الخاتمة
هكذا تطورت الحال في مملكتي نجد والحجاز، وتمَّ لهما ذلك الاندماج المتين، فخرجتْ «نجد» من عزلتها الطويلة عن بقية الشعوب الإسلامية المتحضرة، وأصبح مليكها هو صاحب الكلمة النافذة والصوت المسموع في الأراضي المقدَّسة وشئونها، وبات اسمه علمًا بين ملوك الإسلام يُشَارُ إليه بالبنان، وقد أثبتَ بالفعل لا بالقول أنه جدير بهذا المُلك المترامي الأطراف الجليل الشأن في عيون سائر المؤمنين، وأنه بعد أن طهَّر الأراضي المقدسة من أدران المفاسد والمظالم التي نشرها رجال الحكم البائد استطاع أن يقطع دابر عصابات النهب والسلب، ويضرب بعصًا من حديد على أيدي قُطَّاعِ الطريق، فَأَمَّنَ سبل الحج لكافة المسلمين، ونظَّم شئون الصحة العامة، وأقام حكم العدل بين سائر رعاياه، لا فرق بين نجدي وحجازي، ومما لا ريب فيه أن بلادًا كهذه، وقد خرجتْ من عزلتها ووضعت يدها بأيدي جاراتها من البلاد المتحضِّرة، سيكون لها حظها من الحضارة بحكم المجاراة على مَمَرِّ الأيام.
ومن يعلم ما كانت عليه الحجاز قبل أن يحكمها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، وكيف كانت الفوضى ضاربةً أَطنابها، وأموال الناس وأرواحهم في خطر دائم من اعتداءات البدو الحجازيين، واستخفافهم بالنظام والحكومة القائمة بالأمر، وهذا ركب المحمل المصري كان على الدوام هدفًا لاعتداء المعتدين وفتك الفاتكين، فبات الحجاج يسافرون أفرادًا وجماعات، حتى دون أن يرافقهم حرس المحمل، ثم يعودون دون أن يصيبهم أقل أذى. ولم يكن هذا شأن حجاج مصر وحدهم، بل هي الحال مع سائر المسلمين الذين يحجون بيت الله الحرام
وإذا كان كل شيء في أوله صعب، فلا عبرة البتة ببعض ما قام من وجوه الخلاف في الرأي بين الحكومتين المصرية والحجازية بشأن المحمل المصري، وقد يأتي وقت تضع فيه حكومتا البلادين اتفاقًا متينًا يرتب شئون الحج ومراسمه في المستقبل، وطبقًا للتطورات الحادثة بين الأمم والآراء العامة.
وكذلك فإذا كان بعض الذين لا يحلو لهم الصيد إلا في الماء العكر قد زُيِّنَ إليهم أن يُثيروا العواصف ويشيعوا الأكاذيب عن حكم الحجاز وآراء الوهابيين الدينية قَصْدَ تنفير الأمم الإسلامية من حكم جلالة الملك عبد العزيز، فحسبُنا أن مثل هذا وأكثر منه يقع عادةً بين سائر الأمم، ولا سيما عقب الفتوح والانقلابات السياسية، ولسوف يدرك هؤلاء وأولئك من حسن نيات الملك ابن سعود وضروب الإصلاح في بلاد الحجاز ذاتها ما يسكت ألسنتهم، وينطقهم بالحق من حيث لا يشعرون، على أن دعاة هذه الدسائس — والحمد لله — ليسوا من البراعة والدهاء ما يُخشى شرهم ويؤثر سوء فعلهم، فَجُلُّهم من حُثَالَةِ الناس، أو أذناب الحسين وأنصاره ممن لا يُعتد بشأنهم ولا يُؤْبَهُ بحالهم.
وإِنَّا لنسأل الحق جلَّتْ قدرته أن يكتب للإسلام والمسلمين اتِّحَاد الكلمة ورفع راية الإسلام بين الأنام، وأن يوطِّد دعائم الحب والولاء بين ملوك الناطقين بالضاد وأمرائهم، وأن يوفِّقَهم إلى ما فيه مرضاة الله، ورفع شأن المؤمنين بمَنِّهِ وكرمه.