الهواجس
وبينما كنت أجول في مراسح الأوهام العقلية، وأطوف في مسارح الخيالات الفكرية، إذ استلمحت شبحًا يتقارب من بُعد، وهو يخبُّ في بطن الغاب غائصًا في غمر الظلال المتكاثف، وما زال يعسف على قدم الإقدام حتى نفذ من تلك الغمرات المدلهمة، وظهر في مرسح الأحلام ظهور القمر من كبد الغمام.
وما برح يتردَّد قدومًا ويتحذر هجومًا حتى رأيته خرَّ لدى العرشين بأسلوبٍ ما به شين، وإذا هو رجل أحرز سمة الوقار، وعلى وجهه تلوح حذاقة الأفكار، فهو ذو جبهة تشير برحابتها إلى تمام العلم والعمل، ونظرات أشد نفوذًا من نبال بني ثُعَل، وكان لباسه جامعًا بين المهابة والاحتشام جمع الحرف بين الصحة والإشمام، ذو قامة لا تغرب عن العامَّة، ورشاقة تتوقد بها النامَّة. أما سِنُّهُ فلم تتجاوز آحاد الخمسين على ما كان يلوح لي ويستبين.
فلما صادفته لحظات الجالسين على مقام السلطنة، بثته أشاير التحيَّة مظهرة دلائل الابتهاج بقدومه، ثم أومأت إليه الملكة أن يجلس حذاها، فتقرب وجلس مستريحًا على ركبتيه، فأوعزت إليه براحة الجلوس ففعل.
وبعد فترة من السكوت التفتت إليه هذه السيدة وقالت له: هل عرفت كيفية نهاية الحرب؟
– نعم قد بلغني أن النهاية كانت انتصارًا لكم، والله يعطي النصر لمن يشاء.
– ولكن بعد موقعتين يحكيان العُوَيْرض بما تكلفناه من تعبٍ شاق، لا راحة إلا بعد تعب.
– ولا نعيم إلا بعد شقا.
– وهل بلغك أن ملك العبودية وأعوانه قد أُسِرُوا وطُرحوا في السجن تحت سطوتنا بعد أن أدرنا عليهم رحى المنايا وأمطرنا على هامهم البلايا؟
– لا، لم يبلغني أمر الأسر.
أجاب بدون عبء: نعم هكذا تم الأمر. وقد أنفذوا إلينا عرض حالٍ ينطوي على ترك التمرد والعصيان، والوعد بعدم الرجوع إلى زرع الخلل في نظام مملكتنا، نادمين على ما اجترموه ضدنا، ومسترحمين منا أن نطلق سجنهم ونفك أسرهم.
– لا شك أنه يجب إجابة استرحامهم. أجاب الفيلسوف رافعًا كتفيه: ولا ينبغي معاملتهم بالقساوة حذرًا من ملامة العموم.
فقاطعه الملك بعد صغيٍ وإمعان قائلًا: إن الأمارات التي بها نهجوا سبل التوحش والعبودية في مملكة التمدن والحرية تستحق النهوض ضدهم بكل قساوة؛ لأنهم أخذوا يسلبون حرية الناس ويزرعون بينهم الخصومات والخرافات، فلو لم تستدركني هذه السيدة بمشورة حكيمة لكنت أنفذت أمرًا بشنق ملكهم وسجن أعوانه وأنصاره مؤبدًا.
هكذا تم الأمر. أجابت الملكة: أما المشورة التي تنازلت عظمة الملك بقبولها هي أننا نستحضر أولئك الأثَمة، ونضع قوانين وشرائع جديدة يسلكون بموجبها، ونرفقهم بنُظَّار من طرفنا، ونمزج عساكرهم بعساكرنا؛ وبذلك نأمن غوائلهم ونستولي على ولاياتهم بالتدريج بدون إثارة الحروب وشن الغارات؛ فنخلص من فخاخ دولة العبودية.
فأطرق الفيلسوف ساعةً ثم رفع عينيه إلى السماء وأخذ يتأمل قليلًا، ثم أدار رأسه يمينًا ويسارًا، وأحاط جميع الغابة بنظره وهو يهمهم بكلام مترادف، ثم أعاد الأطراف ثانية وأسدل على عينيه براقع الجمود حتى صار لبواشق الأفكار فريسة.
فشرعت الملكة تتأمل في هذه الظواهر مندهشة كأنها ترى مشهدًا عجيبًا، وأخذ الملك يفاوض العدل والحلم، وما كان إلا كلمح البصر حتى نبر الفيلسوف من هواجسه، وقال: لم أفهم معنى الخلاص من دولة العبودية، وهل يمكن أن يوجد لأحد خلاص منها؟
أجابت الملكة: كيف لا يمكن ذلك؟ وهل يخفاك فعل المدافع والبنادق؟
إنني لا أرى وسيلة يمكن بها الخلاص لأحد من لزوم التعبد، على أنني أرى جميع الطبيعة مربوطة بسلسلة الاستعباد بعضها لبعض، أجاب الملك: وكيف ذلك؟ وهلَّا يوجد حرية في العالم؟
– لا.
– ولا يوجد طريقة بها يحصل الإنسان على شبه الحرية لكي ينال لذةً؟
– نعم يوجد.
– أوضح لنا ذلك.
وهكذا لا تبرح طيور أفكاره تحوم على دوحة الطبيعة، وأقدام آماله تعدو في ميادين العالم حتى تنتصر أخيرًا على جميع قواته كل تلك الأكوان، وتزجه في أودية العدم حيثما تحيط به ظلمات الفناء وتكتنفه غمرات السكوت، بعد حياة قد تقضت بالتعبد لكافة الحادثات، وجرت تحت رق المصائب والأتعاب والأمراض، خاضعة لقويٍّ مقتدر أو ضعيف مستتر حسبما تقتضي الغاية أو الضرورة؛ فلا حرية إذن للإنسان.
وهكذا تجري على هذا المجرى سائر الموجودات، أما ترى الحيوان القوي كيف يستعبد الضعيف؟ أما ترى أن كل الحيوانات كيف تسترق لخدمتها جميع جماهير الوجود النباتي؟ أما ترى كيف تجمع القوات الجاذبة ما بين المفترقات العنصرية وتخضعها لسلطان الاجتماع والتراكم تحت عبودية الفواعل الكيماوية وأسر قوات التماسك؛ بحيث لو أمكن للعناصر الهيولية أن تأخذ حرية الانفراد لما أمكن قيام النظام الطبيعي أصلًا؟ أما ترى كيف تدخل السيارة في سلطة الثوابت؟
قم بنا لنطير في أجنحة التصوُّرات ونرتفع ببخار الأفكار إلى سماء الحقيقة. وهناك أريك كيف أن هذه الكرة الأرضية تظهر لنا عن بُعد سابحة في أعماق الفضاء وهي تدور منحنية على نفسها كشيخ أحنت ظهره أثقالُ السنين، وكيف أن هذا الجرم العظيم منقاد بسلاسل سرية إلى الخضوع لنظام الفلك الشمسي بحيث لا يمكن له الخروج عن حدود دائرته المضبوطة بأقطارٍ من تشعشع جاذبية ذلك المركز الثابت. وكيف أن جميع الأجسام المنتشرة على سطحه خاضعة لحكم تقلُّب الفصول والأوقات حسبما يقتضي حلولُه في إحدى جهات تلك الدائرة المنطقية، وكيف أن كل تلك الأجسام نراها ثائرة على بعضها لتدفع عبودية التغلبات حتى نشاهد بينها معامع مهولة؛ فهناك تسمع ضوضاء حرب الجوِّ تضج ضد غلبة المؤثرات، وترعد في آذان الأرض التي نراها تقذف السماء بلهيب غضبها. وعجيج عالم المتحركات يصدع رءوس الجبال العالية؛ إذ تشاهد كلًّا من أنواعه يشن الغارة الشعواء على ضده حتى يهلك الجنس ويباد. فترى أسلحة تتلامع في الشمس وتقعقع في الهواء، وجيوشًا تتضارب على صهوات الخيول تاركة سحب غبارها تغشي وجه السماء، وأياديَ تتجالد وتتقارع، ومخالب تخلب وتجرح، وأظافر تنشب وتهشم، وحوافر ترفس وتصدع، وأجنحة تخفق وتلطم، وذناباتٍ وأفواهًا تلدغ وتلسع.
ومع ذلك فقد يمكن للإنسان أن يحصل على شبه الحرية ويتمتع بلذة الحياة على نوع ما. أما حصوله على الحرية فلا يمكن إلا إذا أدرك أن سني وجوده مهمَا كانت عديدة بالنسبة إلى ما سبقه من العدم وما سيرد عليه ليست إلا كبرق طفيف لمع في ليل دامس. وأن جميع مصائب الدنيا وأكدارها تحيط بهذه الفترة الحقيرة من الحياة التي يجب أن يستثني منها أوقات نومه وطفوليته وشيخوخته، وهي الأوقات التي تعتبر عدمًا. وأن جميع المحيطات به تجتهد في هدم بنيته لتسترد منه ما سرقه من موادِّها بالاغتصاب، ولا تغفر السرقة إلا بالرد الذي هو حكم المغتصب.
فإذا عرف هذا جميعه يعود متحررًا من سلطان الوقائع ومعتوقًا من عبودية الزمان؛ فلا يلبث معرَّضًا للأكدار والأحزان لعدم ميلانه إليها، ولا يوجد هائمًا بالمسرات والملذات لكونه لا يعتبرها، بحيث يرى الجميع بخارًا يتصاعد قليلًا ثم يضمحل. ومن لا يبالي بالألم لا يشعر بمضضه، ومن لا يعبأ باللذة لا يدرك بهجتها.
أما حصول الإنسان على لذة الحياة فلا يقوم إلا إذا طرح ثقل العالم عن ظهره وارتضى بما قسم له من الله لقيام وجوده، خالعًا كل أمارة تجعله عبدًا وأسيرًا لمن يتعالى عليه، وذلك كالحسد والطمع والكبرياء والحقد … وهلم جرًّا. موجهًا أقدامه على هذه الأرض حسبما يهديه الصواب والاختبار، منعزلًا عن الناس ما أمكن، واضعًا لأفكاره ناموسًا يحفظها في قيود الاستقامة والرشد، لاجمًا لسانه عن كثرة الكلام لئلا يحسب تكلُّمه هذيانًا، راكضًا وراء الحكمة والعلم، مُعرِضًا عما يَئُول إلى خراب بصره وبصيرته، كالتهافت على اللذات الجسدية والتمرغ في أوحال التهافت والفساد. ناظرًا في كل لحظة إلى الموت الذي يتهدده على مَمَرِّ اللحظات، عالمًا أن كل نفخة من نفسه مأخوذة من روحه، عارفًا أن القوة الضابطة لأقدامه على سطح الأرض ستكون يومًا ما سببًا لابتلاعه إلى عمقها.
فبهذا جميعه قد يحصل الإنسان على لذة قصوى في مسير حياته؛ إذ يشاهد ذاته محلولًا من جميع وثاقات الأكدار والآلام الأدبية والطبيعية، ومنقطعًا عن كل عالم العبوديات اللازمة والمتعدية.
وإذا تحركت به الأميال إلى مخالطة أشباهه بالنوعيَّة، فعليه باختيار من حسُن وطابَ واجتناب من قبُح وخبُث. على أنه بذاك تنفسد الفطرة السليمة التي هي أصليَّة في الإنسان؛ وبهذا تصلح وتجود وتسمو إلى أوج الكمال.
وإذا اتفق وجوده في مركز بعيد عن دائرة المخالطة الحسنة فعليه بالانفراد بذاته ومخالطة العوالم المحيطة بحواسه حيثما ينال لذَّات لا مزيد عليها ويغتني بها عمَّا سواها.
فإن الإنسان المثقَّف لا يدرك لذةً أعظم اعتبارًا من تلك الملذات التي يدركها عندما ينشر شراع التعقل لسفينة أفكاره، ويطلقها في بحور هذه الموجودات لدى مهبِّ أرياح الحوادث.
هناك نرى غزالة العالم تبرز يومئذٍ من كناس المشارق الذهبية ناشرة أنوار بهجتها على وجه السماء حيثما تعود كافة الخليقة مستبشرةً بلقاها وتخطُّراتها؛ فالجبال تتمنطق بمناطق لجينيَّة، وترفع قممها الغاطسة في غمرات الظلام فاتحةً باعاتها لاعتناق طفحات الضوء. والمياه تتموج بلمعان الأشعة المنبعثة من لدن أبي الأنوار كأنها متسربلة بدروع نارية. والأشجار تمرجح رءوسها لدى بشائر النسيم كذي طرب متموِّجة بأكاليلها العسجدية ذات المنظر البديع. والأزهار تبتسم إزاء وجه الطبيعة نافحة بأطيابها التي تذهب مبشرةً سائر الخلائق بثوران حركة الحياة. والأطيار تغرِّد وتصيح مهللة ومكبرة على أدواحها العديدة ومنازلها المتفرقة، وسائر الحيوانات تأخذ بالحركة والانتعاش.
هناك نهجس بهذه المواد الكونية من أسمى جرم إلى أدنى ذرة، باحثين عن أصولها وفروعها وعلاقاتها ونسب بعضها إلى بعض وغاياتها وأحكامها، ناظرين في كلٍّ من أجناسها حركة متوزِّعة على سائر أنواعه تحت ناموس المناسبة. فالبعض يجمد متصلبًا، والبعض يسيل مائعًا، والبعض ينتشر طائرًا، وهذا ينمو بلا حياة ولا انتقال، وذا يتمتع بالنمو والحياة ولا يتحرك، وذاك يفاخرهما بأسلوب نُمُوِّهِ وحياته وحركته المطلقة والإرادية.
هناك نتصفح هذه الأشياء وتلك الحوادث فنقول إن كلًّا منها له حياة خصوصية تقوم بتدبير وظائفه وحركاته الذاتية، وحياة عمومية تشركه مع بقية الأشياء وتربطه بعللها. ثم لا نرضى فنقول إن الكهرباء هي السبب الوحيد لجمع وتحريك كل العناصر بما أنها روح العالم. ثم لا نرضى فنقول إن سيال الحرارة هو عنصر جميع الحركات والمتحركات، وعليه مدار سببية الحياة والتقنُّم. ثم لا نرضى فنقول إن النور ذاته هو القائم بإحياء وتحريك كل مادة مؤلفة أو بسيطة. ثم لا نرضى فنقول إن شريعة التثاقل التي تثبت أقدام الأكوان في مراكزها وأوضاعها وترشد جميع خطواتها إلى سواء السبيل هي هي ذاتها سبب القيام العام ومبدأ الحركة. ثم لا نرضى فنقول إن الفضاء الغير المتناهي هو ينبوع البداية والنهاية، ومنه أُخذت كل الأصول العالمية وإليه سترجع ثم لا نرضى فنقول إنه يوجد ربٌّ متنزهٌ عن إدراك الأفهام، ذو عناية دائمًا بتدبير عموم تلك المخلوقات، ومنه الحياة كانت وكلٌّ به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كون، وهو محرك الحركات وأصل الكائنات، وإليه مصير الأشياء جميعها، لا إله إلا هو ولا معبود سواه. فحالًا نرضى بهذا المقال ونسحب جميع أفكارنا من مواقع الأوهام والوساوس الغريبة، معانقين عروسة الحقائق وبكر كل برية متمتعين بلذة الحياة وحرية المعيشة.
وبينما كان الفيلسوف مواصلًا خطابه، كان الملك والملكة شاخصَين فيه بأعين يخامرها الذكاء والإصغاء، مستوعبين معانيه بكل اتضاعٍ ودعة، وغب نهاية مقالته جعلت الملكة تقول له هكذا: إننا قد عرفنا عدم إمكان وجود حرية للإنسان، بل ولا لسائر الأنواع، وإن جميع الأشياء لكونها مرتبطة بخدمة بعضها البعض، فهي مقيدة أيضًا بعبودية بعضها للبعض، ولكن عندما تكون هذه العبودية غريبة عن الفائدة أو مضرَّة لصالح الأمور، فالاجتهاد بإبطالها ضرب من اللزوم وقانون صوابي؛ وبِناءً على ذلك: عندما نظرنا دولة الاستعباد تتداخل ما بين شعوبنا تحت طرق مختلفة حيثما لا ينجم عن هذا التداخل سوى الإضرار بهم وفساد طبائعهم السليمة، نهضنا حالًا ضدها وسطونا عليها سطوة إسكندر على داريوس وسجنَّاهم كما علمت.
أما حصول الشخص على لذة الحياة معتوقة من كل حاكم وصافية من كل مكدِّر، فهو أمر لا يمكنه البتة ولو تطبع على تتبع تلك النواميس التي ذكرتها، والتي تصعب في الإجراء بمقدار سهولتها في التصوُّر حسب كل الأعمال الفلسفية؛ لأن التطبع لا ينقلب طبعًا، وما كان هكذا فهو غير لذيذ عند الطبيعة وبعيد عن السهولة، وإذا أمكن الإنسان السلوك — كما أشرت — فلا يكون ذلك إلا لمن وسمته العناية بسمة الانفراد وهذا شاذٌّ، وليس حكم الشاذ إلا الحفظ وعدم القياس عليه.
وعلى كل حال إن الإنسان إذا كان متعبدًا لأحكام دولة التمدن والصلاح، يكون داخلًا في حقيقة الحرية التي تطلبها الواجبات الإنسانية، على أنه إذا كان التعبُّد لازمًا فتلك الحرية ملزومة؛ لأن اعتناق الإنسان واجباته لا يُدعى عبودية، ولكن إذا كان الشخص معتوقًا من رق تلك الدولة فهو يكون بالضرورة داخلًا في عبودية ضدها تبعًا لمقتضى الحال.
ولكون الدخول في أحكام دولة الخشونة والبربرية يفسد أحوال البشر وينثر نظام جمعيتهم، نازعًا عنهم كل الصفات الحميدة والسلوك السليم — وذلك هو الأمر الذي لا يوجد أضر منه لمملكة التمدن والصلاح — وجب علينا دفعًا لوقوع البلبال والوبال فيما بين رعايانا أن نثور على تلك الدولة الآبقة التي إذا لم نمحُ آثارها لم تقم حرية الإنسان المطلوبة أصلًا، وهي الحرية التي لا يمكنك إنكارها مهما رددت الهواجس والأوهام الفلسفية التي لا وجود لها إلا في العقل الذي قد يخطر فيه ما لا حقيقة له في الظاهر.
فأردف الفيلسوف كلامه قائلًا: أنا لم أمنع إمكان الحرية الأدبية بل الطبيعية، ولا شك إنَّا إذا أطلقنا أنظارنا إلى عالم الآداب وتبصرنا بشرائع الحكمة، نعاين أقوامًا أحرارًا وآخرين عبيدًا حسبما تقتضي أحوالهم وكيفياتهم. وعلى كل حال إن الاجتهاد في عتق العبيد وهدم مباني العبودية هو أمر ضروري وواجب.
فطرح الملك أنظاره على الفيلسوف، وقال: إذنْ مشروعنا في محاربة مملكة العبودية واستنقاذ شعوبنا من قيودها لا يستحق الملام.
– كلا، بل هو حسن وواجب يا أيها الملك المعظم؛ لأن الاستعباد مكروه عقلًا وطبعًا، وقد نهض العالم بأسره ضد هذه العادة المستهجَنة وما سواها؛ فحاربوا مَن ظلم واعتدى وأعدوا له سلاسلَ وأغلالًا.