خُطة الإصلاح في هذا الكتاب
ثم إني رأيتُ بعض الذين تَقدَّموني في هذه الخدمة، يقتصرون في الغالب على ذِكْرِ الخطأ من غير أن يُبِيِّنوا وَجهه ويَشْفعوه بصوابه. وهو بالحقيقة نصفُ الإصلاح المَروم، بل أقل من نصفه؛ لأن معاشر الكُتاب في هذه الأيام — ولا سيما الذين لم يَعْلُ لهم في صناعة الإنشاء كعبٌ، ولا رَسَخَ لهم في حذاقة الكِتابة قدمٌ — يَجتنون بعضَ الفائدة من قولك لهم: «هذه الكلمة غلط» و«ذلك التركيب خطأ»، فيَتَنكَّبون هذا ويَتجنَّبون تلك. ولكنهم يُحرِزون الفائدة كلها إذا أتْبَعْتَهُ بيانَ وجه الخطأ وأَلْحَقْتَه بذِكْرِ صوابه، كأن تقول لهم مثلًا: «يقولون: (صادَقَ على الشيء) وهو خطأ؛ لأن معنى (صادَقَ): صار صديقًا. فالصواب أن يقال: (أجاز الشيءَ) أو (أقرَّهُ) أو (أمضاهُ) أو (وافَقَ عليه)». وقد بذلت جَهدي في تدارك هذا النقص، فلم أُشِرْ إلى خطأ إلا أَبَنْتُ سببه وقرنْتُه بإصلاحه.
ورأيتُ فريقًا منهم يَرْكبون أحيانًا متن الغُلوِّ في التلحين والتغليط، فيُجاوِزون حدَّ التنبيه على الخطأ إلى تخطئة الصحيح وتفنيد الصواب. وبعضُهم يتعمدون الجَرْيَ على هذه الخُطة في نقد الكُتب والمقالات والقصائد، فيَشوبون جمالَ التجرُّد لخدمة اللغة بعيبِ السَّعْي في قضاء شهوة التَّشفي والنيلِ ممن يَنتقدون كلامَه. فتَحَرَّيْتُ السَّيْرَ في جادَّة القصد والإنصاف، مُحْتَرِزًا كل الاحْتِراز من تَخْطِئة شيءٍ قبل تَحقُّقِ خطأه أو اعتقادي أن خطأه راجحٌ لصوابه. وإني مذ الآن أستغفِر الله وأعتذر إلى كل كاتب، عما أنكرتُ عليه استعمالَه وهو صحيح، أو له من الصحة وجهٌ يُرجح وجهَ لحنِه أو يُعدله.
ولستُ أدَّعي أن ما جمعتُه في هذه التذكرة يشمل كل ما تَضِلُّ في مسالِكَه الأفهامُ وتزِلُّ في مزالِقه الأقلامُ؛ لأن هفوات اللسان وعثرات اليراع مما يُذْكر ويُعَدُّ لا مما يُحصر ويُحَدُّ ما دام الكُتاب، حتى أطولُهم باعًا وأوسعهم اطِّلاعًا لا يملكون العصمة من خطأ الوهم وغلط النسيان المُعرَّض لهما كل إنسان. ولكني أرجو أن أكون قد توقفتُ إلى جَمْعِ أكبر جانب من الكلمات والتعابير التي يكثُر استعمالنا لها على خلاف الصواب. وقد ألحقتُها بفهرس يتضمن بيانها مرتبةً على حروف المعجم، تسهيلًا لمراجعة كل ما تمسُّ الحاجة إليه.