إلى أم القرى
لا نأتي على نهاية هذا المقال حتى نكون قد انتهينا بالقراء من وصف تلك الرحلة، فيكون مسك الختام، ولقد أسلفنا القول في مقالنا السالف بأننا سنقصر هذا المقال على وصف رحلتنا في أرض الحجاز بعد أن قضينا نيفًا وشهرًا في عاصمة نجد، وأكثر من شهرين في التنقل بين بلاد نجد، وكان في نيتنا أن نقوم برحلة طويلة نستعرض فيها سائر مدن الحجاز لولا أن داهمنا القَيْظُ بخَيْله وَرَجْلِهِ، فقد كانت درجة الحرارة في شهر مارس أشد منها في شهر يوليو بالقاهرة — حيث نصطليها الآن — وعلى ذلك لم نَرَ بُدًّا من الاقتصار على زيارة مكة المكرمة، وفي الواقع أنها كل شيء في الحجاز، بل هي الحجاز كله، فأم القرى هي مظهر حياة الحجاز والحجازيين، على أنها في الأثناء الأخيرة، وبعد أن حكمها الوهابيون قد تطورت تطورًا يدفع بالباحث الرحالة إلى استطلاع قديمها وجديدها.
تركنا «الرياض»، وكان من حسن الحظ أن رافقنا في رحلتنا منها إلى أم القرى سعادة الطيب بك الهزازي رئيس ديوان جلالة الملك ابن السعود يحمل الهدية السعودية إلى صاحب السمو الأمير فاروق ولي عهد الدولة المصرية، وهي الجياد الأربعة التي وصلت إلى مصر منذ شهرين، فقطعنا ستة أيام على ظهور الإبل لم نشهد في طريقنا أثرًا لبلد، إلى أن صادفنا قرية تدعى «الشعرا»، هي بمثابة مَحَطٍّ لرحال القوافل وتزويد رجالها بما يحتاجون إليه من مئونة وماء؛ ولهذا السبب ترى أسعار الحاجيات فيها مرتفعة جدًّا، وتركنا هذه القرية، وواصلنا السير بين وديان وَحُزُونٍ، فتارة نصعد إلى هضاب عالية وقمم جبال شامخة، ثم ننخفض إلى سفوح بعيدة الغور وَعِرَةِ المسالك، حتى إذا احتجنا إلى الماء لم نجد حاجتنا منه إلا من آبارٍ بعضها ذات ماء آسِن أو ملح، وهكذا قطعنا عشرة أيام على هذه الحال إلى أن بلغنا بقعة يسمونها «السيل»، وقد سميت كذلك لوقوفها في سفح سلسلة جبال تنحدر من قممها مياه الأمطار، فتكون شبه بحيرات صغيرة، وفي هذه البقعة يتحتم على قاصدي أم القرى أن يُحْرِمُوا استعدادًا لدخول المدينة المقدسة، فخلعنا ملابسنا العادية وأحرمنا، وواصلنا السير حتى إذا بانت أمام أنظارنا قباب مكة ومبانيها الشاهقة، هتفنا مع رجال القافلة قائلين: «لبيك اللهم لبيك لا شريك لك، السعد والخير بين يديك.» وفي مساء ذلك اليوم بلغنا أبواب مكة، فكان أول ما قمنا به أن طفنا حول البيت الكريم، وسعينا بين الصفا والمروة سبع مرات، وهذا فرض واجب على كل داخلٍ مكةَ، وكان رجال الحكومة قد أعدوا لنا منزلًا خاصًّا قضينا فيه ليلتنا، وفي اليوم التالي قابلنا سمو الأمير فيصل نائب جلالة والده في حكم الحجاز، فشاهدنا فيه أميرًا عربيًّا حلو الشمائل، عذب الحديث، ذَكِيَّ الفؤاد، وكان ارتياحه إلى رحلتي عظيمًا، ولم يَنْسَ أثناء الحديث أن يذكر مصر وجلالة مليكها ورجال الأقلام في مصر بنوع خاص بأحسن ما يُذكر من طيب الحديث.
في مكة المكرمة
ومما لاحظناه — وكان آنئذٍ شهر رمضان — أن أكثر المتاجر والحوانيت مغلقة، وحركة المارة في الشوارع خفيفة، وهي حالة تختلف اختلافًا كليًّا عن مثلها في سائر المدن الإسلامية الأخرى، وقد بحثنا عن السر في ذلك فعرفنا أن سكان مكة ينقطعون بكلياتهم وجزئياتهم خلال شهر الصوم للعبادة والتقديس ونسيان متاع الدنيا ومشاغلها.
ومكة مدينة كبرى بحقٍّ، أكثر مبانيها مشيدة بالأحجار ذات وجهات بارزة بشكل «مشربيات» بعضها على نمط عربي بحت، والبعض الآخر يشبه المباني المصرية التي شُيِّدَتْ خلال نصف القرن الماضي، وهي كثيرة الأسواق، يجد فيها المسافر كل ما تشتهيه نفسه من الحاجيات من ملبس ومأكل وكماليات، ولا سيما بعض الزخارف التي يجيدها صناعٌ أصلُهم من الهند والعراق والشام وبعض أهل مكة أنفسهم، فأسواق الحرير مثلًا، مع أن دودة القز لا تعيش في الحجاز، وقزُّها يُجلب من دمشق الشام وبيروت، يشتغلون بصنعها، حتى إذا عُرِضَتْ مصنوعات مكة الحريرية على طلابها ميَّزوها، وأيقنوا أنها من صنع مكة. على أن سائر السلع والبضائع مرتفعة الأسعار، حتى الفاكهة وبعض الخضراوات؛ بسبب استجلابها من الخارج، وضرب الرسوم الجمركية فادحة عليها، أما اللحم والسمن فكثير جدًّا وأثمانه رخيصة عنها في مصر.
أما الحالة الصحية بسبب قِدَم المدينة وضيق شوارعها وعدم تنسيقها وشدة حَرِّهَا وعدم اعتناء الحكومات البائدة بتوفير أسباب الصحة العامة فليست حسنة، ولكن الحكومة الحاضرة شرعت في استجلاب المرشِّحات للمياه، وتوسيع بعض الشوارع وإضاءتها، كل ذلك يحمل على الاعتقاد بحسن الحال في مستقبل الأيام.
ويبلغ تعداد سكان مكة والقرى المجاورة لها زُهَاءَ مائة ألف نسمة، وأكثرهم طوال القامة يضرب لونهم للسُّمرة مع نحافة غالبة في الأجسام، على أنهم يتمتعون بصحة جيدة، وظاهر أن اختلاط العنصرين التركي والمصري بهؤلاء السكان أحدث تغييرًا في لهجة حديثهم ودرجة تفكيرهم وذهنياتهم، وهناك عدد غير قليل من الأغنياء الموسرين الذين أَثْرَوْا من تبادل المتاجر والأرباح الطائلة التي دخلتْ عليهم في أوقات الحج، يجد الزائر المصري في منازلهم من أدوات الترف وجمال التنسيق ما يجده في بيوت بعض كبراء مصر. وتناول القهوة هناك شائع على الطريقتين المصرية والتركية، إلا أن شرب الشاي هو الأكثر شيوعًا.
أما عقائدهم الدينية، فهم أقل تعصُّبًا للدين من أهل نجد، وقد لاحظتُ أن بعضهم — مع إحلال الحكم الوهابي وتطبيقه في الحجاز — لا يزال يستبيح لنفسه بعض المحرمات الوهابية، مثال ذلك: أن بعضهم لا يزال على عادته في تدخين الدخان والتمباك، إلا أنه لا يَجْسُرُ على تدخينه جهارًا، وهناك بعض أصحاب القهوات ينصبون أستارًا داخل محلاتهم يستتر وراءها مدخنو النارجيلة والسجائر.
وللماء هناك شأن يُذكر، ولا سيما في موسم الحج، فيكثر استهلاك الماء من الآبار فتقل مياهها بطبيعة الحال، ولا سيما في الطريق ما بين مكة وجبل عرفات، وكان من أهم ما اتجهتْ إليه أنظار جلالة الملك ابن السعود بعد فتحه الحجاز، هو العمل على حلِّ هذه المشكلة الهامة؛ فأمر ببناء أحواض تخزن فيها المياه بكثرة قبل تدفق سيول الحجاج، وبذلك يجدون حاجتهم منها بسهولة وبثمن مقبول. والماء هناك نوعان: عذب ومِلْح؛ فالعذب يُستخرج من عينٍ تسير في قناة من الحجر تحت الأرض، وهي المعروفة «بعين زبيدة»، ويبتدئ أولها قبل منطقة السيل التي أسلفنا ذكرها، ويُروى أن الملكة زبيدة زوجة هَرُون الرشيد هي التي أنشأت هذه القناة، فسهلتْ على أهل مكة سبيل الحصول على المياه العذبة، ولهذه العين عدة فتحات يزدحم عندها السُّقاة لأخذ حاجتهم منها ويُحدثون ضجيجًا يصم الآذان، أما المياه الملحة فتستخرج من آبار ارتوازية، وهي ليست ملحة جدًّا، ولكن الحاجة تدفع بعض الناس إلى استعمالها، ومياه «بئر زمزم» الكائنة وسط الحرم الشريف من هذا النوع، ولا يتناولها الناس إلا على سبيل البركة.
ويعتمد أهل الحجاز في معيشتهم على موسم الحج الذي يدوم حوالي ثلاثة شهور، فالمباني تؤجَّر لسكنى الحجاج بأجور مرتفعة، والتجار والصناع يعرضون ما يدَّخرونه من البضائع والمصنوعات على الحجاج، وهناك طائفة الصيارف ينتشرون في زمن الحج، ويربحون أرباحًا طائلة من تبادل أنواع العملة المختلفة التي يحملها الحجاج، وعلى وجه العموم فإن أهل مكة يعتمدون على قِوَامِ معيشتهم خلال بقية أيام العام على ما يجنونه من أرباح مواسم الحج.
ومما يلاحظه زوار مكة كثرة المستجدين من السودانيين الذين يسمونهم «التكارنة»، وهؤلاء ممن تضيق بهم سُبُل العيش فينزحون إلى جوار الحرم الشريف رجاء العيش مما يجود به أهل الخير، وقد شهدتُ نفرًا من أولئك السودانيين بحالة تُفتِّت الأكباد، ولست أدري ما هو نصيبهم من حسنات حكومتهم الغنية في ديارهم.
مجلس الشورى
أما نظام وضع الحكومة الحجازية فباقٍ كما كان عليه في الزمن السابق من حيث تنظيم الإدارات والاختصاصات، وكل ما استجد هو استبدال القانونين المدني والجنائي بإنفاذ أحكام الشريعة السمحة وِفَاقًا لما أفضى به إليَّ جلالة الملك عبد العزيز في حديثه، وقد زاد جلالته بأن أنشأ مجلسًا للشورى على نحو ما وافتنا به الأنباء الأخيرة، ولعل هذا أَجَلُّ ما استبشر به الحجازيون، وارتاحتْ له سائر الأمم والشعوب ذات الاتصال بالأراضي المقدسة، فلَسَوف يكون من شأن هذا المجلس العمل على نشر العلم، ومحاربة الأمية، وتقوية أسس المعاهد، وأهمها «المعهد السعودي» الذي تُلقَّن فيه العلوم الدينية والعمرانية الراقية التي يقوم بتدريسها جماعةٌ من أفاضل الأساتذة المصريين والسوريين، وكذلك فإنه على الرغم من المنشآت الصحية التي أقامها — أخيرًا — الملك عبد العزيز، وأنفق في سبيلها الأموال الطائلة، فإن المأمول على يد مجلس الشورى الجديد أن تزداد العناية في هذه الناحية، والإكثار من المستوصفات ومخازن الأدوية، وإعداد الأطباء الأخصائيين في مختلف الأمراض، كذلك قُلْ بتسهيل سبل المواصلات وتعميم المحافظة على الأمن العام.
الأمير فيصل
ولما كان جلالة الملك عبد العزيز بحكم اضطراره لمباشرة شئون نجد على الأخص، ولأنه في الواقع لا يريد أن يحصر همَّه في إدارة شئون الحجاز، فقد اقتضت حكمته أن يولي سمو الأمير فيصل ثاني أنجاله بمثابة قائمَّقام له في إدارة حكم الحجاز بعد أن آنَسَ من تعلُّق الحجازيين بذاته، وميل الشعب الحجازي إلى تسيير شئون الحكم على مقتضى نظام الشورى، وقد أصاب في ذلك كل الإصابة، فقد أظهر هذا الأمير الصغير السن حكمة الشيوخ ولباقة الحكماء، فجمع القلوب حوله، حتى إن ممثلي الدول الأجنبية الذين خالطوه بحكم مهامهم الرسمية شهدوا له بحدة الذكاء وبُعد النظر ورِقَّةِ الجانب، وكانت رحلته في عواصم أوروبا في خلال الصيف الفائت مما أيَّد حسن ظن هؤلاء وأولئك فيه؛ فنشر دعاية العرب بين أمم الغرب من طريقٍ غير مباشر، وعاد يحمل إلى قومه وبلاده ثقة الأمم المتمدينة بعد أن كان الاعتقاد السائد بينهم أن بلاد العرب يحكمها أناس بعيدون عن المدنية مجرَّدون عن صفات التهذيب الإنساني.
الحج ومراسيمه
ومما يُذكر حيال الحج ومراسيمه أن جماعات المطوفين كانوا إلى ما قبل حكم الملك ابن السعود في الحجاز أشبه بجماعات التراجمة الذين يصاحبون السياح الأجانب في مصر، فيمثلون معهم شتى ضروب القبائح، ويرسمون أمام أنظارهم أشنع صنوف المُوبِقَاتِ، ويصورون لهم الأمة المصرية تصويرًا ذميمًا ممَّا حمل الصحافة المصرية في الأيام الأخيرة أن تطلب من الحكومة المصرية الوقوف في وجههم ومصادرتهم، وسن اللوائح لإيقافهم عند حَدِّهِم؛ محافظةً على كرامة مصر وسمعتها.
وقد كان أولئك المطوفون يتلقَّفون الحجاج، ولا سيما بسطاؤهم، فيبتزون أموالهم ويلقنونهم أقوالًا خرافية منافية للشرع والعقل معًا، مثال ذلك: أن يمسك أحدهم بحاج ساذج ويلقنه العبارة التالية بصوت خافت على باب الحرم الشريف، كأنما هو ينزل عليه آية من السماء، وهذا هو: «اللهم إني نويت إعطاء مطوفي مبلغ كذا من المال بنية الله ورسوله!» فإذا ما نطق الحاج بهذه الكلمات حسب أنها سُجِّلَت عليه في لوح مسطور لا سبيل إلى نقضه بحال، حتى إذا فرغ من طوافه أدى ما تعهد به لذلك المطوف المحتال بغير إمهال، وهكذا دواليك. وأكثر منه ممَّا كان يجري في السر والعلانية، وقد يكون بعضه ما يُغضب الله ويندى له وجه الآداب. أما الآن فقد قضى نظام الحكم الجديد على تلك المظالم والبدع السخيفة، ووُضع أولئك المطوفون تحت مراقبة شديدة، فإن أقل شكاة يرفعها أحد الحجاج ضد أحدهم تكون كافيةً لإبعاده عن حظيرة المطوفين.
أما مشكلة الأمن العام التي كانت هي في الواقع أم المشاكل، ورأس كل الخطايا ممَّا كان يحسب له المسلمون الراغبون في حج بيت الله الحرام أكبر حساب، فقد كانت في طليعة المشاكل التي استطاعت الحكومة الجديدة حلَّها على أهون سبيل، فمنذ حلَّ حكم الشرع محل القانون المدني والجنائي، وأدرك دعاة الشر والإجرام ما هو حكم الشرع حيالهم، نزعوا عنهم ثيابهم، وغسلوا أيديهم من أوزار الماضي، ووضعوا أنفسهم رَهْنَ ما يقضي به حكم الشرع إذا ما حدَّثتهم نفوسهم بمخالفة ما تقضي به هاتيك الأحكام، فكان أهم ما انقطع دابره تلك الفعلة المشئومة التي كان يلجأ إليها أشرار البدو الحجازيين، ولا سيما رجال قبيلة عُتَيْبة وبني هذيل وحرب، الذين كانوا يستدينون الأموال من بعضهم بعضًا على أن يقوموا بسدادها من أسلاب الحجاج وما يغنمونه من أموالهم؛ فقد عمد الملك عبد العزيز — فوق اعتماده على إنفاذ حكم الشرع — إلى بسط يده بالإحسان إلى فقراء هؤلاء البدو، وبذلك أَمِنَتْ القوافل التجارية على ما تحمله من بضائع وسلع مهما بلغت قيمتُها، وأَمِنَ الحجاج كذلك على أرواحهم ومَتَاعِهِم، يدلك على ذلك أن رجال المحمل المصري عندما سافروا في العام الماضي أثبتْ سعادة أمير الحج في تقريره لولاةِ الأمور أن عصابات البدو التي اعتادت غزو المحمل ورجاله لم يَبْقَ لها أَثَرٌ في الحجاز، وفي هذا العام سافر الحجاج المصريون وعادوا دون أن يصيبهم أقل اعتداء، حتى قال لنا أحد الحجاج: «إن امرأة مصرية تستطيع أن تبرح مصر بمفردها وتقصد إلى قلب الحجاز وتقوم بفريضة الحج ثم تعود دون أن يصيبها أقل مكدر.» والظاهر أن استقرار حالة الأمن حملت أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصري على التصريح رسميًّا بأن المحمل وحرسه أصبح بدعة يجب إبطالها، وقد تألفتْ لجنة خاصة للنظر في هذه المسألة
على أن هناك رأيًا آخر، هو أنه إذا استقر الرأي في نهاية الأمر على منع سفر المحمل فليس من العدل أن يُحْرَمَ فقراء الحجاز من المَبَرَّاتِ وخيرات الواقفين التي اعتادت مصر إرسالها إلى الحجاز من قديم الزمان، ولعل ذوي النظر البعيد من ولاة الشأن في مصر سيراعون هذه النظرية بما تستحقها من العناية والاهتمام.
مصر في الحجاز
إن مصر لَتَتِيهُ فخرًا بين أمم الإسلام التي تحج الحجازَ بوجود التكية المصرية والمستشفى المصري التي يخفق عليهما العَلَم المصري على الدوام بصورة تُشعر العالم الإسلامي أن مصر ذات الأثر الخالد والمجد التالد في المكرُمات، السبَّاقة إلى رعاية حقوق الإنسان، لها ذلك الأثر الناطق على مقربة من أشرف مكان يهتدي إليه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فلقد هزَّني الفخر بحق عندما زرت دار التكية المصرية التي يديرها مواطننا الفاضل إبراهيم صبحي نجاتي أفندي، وأَلْفَيْتُهَا لا تختلف عن إحدى إدارات الحكومة المصرية بالقاهرة نظامًا، ورجالها يقومون بتوزيع الطعام من خبزٍ ولحم وأرز على جيش من البؤساء والمعوزين صباح كل يوم، فتسمع أصوات ذلك الجيش وهم ينصرفون تتصاعد بالدعاء لمصر وجلالة مليكها، وماذا أقول في ذلك المستشفى الذي يضم بين جدرانه مئات المرضى بمختلف الأسقام والأدواء وهم يُعَالَجُونَ بمزيد العناية والرفق، وتُصرف لهم الأدوية والعقاقير والأطعمة الصحية بسخاء عظيم، أضف إلى ذلك عناية حضرة الدكتور البارع عبد الهادي بك خليل، الذي يواسي المرضى برقته، ويحنو عليهم بعلمه ورعايته، وعندي أن وجود مثل هذين المعهدين الإنسانيين لَخير من ألف تمثيل سياسي لا طائل منه.