أمراض التعرُّف
كنتُ أركبُ ترام المترو عائدًا إلى مصر الجديدة ذات يوم، وجلس في المقعد أمامي شخصٌ لم أتمالك من تحيته؛ لأنه فضلًا عن زمالته في المدرسة الثانوية فهو صديقي، وهو يعمل محاميًا مشهورًا. ولم يرُدَّ هذا الشخصُ التحيةَ بأحسنَ منها أو بمثلها، ولكنه ردَّها ردَّ متجاهلٍ كأنه لا يعرفني، فعجبتُ وتأمَّلتُه طويلًا، إنه هو هو هيئةً وقوامًا وشاربًا، فقلت في نفسي لعله شخصٌ قريب الشبه منه، ولكني كلما نظرتُ إليه لم أجد بدًّا من الجزم بأنه صديقي الذي أعرفه، وأنكرتُ إنكاره معرفتي، وأردتُ التأكُّد من هذه المسألة فقلتُ له: ألستَ فلانًا؟ فأجاب كلا، فقلت له: ألست محاميًا؟ فأجاب إنه موظف بإحدى الوزارات.
وكثيرًا ما يحدُث من الخطأ في التعرُّف حوادثُ غير محمودة، فهناك أشخاصٌ ترتفع بينهم الكُلفة إلى حدِّ التبسُّط، فإذا التقى أحدهم بصاحبه احتضَنه وقبله، أو إلى حد الهذر فيضربه أو يشتمه مثلًا، فانظر حرج الموظَّف حين يُفاجَأ شخصٌ بمن يلكمُه أو يزغدُه. وروى لي صديقٌ هذه النادرة العجيبة قال: كنتُ أسهر مع بعض أصدقائي في مقهى حتى منتصف الليل، ولأمرٍ ما أخرجتُ مفتاح منزلي فأخذه مني أحدهم ونسيتُ أن أسترده منه، ثم انصرفنا، وتحسَّستُ المفتاح فلم أجده، فعرفتُ أنه مع صاحبي الذي انصرف وكان أعزب زرتُ منزله مرةً واحدة قبل ذلك بعام، فرجعتُ مع صاحبي ناحية ذلك المنزل، ولكننا دخلنا المنزل المجاور الذي كان يُشبِهه، وصَعِدنا الدور الثالث ونقرنا على الباب، فخرجَت لنا خادمةٌ صغيرة، فقلنا لها: «هل سيدك محمد أفندي موجود؟» فقالت: «نعم، تفضَّلوا.» فدخلنا إلى صالةٍ صغيرة فيها مائدةٌ عليها طعام، ولم تكن بيننا وبين صديقنا كُلفة، ورأينا على المائدة طبقًا فأكلنا من الطعام الذي فيه، ولما غاب صديقنا عن الحضور، صحنا به وهممنا أن ندخل عليه حجرة النوم، وإذا بشخصٍ آخر يخرج وزوجته تُنادي به من الداخل أن يرى رأيه في هؤلاء الأصدقاء الذين يطرقون بابه بعد منتصف الليل. وأصَرَّ الرجل أن يصحبنا إلى قسم البوليس للتهجُّم عليه.
والتعرُّف مُكملٌ للتذكُّر ولا يَعُدُّه العلماء مرحلةً أساسية منه، إذا كانت مراحل الذاكرة خمسًا؛ الحفظ والوعي والاسترجاع ثم التعرُّف والتحديد. ولنضرب مثلًا يُبيِّن هذه المراحل. طالب في المدارس الابتدائية يُعلِّمه المدرس أن دمشق عاصمة سوريا، فيحفظ الطالب هذه الحقيقة، وتستقر في ذهنه وتظل باقيةً في صفحة عقله دون أن ينساها، وهذا هو الوعي. وعند الامتحان يُجيب عن السؤال الآتي: ما عاصمة سوريا؟ إنها دمشق. وهذا هو الاسترجاع. أما إذا جاء السؤال على النحو الآتي: هل عاصمة سوريا بغداد أو دمشق أو بيروت، فأجاب إنها دمشق، فهذا تعرُّف؛ لأنه لا يسترجع اللفظ، بل يتعرَّف عليه. أما التحديد فهو وضعُ ما تتذكَّره في المكان أو الزمان، والتحديد مُكملٌ أيضًا للذاكرة.
وقد تُعقَد بعض الامتحانات المدرسية على أساس التعرُّف لا الاسترجاع، كما بينَّا في السؤال السابق؛ تسهيلًا للطلبة.
وأساس التعرُّف الحفظ السابق؛ لأنك تستعرض ذكرياتك وتُطبِّقها على هذا الشيء الذي تراه أو تسمعه، فإذا حدَث خطأ في التعرُّف كالأمثلة التي ضربناها، فعِلَّة ذلك ترجع إلى أمورٍ كثيرة، إما من الحفظ، وإما من عواملَ أخرى سوف نذكُرها، وقبل بيان هذه العوامل يجدُر تمييز أنواع التعرُّف، وهي تَرتَد إلى نوعَين أساسيَّين؛ تعرُّف الأُلفة، وتعرُّف الحكم، فالأول تعرُّفٌ وجداني، والثاني عقلي.
ومن المشاهد أن الإنسان، والحيوان كذلك، يُحسُّ بإزاء الأشياء التي تحيطه في البيئة التي يُوجد فيها بأحد شعورَين؛ إما ائتلاف وإما نفور وغرابة. وكثيرًا ما يكون هذا الشعور غامضًا لا يستبين فيه المرء أي ذكرى قديمةٍ واضحة، ويحدُث ذلك عندما نسير في الشوارع التي أَلِفْناها والأماكن التي تعوَّدنا الاختلاف إليها. ومعظم الحيوانات تجد لذة في تمضية الوقت في الأماكن المألوفة لها، ومرجع ذلك إلى شعورها ﺑ «الأمن» وابتعادها عن الخطر الذي تريد أن تتجنَّبه. والحق أن الخوف من أهم العوامل في النسيان، كما أنه من العوامل التي تبعث على الابتعاد عن الأشياء وتجنُّبها، ونسيانها أحد مظاهر الابتعاد عنها. وإذا لاحظنا الطفل الصغير الذي يبلغ من العمر ثلاثة أشهر أو أربعة نجد أنه يتميز بهذا الشعور، شعور الألفة الذي يجلب له الأمن والاطمئنان، ولذلك يُقبِل على أمه أو أبيه أو خادمته، ويُشيح بوجهه عن الغُرباء ويَفْزع منهم. وليس ذلك تعرُّفًا عن حكمٍ عقلي، بل عن الصلة الآلية التي تُشبِه الأفعال الشرطية. ومن الألعاب التي يُسَر لها الأطفال كثيرًا لعبة «الاختفاء» حين تُخبِّئ منه لعبته أو تُخفي عنه الشخصَ الذي يُحبه، فيبحث عنه ويُسَر عند عودته، وتنبسط له أسارير وجهه.
ومن الأمور التي تُعَد في باب العجائب تعرُّف الكلاب على أصحابها بحاسة الشم. وتستطيع الكلاب البوليسية أن تتعرَّف على المجرمين إذا شمَّت آثار الجريمة، وهناك أبحاثٌ قانونية كثيرة في هذا الموضوع، ولكن جمهرة المحاكم لا تأخذ بهذا الدليل، ولا تجعله قاطعًا؛ إذ قد يخطئ الكلب في تعرُّفه. وإنما يستطيع الكلب أن يتعرف؛ لأنه يحتفظ في ذهنه بالصورة الشمسية ويُطبِّقها على الشخص الذي يجد فيه هذه الرائحة نفسها، ولكننا لا نملك القول بأن الكلب يُميِّز الماضي ويعرفه ويُطبِّق الموجود في الحاضر على المحفوظ في الماضي؛ لأن هذه العملية هي تَعرُّف الحكم الذي يختص الإنسان به.
فالشعور بالألفة شعورٌ عام لا يغوص فيه صاحبه مع الماضي، وهو يوازي الذاكرة الآلية، أو ذاكرة العادة، ويتصل أغلب الأمر بالأشياء والأماكن لا بالمعاني والألفاظ. وقد قيل إن التعرُّف على الأشياء هو التعامل وإياها، وهذه نظرية السلوكيين في علم النفس، فإذا نظرتَ إلى فنجان عرفتَ أنه صالحٌ أن يُشرب فيه، وإلى قلمٍ أن يُكتب به، وهكذا.
أما تعرُّف الحكم فيحتاج إلى نظرٍ في الماضي، على حين يستعرض تعرُّف الألفة الماضي، فنحن في حياتنا اليومية نتعامل مع أشياءَ كثيرة يكفي أن ننظر إليها حتى نُقبِل عليها أو نُدبِر عنها دون الرجوع إلى الصور الذهنية الماضية عنها. رُوِي عن مرضى يعرفون كيف يصفون الأشياء إذا ذُكرَت أسماؤها ولا يتعرَّفون عليها إذا شاهدوها. ورُوِيَ عن شخصٍ أصبح يجهل الاتجاه في شوارع بلدته التي نشأ فيها، ومع ذلك فهو يعرف أن هذه الطرق شوارعُ وأن الأبنية الموجودة على جوانبها بيوتٌ للسُّكْنى، وأصبح لا يعرف زوجته وأولاده، ولكنه مع ذلك يعرف أن هذه امرأة وهؤلاء أطفال. من أجل ذلك أنكر برجسون — بعد رواية هذه الأمثلة — أنها تدل على «عمًى نفساني» أو على فقدان الذاكرة، ولكنها دليلٌ فقط على نوعٍ من أنواع أمراض التعرُّف يرجع إلى اختلال العادة الآلية؛ ذلك أن الإنسان يتعرَّف على المدينة بأن يسير في طرقاتها مرةً بعد أخرى، ثم يصبح سيره في شوارعها آليًّا، ومن هنا ينشأ الشعور بالألفة.
وانظر إلى الأحوال التي نُضطَر فيها إلى الحكم عند التعرُّف؛ أي استحضار الماضي وتطبيقه على الحاضر. عندما تُضبَط مسروقات أو يعثر رجل البوليس على طفلٍ ضل الطريق، ويذهب أصحاب المسروقات أو أهل الطفل للتعرُّف على هذه المسروقات أو هذا الطفل، يرجع المرء إلى الذاكرة، وبخاصة لأن رجال البوليس لا يكتفون بمجرد التعرُّف، بل يطالبون بذكر علاماتٍ مميزة.
كانت إحدى الفتيات تلعب في حديقةٍ عامة مع إخوتها فوقعَت منها ساعة يد، وعثَر عليها أحد الصبية ممن كانوا يلعبون في الحديقة، ولم يكن يعرف صاحبتها، ولكنه ظن أنها تكون لإحدى هذه الفتيات، فذهب إلى منزلهن يعرض الساعة، ولم تكن صاحبتها موجودة في ذلك الوقت بل أختها الصغيرة التي تبلغ العاشرة من عمرها، فلما سألها عن الساعة وعرضها عليها قالت إنها ليست ساعة أختها لأن ساعتها مُربَّعة وهذه مستديرة، لولا أن سمعَت أمهن الحديث فتدخَّلَت في الأمر وعرَفَت الساعة. أما السبب الذي من أجله أخطأَت الأخت الصغيرة في التعرف على الساعة، فهو أنها كانت تطمع أن يكون لها واحدةٌ مثل أختها، فهي تنفس عليها وتحسُدها وتَوَدُّ ألا يكون لها ساعة حتى تُحرم منها كما أنها محرومة كذلك.
فهذا نسيانٌ يرجع إلى تخيُّل صورة تُخالف الصورة القديمة.
ويُعلِّل برجسون أمراض التعرُّف بأمرَين؛ الأول نسيان الصور الذهنية الماضية، والثاني انحلال الرابطة التي تربطُ بين تلك الصور وبين غيرها. والواقع أن الذكريات الماضية لا تكون مفردةً منعزلة بل يرتبط بعضها ببعضها الآخر، إلى حد أن الفكرة التي تتكوَّن عندنا عن شيء من الأشياء تتم شيئًا فشيئًا بعد إضافة صُورٍ عدة عن الشيء الواحد، فأنت تعرف زيدًا من الناس لأنك رأيته في أوضاعٍ مختلفة وفي هيئاتٍ عدة، فهو مرةً جالس وأخرى قائم، وتارةً لابس وتارةً غير لابس، وفي حين باسم وفي حير آخر عابس، ومع اختلاف هذه الهيئات كلها تعرفه وتُميِّزه دون غيره، فأنت حين تتذكَّره، أو حين تتعرَّف عليه، لا تستحضر في ذهنك صورةً ماضية عنه بالذات. وكذلك الحال حين تنظر إلى شجرة فتقول هذه شجرة، وحين تنظر إلى قطة فتقول هذه قطة وليست كلبًا. وليس معنى ذلك أنك تستحضر في ذهنك صورة قطةٍ معينة بالذات أو صورة شجرة بالذات.
والذي يعين الإنسان على إدراك هذه المعاني الكلية، أنه يخلع عليها ألفاظًا تتركَّز فيها، على خلاف الحيوان غير الناطق.
واللفظة وعاء أو لباسٌ للمعنى، ولها شخصيةٌ مستمدة من شخصية الأشياء التي تدُل عليها، ولكن الألفاظ أصواتٌ ليست مادية كهذه الشجرة أو هذه القطة أو هذا الكلب. ومع ذلك فقد ظن قوم أن الألفاظ المنطوقة مادية، وأنها تحضُر في صفحة الذهن كما تُسجَّل الأصوات على صفحة الأسطوانة ثم تُسمَع بعد ذلك في الجراموفون. وهذا تشبيهٌ قديم ساد في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن برجسون وغيره اعترضوا عليه اعتراضاتٍ كثيرة، فقالوا: إن كانت الألفاظ مُسجَّلة على هذا النحو، فلماذا تسقط لفظةٌ واحدة من بين العبارة المحفوظة؟ ولماذا تُنسى لحظة ثم تظهر لحظةً أخرى؟
وكما يتعرَّف الإنسان على الأشياء المحسوسة وعلى الأماكن التي تحيطه في البيئة التي يُوجد فيها، كذلك يتعرَّف على الألفاظ والمعاني التي تُعرض عليه. كنتُ في مجلس وجاء ذكر هذه الآية على سبيل الاستشهاد مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب: ٤) فقلتُ هذا حديثٌ شريف، فقال صاحبي بل إنه آيةٌ قرآنية، وأصرَّ على رأيه، وأصررتُ على رأيي، فلما عُدتُ إلى منزلي راجعتُ المسألة فاتضح لي فسادُ تعرُّفي، ووجدتُ أنه آية وليس حديثًا. وأخذتُ أُحلِّل نفسي كيف وقعتُ في هذا النسيان، فرأيتُ أنه يرجع إلى تخليط في الحكم بين خصائص الأسلوب القرآني وأسلوب الحديث النبوي. ومعظم أخطاء التعرُّف ناشئة من الخطأ في الحكم مع ضعف الحفظ.
ولا ريب في أن سوء الاكتساب وضعف الحفظ أول أسباب الخطأ في التعرُّف. مثال ذلك أني أذهب بين حين وآخر إلى الريف، وألتفِتُ إلى هذه البيئة الجديدة فأرى فيها مجاريَ للمياه يُسمُّون بعضها ترعًا وبعضها الآخر مصارف، فالترعة مجرى من الماء العذب الذي يستمد أصله من النيل وهي التي تَرْوي الأرض، والمصرف مجرى من الماء يتسرَّب إليه الماء من الأرض بعد ريِّها، وكلاهما مجرى من الماء. وقد يكون أحدهما مجاورًا للآخر، كل ما في الأمر أن المصرف أعمق من الترعة وأن جانب المصرف يبدو عليه بياضٌ من آثار الملح. ومع ذلك فإني لا أزال أخلط بينهما، على حين أن الفلاح يتعرَّف عليهما بكل بساطة، فهذا الخطأ ناشئ عن ضعف العلم بحقيقة الترعة والمصرف. ويُشبِه موقفي من شئون الريف على وجه العموم موقف خادمة من الريف طُلب منها أن تُحضِر الكتاب الموضوع على المكتب فأحضَرتْ بدلًا منه كرَّاسة. الحق ليس التمييز بين الترعة والمصرف أمرًا عسيرًا يصعُب اكتسابه، ولكن المسألة ترجع إلى الميل والاهتمام أو إلى ما يذكره برجسون وهو «الانتباه»، وعنده أن الاسترجاع، وكذلك التعرُّف، دورةٌ تبدأ من الانتباه ثم الإدراك ثم التصوُّر ثم الحفظ ثم الاسترجاع ثم التعرُّف.
وهنا يُوحِّد ريبو بين التحديد والتعرُّف، ويذهب إلى أن التعرُّف ناشئ عن غموض التحديد، فأنتَ تقول إذا رأيت وجه شخصٍ: «يبدو أني رأيتُ هذا الوجه من قبلُ.» ثم تبحث عن الزمان الذي رأيتَه فيه، والمكان الذي التقيتَ به، فتعجز عن ذلك. فصعوبة التعرُّف راجعة إلى العجز في التحديد.
ويُرْوى أن الشاعر روجرز عندما بلغ التسعين من العمر، كان يتنزَّه في عربة مع سيدة سألَتْه عن سيدةٍ أخرى لم يستطع أن يتذكَّرها، فأوقفَ العربة ونادى على الخادم وقال له: هل أعرف السيدة فلانة؟ فأجاب الخادم بالإيجاب. ومرَّت عليهما لحظةٌ مؤلمة، ثم أخذ يدها بين يدَيه وقال لها: لا تقلقي يا عزيزتي، لم أصل بعدُ إلى الحد الذي أُوقِف فيه العربة لأسأل هل أعرفك أو لا.
وعندما نُحسُّ بالعجز عن التعرُّف، كأن نُقابل شخصًا وننسى وجهه أو اسمه، نعود بالذاكرة إلى الوراء نُفتِّش أين رأيناه أول مرة، فنُحدِّد مكانه وزمانه، ونربط بينه وبين غيره ممن نعرف. وفي ذلك يقول وليم جيمس: «كلما برزَت لنا تجربةٌ مجردة عن موضعها في الزمان، يصعُب علينا ألا نعتقد أنها من اختراع الخيال، ولكنها تُصبحُ قطعةً من الذاكرة وتتحدَّد الذكرى شيئًا فشيئًا كلما أحاطت بها روابطها الماضية، وكلما أصبحَت هذه الروابط أكثر تمييزًا. دخلتُ يومًا عند أحد الأصدقاء، ورأيتُ صورةً زيتية معلقة على حائط حُجرته، فأحسستُ أول الأمر إحساسًا غريبًا؛ لا ريب أنني رأيتُ هذه الصورة من قبلُ في مكانٍ آخر، ولكن أين؟ وكيف؟ لم أستطع قولًا. وظل هذا الإحساس بأنني رأيتُها من قبلُ يطوف بالصورة إلى أن صحتُ فجأة: لقد وجدتُها! إنها نسخة من رسم أنجليكو بأكاديمية فلورنسا. نعم لقد رأيتُها هناك. لقد وجب أن أُحْيِيَ في ذهني خيال أكاديمية فلورنسا كي أتحقَّق من صِدْق الذكرى للصورة.»
فهذه هي الطريقة لتدارُك نسيان التعرف؛ أن تسعى لوصلِ ما تراه بما سبق أن رأيتَه من قبلُ.