تحرُّكات الملك في المدينة
بعد التاسعة صباحًا بقليل، هبط اللورد سترانلي الشابُّ من ويتشوود الدَّرَج الأمامي لمنزله في البلدة إلى الشارع دونما أي استعجال. كاد مظهر الشاب أن يكون مثاليًّا أكثرَ من اللازم. فقد كانت كلُّ قطعة من زيِّه، بدءًا من قبَّعته اللامعة حتى حذائه المُلمَّع، كما يجب أن تكون عليه بالضبط، لدرجة أنَّ الناظر إليه كان سيظنَّه واحدًا من هؤلاء الأشخاص المُتأنِّقين الذين يظهرون في الرسومات الجميلة التي تُزيِّن متاجر خيَّاطي شارع بوند. وكان واضحًا أنه ممَّن لا يُنجِزون أيَّ عمل مفيد للعالم، وكما قد يقول الشخص العمَلي: لِمَ يَجب على أيِّ شخص دخله أكثر من ٣٠ ألف جنيه في السنة أن يفعل أي شيء؟ كان الملل البادي على وجهِه، وتدلي جفنَيه، ومِشيتُه المُسترخية غيرُ المبالية التي ميَّزته، تُعلن جميعًا لأي شخص يتمتَّع بدقة الملاحظة أن هذا الشابَّ قد جرَّب كلَّ الأشياء، ووجد أنه لا يوجد شيء يستحقُّ التحمُّس من أجله. فمن الواضح أنه كان شخصًا بلا حماس، فحتى مظهره المثالي الرائع قد يُعزى إلى اهتمامِ خيَّاطه وحرصِه، وليس إلى بذل أي مجهود من جانبه في التفكير بشأن هذا الأمر. وبالفعل، فإنَّ هيئته الكسولة جعلت الكلمتين «نشيط» أو «حيوي» تبدوان غيرَ ضروريتَين في لغتنا. وقد وجد أصدقاؤه أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يُثيروا اهتمام اللورد سترانلي بأيِّ شيء حتى في سباق الخيل أو لعب القمار؛ لأنه كان يمتلك أموالًا أكثرَ بكثير مما يحتاج إليه، لدرجة أن الربح أو الخسارة لم يُثيرا في نفسه أي إحساس. وإذا كان يتمتَّع بالذكاء، كما كان بعض أصدقائه المقرَّبين يقولون مازحين، فإنه لم يُقدِّم حتى الآن أي دليل على ذلك. وعلى الرغم من تمتُّعه بصحةٍ جيدة، فلم يكن رياضيًّا. كان يطلِق النار قليلًا، ويصطاد فيما نَدَر، ويجيء إلى البلدة خلال موسم الفعاليات الاجتماعية، ويُسافر إلى أوروبا خلال الهجرة القارية، وكان يفعل الأشياء التقليدية دائمًا، لكنه لم يكن يفعلها على نحوٍ جيد أو سيِّئ بما يكفي لإثارة التعليقات حوله. لقد كان التجسيد البشري لوجهة النظر: «لا يوجد شيء يستحق العناء حقًّا.»
وعلى نقيضه، وقف رجل في مثل عمره مُتردِّدًا واضعًا قدمًا واحدة على الدرجة الحجرية السفلية من الدَّرَج المؤدِّي إلى الباب الأمامي لمنزل اللورد في البلدة. لم يكن لملابسه تصميمٌ مميَّز، وبدَت من فرط لا مبالاته بها جاهزةَ الصنع. ودلَّت القبعة السوداء التي ألقاها على رأسه كما اتفق على الغرب الأمريكي أو جنوب قارة أفريقيا. وكان حذاؤه غير مُتقَن الصنع وغير ملمَّع.
وعلى عكس ملابسه غير اللافتة، كان وجهه مميزًا لدرجةٍ لا يَسَع الناظر إليه معها إلا أن يلقي عليه نظرة ثانية؛ فقد كان حليقَ الذقن، ضخمًا وقويًّا، صبغَتْه شمس إنجلترا بدرجةٍ خفيفة من البُني الضارب إلى الحمرة، وكانت عيناه عميقتَين، ثاقبتَين، حازمتَين، بارعتين.
يعلو الشفةَ العليا الرفيعة للورد سترانلي شاربٌ ناعمٌ يحظى بعناية فائقة؛ وكانت عيناه ضعيفتَين ومُتعبتَين، لا يلتمع فيهما الشرر المتَّقد الذي ترامى عليه بحدة من عينَي مُحدِّثه.
قال الرجل: «أستميحك عذرًا، سيدي، ولكن هل أنت اللورد سترانلي من ويتشوود؟»
توقَّف اللورد أعلى الدرج، وردَّ بتكاسل بكلمة واحدة: «نعم.»
«اسمي بيتر ماكيلر، وقد أعطاني صاحب المقام الرفيع جون هازل رسالةَ تعريفٍ لك، قائلًا إنه من المُحتمَل أن أجدك هذه الساعة. ويبدو أنه استخفَّ بنشاطك؛ لأنك بالخارج بالفعل.»
كان في اللهجة المُتبرِّمة التي استخدمها ماكيلر بعض الاستياء، فمن الواضح أن هذا الممثِّل الحديث لعائلةٍ ضاربة في القِدَم لم يَرُقه، لكن الهدف الذي كان يضعه نُصْب عينيه جعله يكتم استياءه، ولو لم تُسعفه اللباقة بما يكفي لإخفاء آثار ذلك الاستياء من كلماته. لو فطن اللورد لهذا الاستياء، فإنه لا يفشي معرفته به في كلماته أو تعبيراته؛ فقد كان مدرَّبًا على نحوٍ مثاليٍّ أكثرَ من اللازم. وساعَدَه على ذلك عدم اكتراثه البتة برأي مُخالطيه. اكتفى اللورد بابتسامة خفيفة حرَّكت شاربه الناعم.
«جاك دائمًا ما يستخف بصفاتي الحميدة، لذلك لن نشغل بالَنا بشأن رسالته التعريفية. علاوة على ذلك، لا يستطيع المرء قراءةَ رسالةٍ في الشارع، أليس كذلك؟»
أجاب الآخر بحدة: «لا أرى أيَّ سبب يُعارض ذلك.»
«حقًّا لا ترى سببًا؟ حسنًا، سأذهب إلى النادي، وربما ستتفضَّل، أثناء سيرنا معًا، بذكرِ سببِ رغبتك في مقابلتي.»
كان اللورد سترانلي على وشْك هبوط درجة أخرى عندما ردَّ عليه الآخر بفظاظة: «لا»، لدرجة أن اللورد توقَّف مرةً أخرى، رافعًا حاجبيه دون أن يشعر؛ لأن الناس بوجه عام لا يُسمِعون اللورد سترانلي كلمة «لا»، وهو لورد ويتشوود الذي يكسب ٣٠ ألف جنيه في السنة.
سأل اللورد: «ماذا تقترح إذن؟» كما لو أن اقتراحه قد استنفد كلَّ احتمالات الفعل.
رد ماكيلر: «أقترح أن تَفتح الباب، وتدعوني للدخول، وتُعطيني ١٠ دقائق من وقتك الثمين.»
زاد اتساع الابتسامة على وجه اللورد.
وقال، بطريقةِ مَن يستمع إلى فكرةٍ مُبتكَرة غيرِ متوقَّعة: «هذه ليست فكرة سيئة.» ثم قال بعدها مباشرة: «تفضَّل بالدخول سيد ماكيلر» وفتح الباب بمِفتاحه، مشيرًا للآخر بأدبٍ للدخول قبله.
دُعيَ ماكيلر الشابُّ إلى غرفة صغيرة على يسار القاعة. كانت بسيطة جدًّا، ومكسوة بألواح من خشب البلوط القديم على نحوٍ موحش، يدخلها الضوء من نافذة واحدة، ومزودة بعدة مقاعد جلدية ثقيلة. في المنتصَف كانت توجد طاولة صغيرة، تحمل زجاجةَ حبر ضخمة بدت كما لو كانت كتلة كبيرة من المعدن الأسود أُلقَيت وهي لم تزَل لدنة على سطح الطاولة، والآن، بعد أن تصلَّبت، افترشت مساحة كبيرة من الطاولة كأنَّها جزء منها. كانت عدة أقلام ملقاة على مفرش، وفي أحد طرفَي الطاولة كان يوجد حامل مثل ذلك الخاص بالأوراق والأظرف، ولكنَّه كان صغير الحجم جدًّا، ويتكوَّن من ثلاثة مستويات، واحدًا فوق الآخر، يحوي ما يبدو أنه مجموعة من بطاقات تعريف؛ ١٢ حزمة صغيرة متراصَّة، أربعٌ في كل مستوًى.
قال اللورد سترانلي بطريقة لطيفة إلى حدٍّ ما: «هذه غرفة مكتب أعمالي.»
نظر الزائر حوله. لم تكن هناك مكاتب، ولا أدراج، ولا الصناديق المعدنية المطلية باللون الأسود حيث تُحفظ المستندات، ولا خزانات، ولا كتب، ولا صور.
«تفضَّل بالجلوس، سيد ماكيلر»، وعندما قبِل الشابُّ الدعوة، وقف اللورد سترانلي أمامه عند الطاولة الصغيرة وحِزَم البطاقات بالقرب من يده اليُمنى.
«والآن، هلا تتفضَّل بإعطائي رسالةَ جاك لألقيَ نظرةً عليها، على الرغم من أنه نادرًا ما يكتب أي شيء يستحق القراءة.»
سلَّمه ماكيلر الرسالةَ في ظرفٍ مفتوح. سَحب اللورد الوثيقةَ ببطء، وضبط نظَّارته، وقرأ؛ ثم أعاد الرسالةَ إلى الظرف، وأعاد الظرف إلى صاحبه.
«هل سأُثقل عليك إن طلبت منك إعادته إلى جيبك، فلا توجد سلَّة للنفايات الورقية في هذه الغرفة؟»
فعل ماكيلر ما طُلب منه، ولكن العبوس الذي علا جبينَه العريض اشتد. بدا أن هذا الرجل العابث وكأنه يُزعجه بأسلوبه الهادئ، وطريقتِه الطفولية المستخِفة. شعر ماكيلر أنه قد ينجح إذا كان في مواجهةِ رجل حقيقي، لكن بدا بالفعل يخشى أنه لن يستطيع استيعابَ هذا القدْر من الاستخفاف؛ لذا بدلًا من الاستمرار في حديثه، جلس يُحدِّق في اللورد سترانلي، الذي تبيَّن أنه أشدُّ تفاهة مما صوَّر له صاحبُ المقام الرفيع جون هازل. لقد كان مُستعدًّا لمواجهة قدْرٍ ما من التفاهة وانعدام المسئولية، لكن ليس هذا القدْر. كسر اللورد سترانلي حاجز الصمت.
سأل اللورد كما لو أنَّ بعض فظاظة خصمه قد تسرَّبت إلى كيانه: «ماذا تُريد؟»
ردَّ الآخر على الفور: «المال.»
تنهَّد اللورد مُجسدًا لأقصى درجات اللامبالاة: «الجميع يريدونه».
اختار أربع بطاقات من الحامل الذي كان بجانبه، واحدة من كل حزمة صغيرة في المستوى السُّفلي. ووضعها على الطاولة أمامه ووجَّهها إلى أعلى.
وقال اللورد مبتسمًا: «أنا لا أكترث بشأن المال.»
اقترح ماكيلر: «ربما لا تحتاج للاكتراث بشأنه وأنت مَن يجني ٣٠ ألفًا في السنة.»
أوضح اللورد: «هذه مُبالغة. لقد نسيت ضريبة الدخل المزعجة للغاية. ومع ذلك، لم أكن أشير إلى المبلغ؛ أردت فقط أن أشرح أساليبي في التعامل مع الأمر. إليك أسماءَ أربعة محامين بارزين في المدينة وعناوينهم. فلا فائدة من أن أدفع لهم رواتبهم وأقوم بهذه الأعمال بنفسي، أليس كذلك؟ ولديَّ بالفعل ١٢ محاميًا بالتمام والكمال، كما يتَّضح من حافظة البطاقات هذه، لكنَّ واحدًا على الأقل من هؤلاء الأربعة سوف يُناسب غرضَنا بلا شك. شركة المحاماة هذه تدير إحدى الجمعيات الخيرية.»
قال ماكيلر: «أنا لا أريد صدقة.»
«بالتأكيد. أنا أشرح لك فحسب. فهذه الشركة تهتم بجميع الأعمال الخيرية في مجموعتنا، مثل: المستشفيات، و— حسنًا غيرها من المؤسسات. وعندما يَرِد إليَّ شخصيًّا طلبٌ له صلةٌ بإحدى هذه المؤسَّسات، أكتب اسمي على بطاقة هؤلاء المحامين وأرسلها. فيوجَّه الطلب لهم. وينظرون في الأمر ويُخلِّصونني من عنائه.» وتابع رافعًا بطاقةً أخرى: «تتعامل الشركة الأخرى مع المؤسسات الخيرية التي تقع ضمن اختصاصنا، مثل: قضاء نصف يوم على شاطئ البحر، وهذا النوع من الأشياء. الآن جئت إلى الأمر الذي يهمك.» استطرد حديثه ممسكًا ببطاقةٍ ثالثة: «تعتني هذه الشركة بالاستثمارات الدائمة»، ثم رفع الرابعة وقال: «بينما تتولَّى هذه أيَّ شيء يتمتَّع بطابَع المضاربة. يتلقَّى مقدِّم الطلب البطاقةَ المناسبة لرغبته. ويزور شركةَ المحامين المحترمة، وإما يقنعهم ويحصل على ماله أو يفشل ولا يحصل على شيء. كما ترى، تجري إدارة أعمالي بكفاءة، وأتجنَّب عبءَ الاستماع إلى التفسيرات التي ربما ليسَت لديَّ العقلية التجارية اللازمة لفهمها. والآن، هلا أخبرتني بالبطاقة التي يُشرفني أن أوقِّع عليها من أجلك؟»
أجاب ماكيلر: «ولا واحدة منها، أيها اللورد. صاحب المقام الرفيع جون هازل قال إنك إذا استمعت إليَّ، فقد أثير اهتمامك.»
ردَّ اللورد بتكاسل، جالسًا بفتورٍ على كرسيه: «هذا محال.»
قال ماكيلر: «هذا صحيح، لقد قال إنها ستكون مهمَّة صعبة، لكنَّني معتاد على الصعوبات. طلبت منك، عندما دخلنا، أن تَمنحني ١٠ دقائق، فهل ستَمنحُني إياها؟»
رد اللورد محتجًّا: «يا إلهي! لقد أمضينا بالفعل ١٠ دقائق على الأقل.»
قال ماكيلر: «نعم، في العبث بالأوراق.»
قال اللورد: «أنا مُعتاد على العبث بالأوراق أكثرَ من الخوض في محادثةٍ مالية؛ أوراق من نوع آخر.»
قال ماكيلر: «هل ستَمنحُني ١٠ دقائق إضافية من وقتك من أجل جون هازل الذي أخبرني أنه صديق لك؟»
«ما علاقةُ جاك هازل بهذا؟ هل ستُشاركه؟ هل يعطي لك معلوماتٍ عني من أجل المال، ثم بعد ذلك تنْزويان في مكانٍ بعيد، وتقسمان المال؟ جاك هازل يُعاني دائمًا نقصًا في المال.»
قال ماكيلر: «لا، لن نقتسمَ شيئًا أيها اللورد. يُضارب السيد هازل في البورصة بالمدينة، ومن المرجَّح أن يجنيَ بعضَ الأرباح إذا تمكنتُ من تحقيقِ ما أُحاول القيام به. لذا، إذا وافقت على اقتراحي، فسيربح، وأنا كذلك، وأنت كذلك لأنك ستحصل على حصةٍ من الأرباح.»
قال اللورد: «لكني لستُ بحاجة إلى المال.»
رد ماكيلر: «لكنَّنا بحاجةٍ إليه.»
قال اللورد: «حسنًا أتفهَّم الأمر. لماذا لا يكتفي جاك بالنزاهة النِّسبية للقمار؟ ما الذي يُريد أن يشغل نفسه به في المدينة؟»
قال ماكيلر: «أظنُّ أنه لا يجني ٣٠ ألفًا في السنة.»
قال اللورد: «هذا مرجَّح جدًّا، مرجَّح جدًّا. نعم، هذا يبدو لي تفسيرًا كافيًا. حسنًا، سيد ماكيلر، سأُعطيك الدقائق العشر، وحاول أن تجعل كلامك بسيطًا قدْر الإمكان. آمُل ألا تُدخِل الإحصائيات فيه. فأنا لستُ جيدًا في الحسابات.»
قال الشاب بوضوح وبلا مواربة: «يعمل والدي سمسارًا للأسهم في المدينة. اسم الشركة ماكيلر وابنه. وأنا الابن.»
قال اللورد: «إنك لا تبدو لي سمسارًا للأسهم، أو بعبارةٍ أخرى، لستَ كما كنتُ أتوقَّع أن يبدو سماسرة الأسهم؛ فأنا لم أقابل أحدًا منهم من قبل.»
قال ماكيلر: «لا، أنا في الحقيقة مهندس تعدين.»
قال اللورد: «لكنَّ سيدي العزيز، لقد قلت للتوِّ إنك سمسار للأسهم.»
رد ماكيلر: «قلت إنَّ والدي هو الذي يعمل سمسارًا للأسهم.»
قال اللورد: «قلت إنَّ اسم الشركة ماكيلر وابنه، وإنك أنت الابن.»
قال ماكيلر: «أنا شريك في الشركة، ولكنِّي مع ذلك مهندس تعدين.»
قال اللورد: «وهل يجعل سماسرة الأسهم أبناءهم مهندسي تعدين؟»
رد ماكيلر: «واحد منهم فعل، والدي رجل شديد النزاهة، وفضَّل أن أكون مهندسًا.» ارتفع حاجِبا اللورد مرةً أخرى.
وقال: «رجل نزيه وسمسار أسهم؟ أنت حقًّا تُثير اهتمامي، على الرغم من تشاؤمي.»
تابع ماكيلر دون أن يولِي اهتمامًا: «تكمُن الصعوبةُ الكبرى في الحصول على تقديرٍ صادق للقيمة الفِعلية لأي منطقةِ تعدينٍ نائيةٍ معروضةٍ للبيع في لندن. وما من عمليةِ احتيال وقعت في مجال التعدين وانخدع بها العامة إلا وكانت مُقترنةً بتقاريرَ هندسيةٍ أعدَّها رجال ذَوو مكانة رفيعة تفيد بأن لمنطقة التعدين قيمةً كبيرة ثم سرعان ما يتبيَّن عدمُ موثوقية تلك التقارير، لذا جعلني والدي مهندسَ تعدين، وقبْل أن يلمَس أيَّ منطقة من هذا النوع أو ينصح عملاءه بالاستثمار فيها، يُجبِر المروِّجين لمنطقة التعدين على إرسالي إلى المنجم وفحصه.»
قال اللورد وبصيصٌ من الفهم في عينيه: «فهمت. يا له من عجوز ذكي! يحمي نفسه وعملاءه، ويوفِّر لك — ابنه — رزقًا جيدًا؛ وذلك على حساب المروِّجين. ممتاز. واصل.»
لأول مرةٍ ابتسم الشاب بيتر ماكيلر. وقال: «نعم، أبي ذكيٌّ جدًّا. إنه من الشمال، ولكنه تعرَّض للسرقة على غيرِ المتوقَّع، وستُقرِّر الساعاتُ القليلة القادمة ما إذا كانت مدخرات حياته ستذهب أدراجَ الرياح أم لا» وتابع وهو يلقي نظرةً سريعةً على ساعته: «في الواقع، سيتحدَّد ذلك في غضون الدقائق الثماني القادمة، اعتمادًا على ما إذا كنتُ قد أثرتُ اهتمامك أم لا.»
قال اللورد: «أكمل.»
«في أوائل العام عَرضت عليه مجموعةٌ مكوَّنة من سبعة نقابيين منطقةَ تعدين تُسمَّى «رد شالوز» تقع في غرب أفريقيا، كانوا مُمولين قَديرين، غير أنهم كانوا عديمي الضمير. بدَت قصتهم في ظاهرِها مُذهلة؛ فقد كان الذهب على السطح، وكانت قيمته تُقدَّر بألفِ ضعفٍ للمبلغ الذي كانوا يرغبون في تشكيل الشركة به. وأرادوا أن يُشاركهم والدي في رأس مال الشركة بمبلغ ١٠٠ ألف جنيه، واشترطوا بَيع الأسهم لا بالاكتتاب العام، بل ببيعها لعملاء والدي في إطارٍ من الخصوصية. وكان المُفترَض عندما تَثبت قيمةُ منطقة التعدين بأكملها أن تُباع أسهم الشركة بمبالغَ طائلةٍ قد تصل إلى الملايين، وأن يحصُل والدي على حصةٍ من هذه الأرباح.»
قال اللورد: «عفوًا على المقاطعة.»
وتابع: «إذا كان ما قاله هؤلاء الرجال صحيحًا، فلماذا لم يُرسلوا شخصًا يجمع الذهب الذي يحتاجونه في سلة، دون الذهاب إلى أيِّ سمسارِ أسهمٍ والدخول في شراكة معه.»
«هذا ما اعتقده والدي أيها اللورد، رغم أنه لم يُصدِّق كلمةً من قصتِهم بالطبع. ومع ذلك، فقد فهِم أن هؤلاء الرجال ليسوا من كبار رجال التعدين؛ لقد كانوا مجرَّد مُموِّلين ومضاربين لا يرغبون في انتظارِ التطويرِ الكاملِ لمنطقتهم التعدينية، لكنَّهم ببساطة كانوا ينْوون — على حدِّ قولهم — فعْلَ كلِّ ما هو ضروري لإقناع العامة بأنَّ منجمهم يفوق في حجمه أكثرَ مناجم منطقة راند إدرارًا للذهب، وبهذه الطريقة ينالون «الذهب»، ليس من بطن الأرض، بل من جيوب البريطانيين؛ ولكن، كما قلت، لم يُصدِّق أيَّ كلمة من قصتِهم. ومع ذلك، فقد وضع الشرطَ المُعتاد بضرورة إرسالي إلى هناك، ووضع الرجالُ السبعة على الفور بين يدَيه المبلغَ اللازم لنفقاتي، وانطلقت أنا في رحلتي.»
سأل اللورد: «لماذا يُنفِق مُمولون عقلاء أموالًا كثيرة وهم يعلمون أن ذلك سيؤدي إلى كشف زيف ادعائهم؟»
«لقد خطرت لي ولأبي هذه الفكرةُ أيها اللورد. لقد فكَّرتُ في الأمرِ بهذه الطريقة: استحوذ هؤلاء الرجالُ السبعة على حقول الذهب من مجموعةٍ من المُستكشِفين أو من مُستكشِف واحد اكتشفها. ومن المُحتمَل أنهم دفعوا القليل جدًّا من المال للمُكتشِف. ربما لم يشتروا الحقولَ بأكملها، ولكن اكتفَوا بحجزِ حصةٍ فيها. ويبدو أن مَن تنازل عن الحصة التي حجَزَها — أيًّا كان — نجحَ في إقناعِ الآخرين بصدقِ ادِّعائه. ولا أعرف ما إذا كانوا قد افتقروا إلى رأس المال الكافي لتطوير المنطقة التعدينية، أو فضَّلوا المخاطرةَ بأموال الآخرين في فتح المنجم، لكن من الواضح أنهم اعتقدوا أن الأمر يستحق إنفاقَ بعضٍ من أموالهم الخاصة وإرسالي إلى هناك، ليحصلوا على رأيٍ يفترضون استقلاليته وصدْقه بشأنِ قيمةِ المنطقة التعدينية. ومهما كان الأمر، لم يكن هناك مخاطرةٌ مالية من المتوقَّع حدوثها. وثبت أن المنطقة التعدينية أكثرُ ثراءً مما قالوا. نادرًا ما يحدث في المدينة أن تفوق قيمةُ أي شيء معروض للبيع السِّعرَ المطلوب فيه بكثير، لدرجةِ أن جماعة الرجال أنفسهم تفاجئوا عندما قرءوا تقريري. تمَّت الترتيبات والتوقيع على الوثيقة قبل مُغادرتي إنجلترا، بأن يُعطيَهم والدي ما لا يقلُّ عن ٥٠ ألف جنيه ولا يزيد عن ١٠٠ ألف من رأس المال العامل لإرسال بعثة استِكشافية، وشراء الآلات، وما إلى ذلك. بيْد أن الجماعةَ اقترحوا حينئذٍ أن تُشكَّل الشركةُ بما يُقاربُ المليون جنيه. أشار لهم والدي إلى استحالةِ الحصول على هذا المبلغ؛ لأنَّ المنطقة التعدينية كانت في منطقةٍ لم يكن معروفًا عنها غناها بالذهب حتى ذلك الحين. ثم مرةً أخرى، لم يكن لمكانتي كمهندس تعدين أيُّ أهمية محدَّدة. وعلى الرغم من أن والدي كان يؤمن إيمانًا مُطلقًا بتقاريري، إلا أنني كنت أفتقر إلى الشهرة في مهنتي، وسيكون من الحماقة مُحاولةُ جمعِ أيِّ مبلغ كبير وفقًا لكلامي غير المدعوم، بل سيكون من غير الآمن نشرُ هذا الاكتشاف بإرسالِ مُهندسين ذوي شهرة أكبر. إلى جانب ذلك، كما قلت، تمَّ التوقيعُ على جميع الأوراق وختْمُها، وأصرَّ والدي الذي كان يتمتَّع بقدْر كبير من عناد أهل الشمال بطبيعته، على تنفيذ المشروع كما كان مُتوقعًا في البداية، لذلك اضطُرَّت الجماعةُ إلى تأجيل سرقتِها لأموال العامة.
كان أجرُ والدي حصةً كبيرة من الأسهم المدفوعة في الشركة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فقد وثق بتقريري كثيرًا لدرجةِ أنه اكتتب بنفسه، ودفع ثمن الأسهم إلى حدٍّ أدَّى إلى تضييق موارده. ومع ذلك، وافق البنك الذي يتعامل معه — وكان المدير يعرفه جيدًا — على الدفع مقابل منطقة «رد شالوز» مقدمًا بمجرد حصولهم على عرض أسعار في البورصة.
وتمَّ طرح الأسهم بنجاح، واكتتب أصدقاء والدي بسخاء استنادًا إلى ثقتهم في قوله إنَّ «رد شالوز» كانت منطقةً جيدة. وبِيع من الأسهم ما قيمته ٥٠ ألف جنيه فقط، وكان ذلك كافيًا لشراء الآلات، وإرسالِ رجالٍ في باخرةٍ مُستأجَرة، ومعهم الموادُّ اللازمة لتشْييد أيِّ مبانٍ وتركيب أيِّ أجهزةٍ من المُفترض أن تكون ضرورية. أما باقي الأسهم فكانت مملوكة للنقابيين باستثناء المبلغ المخصَّص لوالدي كأجر عن عمله. كان من المقرَّر تعييني مهندسًا للمنجم، وذهبت إلى ساوثهامبتون لاستئجارِ باخرةٍ مناسبة، عندما حدث فجأة هجومٌ على الشركة الجديدة. قادت العديد من الصحف المالية هذا الهجوم، قائلة إن الجمهور تعرَّض لتضليلٍ صارخ؛ وإنه لا يوجد أيُّ ذهب أو معادن أخرى على امتداد مئات من الأميال المحيطة بتلك البقعة، وإن كلَّ مَن استثمر في المشروع سيَخسر أمواله. بعد ذلك مباشرة، تخلَّص النقابيون من أسهمهم في السوق، وانخفض سعرها بسرعة.»
قاطعه اللورد: «انتظر لحظة. أعتقد أنني منحتُك أكثرَ من العشر دقائق الموعودة، لكنَّني أعتقد أنني تمكَّنت من متابعتك حتى هذه اللحظة. الآن، أود أن أطرح سؤالًا أو اثنين. ألم يعلم الرجالُ السبعة أن طرْحَ أسهمهم في السوق سيُؤدي إلى انخفاض سعر الأسهم؟»
رد ماكيلر: «بل كانوا يعرفون ذلك جيدًا.»
سأل اللورد: «إذن لماذا قد يرغبون في الانتقاصِ من قيمةِ منطقتهم التعدينية؟»
رد ماكيلر: «لإبعاد والدي وأصدقائه.»
قال اللورد: «كيف يُمكنهم فعلُ ذلك إذا رفض والدك وأصدقاؤه البيع؟»
رد ماكيلر: «في واقع الأمر، باع العديد من أصدقاء والدي أسهمهم. أصابهم الخوف وفضَّلوا الخسارةَ الجزئيةَ على خسارةِ كل شيء. كما ترى، كان والدي قد أودع في البنك كل الأوراق المالية التي كان يمتلكها، ولكن مع الانخفاضِ المستمرِّ لسعر الأسهم، قلَّت قيمتُها أكثرَ وأكثرَ كلَّ يوم؛ في الواقع، أصبحتْ لا تَصلُح للبيع في الوقت الحاضر. وطلب منه البنك وضْعَ المزيد من الأوراق المالية، أو النقد، وإلا فسيَبيع كلَّ ممتلكاته بأي سعر.»
سأل اللورد: «ولكن ألن يلحق الخرابُ بالنقابيين أيضًا إذا لحِق بوالدك؟»
رد ماكيلر: «كلا. عقدَ المموِّلون اجتماعهم السنوي، وعيَّنوا رئيسًا، ومجلس إدارة، وكل شيء، وسيظل أعضاء مجلس الإدارة في منصبهم لمدة عام. وبمجرد أن يتم القضاءُ على والدي وأصدقائه، سيُعيد النقابيون بهدوء شراء الأسهم بسعرٍ أقلَّ بكثيرٍ من السعر الذي باعوها به، وحتى بسحقِهم والدي سيكونون قد جنَوا قدرًا كبيرًا من المال.»
قال اللورد: «يُصيبون عصفورين بحجر واحد، صحيح؟ أليس هناك وجود للامتنان في لندن على الإطلاق؟»
قال ماكيلر: «يؤسفني، أيها اللورد، أنه لا يوجد الكثيرُ منه.»
سأل اللورد: «ما المبلغُ الذي تحتاجه لحماية أسهم والدك؟»
رد ماكيلر: «أعتقد أن خمسة آلاف جنيه تَفي بالغرض.»
قال اللورد: «أنا لا أتظاهَر بأنني أعرف الكثير عن الأعمال، سيد ماكيلر، ولكن يبدو لي أن هذا مجرَّد بداية المشكلات. لنَفترض أنهم استمرُّوا، وخفَّضوا سعرَ الأسهم أكثرَ، ألن يكون عليَّ حينئذٍ أن أضع خمسة آلاف جنيه ثانية في يديك لحماية الخمسة آلاف الأولى؟»
رد ماكيلر: «هذا صحيح، لورد سترانلي، لكنِّي لا أفهم كيف يُمكن أن تنخفضَ الأسهم أكثرَ مما هي عليه الآن. لقد أغلقتْ أمسِ على ٩٢ للسهمِ البالغةِ قيمتُه جنيهًا واحدًا. لكن على أي حال، سيقف البنكُ إلى جانب والدي إن أمكن ذلك. فالمُدير يثق به، على الرغم من أن هذا المسئول يجب أن يقدِّم مصلحةَ رؤسائه بالطبع، لكنَّ حقيقةَ أن والدي يُمكنه دفعُ خمسة آلاف جنيه هذا الصباح ستفعل الكثيرَ للحفاظ على سمعته مع المدير، وفي غضون أيامٍ قليلة سيكون لدينا الوقت لتغيير دفةِ الأمورِ لصالحنا. لقد قابلت بالفعل مُموِّلًا أو اثنين، وأخبرتهم عن المنطقة التعدينية، لكنهم يُراعون اعتبارات المدينة، وقد رفضوا ما يعتبرونه محاولةً لتحميلهم الخسارة. لذلك قصدت السيد هازل، وطلبت منه أن يعرِّفني بأحد الأثرياء الذين يجهلون كيفية سير الأمور في المدينة.»
لأول مرةٍ خلال المقابلة، انحنى اللورد إلى الوراء وضحِك قليلًا وقال:
«أنت تُعوِّل على جهلي إذن؟»
رد ماكيلر: «كلا، اعتقدت أنه ربما يُمكنني إقناعك.»
لم يقُل اللورد ما إذا كان يصدِّقه أم لا، لكنه ضغط على زرٍّ أسفل المكتب، ودخل إليه رجل ذو وجه وقور، وقف مثل التمثال، في انتظار الأوامر.
قال اللورد: «بيركنز، هلا تُحضر لي أربعة دفاتر شيكات؟»
فجاءه الرد: «حسنًا أيها اللورد.»
أردف اللورد: «بيركنز، أخبر هنري أن يكون على الباب بسيارتي الحمراء في غضون ست دقائق.»
رد بيركنز: «حسنًا أيها اللورد.»
غادر الرجل وعاد بعد لحظات قليلة، ووضَع على المكتب أربعة دفاتر شيكات رقيقة جدًّا، ثم خرج أخيرًا دون أن يُصدِر أيَّ صوت كما دخل.
قال اللورد لماكيلر: «دفتر الشيكات العادي، يُشوِّه معطفَ المرء عند وضعه في الجيب الداخلي؛ لذا طلبتُ صنْع دفاتري بشيك واحد فقط في الداخل. سأَكتُب لك الآن شيكًا بخمسة آلاف جنيه، حتى لا أحتاج إلى حمل غلاف الدفتر معي.»
بتروٍّ كبير، كتب اللورد الشاب شيكًا، وقطعه من الدفتر، وسلَّمه لماكيلر.
وقال: «سأُقرضُك هذا المبلغ، لكنِّي لا أعتقد أنه سيأتي بفائدةٍ تُذْكر.»
رد ماكيلر: «أنا مُتأكِّد تمامًا من أنه سيَحمي أسهُم والدي، أيها اللورد، ولأنني متأكد من أن الأسهم ستُساوي ١٠٠ سوفرن للجنيه، إذا قبِلت نصف أسهم والدي مُقابل هذا الشيك، يُمكنني أن أعدك بأنك ستَجني من وراء ذلك أكبرَ دخلٍ حقَّقتَه في يوم واحد.»
قال اللورد: «لن يكون لذلك تأثيرٌ يُذكَر. بالطبع، كما أخبرتك، أنا لا أتظاهر بالبراعة في الشئون التجارية، ولكن يبدو أن نقطة الضعف في دفاعك تَكمُن في هذا. أمام حكمائك السبعة عامٌ للعب فيه. ألم تَقُل إن الرئيس ومجلس الإدارة انتُخبوا منذ بضعة أيام فقط؟»
رد ماكيلر: «نعم أيها اللورد، هذا صحيح.»
قال اللورد: «حسنًا، ألا ترى أن لديهم ما يقرب من ١٢ شهرًا يُمكنهم خلالها الضغط أكثرَ على أسهمِك. سيملُّ البنك من الاحتفاظ بما يعتبره أوراقًا مالية لا قيمةَ لها، وما لم يتمكَّن والدك من الحصول على ما يكفي من المال لاسترداد كلِّ ما أودعه في البنك، فإنَّ هذه الخمسة آلاف لن تَنجح حتى كحلٍّ مؤقَّت.»
ردَّ ماكيلر: «لا أتَّفق معك أيها اللورد، سأستمرُّ في العمل بجدٍّ من جانبي. سوف أطبع تقريري وأرسله إلى كل مُموِّل كبير في المدينة. سأروي قصة أفعال هذه الجماعة الدنيئة كاملة.»
قال اللورد: «لن يُصدِّقَك الناس يا ماكيلر.»
رد ماكيلر: «لن يُصدقني الكثيرون، ولكن البعض قد يُصدقونني ويُقرِّرون المخاطرةَ بمبلغ صغير من المال لشراء بعضها عندما يلاحظون سعرها الشديد الانخفاض. هؤلاء النقابيُّون أذكياء بما يكفي ليعرفوا أنهم سوف يُثيرون الفضول، وأن مُهندسًا آخر قد يتمُّ إرساله إلى المنطقة التعدينية. لا، أنا مقتنع بأنهم إذا لم يتمكَّنوا من تدمير والدي قبل نهاية الأسبوع المقبل، فلن يُخاطروا أبدًا بما يعرفون الآن أنها منطقةٌ قيِّمة من خلال ترك أسهُمها مُتاحة يُمكن لأيِّ شخص الحصول عليها.»
قال اللورد: «أنت مُتفائل، كما أرى. هذا لأنك صُلت وجُلت كثيرًا، بدلًا من أن تطمح لمنصب والدك.»
في هذه اللحظة وصل خبر وصول السيارة، وقام اللورد ببطء من مكانِه.
وقال: «سأقلُّك إلى مكتب والدك، وأريد منك أن تُعرِّفني عليه. لقد كنت أنظر إلى هذه المسألة فقط من وجهة نظر مهندس التعدين. وأودُّ أن أعرف ما هي وجهة نظر المدينة، وسأحصل عليها من والدك إذا كان رجلًا صادقًا كما تقول. لذلك سنَنطلق إلى المدينة معًا. أظن أنه كلما أسرعت في إيداع الشيك في البنك الذي تتعامل معه، كان ذلك أفضل.»
رد ماكيلر: «نعم، يفتح البنك في الساعة العاشرة، وقد تجاوزت العاشرة الآن.»
بينما كان اللورد يركب مع ضيفه في المقعد الخلفي لسيارة حمراء ضخمة، قال له وهو يبتسم ابتسامةً مبتذلة: «لقد استغرقنا أكثرَ من ١٠ دقائق»، وانطلقت السيارة في اتجاه الشرق.
اصطحب ماكيلر اللورد سترانلي — لورد ويتشوود — إلى غرفة سمسار الأسهُم، فوجداه رجلًا ذا وجهٍ عابس وشعر أبيض، يبدو منهكًا، وينظر إليهما نظرةً مُنكسِرة وهو يجلس إلى مكتبه.
قال الابن على الفور: «حصلت على خمسة آلاف جنيه.»
قال الأب: «إذن أسرعْ بها إلى البنك.»
رد الابن: «سأفعل، فور أن أعرِّفك باللورد سترانلي، من ويتشوود. أستأذنك للانصراف أيها اللورد.»
قال اللورد: «تفضَّل، لقد رغبتُ في عدم حضورك، كما تتذكَّر؛ لأنني لستُ واثقًا في خطتك على الإطلاق»، لكن الشاب كان قد رحل قبل أن يُنهي اللورد جملته.
نظر ماكيلر الأب باهتمام إلى الوافد الجديد، وجلس اللورد لما دُعيَ إلى الجلوس.
قال ماكيلر الأب: «هل حصل ابني على المال منك؟»
رد اللورد: «نعم.»
قال ماكيلر الأب: «إذا كنتَ لا تَثق بخطَّته، فلماذا أعطيته المال؟»
«هذا هو السؤال الذي كنتُ أطرحه على نفسي يا سيد ماكيلر. أعتقد أنه تمكَّن من إقناعي، وعلى الرغم من عزمي على عدم القيام بذلك، فقد أصبحت مُهتمًّا بالقصة التي رواها لي. أعتقد أن النقابيين السبعة لا بد أن يكونوا استثنائيين، أليسوا كذلك؟»
قال ماكيلر الأب: «بل الشيء الاستثنائي هو أنْ أُخدع كتلميذٍ غِر.»
قال اللورد: «لستُ على دراية بأساليب المدينة، سيد ماكيلر، وأودُّ أن أعرف كيف جرَت حالةٌ كهذه. هل يبيع رجالُك السبعة أسهمهم شخصيًّا؟»
سأل ماكيلر الأب: «ماذا تقصد بقولك شخصيًّا؟ إنهم لا يذهبون إلى السوق ويُتاجرون بالطبع.»
قال اللورد: «إذن لا بدَّ أنهم يستعينون بشخصٍ آخر؟»
قال ماكيلر الأب: «إنهم يوظِّفون العديد من السماسرة، وكلهم يعرضون الأسهم للبيع ولا يشتريها أحد.»
قال اللورد: «هل تَعرف هؤلاء السماسرة، سيد ماكيلر؟»
رد ماكيلر الأب: «أعرفهم جميعًا.»
سأل اللورد: «وهل هم أعداء لك؟»
قال ماكيلر الأب: «لا توجد عداوة ولا صداقة في المدينة يا لورد سترانلي.»
قال اللورد: «إذن فمَعارفك المقرَّبون مُستعدُّون لتحطيمك كليًّا من أجل الربح؟»
رد ماكيلر الأب: «بالطبع.»
قال اللورد: «يا له من وكرٍ للوحوش الضارية!»
قال ماكيلر: «نعم، لقد اعتقدت ذلك منذ فترة طويلة، وبالفعل، مع هذه الصفقة كنتُ أنوي الانسحابَ من العمل والاستقرار في مزرعتي. كما ترى، لم أُنشئ ابني الوحيد لهذا العمل، لكن لسوء الحظ تعرَّضتُ للسرقة في اللحظة التي كنتُ أنوي فيها التوقُّف، كما هو الحال غالبًا. كنت أتوقَّع أن امتلاكي لهذا المنجم لن يجعلَني ميسور الحال فحسب، بل ثريًّا؛ لأنَّ لديَّ ثقةً تامَّة في تقرير ابني، ويَقيني بالحصول على ثروة منَعني من توخِّي الحذر الكافي في حين كان يجب عليَّ أن أكون يقِظًا للغاية.»
سأل اللورد: «هل تَعتقِد أن الخمسة آلاف جنيه سوف تحُلُّ مشكلتَك؟»
قال ماكيلر الأب: «لا أعلم. لقد ساد الذعر بين مَن أقنعتهم بالدخول معي في هذه الصفقة، ولكن إذا أفصحتُ عن الأمر بنفسي، فلن تتضرَّر سُمعتي، وأعتقد أنه إذا كان بإمكاني الصمود لمدة أسبوع أو أسبوعَين إضافيَّين، فستتبدَّل الأحوال. لقد سعيت طوال حياتي لتحرِّي الصدق في مزاولة عملي، ولا بد أن يُبرئ ذلك ساحتي عندما يتوقَّف الذُّعر.»
قال اللورد: «هل تقصد، إذن يا سيد ماكيلر، أن انخفاض سعر هذا المنجم تسبَّب في حالة من الذعر المالي في المدينة؟»
قال ماكيلر الأب: «كلا، عندما أقول إنَّ الذعر قد ساد، أعني بذلك فقط أولئك القلائل الذين اشتركوا معي؛ الذين صدَّقوني عندما أخبرتهم أنَّ هذا كان بالنسبة لي من أفضل الأشياء التي قدَّمتها على الإطلاق. إنَّ طرح أسهم «رد شالوز» هو أمرٌ بسيط جدًّا بحيث لا يتسبَّب حتى في حدوث أقلِّ ارتباك في المدينة، ومع ذلك فهو يُهدِّد بالقضاء عليَّ.»
قال اللورد: «قلت إن هناك ٢٠ سمسارًا يبيعون هذه الأسهم، وإنك تعرف أسماءهم. لكن أتعرف أين يعرضون الأسهم؟»
رد ماكيلر الأب: «في البورصة، وفي مكاتبهم، وفي الشارع، في أيِّ مكان.»
قال اللورد: «هل هناك ٢٠ سمسارًا آخرون يُمكنُك الوثوق بهم؟»
رد ماكيلر: «نعم.»
قال اللورد: «لنَفترِض أنه اليوم في الساعة الثانية عشرة بالضبط، ذهب العشرون سمسارًا التابعون لك إلى مكاتب العشرين الآخرين، هل سيجدون في تلك المكاتب شخصًا ما ليَبيع لهم هذه الأسهم؟»
رد ماكيلر: «نعم.»
سأل اللورد: «حتى لو لم يكن الموكِّل هناك؟»
أجاب ماكيلر: «نعم.»
سأل اللورد: «هل سيَتواصَل مجموعة السماسرة بعضهم مع بعض أو مع موكِّليهم قبل البيع؟»
رد ماكيلر: «لا أعلم. سيَعتمِد هذا على التعليمات الصادرة لهم.»
قال اللورد: «ماذا لو رفضوا البيع عند تقديمِ عرضٍ بحُسن نية؟»
«حينها سيَرتفِع السَّهم على الفور، ولن تكون هناك حاجةٌ إلى الخمسة آلاف جنيه الخاصَّة بك. أفهم ما تَعنيه يا لورد سترانلي. تُريد أن تجعل السماسِرة التابعين لي يتظاهَرون بالرغبة في الشراء. لكن سماسرة النقابيِّين السبعة حينئذٍ سيتخلَّصون من الأسهم على الفور، لن يرفضوا البيع.»
قال اللورد: «هذا ما أخشاه، حسنًا، سيد ماكيلر، نفِّذ هذه المهمة، وهي أول مهمة أسندها إلى أحدٍ في المدينة. لقد اعتدتُ أكثرَ على المقامرة في النادي الخاص بي أو في مونت كارلو، لذلك يجب أن أَعتمِد عليك في الاهتمام بالتفاصيل. اخترِ العِشرين رجلًا بهدوء ولكن بسرعة، وأعطِهم تفويضًا مُطلقًا، ولكن اشترطْ أن يقصد كل واحد السمسار الذي ستُحدِّده له، في نفس اللحظة بالضبط. حاول منعَ أيِّ تواصُل بين سماسرة المجموعة إن أمكن، وأْمُر رجالَكَ العشرين أن يشتروا كلَّ أسهم «رد شالوز».»
قال ماكيلر الأب: «ولكن، أيها اللورد، قد يحتاج ذلك إلى مبالغَ طائلة، وسيُصرُّ البائعون على الدفع الفوري.»
رد اللورد: «وسيتمُّ لهم ذلك، سيد ماكيلر. أنا مُقامر بطبيعة الحال، وهذه اللعبة تبهرني، لأَّنني لا أفهمها.»
قال ماكيلر: «أعتقد أنك تَفهم عنها أكثرَ بكثير مما يبدو عليك، أيها اللورد، لكن هذا قد يتطلَّب نصف مليون جنيه.»
قال اللورد: «حسنًا، جهِّز الأوراق اللازمة لحِمايتك. سأضع المال تحت تصرُّفك، ويجب أن يكون لدينا كل الأسهم المعروضة للبيع الساعة الثانية عشرة و١٠ دقائق. كنت قد اعتدت على فترة العشر دقائق في التعامل مع ابنك، لكنَّنا في هذه الحالة سنُعطي هذه المهمة نصف ساعة ونرى ما سيحدث.»
نظر ماكيلر الأب في صرامةٍ إلى اللورد الشاب الأنيق ذي المظهر الجميل والهندام المنمَّق والثقة البالغة، فارتبك الشابُّ بفعل تلك النظرات الفاحصة المسلَّطة عليه من عينين كعينَي الصقر، لدرجةِ أنه خفض عينَيه حييًّا كالفتاة، وتظاهر بنفضِ ذرَّةِ غبار عن ساق بنطاله اليُمنى بالقفاز الأنيق الذي كان يُمسكه بيُمناه.
لا يحتاج المرء إلى أن يكون ضليعًا في الطبيعة البشرية لفهم الإغراء الذي شعر به حينئذٍ سمسار البورصة ذو الشعر الرمادي. كان الأمر كما لو أنَّ حمامةً لونُها بني فاتح تَستعطف نسرًا أصلعَ انقضَّ عليها من عشِّه بين الصخور العليَّة ألَّا ينقض عليها ويعود بها طعامًا لفراخه التي تتضور جوعًا. أو أن حملًا وحيدًا يُفاوض بثُغَائه المتحفِّظ ذئبًا جائعًا. كان ما جرى تجسيدًا لوضعٍ يحلم به رجال المدينة في ليلةٍ هانئة. هنا، في عرين سمسار الأسهم، يدخل ببراءة عضو نادٍ من الجانب الغربي، شخص مِن ذوي الحيثية، فاحش الثراء، يُخفي أسفل الثقافة التي اكتسبها من الجامعات غطرسةً وجهلًا بنفس القدْر. كان هناك طيرٌ سيُنتَف ريشه، ولم يكن ريشه غزيرًا فحسب، بل كان من أغلى أنواع الريش، وانفرَد ماكيلر الفطِن بالضحية تمامًا لنفسه، دون تدخُّل أي شخص ليحميها. ومع أن سمسار الأسهم العجوز كان يَعلم الكثيرَ عن المدينة، فإن ذلك لم يُعفِه من الوقوع في الشَّرَك الذي نُصِب له. أخذ نفسًا طويلًا وأطلق تنهيدةً عميقة قبل أن يتحدَّث.
وأخيرًا قال بصرامة: «لورد سترانلي، من واجبي أن أُحذِّرك من أنك تضع قدميك في مستنقعٍ قد يكون عميقًا جدًّا لدرجةِ أنك ستَغرق فيه. لا يُمكن لأي شخص أن يعرف ماذا تخبِّئ هذه المجموعة في جَعبتها، وفور أن تتورَّط معهم قد يصعب الفِكاكُ منهم، وقد يُجرِّدونك من جميع ممتلكاتك التي سمعتُ عن عظمتها. لقد أعطيتَ ابني شيكًا بخمسة آلاف جنيه وتقول إنك فعلت ذلك لأنك وثقت به. هذا التعبير يمَسُّ قلبي المُتحجِّر، أنا أيضًا أثِق به، وهذه الثقة هي كلُّ ما أمتلك في هذا العالم اليوم. إذا كنتَ ترغب في حماية تلك الخمسة آلاف، فافعل ذلك بإعطائه خمسةً أخرى أو أكثر. ابني هو كلُّ ما تبقَّى لي. أنا أقاتل من أجله أكثرَ من نفسي. ها أنت ذا، في مثلِ عمره تقريبًا، ولكنَّك تفتقر إلى الخبرة تمامًا في التحايل المالي؛ لذلك لا يمكنني السماح لك بالمضي قُدُمًا معصوبَ العينين نحو هذا الاضطراب المالي.»
رفع الشابُّ عينَيه إلى مُحدِّثه، وكانت ابتسامته ساحرةً بشكل فريد. وحلَّت حيوية ممتعة محلَّ التعبير السطحي المعتاد لوجهه.
وقال: «ولكنَّك من ذوي الخبرة يا سيد ماكيلر، صحيح؟»
رد ماكيلر: «نعم، وانظر إلى أين أوقعتْني خبرتي. أنا غارق حتى رقبتي، بل حتى فمي، في هذه الورطة الكريهة؛ وسأكون مُفلسًا بمجرَّد أن يعلن موظَّف البنك ذلك.»
قال اللورد: «هل درستَ في الجامعة، سيد ماكيلر؟»
رد ماكيلر: «لا.»
قال اللورد: «ربما لا تؤمن كثيرًا بالتدريب الجامعي؟»
رد ماكيلر: «لا أومن به البتَّة رغم كوني رجلًا عمليًّا، إنه أسوأ تدريب على الإطلاق لمن ينوي الانخراط في الأعمال التجارية.»
قال اللورد: «في هذه الحالة، سيد ماكيلر، أتردَّد في الاستشهادِ بمثالٍ تاريخيٍّ خطرَ ببالي عندما كان ابنك يتحدَّث معي عن نقابيِّيك السبعة. ونظرًا لأن الحادثة عمرها ٦٠٠ عام، فمن غيرِ المرجَّح أن تثير إعجابَ رجل المدينة العصري. ومع ذلك، كان هناك في يومٍ من الأيام على هذه الأرض مجموعةٌ من سبعةِ رجال أقوى وأهم بكثير من رفاقك. وكان زعيمُهم جاك دو مولاي، القائد الأكبر لفرسان المعبد، والستة الآخرون هم ضباطه الأقوياء الأتقياء. لقد كانوا أناسًا مُتعجرفين، وكانت ثروتهم طائلة. أودع الملوك والنبلاء ثرواتهم لدى فرسان المعبد، الذين كانوا بمثابة المصرفيِّين في ذلك الوقت، وبلغ ثراء المجموعة حدًّا جعلها تُشكِّل خطرًا على العالم. رجالك السبعة التافهون الذين تُحاول تخويفي بهم هم مجرَّد دمًى عديمة الحيلة مقارنةً بعمالقة المال السبعة الذين أُخبرك بشأنهم. وإلى جانب المال، كان يتمتَّع هؤلاء السبعة البارزون بدعمِ قوةٍ مسلَّحة من المحاربين القُدامى، قد يرتعِش أمامهم ملِكٌ بجيشه. لكن فيليب لو بيل، ملك فرنسا، لم يرتعش. واتَّبع مع السبعة قاعدةَ الساعة الثانية عشرة التي أوصيك بها. وقت الظهيرة، يوم ۱۳ أكتوبر عام ۱۳۰٧ (ولاحِظ تكرار رقم ١٣ المشئوم) قُبِض على كل فرسان المعبد في فرنسا. لم يمنحهم أيَّ فرصة للتواصُل بعضهم مع بعض. كان جيش فرسان المعبد بلا حول ولا قوة. وأصبحت ثروتُهم تحت رحمة الملك. وحُكم على السبعة المكوِّنين للمجموعة بالإعدام حرقًا في باريس.
أتخيَّل أن ابنك ظنَّ أني فقدت انتباهي مرتين أو ثلاث مرات أثناء سرد قصته. رأيتُ التصميم يعلو وجهه كأنه يقول: «سأُثير اهتمامَ هذا الرجل على الرغم من بلاهته.» لكنَّني كنت أفكِّر في التزامن الرائع لتصرُّف الملك، ولا يُساورني شك في أن ماكيلر حذَّره من خطرِ تورطه مع فرسان المعبد. وشعرت برغبةٍ شرِّيرة لتجربة هذه الطريقة التي تعود إلى ستة قرون — أو حركة الملك، كما نُسمِّيها في لعبةِ الشطرنج — في منطقتنا المالية الحديثة واليقظة. لديَّ بعض السيولة النقدية في البنك، ولستُ بحاجة لبيع أيِّ أوراق مالية. على مدى السنوات العشر الماضية، كان دخلي ٣٠ ألف جنيه سنويًّا، ونادرًا ما أنفقتُ أكثرَ من خمسة آلاف من هذا المبلغ في عام واحد. سيارتي أمام باب منزلك وتحت تصرُّفك. أنت وأنا سوف نقود السيارة أولًا إلى المصرفيِّين الذين أتعامل معهم، ونُرتِّب الأمورَ حتى لا يكون هناك أيُّ تأخير فيما يتعلق بالنقود؛ ثم سأستقل سيارة أجرة إلى النادي الخاصِّ بي. رقم الهاتف ۱٥٧٦۰ مايفير. فقط دوِّن ذلك، من فضلك. والآن، أيُّ أسهم «رد شالوز» تُباع هذا الصباح؟»
رد ماكيلر: «فُتحت بسعر شلنين وسبعة بنسات على سهم الجنيه، لكنها خسرت عدة نقاط منذ ذلك الحين.»
قال اللورد: «حسنًا، ستَشتري بضع مئات الآلاف من الجنيهات كميةً لا بأسَ بها من الأسهم التي تبلغ قيمتها شلنين وستة بنسات، وإذا تصرَّفنا في وقت واحد، كما هجَم الملك، فسنَحصُل على كل شيء قبل أن يرتفع سعر الأسهم. هيا يا سيد ماكيلر، ليس هناك وقتٌ لنضيعه. إذا نَظَّمت هذه الهجمة في صمتٍ وفعالية، فسوف تُظهِر للسبعة المتوحِّشين أن الرجل العجوز ما زال على قيد الحياة حتى الآن.»
الساعة الواحدة و١٠ دقائق من ذلك اليوم، توقَّفَت سيارةٌ حمراء كبيرة أمام نادي كامبرداون في بول مول، وخرج منها ماكيلر مع ابنه. التقى بهم اللورد سترانلي في القاعة والبُرود وانعدام الحماس باديان عليه، لكنه كان قادمًا من عند جهاز التسجيل الذي كان يُعلِن أن «رد شالوز» كانت تقفز نحو القيمة الاسمية. قادَ اللورد سترانلي زوَّاره إلى غرفة الغرباء، التي كانت فارغة، وأغلق الباب.
قال ماكيلر: «حسنًا، أيها اللورد، لقد باع هؤلاء الحمقى حوالي ٥٠ ألف سهم أكثرَ مما هو موجود بالفعل.»
رد اللورد بتكاسل: «يبدو لي، على الرغم من أنَّني لا أعرف شيئًا عن أساليب المدينة، أن مثل هذا البيع المُفرِط أمرٌ غير حكيم.»
صاح ماكيلر الشابُّ ورفع قبضته الضخمة في الهواء وضمَّها بقوة بحركةٍ تشبه الضغط الهيدروليكي: «غير حكيم! بل أصبحوا في قبضتك، يُمكنك تحطيمهم، لا يُمكنهم الصمود. لم يخسروا المنجم فحسب، ولكن يُمكنك تدميرهم بوضعِ أيِّ سعر تُفضِّله على الأسهم التي قاموا ببيعها ولا يمكنهم توفيرها.»
أكَّد ماكيلر العجوز، وهو يومئ برأسه: «هذا صحيح، ولم يستخدم البنك شيكك البالغ خمسة آلاف جنيه.»
قال الشاب مُبرِزًا الشيك: «ها هو ذا.»
قال اللورد سترانلي، وهو يضع الورقة في جيب صدريته: «آه، حسنًا. لنكن شاكرين أنكما أتيتما في الوقت المناسب للانضمام إليَّ في وجبةٍ ممتازة. كنتُ أتوقَّع مجيئكما، وقد طلبت غداءً فرنسيًّا على شرف الراحل فيليب لو بيل. لقد أعدم المجموعةَ المكوَّنة من سبعة أفراد حرقًا، لكنَّنا سنكتفي بحرق أصابع مجموعتنا.»