوستاش» الكروات بذبح الصرب ذبحَ الماشية في الحرب العالمية الثانية. هنا، وفي أماكن أخرى، كانت السياسة أيضًا أحد أسباب النزاع. سقوط الإمبراطوريات النمساوية الهنغارية، والعثمانية، والروسية، في نهاية الحرب العالمية الثانية حفز الصراعات الإثنية والحضارية بين الشعوب والدول التي خلفت تلك الإمبراطوريات.
انتهاء الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والألمانية أدى إلى نتائج مشابهة بعد الحرب العالمية الثانية. سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا أدى إلى نفس الشيء في نهاية الحرب الباردة، لم يعد الناس يُعَرَّفُون بأنهم شيوعيون أو مواطنون سوفيت أو يوغوسلاف، بل أصبحوا في حاجةٍ ملحة لإيجاد هويات جديدة، ووجدوها في البدائل الإثنية والدينية القديمة. النظام القمعي — ولكن السلمي — للدول التي لا تؤمن بوجود إله، حلَّ محلَّه عنف الناس المؤمنين بآلهة مختلفين، وساعد على تفاقم هذه العملية حاجة الكيانات السياسية الناشئة لتبني الديمقراطية. وعندما بدأ التفكك في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا، لم تقم النخب السياسية في السلطة بتنظيم انتخابات قومية. ولو أنهم فعلوا، لكان الزعماء السياسيون قد تنافسوا على السلطة في المركز، وحاولوا تنمية اتجاهاتٍ مُتعدِّدة الإثنية ومتعددة الحضارات لدى الناخبين، ولوضعوا تحالفات أكثرية مماثلة في البرلمان. على العكس من ذلك، تم تنظيم الانتخابات في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا على أساسٍ عام، الأمر الذي خلق دافعًا لا يقاوم لدى الزعماء السياسيين ضد المركز، وللتوجُّه نحو القومية الإثنية، وأن ينموا استقلال جمهورياتهم. حتى في داخل البوسنة كانت الجماهير تُدلي بأصواتها على أساس خطوطٍ إثنية محددة في انتخابات ١٩٩٠م.
ويظل السؤال: لماذا والقرن العشرون يوشك على الانتهاء، نجد أن المسلمين هم الأكثر تورطًا في مزيدٍ من العنف بين الجماعات، من شعوب الحضارات الأخرى … وهل كانت تلك هي الحال دائمًا؟ في الماضي كان المسيحيون يقتلون إخوانهم المسيحيين وغيرهم من الناس بأعدادٍ كبيرة. إن تحليل الميل إلى العنف في الحضارات عبر التاريخ قد يتطلَّب بحثًا مطولًا ليس هذا مجاله، ومع ذلك فإن ما يمكن أن نفعله هو أن نُحدد أسبابًا ممكنة لتيار العنف الجماعي الإسلامي سواءً داخل الإسلام أو خارجه، وأن نميز بين الأسباب التي تُفسر ميلًا كبيرًا نحو العنف الجماعي في التاريخ إن وُجِد، وتلك التي تفسِّر ميلًا نحوَه في نهاية القرن العشرين فقط. هناك ستة أسباب ممكنة تطرح نفسها، ثلاثة منها تفسِّر العنف بين المسلمين وغير المسلمين، وثلاثة تفسر كلًّا من ذلك والعنف داخل الإسلام نفسه، ثلاثة أيضًا تفسر فقط الميل الإسلامي المعاصر نحوَ العنف، بينما تفسر ثلاثة أخرى ميلًا إسلاميًّا تاريخيًّا إن وُجِد.
وإذا لم يكن هذا الميل التاريخي موجودًا، فإن أسبابه المفترضة التي لا يمكن أن تفسِّر عدم وجود ميل تاريخي، يفترض أيضًا أنها لا تفسر الميل الإسلامي المعاصر نحوَ العنف الجماعي. الأخير، إذن، يمكن تفسيره فقط بأسباب القرن العشرين التي لم تكن موجودة في القرون السابقة.
صراع خارج الإسلام | صراع داخل وخارج الإسلام | |
---|---|---|
صراع تاريخي ومعاصر | القرابة | العسكرية |
صراع معاصر | عدم القابلية للهضم | التضخم الديموغرافي |
وضع الضحية | غياب دولة المركز |
-
أولًا: هناك محاجَّة أن الإسلام كان دينًا للسيف منذ البداية، وأنه يمجِّد فضائله القتالية.
الإسلام نشأ بين «قبائل بدوية رُحَّل متناحِرة»، هذه «النشأة» العنيفة مطبوعة في أساس
الإسلام. يذكر
عن «محمد» نفسه أنه كان مقاتلًا عنيفًا وقائدًا عسكريًّا ماهرًا.35 (لا أحد يستطيع أن يقول ذلك عن المسيح أو عن بوذا). تعاليم الإسلام كما يُقال تنادي
بقتال غير المؤمنين به، وعندما تراجعَ التوسُّع الأول للإسلام كانت الجماعات الإسلامية،
على عكس ما
تقول به التعاليم، تحارب بعضها البعض.
نسبة «الفتنة» أو الصراعات الداخلية إلى «الجهاد» تحوَّلت إلى حدٍّ كبير لصالح الأولى. «القرآن» وغيره من الإفادات في المعتقدات الإسلامية يحوي القليل مما يحضُّ على تحريم العنف، كما أن مفهوم اللاعنف غائب عن الفكر والممارسة الإسلاميين.
- ثانيًا: منذ نشأته في الجزيرة العربية، فإن انتشار الإسلام عبر شمال أفريقيا ومعظم الشرق الأوسط، وفيما بعد إلى آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والبلقان، وضع المسلمين في احتكاك مباشر مع شعوبٍ مختلفة شتى، هُزِمَت وتحولت ويظلُّ ميراث هذه العملية موجودًا بها. في أعقاب الفتوحات العثمانية في البلقان، تحول السلافيون الشماليون المدينيون غالبًا إلى الإسلام، بينما لم يتحوَّل فلاحو الريف. وهكذا وُلِد التمييز بين مُسلمي البوسنة والصرب الأرثوذوكس. وبالعكس، فإن توسع الإمبراطورية الروسية إلى البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى، وضعها في صراعٍ مستمر لعدة قرون مع شعوبٍ إسلامية مختلفة. رعاية الغرب، في قمة قوته في مواجهة الإسلام، لوطنٍ يهودي في الشرق الأوسط وضعت الأساس لعداء عربي إسرائيلي مُستمر.
وهكذا فإن التوسُّع الإسلامي وغير الإسلامي عن طريق البر نتج عنه معيشة المسلمين وغير المسلمين في تقاربٍ فيزيائي وثيق في أوراسيا. وعلى العكس من ذلك فإن توسُّع الغرب عن طريق البحر لم يؤد دائمًا إلى معيشة الشعوب الغربية في تقاربٍ مكاني مع شعوب غير غربية: فقد كانت تلك إما خاضعة لحكم أوروبا، أو — باستثناء جنوب آسيا — كان المستوطنون الغربيون يقومون بإبادتها فعلًا. مصدر ثالث ممكن للصراع بين المسلمين وغير المسلمين، يتضمن ما يقوله رجل دولة بالإشارة إلى بلاده ويُسميه «عدم القابلية للهضم لدى المسلمين». عدم القابلية للهضم على أية حال عملية ذات وجهَين: الدول الإسلامية لها مشكلات مع الأقليات غير الإسلامية تُشبه تلك التي عند غير الإسلامية بالنسبة للأقليات المسلمة. الإسلام عقيدة أكثر استبدادية حتى من المسيحية. الإسلام يمزج بين الدين والسياسة ويضع فاصلًا حادًّا بين أولئك في «دار الإسلام» وأولئك في «دار الحرب». ونتيجة لذلك فإن الكونفوشيين والبوذيين والهندوس والمسيحيين الغربيين والمسيحيين الأرثوذوكس يجدون صعوبةً أقل في التكيف والعيش معًا، عما يجده أيٌّ منهم في التكيف والعيش مع المسلمين. الصينيون الإثنيون مثلًا وهم أقلية اقتصادية مسيطرة في معظم دول جنوب شرق آسيا، تم استيعابهم بنجاح في مجتمعات تايلاند البوذية والفلبين الكاثوليكية، ولا يُوجَد بالفعل أي دلائل عنف ضدَّهم من قِبل الأكثرية في تلك المجتمعات. وبالعكس، فإن أعمال الشغب و/أو العنف قد وقعت في إندونيسيا المسلمة وماليزيا المسلمة، ويظل دور الصينيين في تلك المجتمعات حساسًا، كما يظل قضيةً قابلة للانفجار وبشكلٍ لا مثيل له في تايلاند والفلبين.
محاجَّة «المسلم كضحية» على أية حال، لا تُفسِّر الصراعات بين الأغلبيات المسلمة والأقليات غير المسلمة في دولٍ مثل السودان ومصر وإيران وإندونيسيا. وهناك عامل آخر يبدو أكثر إقناعًا، ويمكن أن يفسر كلًّا من الصراعات داخل وخارج الإسلام، وهو غياب دولة مركز أو أكثر في الإسلام.
المدافعون عن الإسلام يزعمون دائمًا أن نُقَّاده الغربيين يعتقدون أن هناك قوةً مركزية تآمُرية موجهة، تُعبئ الإسلام وتُنسِّق بين أعماله ضد الغرب والآخرين. إذا كان النقَّاد يعتقدون ذلك فهم مخطئون. الإسلام مصدر عدم استقرار لأنه ينقُصُه وجود مركز مُسيطر. الدول الطامحة لزعامة الإسلام مثل السعودية وإيران وباكستان، وربما إندونيسيا، تتنافس على النفوذ في العالم الإسلامي. لا أحد منها في موقفٍ قوي ليتوسَّط في الصراعات داخل الإسلام، ولا أحد منها يستطيع أن يعمل بسلطة نيابة عن الإسلام في تناول الصراعات بين الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية. وأخيرًا، وهو الأكثر أهمية، ذلك الانفجار الديموغرافي في المجتمعات الإسلامية، ووجود أعدادٍ كبيرة من الشباب الذكور بين ١٥ و٣٠ سنة والعاطلين غالبًا عن العمل. هذه البطالة مصدر طبيعي لعدم الاستقرار والعنف سواء داخل الإسلام أو ضد غير المسلمين. ومهما كان من أسبابٍ أُخرى هناك، فإن هذا العامل وحدَه قد يصمد طويلًا لتفسير العنف الإسلامي في الثمانينيات والتسعينيات. إنَّ تقدُّم هذا الجيل البائس في العمر بحلول العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، والنمو الاقتصادي في المجتمعات الإسلامية إذا حدث، وعندما يحدُث، قد يؤدي في النهاية إلى تخفيضٍ هائل في الميول الإسلامية للعنف، وبالتالي إلى انخفاضٍ عامٍّ في عدد حروب خطوط التقسيم الحضاري ودرجة حدتها.