في جدة
قد انتهينا من رحلتنا واستوعبنا ما يهم قومنا وبلادنا الاطِّلاع عليه، واعتزمنا مبارحة مكة، فودعنا سمو الأمير فيصل الذي كان على الدوام لا يَكُفُّ عن التَّلَطُّفِ بنا والاستفسار عنَّا؛ ومن ثَمَّ استقلَلْنا سيارة سارت بنا نحو ثلاث ساعات حتى بلغنا «جدة»، بعد أن مررنا بقرية صغيرة تقع في متوسط الطريق تُدْعَى «بحرة»، وهي نقطة تتموَّن منها السيارات بحاجتها، ومحط قوافل الحجاج الذين يستريحون فيها.
وثغر «جدة» من أهم موانئ الحجاز على ساحل البحر الأحمر، وبسبب مركزها الطبيعي يعتبر أهلها أغنى من أهل مكة ومن سائر البلاد العربية في شبه الجزيرة؛ وذلك لاتصالها بالأسواق الخارجية ومرور البواخر القادمة من الهند ذاهبة إلى مصر وغيرها، ويحكم هذا الثغر حاكم يلقب «بالقائمَّقام» يعاونه رجال الشرطة.
وتوجد في جدة دور القنصليات وبعض المصارف المالية، وتقع القنصلية المصرية في بناءٍ فخمٍ، ولا يمر بجدة مصري حتى يلقى من عناية صاحب العزة أمين بك توفيق قنصل مصر ما يُطْلِقُ لسانه بالشكر والثناء، ولا يوجد في جدة إلا عدد من الأوروبيين الذي يُعدون بمثابة «قومسيونجية» لاستجلاب البضائع من البلاد الخارجية وتوزيعها على التجار المحليين الذين يوزعون سلعهم في داخل البلاد.
وجمرك جدة يعتبر ركنًا مهمًّا من موارد الثروة للحكومة الحجازية، فإن ما يجبيه من الرسوم الجمركية على الصادرات والواردات مع فداحتها يكون دخلًا عظيمًا لا يُستهان به.
وطقس جدة لا يعد ألطف كثيرًا منه عن داخلية البلاد مع كونه على ساحل البحر الأحمر، فالحرُّ هناك شديد، ولعلَّ أبخرة البحر هي التي تفسد من جودة الهواء الخالص، فليس يغبط أهل جدة وجودهم على الشاطئ، اللهم سوى اغتباطهم بما يدخل إليهم من الأرباح وتيسير أسباب الرزق لهم.
وإلى هنا تكون قد انتهتْ رحلتنا، وحسبُنا أنَّنا — كما قدمنا للقراء — لا نبغي منها سوى إيراد الحقائق من الوجهتين العمرانية والاجتماعية التي لم يسبق لسوانا معرفته والبحث فيه حتى الآن.