الهبوط في غابات الصنوبر!
صاح «أحمد» في «فهد» كي يقذفَ بجهاز الاتصال من نافذة السيارة، ثم يقفز مبتعدًا عنها. ودوَّى صوتُ انفجار شديد، صَعِدَت بعده السيارة فوق الرصيف، لتصطدمَ بالسلك الشائك الذي يُحيط بأرض المطار … وعندما توقَّفت، اعتدل «فهد»، ونظر ﻟ «أحمد» الذي كان لا يزال منبطحًا ينظر في دهشة للسيارة. فصوت الانفجار لم يصدر منها، ولكن من جهاز الاتصال … الذي كان ملقًى بعيدًا … متفحمًا تمامًا … وبإشارة من «أحمد» قفز «فهد» في خفة وحذرٍ، مقتربًا من السيارة، محاولًا فتح أبوابها. ولكن الصدمة صنعَت خللًا في هيكلها … فلم يُفلح في فتحها، فلحق ﺑ «أحمد» ليستقلَّا تاكسيًا إلى صالة السفر. وفي مكتب شركة الطيران، وجد «أحمد» التذاكر وجوازات السفر في انتظارهما. وميعاد الطائرة لم يبقَ عليه غيرُ خمس دقائق، فأسرعَا إلى أرض المطار، وحملَتهما عربةُ الشركة إلى الطائرة. فألقيَا تحية المساء على المضيفة التي كانت في استقبالهما، ودخلَا في لهفة؛ لعلهما يجدان معلومات تنتظرهما، أو أحد رجالهما …
إلا أن «أحمد» عاد مسرعًا ينظر في وجه المضيفة ويُحملق وهو يبتسم، فابتسمت المضيفة قائلة: أهلًا بك معنا. ابتسم «أحمد» … ثم عاد إلى «فهد» … الذي اندهش مما حدث، فوضع شفتَيه على أُذُنِه، وهمس له ببعض الكلمات، فعلَت الابتسامةُ وجْهَ «فهد». ودارَت محركات الطائرة، وطلب الكابتن من الركاب ربطَ الأحزمة، وحلَّقت الطائرة في السماء.
تمنَّى لهم الكابتن رحلة سعيدة، وسمح لهم بفك الأحزمة، وبدأت المضيفة في توزيع الوجبات والمشروبات. وعندما نظرت ﻟ «أحمد» و«فهد» ابتسمَت ابتسامةً ذات مغزًى … وهي تسلِّمهم المناديل الورقية. وضع «أحمد» المناديل بين يدَيه، فوجد بعض الجمل الشفرية المتفرقة مكتوبةً على المنديل على شكل أحرف هيروغليفية، وكأنها تقصد بها الدعاية عن «مصر». فمال على «فهد» وتهامسا قليلًا، ثم نهض متوجهًا إلى غرفة قيادة الطائرة.
وكانت نفس المضيفة تقف على بابها، فألقى عليها تحيةَ المساء، رغم أنهم في صباح يوم جديد. ففهمت المضيفة، وسمحت له بالدخول بعد أن تحادثَت مع الكابتن قليلًا. فبادلهم «أحمد» التحية، ثم أخبرهم أنه ينتظر رسالةً بعد خمس دقائق، فأعطى الكابتن سماعة الأذن «الهدفون» … وعلَا صفيرٌ متقطع، ثم أُضيءَ أحدُ مفاتيح لوحة قيادة الطائرة، فضغطه الكابتن. وأنصت «أحمد» جيدًا، ولم ينبس ببنت شفة، إلى أن انتهى، فشكر الكابتن واستدار لينصرف.
فوجد المضيفة خلفه، تقول له هامسة … مستر «أحمد» … هناك رجل قزم في الطائرة، يتتبَّع تحركاتِك باهتمام بالغ، وهو ذو ملامح آسيوية. سأُشير لك عليه بطريقة ما. شكرها «أحمد» … ثم عاد إلى مقعده بجوار «فهد»، ومال عليه يتهامسان مرة أخرى، وعينُه على المضيفة التي توقَّفت بجوار الرجل. فخلعَت الكاب من على رأسها وكأنها تُصلح من وضْعِه، ثم تُثبته بالبنس مرة أخرى، وانصرفَت.
نظر «أحمد» للرجل مليًّا، ثم تحول عنه بسرعة، حين رآه يلتفت إليهم. واعتدل في جلسته ناظرًا ﻟ «فهد»، ثم أدار وجهَه للنافذة يراقب السحاب، وهو يفكر في كل ما حدث.
ومرَّت الرحلة طبيعية دون أية تحركات من جانب القزم … إلى أن اتضح أنه لم يكن وحده … فقد مال عليه رجل أشقر وتحادثَا همسًا، ثم تركه وتوجَّه إلى كابينة القيادة … ولم يخرج. وبعد حوالي ربع ساعة … سمع «أحمد» صوتَ الكابتن يقول … حضرات السادة الركاب … طاب وقتُكم … لقد دخلنا المجال الجوي للولايات المتحدة، وإن شاء الله في غضون ساعة سنهبط أرض المطار في سلام.
لكن، ورغمًا عنَّا، سيحدث بعض التأخير.
علَت همهمةٌ بين الركاب … فبادرهم الكابتن قائلًا: أرجوكم … أرجوكم … ليس في الأمر ما يدعو للقلق، إنما فقط … سنتزوَّد بالوقود، فبسبب عطل بسيط غير حيوي في عداد قراءة الوقود … لم يكن الوقود الموجود في التنك يكفي للرحلة … وأعطانا العداد قراءة خاطئة … مرة أخرى … ليس في الأمر ما يدعو للقلق، شكرًا.
لم تخفت الهمهمةُ بين الركاب، وكثرَت أسئلتهم للمضيفات، وقد كنَّ يتمتعنَ بروح عالية … ورباطة جأش. إلا أن «أحمد» لم يأخذ الأمرَ بهذه البساطة؛ فقد تزاحمت الأسئلة في رأسه … فماذا يفعل الرجل الأشقر حتى الآن في كابينة القيادة؟ ولماذا لم يخرج؟ … وما علاقته بالقزم؟ وما السبب الحقيقي للهبوط الطارئ للطائرة؟
وقد وافقه «فهد» … أن كل هذه الأسئلة تحتاج لإجابة سريعة، فتركه وتوجَّه إلى كابينة القيادة … ولكن المضيفة الواقفة خارج الباب لم تسمح له بالدخول، لكنه حاول معها جاهدًا … فقالت له: لمصلحتِك ولمصلحتِنا جميعًا، أرجو أن تعود إلى مكانك وتلتزم الهدوء. فتلفَّت حوله يبحث عن مضيفتهم فلم يجدها … فعاد إلى «أحمد»، الذي تأكَّد بعد كلِّ ما حدث أن في الأمر شيئًا.
دارَت الطائرة دورة واسعة حول نفسها، وهي تقترب من الأرض. وكان «أحمد» ينظر من النافذة، فرأى أنها منطقةُ غابات الصنوبر على حدود ولاية «نيوجيرسي»، وأن الهبوط في المنطقة هنا مسألة خطيرة … وستُعرِّض حياة الركاب للخطر … فلا يوجد مطار أو أرض مُعدَّة للهبوط … وإذا هبطوا سالمين، فمن أين سيتزودون بالوقود؟
تأكد «أحمد» أن الطائرة تعرَّضَت للاختطاف … وأنهم المقصودون، فآثر ألَّا يتدخَّلَ إلا في الوقت المناسب؛ حفاظًا على أرواح الركاب. ارتجَّت الطائرة بشدة، ثم علَا حفيفُ أجنحتها بأوراق الأشجار العملاقة … إلى أن توقَّفت … والركاب منزعجون للغاية … والمضيفات يُخفين القلق ويحاولْنَ التخفيفَ عن الركاب. و«أحمد» عينُه على القزم الذي انقضَّ جاريًا في اتجاه الباب الخلفي، الذي انفتح في هذه اللحظة، فانبرى يقفز فوق درجاته.
تعجَّب «أحمد» لما حدث! فكيف يهرب القزم إذا كان حقًّا يتابعهم، أو أنه كان يظنهم يطاردانه! وكان هذا ظنَّ «فهد» أيضًا، وقال له: والدليل على ذلك، أنهم حاولوا أن يعرفوا وصولنا للطائرة.
فقال «أحمد»: إن هذه فرصتنا … فتحْتَ أيدينا أحد رجال الأقزام، ويجب ألَّا ندعَه يُفلت. فسأله «فهد»: والرجل الأشقر؟
ردَّ «أحمد»: سنتركه ﻟ «إلهام». ثم جرى وخلفه «فهد» يلاحقه بسؤاله: وأين «إلهام»؟
أحمد: إنها المضيفة صديقتنا!
لم يكن هناك وقتٌ للتعليق؛ فقد قفز «فهد» كما قفز قبله «أحمد» على أحد أفرع أشجار الصنوبر، وآذانهما تلتقط عن بُعدٍ صوتَ أرجل القزم، وهي تدوس أعواد الحطب الجافة، وذهنهما يعمل في كيفية خروج الطائرة من هذا الدغل.
كأنما شعر القزم بمطاردتهما له، فتوقَّف عن الحركة لدقائق. ثم سمع الشياطين صوتَ خشخشة توقَّف بعد فترة، ولم يصلهما بعدها صوتٌ البتة.
فقال «أحمد»: بالتأكيد هناك طريق طيني لا تُغطيه الأعشاب كهذا، وقد سلكه القزم، وعلينا أن نبحث عنه بسرعة؛ فالسير فيه أسهل، وسيُعطي فرصةً للقزم أن يُفلتَ منَّا.
فاقترح «فهد» أن يبحث كلٌّ منهما في اتجاهٍ عن هذا الطريق، على أن يُصدرَ إشارة صوتية كل فترة حتى لا يتوها عن بعضهما …
وقد وافق «أحمد» رغم خطورة هذا الاقتراح؛ فغابات الصنوبر عبارة عن أرضٍ من الأشجار والمستنقعات، تبلغ مساحتها نحو ٢٦٠٠ كيلومتر مربع. وهي لا تزال على حالتها الطبيعية التي عُرفت بها منذ مئات السنين … لذا فهي تزخر بالكائنات الحية، ومنها بالطبع الخطيرة، وأيضًا الأوحال. استيقظَت حواسُّ «أحمد»، وساوره القلقُ خوفًا من أن يفقد أثرَ القزم من ناحية، أو يضيعا في الغابة ويتوها عن بعضهما من ناحية أخرى. ورغم أن الوقت كان نهارًا … إلا أن الرؤية كانت صعبة؛ فأغصان الأشجار وتشابكها كانت تحدُّ من تسلُّلِ الضوء … فأخرج «أحمد» بطارية جيب صغيرة تُلازمه ضمن مجموعة أسلحته الدقيقة، وأخذ يحرِّك ضوءَها في نصف دائرة حوله ليستطلع مكان السير.
كانت تحت قدمَيه العيدان الجافة تتكسَّر مُحدثةً صوتًا، ولكن سمع خشخشة تحت الأغصان، فالتقط غصنًا جافًّا من على الأرض، وأخذ يعبث به بين الأغصان بحثًا عن مصدر الصوت، ولكن فكرة دارَت برأسه جعلَته يتوقف عن هذا البحث ويواصل السير؛ فقد يكون صاحب هذا الصوت ثعبانًا، وهذا ليس وقت الدخول في معارك جانبية. لكن أنثى سنجاب جميلة مرَّت بجوار «أحمد»، جعلَته يتابعها بنظرِه … وهي تقفز بنعومة على الأغصان الجافة … إلى أن أصبحت بعيدة عنه بمسافة؛ فاندهش لوقوفها على قدمَيها الخلفيَّتَين … متراجعةً إلى الخلف ببطء. ثم ما لبثت أن أطلقَت ساقَيها للرياح لتعود من حيث أتت، مما يدل على أن هناك ما أفزعها.
تقلَّصَت عضلاتُ وجه «أحمد»، وتيقَّظَت كلُّ حواسِّه … وأرهف سمعه، ووقف متربصًا كالفهد …
كانت الغابة تزخر بأصوات حركة الكائنات، ولكنها أصوات ناعمة دقيقة لكائنات صغيرة، وليس هناك ما يدل على وقع أقدام ثقيلة لحيوان مفترس. وقف «أحمد» مفكرًا، ثم مدَّ خُطاه إلى المكان الذي تراجعَت عنده أنثى السنجاب بحذرٍ، وفي يده عودٌ جافٌّ يفرق به بين الأغصان.
وإذا بحية كبيرة الحجم … ملوَّنة الحراشيف تلتفُّ حول نفسها في دائرة كبيرة، وينتصب الجزء الأمامي من جسمها، رافعة رأسها في وجه «أحمد»، وعيناها تنظر لعينَيه بحدَّة، نظرةً ليس فيها حياة، وكأنها تقرأ فيها مدى قوته، وما ينتويه لها. احتار «أحمد» … أيُظهر لها التحدي ليُخيفَها ويُثنيَها عن مواجهته؟ لكن احتمال أن تُثيرَها هذه النظرة، فتدخل معه في معركة هو في غنًى عنها.
إذن، فعليه أن يُظهرَ لها الخضوع! ولكن، يخاف أن تظنَّه ضعفًا، فيشجعها هذا على مهاجمته. وفي نفس الوقت … لا يستطيع أن يُبعدَ عينَيه عنها، حتى يظلَّ متيقظًا لها؛ فقد رآها تُفرد جسمها ببطء وليونة … وقوة … ثم تلفُّ حوله في دائرة واسعة، ليجد نفسَه مركزًا لدائرة من جسد حية، فعرف أن الفرار لم يَعُد ممكنًا. فواضح أنها تنوي الالتفافَ حوله، وعَصْر جسده لتفتيتِ عِظامه … وتدمير مقاومته … ثم ابتلاعه.
سرَت قشعريرةٌ في جسده حين تصوَّر ما سيحدث له. في الوقت الذي رأى فيه الأفعى تُضيق الدائرةَ حوله، ورأسُها منتصبٌ كما هو … وعيناها مثبَّتتان على عينَيه، وكأنها تنوِّمُه مغناطيسيًّا، لتُلهيَه عما تدبره له.
وقد كان هذا ما يشعر به، فقد شلَّت تركيزه، ولم يَعُد قادرًا على السيطرة على أفكاره. إلا أن صوت صفير «فهد» نبَّهه وطمأنه بعضَ الشيء، ولكن لم يتمكَّن من الرد عليه؛ حتى لا يُثيرَ الحية. فكرَّر «فهد» صفيرَه، و«أحمد» لا يردُّ عليه. والأفعى تركِّز بصرَها في عينَيه، حتى شعر بالخدر يَسْرِي في أعصابه، في الوقت الذي كانت الأفعى تُضيق فيه الدائرة حوله، إلى أن شعر بذيلها يضرب قدمَيه، فارتجف جسدُه بشدة، فمَن ذا الذي يستطيع الصمود في هذا الموقف.
ثم شعَر بحراشيف جسدها تحتك ببنطلونه، وهي تحرك جسدها لتلتفَّ حول ساقَيه، والعرق يتصبَّب باردًا من كل جسده. فرغم ما يحمله من أسلحة، ورغم قدراته القتالية العالية، إلا أنه فوجئ بهذه الحية أمامه، ثم حوْلَه. فأخذَته المفاجأة، ولم يستطع التصرف، ولن يستطيع؛ فقد فات الوقت. فهذه الحية بجانب قوتها الجسدية — والتي تستطيع أن تلتفَّ حول حصان تُفتِّت عظامه — فإنها تحمل بين أنيابها سمًّا زعافًا، إذا ألقَته على عينَيه فقَد بصره في الحال … وإذا عضَّته لن يحتمل سُمَّها. بالإضافة لسرعة انقضاضها، والتي لا تحتاج لأكثر من جزء من الثانية. تداخلَت الأفكار في رأسه بعصبية، ولكن الحية التفَّت حول ساقَيه ووسطه.
في هذه اللحظة، واتَته فكرةٌ بثَّت الأملَ في نفسه؛ فبمجهوده الخاص قد استفاد من ولاعة البوتاجاز التي تُطلق شررًا عند الضغط عليها، في صُنع سلاح كهربي؛ فقد جرَّب أن يُمسكَ طرفَي السلك اللذَين يصدر منهما الشرر ويضغط الزر، فسرَت رعدةٌ في جسده أخرجَته عن طوره … فركب أكثر من مولد في كعب حذاء متحرك فنجم المولد صغير، أوصل طرفَي السلك بخاتم في يده … وأصبح لا يسير بدونهما … تذكَّر «أحمد» هذا السلاح، وتمنَّى لو أن الحية صنعَت حلقة أخرى حوله … فسيلتصق جسمها بيديه … وليس عليه إلا أن يضغط كعب الحذاء. في هذه اللحظة، ابتعد صفير «فهد»، فمن الواضح أنه لا يعرف وجهة «أحمد»، ولكن عدم إجابته عليه جعلَته لا ينقطع عن الصفير. مما أخاف «أحمد» أن يلفت هذا انتباه القزم ومَن معه، إن كان معه أحد … ولكن في هذه اللحظة، تحقَّقت أمنيته، بأن أدارت الحيةُ جسدَها في حلقة ثانية حوله، وكان قد ألصق ذراعَيه بجذعه، فالتصق جسدُ الحية بيدَيه. وانتظر إلى أن بدأت تضغط بجسدها عليه، ثم داس كعب الحذاء بقوة … فانتفضت الحية تفك جسدها عنه، وتطوح ذيلها في حركة هستيرية … ثم تسحبه … وتتلوَّى هاربة بعيدًا عن «أحمد». لحظتها، صاح ينادي «فهد» في فرحة وإعياء شديد، و«فهد» يجاهد في أن يعرف مصدر الصوت. وقبل أن يسقط «أحمد» من الإعياء … كانت ذراعَا «فهد» تحيطان به، وهو ينظر إليه، ويقول باسمًا: كنت أظنك الأفعى مرة أخرى.
فهد: أفعى؟!
أحمد: نعم … إنها حكاية طويلة، وقد نجوتُ منها بأُعجوبة.
فهد: كيف؟!
أحمد: بفضل تفكيري المتصل في كل شيء، وحبِّي للابتكار. ثم صمت لحظات يلتقط أنفاسه، وبعدها أكمل قائلًا: لقد أنقذَتني ولَّاعة «بوتاجاز»!
حكى «أحمد» ﻟ «فهد» عن هذا السلاح السري، مما جعل «فهد» يطلب منه أن يصمِّمَه لكل الشياطين بعد أن ثبتَت جدواه … فهو يركب مختفيًا داخل كعب الحذاء … ويوصَّل بأسلاك ترى شكل خيوط من نسيج ملابسهم، لا أحدَ يعلم عنه شيئًا.
كان الظمأ قد اشتد ﺑ «أحمد»، بسبب كثرة ما أفرز من عرق وبذل من مجهود عصبي. فأخبره «فهد» بأنه توصَّل إلى كوخ مهجور بجوار بئر مهجورة أيضًا، ولكن البئر لا يزال بها ماء. إلا أن ما يُخيفه أنها بلا حافة، وحولها مستنقع تشرب منه الزواحف والحيوانات، ويخاف أن يكون الماء سامًّا.
فنظر له «أحمد»، وهو يبتسم قائلًا: أرأيت حيوانات تشرب منها؟
فهد: نعم.
أحمد: إذن، كيف تكون مسمومةً؟
نظر «فهد» له مليًّا … ثم ابتسم وكأنه اكتشف اكتشافًا جديدًا، وقال له: قلقي عليك هو السبب، سأُحضر لك الماء في دقائق. فقال له «أحمد»: لن أنتظرك هنا، بل سنذهب سويًّا … هل تمانع؟
فهد: لا … ولكن في هذه اللحظة علَا صوتُ دُبٍّ!