تمهيد
دفعني الميل لاستطلاع أحوال شبه جزيرة العرب — بعد ذلك التطور الذي شمل هذه البلاد من أدنى أطرافها إلى أقصاها — إلى القيام برحلة طويلة شاقة بدأتها بالسفر من القاهرة إلى فلسطين، ومنها إلى نجد فالأراضي الحجازية مخترقًا قلب الصحراء على ظهور الإبل، ولا بد لي قبل أن أصل إلى وصف أول بلدة وصلتُ إليها في أرض نجد، وهي «قريات الملح»، يجمُل بي أن أصف للقُرَّاءِ كيف وصلت، وكيف شددتُ الرحال، وهو وصف يُثير في النفس ذكريات تاريخية من سِيَرِ أهل يعرب وملوك البوادي.
لم يكن لي عهد بركوب متون الصحراء، ولا أعرف شيئًا عن وسائل الانتقال والمعيشة في تلك القِفَارِ، وقد بدأت الرحلة في الصحراء بأن استأجرتُ سيارة قامت بي من عَمَّان عاصمة شرق الأردن قطعت في قلب الصحراء زُهَاءَ أربعمائة كيلومتر، قضت في قطعها يومًا كاملًا لم أشهد في الطريق أثناءه سوى أرض قاحلة لا زرع فيها ولا ضَرْعَ، اللهم إلا قوافل من الإبل تسير من هنا وهناك، وقد قصَّ عليَّ سائق السيارة أن هذه الطريق كانت قبل الآن من أخطر الطرق على السابلة، ولكن الخفارة الجوية المستمرة قطعت دابر اللصوص وقطَّاع الطريق، اللهم إلا ما تأتيه بعض القبائل كقبيلة الحويطات من الغزوات وأعمال السلب والنهب.