قبطان الباخرة «راجا» يصبح ثريًّا
سار القبطان بحزنٍ شديد إلى الوكر الكريه الرائحة الذي يسميه المقصورة، ونزل سترانلي معه على الدَّرج، وجلس على الطاولة.
بدأ قائلًا: «الآن أيها القبطان، هل يُمكن أن يسمعنا أحدٌ؟»
«لا يا سيدي.»
«حسنًا، لقد جئتُ إلى هنا كصديق لك. أريد أن أُنقذَك، إذا أمكن.»
«تنقذني؟»
«نعم.»
«لست بحاجة إلى أي إنقاذ.»
«كلَّا، أنت بحاجةٍ إلى ذلك، وبدرجةٍ كبيرة. اعتقدت في البداية أن فراونينجشيلد كان الجاني الوحيد، وأنك مجرَّد ضحية بريئة. وعلمت اليوم أن الأمر لم يكن كذلك؛ في الواقع، كنت أظن ذلك من قبلُ؛ لأنه عندما ساعدتَ في زرع تلك الألغام عبر نهر باراماكابو، لا بد أنك كنت تعلم أنك ترتكب جريمة كبرى.»
«إذن لم يكن الأمر مجرد صدفة؛ أنت «قمت» بإرسال جذوع الأشجار؟»
«بالطبع فعلت.»
«هل تُراقبنا منذ أن وصلنا إلى هناك؟»
«نعم، لقد جئت من إنجلترا لهذا الغرض. غادرتُ بعد أسبوع من مغادرتك، وكنت هناك قبلك بأسبوع، أكثر أو أقل. ورجلي، ماكيلر، الذي اختطفتَه على متن هذه الباخرة في ساوثهامبتون …»
«أنا لم أختطفْه يا سيدي. لقد كان فراونينجشيلد.»
«أوه، أنا أعرف كل شيء عن هذا الأمر. ماكيلر على قاربي الآن، على بُعد ٣٠٠ ياردة من مكان جلوسك. لقد كان على قمَّة التل ومعه تلسكوب، يفحص كلَّ فعلٍ قمتَ به منذ أن رسوت.»
«لكنَّني مُضطرٌّ إلى إطاعة الأوامر.»
«أوه، لا، أنتَ لستَ كذلك. إذا طُلب منك ارتكابُ عمل إجرامي، فلا يجب عليك الرفض فحسب، بل أنتَ مُلزَم أخلاقيًّا بتقديم المعلومات إلى السلطات.»
«لم يكن لديَّ أي علاقة بوضع ماكيلر في المخزن. فراونينجشيلد هو مَن وضَعَه، ولم أكن أعرف أنه كان هناك حتى قضينا أكثرَ من يوم في البحر. كنتُ أنا مَن أصرَّ على أنه يجب إرساله إلى الشاطئ مع ربَّان السفينة. أراد فراونينجشيلد أن يأخذَه معنا.»
«هذا لا يُهم، أيها القبطان. بالطبع، حينما علمت أن رجلًا قد اختُطف بهذه الطريقة على متن سفينتك، كان عليك أن تستدير، وتعود مباشرة إلى ساوثهامبتون، وتُقدِّم المعلومات إلى السلطات. ولكن حتى لو لم يُثِر مثل هذا العمل غير القانوني شكوكك، فلا بد أنك كنت تعلم جيدًا عندما زرعت تلك الألغام أنها لم تكن بالونات لعبة كنتَ تضعها في الماء. لقد فات أوان التظاهر بالبراءة. لقد تلقَّيتَ رشوةً لارتكاب جريمة.»
«لم يتم وضعُ الألغام العائمة في المياه الإنجليزية.»
«سيدي العزيز، جريمتك ضد القانون الدولي. لا يُسمح لأي شخص بوضع ألغامٍ عائمة في نهرٍ قد تعبُر به باخرة بريطانية، وفيما يتعلَّق بذلك، فإنك تضعها هناك عن عمدٍ لتحطيم باخرة بريطانية. أنت في هذه اللحظة تقود سفينةَ قرصنةٍ مليئة بالمعدن الخام المسروق.»
«لا أعرف شيئًا عن ذلك يا سيدي. كانت هذه السفينة مُستأجَرة، وقد أخبرني سادتي أن أطيع أوامر الذين استأجروها، وهم شوارتزبرود العجوز وعصابته.»
«نحن نضيِّع الوقت فحسب، أيها القبطان. أنت تتحدَّث عن عقود الإيجار والمالكين. حسنًا، أنا مالك الباخرة «راجا». اشتريتها من السادة سبارلينج آند بيلج.»
«كما تقول. لا علاقة لي بهذا. حتى إذا اشتريتَ السفينة، فأنت مُلزَم بموجب القانون بتنفيذ عقد الإيجار. وحتى انتهاء عقد الإيجار وعدم تجديده، يظلُّ الملاك بلا سلطة. أنا أمتثل لعقد الإيجار طوال فترة سريانه، وما دمتُ أفعل ذلك، فأنا لا أرتكب خطأً.»
«أنت تُدرك جيدًا ما تفعله. أنا واثق من ذلك. فأنت لستَ ساذَجًا. الآن، أنت لا تبحر باتجاه البرتغال، أنت تُبحر باتجاه شرطي، وأريد أن أُنقذَك من ذلك الشرطي.»
قال القبطان ساخرًا: «أوه، نعم، أنت ترغب في امتلاك السفينة والحمولة لنفسك، أليس كذلك؟»
«بلى، بالضبط.»
«حسنًا، لن تحصل عليها!» صاح الربَّان بغضب، وهو يضرب الطاولة بقبضته الضخمة. «أنت تتحدَّث معي عن السرقة! ماذا تكون؟ يا إلهي، أنت قرصان، هذا ما أنت عليه. قلت ذلك لفراونينجشيلد، ولم يُصدِّقني. كان يعتقد أنك لن تجرؤ على الصعود على متن سفينتي في أعالي البحار؛ التي تعرفها بشكلٍ أفضل. أنت وشرطيَّك! يا إلهي، اللعنة، سيكون لديَّ ما يُبرِّر شنْقي لك على أحد طرفي عارضة الشراع!»
احتجَّ سترانلي بلطفٍ شديد: «لا يُمكنُك فعلُ ذلك، أيها القبطان.»
«لماذا؟»
«لأن هاتين الصاريتين لديك غير مزوَّدتَين بعوارض أشرعة. يمكنك أن تُعلِّقني من المدخنة، أو تسمح لي بالتدلي بالسلاسل من أحد أذرع الرافعة البخارية، هذا كلُّ ما يُمكنك فعْله.»
«لماذا لا تتسلَّق أنت وعصابتك من الأشرار على متن السفينة مثل القراصنة الحقيقيين، وتجعلني أمشي على اللوح الخشبي؟»
«لقد صعدت على متنها مثل قرصان حقيقي، وسأجعلك تمشي على اللوح الخشبي.»
«يا لك من شيطان!» صاح القبطان، وهو ينهض، واضعًا يديه المضمومتين على الطاولة، ووجهه المتورِّد بشكلٍ طبيعي يزداد احمرارًا من الغضب. وتابع قائلًا: «سأريك — سأريك ما نفعله بالرجال من نوعِكم الذين يجرءون على الصعود على متن سفينة في أعالي البحار.»
قال سترانلي محاولًا تهدئته: «اجلس يا عزيزي، اجلس.» وتابع قائلًا: «لا تتبجَّح. ما فائدة إحداث ضجة؟ دعنا نناقش الأمر وديًّا.»
صاح القبطان بأعلى صوت، وهو يرتجف ويشعر بالاستياء: «ستجعلُني أسير على اللوح الخشبي، أليس كذلك؟»
«أوه، حسنًا، حسنًا، إذا كنت تَعترِض، فهذا بالطبع يغيِّر من طبيعة الموقف. اعتقدت أن المشيَ على اللوح الخشبي كان تسليةً بحرية مألوفة. يبدو أن الصديق كلارك راسل قد خدَعني. إذا كان الأمر مُنافيًا للآداب، فلنتوقَّف عن قول المزيد بشأنه. اجلس أيها القبطان.»
لكن القبطان لم يجلس. كان يُحملِق بعينَيه، ووجهه يزداد احمرارًا، وشفتاه ترتجفان من شدة الكراهية.
«جئت مع اليخت اللعبة الخاص بك!»
«إنها لعبة، أيها القبطان، تَسير أسرع قليلًا من هذه السفينة القديمة البطيئة.»
«أنت وصديقك الوقح تَرتديان زي ضباط البحرية، وتَجرُؤان على الصعود على متن سفينتي.»
«هذا رائع، أيها القبطان. أحبُّ هذه العبارة، «على متن سفينتي». يسعدني أنك تؤكد لي صحة كلام كلارك راسل. نعم، لقد جئت على متن سفينتك. ماذا بعد؟»
«ماذا بعد؟ يا إلهي، إذن أنت تُحاول أن تُهددني في مقصورتي الخاصة، على سفينتي الخاصة. اللعنة، مَن تعتقد نفسك، أودُّ أن أعرف؟»
«أنا إيرل سترانلي من ويتشوود.»
الآن، عاد القبطان إلى كرسيِّه ببطء، دون أن يُطلب منه، وحدَّق عبر الطاولة في الشاب. هذا الاحترام الكامن للطبقة الأرستقراطية الذي يتخلَّل حتى أكثر رعايا صاحبة الجلالة البريطانية الديمقراطيين، تسبَّب في انهيار فوري للوحشية التي كانت تُهدِّد بحدوث نهاية مفاجئة للمناقشة. ومن الغريب بما فيه الكفاية أن القبطان الصادق لم يُفكِّر أبدًا في التشكيك في هذا البيان، الذي تم إصداره بنبرة هادئة ولكن مُقنعة للغاية.
قال لاهثًا: «إيرل سترانلي!»
«نعم؛ من ويتشوود. نحن نصرُّ دائمًا على ويتشوود، على الرغم من تأكُّدي من عدم معرفة السبب؛ لأنه لا يوجد لورد سترانلي آخر، وويتشوود بعيدة كلَّ البعد عن أن تكون أهم ممتلكاتي. ومع ذلك، أنت تعلم، أيها القبطان. الحياة الإنجليزية مليئة بالتناقضات.»
«اللورد الثري سترانلي؟» تساءل القبطان، مع التشديد على كلمة ثري.
«لقد أخبرتك للتوِّ أن هناك واحدًا فقط.»
«إذن لماذا بحق السماء تقوم بالقرصنة في أعالي البحار؟ هل هذه هي الطريقة التي كسبت بها أموالك؟»
«لا، لقد جمع أسلافي أموالي بشكلٍ أو بآخر، لكنني أعتقد أن طريقتهم كانت قطع الطرق وليس القرصنة. يبدو أن نهب الأراضي التي لا تخصُّهم شغل أوقات فراغهم؛ ولهذا، نتيجة ظهور المدن الصناعية في الجزء الأوسط من البلاد، على أجزاء من ممتلكاتنا، واكتشاف مناجم فحم، وما إلى ذلك، ازدهرت عائلتي ازدهارًا أفضلَ مما تستحق، وها أنا ذا مُمثِّل القرن العشرين لها.»
«إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تتدخَّل في هذه المسألة؟»
«لأنني أحبُّ رؤية اهتمام المرء بشئونه الخاصة. فالسفينة التي تبحر بها بجدارة مِلكي. اشتريتها بعد أيامٍ قليلة من مُغادرتِكَ ساوثهامبتون. إليك سند نقل الملكية، وهذه هي الرسالة التي تحدَّثت عنها، والتي كتبها السادة سبارلينج آند بيلج، لإبلاغك بأنني المالك الجديد، وأنني سأكون مسئولًا عن راتبك فيما بعد، ونتيجةً لذلك سيسرُّهم جدًّا، كما سيسرني أيضًا بالتأكيد، إذا فعلتَ ما أقوله لك.»
قرأ القبطان الوثائق بعناية، ثم نظر لأعلى.
«حسنًا إنه توقيع السادة سبارلينج آند بيلج، ولا أحد يعرفُه أفضل مني، ولكن ماذا عن الحمولة؟ هل تنوي تفريغها في لشبونة؟»
«لا، أعتزم الانطلاق بها إلى بليموث.»
«ولكن حتى لو كانت السفينة لك، فإن الحمولة ليست كذلك.»
«بالتأكيد كنت تعلم أنهم كانوا يسرقون المعدن الخام، أيها القبطان؟»
«قالوا لي إن لهم الحقَّ في ذلك لمدة ثلاثة أشهر. أراني السيد شوارتزبرود أوراقًا بهذا الصدد. لهذا السبب كانوا في عجلةٍ من أمرهم. كانوا يرغبون في الحصول على أكبرِ قدْر ممكن في الوقت المحدَّد، وعرضوا عليَّ مكافأةً قدرها خمسة آلاف جنيه إسترليني علاوة على راتبي إذا قمت بإجراء ثلاث رحلات إلى لشبونة، وألفَين لكل رحلة إضافية في غضون ذلك الوقت.»
«إذن أيها القبطان، لماذا لم يركِّزوا طاقاتهم على التنقيب عن المعدن الخام، ولم يكلِّفوا أنفسهم عناء زرع الألغام في النهر؟»
«يا إلهي، أخبرني فراونينجشيلد أنهم كانوا يبحثون عن بعض القراصنة الذين سيتدخَّلون معهم. لم نكن نَنوي تفجير أي سفن إلا إذا كانت مصمَّمة على عبور النهر رغمًا عنا. لهذا لم نضع الألغام عند مصب النهر. وعلى الأرض المرتفعة غرب المخيم، وضع فراونينجشيلد رجلين للمراقبة طوال الوقت. إذا رأيا أيَّ سفينة تقترب، كان عليهما النزول إلى النهر في قاربٍ تم الاحتفاظ به أسفل المناجم، ويأمران الباخرة بالعودة. وإذا رفض القبطان العودة، حينها يأتي على مسئوليته الخاصة.»
«فهمت. وهل أخبر فراونينجشيلد رجلَيه بإبلاغ القبطان وطاقمه أن النهر مُلغَّم؟»
«لا أعلم.»
«الآن، أيها القبطان، بالحديث كبحَّار إلى آخرَ، ألم يبدُ لك كلُّ هذا، بالإضافة إلى المبالغ المالية الكبيرة التي وُعدت بها، أمرًا مريبًا إلى حدٍّ ما؟ هل بدا لك هذا تجارة نزيهة؟»
«حسنًا، أيها الإيرل، لقد أبحرت إلى جميع أنحاء البحار البعيدة، وعرفت أن الأشياء التي تم القيام بها كانت تبدو مريبة جدًّا في ميناء ساوثهامبتون، ومع ذلك فقد كانت على ما يُرام بقدرِ ما عرفت من قبل. فهناك أشياءُ تحدُث في البحار الجنوبية تبدو غريبة إلى حدٍّ ما في قناة بريستول، كما تعلم.»
«إذن، ألم تَعتقِد أنك ستتعرَّض لأي مخاطر؟»
«أوه، مخاطر! البحَّار يتعرَّض لمخاطرَ كلَّ مرة يُغادر الميناء. وإذا كان هذا يمثِّل مخاطرة، فقد كان هناك أموال جيدة في نهاية الأمر، وهذا ليس الحال دائمًا عندما يبحر المرء على متن باخرة متجولة في الوقت الحاضر، نتيجة تقطيع كل شيء إلى أشلاء بسبب المنافسة الأجنبية. كما ترى، أيها الإيرل، الرجال المولودون ولديهم مال لا يُقدِّرون دائمًا ما سيفعله الناس الذين يُحاولون تجميع القليلَ من المال بالرغم من كبرِ سنِّهم. فأنا لديَّ زوجة وعائلة في منزلٍ مُستأجَر في ساوثهامبتون، بانتظاري ثلاث فتيات في الوطن، أيها الإيرل، تُرِكْنَ بلا حولٍ ولا قوة فقيرات، فضلًا عن امرأتي العجوز.»
ألقت عينا القبطان نظرةً حالِمةً بعيدة بدا وكأنها تخترق المستقبل وتتساءل بشأنه. لقد نسي، في هذه اللحظة، الشاب الجالس أمامه، ومضى كما لو كان يتحدَّث إلى نفسه.
«هناك قطعة أرض تمتد إلى مصب النهر في ساوثهامبتون — خمسة أفدنة وأكثر قليلًا. قام أحدهم ببناء كوخ هناك ووضع سارية علم على العُشب أمامه. ثم سئموا منه، وهو معروض للبيع. يُريدون ألف جنيه مقابل المكان، شاملًا كلَّ شيء. هناك عددٌ قليل من الأشجار، وهناك مبانٍ خارجية؛ مكان رائع لتربية الدجاج. ثم هناك شرفة في المقدمة، وقد يجلس بها رجل عجوز على مقعدٍ مريح يدخِّن غليونه، ويرى السفن الأمريكية وهي تبحر. وعائلتي تعيش في منزلٍ مستأجَر في شارع جانبي. لطالَما أردت قطعة الأرض تلك، أيها الإيرل، لكن لم يكن لديَّ مال فائض، وعندما أنوي الاستقرار بها، ربما ستكون ملكًا لشخص آخر، وبأيِّ حال من الأحوال لم نكن لنتمكَّن من تحمُّل تكاليفها. مخاطر؟ بالطبع هناك مخاطر، ولكن عندما أفكِّر في ذلك الكوخ الصغير — حسنًا، أقبل بالمخاطرة، أيها الإيرل.»
قال الإيرل بلطف: «عزيزي القبطان، إن قطعةَ أرضِكَ تجعلُني أخجل من نفسي ومن محاضراتي الأخلاقية. فأنا لديَّ الكثير من الأراضي، والبعض الآخر يمتلك القليل جدًّا. ها هو ذا رجلٌ مجتهد مثلك، لا يملك أرضًا، وها هو ذا كسول مثلي لديه آلاف الأفدنة! فلتَشنُقْني إذا لم أتحوَّل إلى راديكالي لولا المثال الفظيع لوليام توماس ستيد. حسنًا، أيها القبطان، قطعة الأرض هذه لك من هذه اللحظة. إذا اشتراها شخصٌ آخر في غيابك، فسنطردُه. سأدفع لك كلَّ ما وعدك به شوارتزبرود العجوز سواء قمت بالرحلات أم لا. وفي واقع الأمر، لن تقوم بالرحلات. لا أعتقد أن شوارتزبرود كان ينوي أبدًا الوفاء بوعده، وأشكُّ كثيرًا في إمكانية حصولك على المال. الآن، أنا ممتاز في الحصول على المال، وأعتقد أنه يمكنني إقناع شوارتزبرود بالمطالبة بامتياز الدفع لك. كما ترى رجال المدينة هؤلاء أذكياءُ جدًّا بالمقارنة بالرجال البسطاء والصادقين مثلك ومثلي. وبعد أن تنتهيَ من عملهم، سيتركونك دون مساعدة إذا تمَّ القبض عليك، أو سيَحرمونك من أجرك إذا هربت. يمكنك التأكُّد من ذلك؛ فقد فعل شوارتزبرود وجماعته كلَّ شيء بأكثر الطرق القانونية. في الواقع، في المرة الأخيرة التي رأيتُه فيها، تملَّقَني حتى حصل مني على وثيقةٍ لديَّ سببٌ للاعتقاد بأنها تُغطِّي السلوك الإجرامي لهذه الرحلة الاستكشافية. ليس لديَّ أدنى شك في أنني إذا رفعت القضية إلى المحاكم القانونية فسوف أُهزَم. لهذا السبب فضَّلتُ محاربةَ القضية في أعالي البحار؛ حيث لا يُمكن إصدار أمر قضائي إلا بعد فوات الأوان. أنت وأنا، أيها القبطان، لسنا أذكياءَ بما يكفي لمواجهة هؤلاء الأوغاد.»
كان هناك ما يقارب بسمة متكلَّفة من الرضا عن النفس على وجه القبطان حيث وجد نفسه مرتبطًا برجلٍ من منزلة اللورد سترانلي.
قال: «حسنًا، أيها الإيرل، ماذا تريدني أن أفعل؟»
قاطعتهم الخطوات الثقيلة للضابط نازلًا السُّلم.
«ماذا تريد؟» صاح القبطان بأعلى صوت. «اخرج من هنا.»
أوضح الضابط قائلًا: «عفوًا يا سيدي، لكنهم يشعرون بالقلق على متن اليخت، ويريدون معرفة ماذا حلَّ برئيسهم.»
قال سترانلي: «فقط اعذرني للحظة، أيها القبطان، وسأتحدَّث معهم. أنت تعلم أنك تطاولت علينا إلى حدٍّ ما عندما نادينا عليك لأول مرة، وربما يعتقدون أنك فعلت بي كما فعلت في ماكيلر. أشعر بالإطراء لأنني صنعت تورية هناك؛ لأن كلمة «كيلر» هي الكلمة الألمانية للقبو.» قفز الشاب بخفةٍ فوق السُّلم، وتوجَّه إلى جانب السفينة.
صاح ماكيلر: «هل كلُّ شيء على ما يُرام يا سيدي؟»
«على ما يُرام، شكرًا.»
«سيحلُّ الظلام، كما تعلم. ألم يكن من الأفضل أن ألقيَ مسدسًا لك، وإذا جرَّبوا أيَّ حِيل، يُمكنُك إطلاقه، وسنكون على متن السفينة قبل أن تقول «شوارتزبرود».»
«آه، ماكيلر، ماكيلر، أنت تفكِّر دائمًا في الأسلحة الفتَّاكة وأعمال القرصنة! لا عجب أن أحصل على سمعةٍ سيئة في الأوساط البحرية. كل شيء يسير بسلاسة، وأتوقَّع أن أكون معك في غضون ١٠ دقائق.»
عاد سترانلي إلى المقصورة؛ حيث وجد القبطان جالسًا، محدِّقًا في الفضاء. وكان أحدهم قد أشعل مصباح زيت معطر.
«حسنًا، أيها القبطان، قبل الإجابة عن سؤالك، أودُّ أن أقول إنني مُهتم بحركة المرور التجارية بصرف النظر عن ملكيتي للباخرة «راجا». وقبل أن أغادر إنجلترا، حجزت لك وظيفة القبطان على باخرةٍ جديدة تُسمَّى «ويتشوود»، وهي ضعف حجم هذا القارب، ومخصَّصة للتجارة في أمريكا الجنوبية. أعتقد أنها ستكون جاهزةً لك بمجرَّد أن نصل إلى بليموث، وفي اللحظة التي نكون فيها في بليموث، سأُسلِّمُك شيكًا بألف جنيه لتأمين تلك القطعة من الأرض بجانب مصب النهر في ساوثهامبتون. صِف لي الطاقمَ المتواجد هنا على متن السفينة؟ هل يتمرَّدون، أم يسهُل التعامل معهم؟»
«أوه، الطاقم بخير، أيها الإيرل. إنهم رجال من ديفون؛ معظمهم. كان هناك عدد كبير من المسافرين الذين أخذناهم تحت مسئولية فراونينجشيلد، لكنهم تجمَّعوا غالبًا من تلقاء أنفسهم، وتجنَّبوا التعامل مع الطاقم. الطاقم بخير، يا سيدي.»
«هل تعتقد أن أيًّا من أفراد الطاقم كان على علمٍ بما يجري؟»
«لا، لا أعتقد أن أي شخص كان يعرف ما كان يحدث إلا أنا وفراونينجشيلد.»
«هل ترغب في أن يكون طاقمك الحالي معك على الباخرة الجديدة؟»
«نعم يا سيدي، أرغب في ذلك.»
«والضباط أيضًا؟»
«نعم. والضباط أيضًا.»
«حسنًا، أريدك أن تصعد على متن يختي، وتكون قبطانًا له من هنا إلى بليموث. واصطحب الضابط معك، إذا كنت ترغب في ذلك، أو أيًّا من الضباط الآخرين، وكذلك أفراد الطاقم ولكن ليس رجال ديفون. وسأضع بعضًا من رجالي على متن السفينة مكانهم.»
«هل تقصد أن أترك السفينة، أيها اللورد؟»
«نعم. سيحلُّ قبطان اليخت وضابطه مكانك ومكان ضابطك.»
كان وجه القبطان يُضرَب به المثلُ في التردُّد والشك.
«لا يبدو الأمر على ما يُرام، أيها اللورد.»
«لقد أخبرك الملَّاك السابقون أن تُطيعَني، وأنا المالك الجديد. هذا صحيح تمامًا. لقد قمت بنقلك إلى اليخت كما لو كنت أقوم بنقلك إلى معدية، من أجل أخذك بشكلٍ أسرعَ إلى مقرِّ القيادة الجديد. سنَصلُ إلى بليموث في غضون أسبوعين، أو ثلاثة أسابيع قبل وصول الباخرة «راجا». أفضِّل ألا تذهبَ إلى ساوثهامبتون، ولكن إذا كنت تعتقد أنه يمكنك الابتعادُ عن الأنظار، فلا أمانع المرور سريعًا من هناك، ورؤية عائلتك، وتأمين تلك الملكية. في الواقع، إذا كانت المنطقة التعدينية لا تزال معروضة للبيع، وكان المنزل خاليًا، فلا يوجد سبب يمنعك من نقل أسرتك إليه. سيكون لديك الوقت الكافي، ثم يمكنك العودة إلى بليموث، والاعتناء بسفينتك الجديدة، وتعيين الرجال الذين تحتاجهم لتكملة طاقم الباخرة «راجا» عند وصولها.»
لم يردَّ القبطان: بل أظهر رأسه المنحني وجبينه المتجعِّد وجودَ صراع عقلي.
«أظنُّ أنك معروف جدًّا في ساوثهامبتون؟»
قال: «لا؛ لست معروفًا جدًّا كما تعتقد. أمكث هناك لبعض الوقت، ثم أنطلِق في رحلة طويلة. لست معروفًا كما تعتقد.»
«كما ترى، أيها القبطان، أنا مُصمِّم على أن أحصل من شوارتزبرود العجوز على المال الذي سأدفعه ليس فقط لك، ولكن لفراونينجشيلد ورجاله. فأنا لا أنوي تركهم عالقين هناك بينما يجلس شوارتزبرود بأمانٍ في لندن؛ لذلك أتمنَّى ألا تصل أيُّ شائعات حولَ ما حدث إلى آذان شوارتزبرود ونقابته؛ ولذا لا أريد أن يراك ويتعرَّف عليك أيُّ شخص، إذا كان ذلك ممكنًا، وإذا تم التعرُّف عليك، فاحرص على عدم التحدُّث عما حدث.»
«فهمت. تُريد نقلَ جميع الشهود إلى أمريكا الجنوبية. حسنًا، كما تعلم، أيها اللورد، ولا أعني أيَّ تقليل من احترامك، تبدو طريقتك في فعل الأشياء مريبةً إلى حدٍّ ما، أيضًا، كما قلت منذ قليل.»
«بالطبع يبدو الأمر مريبًا، لكن يجب أن تُقاتِلَ حوتًا بسمكةِ قرشٍ إذا لم يكن لديك حربة. يجب إما أن ألجأ إلى القانون، وهو الحربة، مع شوارتزبرود العجوز، الذي هو الحوت، أو أن أعتمد أساليبه الخاصة، وألعب بسمكةِ القرش. عليك أن تختار طبَق السمك الذي ستأخُذُه، وعليك أن تُعطيَ طلبك للنادل الآن.»
«فلتفترِض أنني رفضت، ماذا ستفعل؟ هل ستُحاول القبض علينا؟»
«يا إلهي، لا. سأتبعك فقط، تمامًا كما تتبع سمكةُ القرش سفينةً محكومًا عليها بالهلاك. وفي اللحظة التي تقترب فيها من ميناءٍ به قنصُل بريطاني، سأتوجَّه إليه سريعًا، وأعرض أوراقي، وأطبِّق القانون، وهو أمرٌ أنا مُتردِّد في القيام به، كما أخبرتك. ولكن لحظة حدوث ذلك لا يمكنني إنقاذك أيها القبطان. لا أعرف ما العقوبة، أو ما إذا كانت هناك عقوبة. ربما تسمح لك طاعتك للأوامر بالتسلُّل عبر فتحات الشبكة، وربما مرةً أخرى لن يحدث ذلك. وإذا لم يحدث ذلك، فلن تشغل عائلتك هذا الكوخ الصغير عند مصبِّ النهر في ساوثهامبتون، والذي كان ملكك منذ لحظة. أوه، يا إلهي، أنا إما أكرهك أو أرشوك الآن، أيًّا كان الأمر. يجب عليك الاختيار بحرِّية. ومهما حدث، سأشتري قطعة الأرض هذه، وأُقدِّمها لزوجتك، إذا أخبرتني بمكانها، وأعطيتني عنوانها. الآن، أيها القبطان، حدِّد خيارك: الحوت أو القرش.»
أطلق القبطان تنهيدةً عميقة، تكاد تَفطُر القلوب، بدتْ وكأنها تأتي من عميق صيحاته. قام ببطء وثقل، ومدَّ يده.
وقال برصانةٍ، كواحد على وشك اتخاذ قرار مهم: «لورد سترانلي، لورد سترانلي، أنا مُستعدٌّ للسير على اللوح الخشبي.»
عندما خرج اللورد سترانلي من مقصورة القبطان في الباخرة «راجا»، وأخذ نفسًا طويلًا مُرضيًا من هواء المساء الرائع بالخارج، رأى أن القمر قد ارتفع، بينما كان الوهج من غروب الشمس لا يزال يُلوِّن السماء الغربية. تلاشى النسيمُ الخفيف القادم من أفريقيا تمامًا، وكان البحر أملسَ حول السفينتَين كمرآةٍ مصقولة. وبمجرد أن أعطى سترانلي أوامره، أتى قبطان اليخت به إلى جانب الباخرة «راجا»، وتوقَّفت محرِّكات كلتا الباخرتين. كان القبطان ويلكي، مُحذرًا سلفًا، قد حزم جميع متعلقاته، وسرعان ما تأرجح على متن الباخرة السوداء. وقام قبطان الباخرة «راجا» وضابطه بإلقاء متعلقاتهم في الصناديق، وبالتالي تم النقل دون ضياع للوقت.
قال سترانلي: «ماكيلر، أخشى ألا تُصبح الرفاهية من نصيبك، وإلى جانب ذلك، أظهرت لك التجربة على اليخت أن هناك فرصةً ضئيلة لحدوث أي شيء مُثير. لا بد أنه أمرٌ محبِط أن تتذكَّر أنه لم يتمَّ حتى تفريغُ أيٍّ من بنادقك المتعددة الطلقات؛ لذلك سأطلب تأرجُح الصناديق على متن الباخرة «راجا»، مع الذخيرة الكافية لذبح كامل قوَّتنا البحرية، وسأعطيك ستةً من حرَّاس الطرائد. يُمكنك إما استخدام حرَّاس الطرائد لإطلاق النار على الطاقم، أو تسليح الطاقم والقضاء على حراس الطرائد. كنت أنوي اصطحاب طاقم الباخرة «راجا» على متن اليخت، ووضع طاقم اليخت على متن الباخرة «راجا»، لكنَّني أناني جدًّا لدرجةِ أنني لا أستطيع أن أثق بهؤلاء البحارة غير البارعين من باخرةٍ متجوِّلة مع التنظيم الدقيق إلى حدٍّ ما الخاص باليخت. هل ستقبل العمولة وتُبحرُ إلى الوطن على متن الباخرة «راجا» غير المريحة؟»
قال ماكيلر: «يسرُّني ذلك يا سيدي.» وتابع قائلًا: «كما ترى، أشعر بقليلٍ من عدم اليقين بشأن الحكمة من ترْك القبطان ويلكي دون حمايةٍ مع طاقمٍ غريبٍ برغم كلِّ شيء. يمنحُهم قبطانهم شخصية جيدة، لكن القبطان ويلكي، وهو ضابط صارم بطريقته الخاصة، قد يكون في خلافٍ معهم؛ لذلك من الجيد أن يكون لديه قائدٌ مُتعطِّش للدماء وقوة لا تُقاوَم تحت تصرُّفه. لكن تذكَّر، يا بيتر، أنه مقابل كل بحَّار تُطلقُ عليه النار، يجب على أحد حراس الطرائد أن يتولَّى وظيفة البحَّار، والتي قد تُصبح غيرَ مريحة في عاصفة؛ لذا اقمع روحك الحربية حتى يأمرها القبطان بالخروج. أتخيَّل مظهرك العابس، مثل الإمبراطور الألماني، وأنت تمشي على سطح السفينة، ستُخمِد أيَّ تمرُّد في مهده، إن أمكن ذلك. ومع ذلك، من الآمِن الاحتفاظُ بالبنادق في الخلفية في حالة الطوارئ. لذا اتَّصِل بستة مُتطوِّعين من بين رجالي، وألقِ بحقيبتك على متن القارب ذي الشراع، وبعد ذلك سنودِّع بعضَنا حتى ألتقيَ بك مرة أخرى في بليموث.» عندما اكتمل التبادل، ابتعد اليخت الأبيض عن السفينةِ المتجوِّلة وسرعان ما اختفى في الشمال مثل الشبح. شاهد القبطان ويلكي رحيله بأسف، ولم يكن سعيدًا بترقيته إلى الباخرة المتجوِّلة المتسخة والقذرة، مع طاقمها المترهِّل الذين يرتدون ثيابًا رثَّة مثل الفزَّاعات. شعر القائد الجديد لليخت أيضًا بأنه ليس في مكانه في هذه السفينة الرائعة، النظيفة بعناية، المطلية بالنيكل، والتي تشبه كعكة العروس، في حين أنَّ البحَّارة، في زيهم الرسمي الأنيق المهندم النظيف، أعطوه انطباعًا بأنه في كابوسٍ حيث تم تكليف جندي أخرق بمسئوليةٍ سرِّية من الضباط. ونظرًا لأنه كان بحجم ويلكي تقريبًا، فقد قام بونديربي الصالح، بناءً على أوامر سترانلي، بتزويده صباح اليوم التالي بزيٍّ رائعٍ أضاف إلى جمال مظهرِه الخارجي دون زيادة راحتِه الداخلية بنسبة كبيرة. ومع ذلك، فهِم القبطان الصريح عمله، بصرفِ النظر عن الزيِّ الذي يرتديه، وسترانلي، الذي درسه بشكلٍ غير ملحوظ أثناء الرحلة، وضع به ثقةً كبيرة، وشعر بالخجل إلى حدٍّ ما من عدم الثقة التي جعلته ينقل القبطان من الباخرة «راجا» لليخت. قبل مرور أسبوع، كان على يقينٍ من أن هذا البحَّار الأجش كان سيأخذ الباخرة «راجا» مباشرةً إلى بليموث بمجرَّد أن يأمر بذلك، تمامًا كما كان يفعل القبطان ويلكي بكل إخلاص. وعلى الرغم من أن سترانلي لم يقُل شيئًا عن هذه الثقة، وحتى إنه كان يشك فيما إذا كان الرجل العجوز البسيط قد أدرَكَ سبب التغيير، إلا أنه قرَّر مع ذلك إجراء تعديلات، ولكن ليس بالكلام. كان الطقس لطيفًا بشكلٍ ملحوظ طوال الوقت تقريبًا، واشتكى سترانلي من أن الرحلة كانت تُشوِّه جميع روايات كلارك راسل. وتذمَّر للطبيب من أن إيمانه بكلارك راسل يمر بضغوط هائلة.
قال للطبيب: «عندما نصل إلى هدوءٍ مطلق للأمواج والرياح في إحدى روايات كلارك راسل، فإننا نعرف دائمًا ما يُمكن توقُّعه. فجأةً يأتي من الغرب إعصار مُمزِّق يضعنا على نهايات عوارضنا. ثم مطرٌ جامح يجعلنا عاجزين عن الرؤية، وظلمةٌ مطلقة مضاءة فقط بومضات البرق الرائعة. يجب على كل شخص أن يتشبَّث بأي شيء قريب منه: تذهب في البحر أقفاص الدجاج، وهناك هرج عام بحيث لا يمكن سماع صوت الأوامر. تتحطَّم الصواري، والمداخن، وما إلى ذلك: نُحاولُ أن نستعيد الوضع الصحيح للسفينة، مُترنِّحين تحت الأمواج العالية مثل الجبال، ونجد هيكل السفينة مُفكَّكًا في صباح اليوم التالي، والطبَّاخ غائبًا، ولا توجد لفائفُ ساخنة من أجل وجبة الإفطار. الآن، في الواقع، أمضينا أمسياتٍ دون أن يكون هناك حتى نسيم عليل على سطح النهر، ثم يلي ذلك ليلةٌ هادئة، ويأتي الصباح بحمرةٍ رقيقة، مثل تلك الموجودة على وردة جديدة. أتخيَّل أن المحيط قد تحسَّن منذ عهد كلارك راسل، أو ربما نظَّم مكتب الطقس الحكومي أعمال تبليط. نحن شعب رائع، أيها الطبيب، وأخيرًا بريطانيا تحكم الأمواج حقًّا.»
سئم الشاب من الرحلة بسرعةٍ تُضاهي سرعة يخته. وكان يتوقُ إلى جريدته الصباحية ونزهة في شارع بيكاديللي. عندما عبَر خليج بسكاي الهادئ، اتصل بأحد العاملين المسئولين عن التلغراف اللاسلكي لديه، وقال له:
«اسمع، يا بني، ألا يُمكنك ضبط قيثارتك السماوية، وإحضار بعض الأخبار لنا من السماء؟ ألسنا في نطاق حضارة ماركوني بعد؟»
«نعم يا سيدي. وصلت عدة رسائل خاصة، وبعض قصاصات الصحف، لكن لا شيء مهم. وزير المالية يتحدَّث في مجلس العموم عن مشروع قانون، بقدْر ما أفهم، لتنظيم بنك إنجلترا.»
«أخشى ألا يكون هذا الموضوع مُثيرًا للغاية، يا ولدي، وإلى جانب ذلك، فأنا لا أفهم الأمور المالية، ولم أفهمها أبدًا. ومع ذلك، أرحِّب حتى بكلمات أحد السياسيين هذا المساء؛ لذا إذا كان الوزير لا يزال يتحدَّث، فاكتب ما يقول. وبالمناسبة، إذا أُتيحت لك الفرصة للتحدُّث، فمن الممكن أن تسأل الأفق عن السباقات التي أُقيمت اليوم، والخيول التي فازت. فبعد كل شيء، إنه لشيء مُشجِّع أن نعلم أن وزير المالية يقف على قدميه. هذا يدل على أن إنجلترا العجوز لا تزال ناجحة. يبدو أنه مضى عام على وجودي هناك.»
غادر العامل إلى مقصورة التلغراف، وعاد سترانلي مرةً أخرى إلى سيجاره وقهوة ما بعد العشاء. في الوقت الحاضر عاد الشاب بابتسامة على وجهه.
وقال: «إنه مُستمرٌّ في حديثه مرة أخرى يا سيدي»، وسلم سترانلي ورقة عنوانها:
وزير المالية
خلال العقد الماضي، كان معدَّل الفائدة البنكية لدينا في حالة تقلُّب مُستمر؛ حيث تغيَّر عدة مرات، وتراوح من اثنين ونصف إلى سبعة في المائة، وهو اختلاف لم يكن له أيُّ تأثير سوى تأثير مُفيد على الأعمال. يبلغ الذهب في قسم الإصدار في بنك إنجلترا عادةً حوالي ٣٠ مليون جنيه إسترليني، والتي ثبَتَ أنها غير كافية لاحتياجات عصرنا. من ناحية أخرى، نادِرًا ما يسمح بنك فرنسا بانخفاض احتياطيه إلى ما دون ١٠٠ مليون جنيه، مما أدَّى إلى بقاء معدل الفائدة البنكية لدى بنك فرنسا ثابتًا يتراوح بين اثنين ونصف وثلاثة في المائة، ولم يرتفع إلى أربعة في المائة لمدة ثلاثين عامًا. في الاثني عشر شهرًا التي سبقت تقرير عام ۱۹۰٤، لم يتم تغيير معدل الفائدة البنكية في فرنسا مرة واحدة، في حين قفز معدل الفائدة البنكية الخاص بنا من …
هنا قام سترانلي بكرمشة الورقة في يده، وألقى بها في المحيط.
صاح قائلًا: «يا إلهي!» وتابع: «أتساءل ما نوع الدماغ الذي يستمتع بهذا النوع من الهراء! ولا كلمة واحدة عن السباقات! على أيِّ حال، ماذا يتوقَّع هؤلاء العاملون بالتلغراف اللاسلكي من الأخبار؟»
كان الشاب الجاهل يحلم قليلًا بأن الرسالة التي يقرؤها سيكون لها تأثير مذهل على حياته المهنية في ذلك اليوم عندما اضطُرَّ بنك إنجلترا بموجب قانون البرلمان الجديد إلى رفع احتياطي الذهب من ٣٠ مليون جنيه إسترليني إلى ١٠٠ مليون. وكان هناك اضطراب مالي في جميع أنحاء العالم على وشْك الحدوث لم يشكَّ فيه سترانلي أكثرَ مما فعل المُشرِّعون الحكماء الذين وافقوا على مشروع القانون بأغلبية كبيرة. واعتقد معظمهم، بما في ذلك اللورد، أن السباقات أكثرُ أهمية وإثارة للاهتمام.
سار القبطان إلى مؤخِّرة السفينة. مع مرور الأيام، ازداد إعجابُ الشاب الأهوج بهذا المحارب المخضرم في البحر، على الرغم من حقيقة أن القبطان قد سعى إلى نقل منجم الذهب الخاص به.
صاح: «اجلس، أيها القبطان.» وقال: «ماذا ستشرب؟»
«كوبًا من القهوة، لإبقائي مُستيقظًا. أتوقَّع أن أكون مستيقظًا طوال الليل، أو على الأقل حتى نمرَّ على أوشانت.»
«أنت على حق، إذن هي القهوة. أوه، بالمناسبة، لقد غيَّرتُ رأيي، ويجب أن تغيِّر مسارك. بدلًا من التوجُّه مباشرةً من أوشانت إلى بليموث، قم بتوجيه مسارك إلى قناة ساوثهامبتون.»
«جيد جدًّا، أيها الإيرل.»
«ولقد غيَّرتُ رأيي أيضًا فيما يتعلَّق بقطعة الأرض تلك الخاصة بك.»
قال القبطان، وهو يشعر بغصَّة في حلقه، وخيبة الأمل واضحة على وجهه: «أوه، حقًّا أيها الإيرل؟»
«نعم، هذا هو سبب ذهابنا إلى ساوثهامبتون. ستُخرج هذا اليخت من الخدمة — أعتقد أن هذا هو المصطلح البحري — إلى جانب قطعة الأرض الخاصة بك. كما تعلم، أنا حريص على ألا يتمَّ رؤيتك، وكذلك ألا يحظى أيُّ شخص على متن اليخت بفرصة للتحدُّث.»
«سأهتم بذلك، أيها الإيرل.»
«يا عزيزي، لا تدعوني بالإيرل. أخبرتُك أنني إيرل في إطارٍ من السرية المُطلَقة. ألم تلاحظ أن الجميع يخاطبني «سيدي»، وأنا حتى لا أصرُّ على ذلك. نحن جميعًا أحرار ومتساوون في البحر، باستثناء القبطان الذي يحكُمنا. عندما نصل إلى مصب النهر في ساوثهامبتون، سأذهب إلى الشاطئ في قاربٍ بمحرك، وسأزور وكيل الأرض، وأحصُل على الملكية التي تبلغ مساحتها خمسة أفدنة، وأعطي صكوك الملكية لزوجتك، وأدعوها والعائلة للذهاب ومشاهدة الكوخ.»
«إنها تَعرف مكانه يا سيدي. لقد ذهبنا إلى هناك كثيرًا معًا.»
«إذن لن تسمح لأحد بمغادرة اليخت، ولا حتى نفسك. سوف تُبقي الفتيان مشغولين أثناء وجودي على الشاطئ. اصطحب اليخت إلى أقربِ محطة فحم، أينما كانت، واملأه بالماس الأسود. أعتقد أننا قد نرغب في الذهاب إلى نيويورك. في أيِّ وقت تتوقَّع أن تمرَّ على أوشانت؟»
«حوالي جرس واحد يا سيدي؛ أي بعد منتصف الليل بنصف ساعة.»
«كم ستستغرق الرحلة من أوشانت إلى ساوثهامبتون؟»
«يمكننا أن نفعل ذلك بسهولة خلال ١١ ساعة.»
«إذن سنصل إلى هناك ظهر الغد؟ جيد جدًّا. ربما من الأفضل لك أن تقودني مباشرةً إلى ساوثهامبتون، وتهتم بإجراءات الميناء وعملية التزوُّد بالفحم، وترسو عند ملكيتك بحلول الساعة السادسة مساء اليوم التالي. سأقضي الليلة في فندق؛ لذا لا داعيَ للقلق بشأني. كم عدد أفراد أسرتك أيها القبطان؟»
«الثلاثة الكبار في البحر، والثلاث الأُخريات في المنزل مع زوجتي.»
«ثلاث فتيات؟ أوه، يا لَلمرح! حسنًا، أعتقد أننا رتَّبنا كل شيء. سترى أن القارب ذا المحرك جاهز لي عند رصيف المرفأ بعد ظهر الغد وطوال اليوم التالي. ربما أود أن أتَّجه إلى أعلى الخليج إلى قطعة الأرض، أو إلى الأسفل، أيًّا كان الأمر. أظن أنك ستَلفت انتباهي عندما نمرُّ بها؟»
«أوه، نعم سيدي. أنا لا أدخل ساوثهامبتون أو أُغادرها أبدًا دون النظر إلى قطعة الأرض هذه.»
«ممتاز. في حوالي الساعة الخامسة مساءً، بعد غدٍ سأدعو زوجتك والفتيات الثلاث للقيام برحلةٍ معي على متن القارب ذي المحرِّك. وعند وصولي إلى هناك، سأقوم بتسليم المفاتيح وصكوك الملكية لسيدة المنزل، وإذا أتيت إلى الشاطئ، فسوف أُقدِّمُك إلى العائلة. يمكنك التوقُّف طوال الليل على الشاطئ. وفي صباح اليوم التالي، خذ اليخت، وأبحِر به ببطء إلى بليموث. هناك يُمكنك أن تسمح للجميع بمغادرة اليخت، لكن لا تُبالغ في ذلك. أنت تفهم ما أريده، وهو ألا يتحدَّث أحدٌ عن المنجم في غرب أفريقيا أو النقل في مُنتصَف المحيط؛ لذلك أتوقَّع منك السيطرة على قسمِكَ من الطاقم. وأنا مسئول عن رجالي. أوه، نعم، بالمناسبة، سآخذ الحطَّابين ظهر الغد، مع كلِّ مَن بقيَ من حراس الطرائد، وأرسلهم إلى منازلهم، بما في ذلك بونديربي المُمتاز؛ لذلك لن يكون لديك مَن تتعامَلُ معه إلا أولئك الذين ينتمون إلى اليخت.»
كان أداء اليخت «ذات الرداء الأبيض» أفضلَ مما توقَّعه القبطان، وهبط مالكه في ساوثهامبتون في الساعة الحادية عشرة إلا ١٠ دقائق. ودَّع رجاله، وأرسلهم إلى منازلهم، جميعهم أغنى من ذي قبل بسبب رحلتهم الطويلة. زار مكتب وكيل الأرض، وأجرى معاملاته التجارية في غضون ١٠ دقائق، وكتب له شيكًا، وأخبر المديرَ أن تكون الأوراق جاهزةً بحلول الساعة الثانية عشرة من اليوم التالي. ثم ذهب إلى الشارع الجانبي وطرق على الرقم الذي أعطاه إياه القبطان. فتح الباب شابَّة مُمتلئة الجسم، وتُشبه عيناها اللامعتان عينَي والدها.
قال وهو يُربِّت تحت ذقنها: «حسنًا يا عزيزتي، هل أنت ابنة القبطان الشجاع، كما نقول في النسخة المنقَّحة من «بينافور»؟»
تراجعت الفتاة في غضبٍ مُبرَّر، ولو كان من الممكن أن تقتله نظرة الغضب في عينيها، لكان في خطر، لكن الشابَّ قاسي القلب ضحك فقط.
وسأل: «هل أمك في المنزل؟»
سألت الفتاة الغاضبة: «مَن أنت؟»
«هذا هو نفس السؤال الذي طرحه عليَّ والدك. إنه سرٌّ، وسأخبره لأمك فقط.»
في هذه اللحظة، ظهرت في القاعة الأم، بعدما سمعت نبرة صوت ابنتها العالية، وتخيَّلت أن شيئًا ما لم يكن على ما يُرام؛ امرأة سمينة، عجوز، عبسَت في الوجه الغريب الطويل القامة، الذي كان يرتدي ملابسَ أنيقة.
«اسمي سترانلي، سيدتي، وأنا مالك سفينة. وزوجُكِ هو أحد القباطنة لديَّ.»
«هو ليس كذلك. إنه قبطان الباخرة «راجا».»
«هذا صحيح، وأنا مالك الباخرة «راجا». لقد اشترى زوجك للتوِّ هذه الملكية الصغيرة أسفل الخليج؛ تلك التي بها كوخ وسارية علم، كما تعلمين.»
«ما الذي تتحدَّث عنه يا سيدي؟ زوجي على بُعدِ مئات ومئات الأميال في البحر.»
«أوه، لا، سيدتي، لقد اختلط عليك الأمر. بالطبع لم يشترِ العقَار بنفسه. لقد عملت بوصفي وكيلًا له، وقد جئتُ فقط لأخبرك عن الصفقة. وستتوفَّر صكوك الملكية ظهيرة الغد، عندما أتشرَّف بتسليمها لكِ.»
«إذن نجحَت مغامرته؟ كانت لديَّ شكوكي حيال ذلك.»
«وأنا كذلك يا سيدتي، لكننا نحن الذين نتوقَّع وقوع كارثة غالبًا ما نكون في حيرة. كل شيء على ما يُرام، كما تلاحظين.» ثم التفت إلى مَن سمحَت له بالدخول فقال موبِّخًا: «من فضلك لا تعبسي في وجهي هكذا، وأغلقي الباب وادعيني إلى قاعة الاستقبال. ألا ترين أنني زائر؟»
لم تَقُل الفتاة شيئًا، لكنها نظرت إلى والدتها.
قالت المرأة وهي تفتح الباب على اليسار: «تفضَّل يا سيدي»، وعندها أغلقت الفتاة الباب الأمامي بتردُّد واضح.
سأل سترانلي: «أين الفتاتان الأخريان؟»
«إنهما في المطبخ يا سيدي.»
«من فضلك أحضريهما. أتمنَّى أن أرى جميع أفراد الأسرة، وأن أكون على معرفة جيدة بالقبطان.»
اختفَت الفتاةُ غيرُ المطمئنة التي فتحت الباب، بإيماءة من والدتها، وعادت بعد فترة وجيزة مع طفلتين صغيرتين تنكمشان بخجلٍ خلفَ أختهما الكبرى، التي من الواضح أنها كانت تحكم المنزل.
قال سترانلي: «آه، يا لها من عائلة رائعة! من الواضح أن هؤلاء الفتيات لم يعتمِدن في جمالهن على والدهن فقط.»
قالت الفتاة الكبرى بغطرسة: «أعتقد أن والدي هو أوسم رجل في العالم.»
«ستُغيِّرين رأيك في يوم من الأيام، آنستي، إلا إن كنتُ مُخطئًا بدرجةٍ كبيرة. أعترف بقيمة والدك، لكنك لن ترَي أبدًا صورته على بطاقة بريدية خاصة بالجمال. والآن، إذا كنتنَّ مُستعداتٍ لبعض الأخبار، وإذا وعدتنَّ بعدم الإغماء، فسوف أخبركن بها.»
صاحت الزوجة في ذعر: «أوه، هل أُلقي القبض عليه؟»
«أُلقي القبض عليه؟ بالطبع لا. لماذا يجب القبض عليه؟ إنه يزوِّد اليخت الخاص بي بالفحم في هذه اللحظة في مكانٍ ما في ميناء ساوثهامبتون، على بُعد نصف ميل من المكان الذي تجلسين فيه.»
كانت هناك بعض صيحات المفاجأة إزاء هذه المعلومات، لكن سترانلي استمر غيرَ مُبالٍ.
«الآن، كما أخبرتك، الكوخ لك، وأتمنَّى أن تفعلي شيئًا جريئًا للغاية؛ صاخبًا، كما يقولون في أمريكا. قاربي ذو المحرك بالأسفل عند رصيف المرفأ، ويُمكنُه أن يأخذك من الكوخ وإليه بقدْر ما تريدين، وسيكون أسرعَ من الترام أو السيارة الأجرة أو عربة السكة الحديدية. سيدتي، ستكونين رئيسةَ أسرعِ تسوُّقٍ شهدتْه ساوثهامبتون على الإطلاق. سيرسو زوجك عند الكوخ في السادسة مساءَ غد. هناك احتمالات بأن المنزل الفارغ قد يحتاج إلى القليل من التنظيف؛ لذلك يجب أن تأخذ ابنتك الكبرى معها مجموعة من الخادمات وتنظِّف المنزل من أعلى غرفة إلى الدور السُّفلي. بعد ذلك، سيدتي، عليك الذهاب إلى أي متجر أثاث تختارينه، وتتجاهلين كلَّ ما لديك الآن، وتُأثِّثين كل غرفة في ذلك المنزل قبل الساعة الرابعة غدًا.»
«لكن، سيدي، هذا سيُكلِّف الكثير من المال، ونحن …»
«نعم، لم أكن أتوقَّع أن يتم ذلك بلا مقابل، وليس لديَّ أدنى فكرة عما سيكون عليه إجمالي المبلغ. ولكن ها هي ذي ٣٠٠ جنيه للمضي قُدمًا. لقد حصلت عليها اليوم عن قصدٍ في شكل عملات ورقية جديدة من بنك إنجلترا. وسأدفع لك غدًا أي مبلغ إضافي آخر.»
سألت المرأة المندهشة: «ولكن كيف لنا أن ندفع لك يا سيدي؟»
«لا حاجة لذلك، سيدتي. لقد قدَّم لي زوجك خدمة رائعة جدًّا، وأنا فقط أرتِّب هذا لتكون مفاجأة سارة له، وأيضًا بسبب الإعجاب الشديد الذي أبدتْه ابنتك الكبرى لي.»
حرَّكت الفتاة رأسها بغضبٍ.
«إنه مُخادع يا أمي؛ لا تصدِّقيه. هناك شيء مزيف في كل هذا. أنا متأكدة من أن هذه العملات الورقية مزورة. يريد إخراجنا من المنزل، ثم يسرق الأثاث. قرأت عن شخصٍ مثله في الصحف. وسُجنَ لمدة سبع سنوات.»
ضحك اللورد سترانلي.
«يا إلهي، يا لكِ من ذكية أيتها المخلوقة الشكاكة. لقد خمنت ذلك أول مرة. هل قيمة الأثاث في هذه الفيلا ٣٠٠ جنيه؟»
قالت الفتاة على الفور: «لا، ليس كذلك.»
«ممتاز. خذي تلك العملات الورقية إلى البنك، واحصلي على قطعٍ ذهبية مقابلها، واتركي لوالدتك مسئوليةَ الحراسة حتى تعودي. سيَسألونك على الأرجح من أين حصلت عليها، وستجيبين على هذا النحو: «إنها عائدات شيك بقيمة ٣٠٠ جنيه إسترليني صرَفَه اللورد سترانلي من ويتشوود في لندن وكاونتي اليوم، في الساعة الحادية عشرة والنصف.» وإذا كانوا لا يزالون يرغبون في معرفة كيف وصل هذا المبلغ لك، فقولي إن اللورد سترانلي هو مالك عدة بواخر، وإن والدك هو قبطان أكبرها. لا تقولي شيئًا عن الباخرة «راجا»؛ لأنه الآن رئيس باخرة ضعف حجمها. لقد أخذت العملات الورقية لأنَّها كانت أخفَّ في حملها، ولكن عندما تحصلين على القطع الذهبية، آمل أن تفعلي ما أطلبه منك، وتُغادري هذا المنزل على الفور، حتى أتمكَّن من سرقة أثاثه دون إزعاج.»
شهقت الأم: «هل أنت اللورد سترانلي؟»
«نعم، سيدتي، وهناك خدمة أخرى أريدُها منك، ومن هؤلاء الفتيات الثلاث الساحرات. لا تَذكُري لأحد أن والدك قد عاد. لا هو ولا أنا نتمنَّى أن يُعرف هذا لفترة من الوقت، وأنا متأكِّد تمامًا من أن أربع نساء يُمكنهنَّ الحفاظ على السر، حتى لو لم يستطِع رجل واحد ذلك.»
سألت المرأة القلقة: «ليس هناك خطبٌ ما، أليس كذلك؟»
«لا شيء على الإطلاق. إنها مجرَّد مسألة تتعلَّق بسفينته الجديدة، الراسية في بليموث؛ حيث يجب أن يذهب في الصباح بعد غد.»
بالرغم من نشاط عائلة القبطان، لم يسبِق لهنَّ في حياتهنَّ أن بذَلْنَ هذا القدر من التوتر وسرعة الإنجاز في يومٍ ونصف يوم، وهذا يشمل الليلة الفاصلة؛ حيث لم تنم أيٌّ منهنَّ.
بحلول الساعة الخامسة بعد الظهر، كان كل شيء مرتَّبًا، على الرغم من أنه لم يُرضِ الابنة الكبرى تمامًا، وفي الساعة السادسة كان اللورد سترانلي سعيدًا بتعريف القبطان بممتلكاته، البشرية والمادية، القديمة والجديدة. ثم عاد مسرعًا في قاربه ذي المحرك، واستقل القطار إلى لندن.