السقوط في الوحل!
نظر «أحمد» إلى «فهد» سائلًا: أليس هذا صوتَ دُبٍّ؟
فهد: أظن ذلك.
أحمد: وما العمل؟
فهد: لا شيء … احتمال أن يكون ظمآن، وذهب ليشرب.
أحمد: إذن، هيَّا بنا فسنجده عند البئر، وسيكون دورك أنت في الصراع.
ضحك «فهد» لاقتراح «أحمد»، ثم تركه عائدًا إلى البئر، سالكًا طريقًا طينيًّا مختفيًا بين الأشجار، ليطمئنَّ … هل ابتعد الدبُّ عن الماء … أو لا؟ ولأن المنطقة كانت مليئة بالمستنقعات، فقد كان الطريقُ مبتلًّا … مما جعل آثار الأقدام تبدو واضحة عليه. ولم تكن عليه إلا آثار أقدام «فهد»، وقد كادت تمحوها آثارُ أقدامِ دبٍّ ضخم يتجه إلى الماء. لم يُثن هذا «فهد» عن عزمه، بل أكمل طريقه إلى البئر إلى أن بلغ الكوخ المهجور … حتى هذا ولم يجد الدُّب بعد. وكانت العيدان الجافة مبعثرة في كل مكانٍ حول الكوخ، فجمع بعضها وبعض الأوراق الجافة لكي تساعد على الاشتعال السريع، ثم أخرج من جيبه ولاعة ذات أغراض متعددة، فأشعل الأوراق، لتشتعل معها العيدان، ثم قطع بعض العيدان الخضراء، ووضعها وسط النيران، فانبعث منها دخانٌ كثيفٌ، فتركها هكذا لدقائق. ثم حمل بعض العيدان المشتعلة إلى داخل الكوخ، وابتعد عنه ينتظر خروج الدب. فإن كان بالداخل فسيخرج، ولن يحتمل البقاء في هذا الجو المعبَّأ بالدخان.
وحدث ما لم يكن في الحُسبان؛ فالكوخ قد اضطرمَت فيه النيران، وأمسكَت بحوائطه التي كانت عبارة عن مجموعة من جذوع الأشجار. ووسط سحابات الدخان، خرج قزمٌ يجري وبيده حقيبة، وكأنه يعرف إلى أين يذهب. أذهلت المفاجأة «فهد»، فها هو غايتهم بين أيديهم، فهو لن يذهب من أمامه … وهو من خلفه … ولم ينتظر «فهد» كثيرًا؛ فقد علَا صراخ الرجل بالإنجليزية يطلب العون … فظن «فهد» أن الدب أمسك به، فهمَّ أن يُسرع لنجدته … ولكنه لا يملك مسدسًا، وما معه من أسلحة صغيرة … لا تصلح مع كائن في مثل هذا الحجم وهذه الشراسة. وعلا صراخ الرجل مرة أخرى، ولم ينقطع. ومن وحي الحاجة وسوس له خاطرٌ في أُذُنه بأن يحملَ جذعًا مشتعلًا من الجذوع المكونة لحائط الكوخ، فأعجبَته الفكرة … ولكن اندهش لهذا الخاطر … فصوتُه كصوتِ «أحمد»، وقد شعر بأنفاسه في أُذُنه.
فخرج من شروده ونظر جهة الصوت … فوجد «أحمد» ينظر له مبتسمًا، ويحثُّه على الإسراع لنجدة الرجل. تعلَّق «فهد» بأحد فروع أشجار الصنوبر، فكسره، ثم ضرب به جذعًا مشتعلًا من أسفل … فأبعده عن باقي الجذوع، وحمله وجرى به في اتجاه الرجل الذي لم ينقطع عن الصراخ. وكانت دهشته كبيرة … فلم يكن الرجل بين براثن الدب … بل كان بين براثن الوحل … ولم يبقَ ظاهرًا منه غير كتفَيه ورقبته … وحين رأى «فهد» و«أحمد» توسَّل إليهما أن يُنقذاه. احتار «أحمد» ماذا يفعل معه؟
وكانت أسرع فكرة … هي إيجاد وسيلة يتشبَّث بها ليستطيع شدَّه، ولم تكن إلا الفرع الذي كسره «فهد» منذ قليل فحمله، ورغم الإعياء الذي يشعر به «أحمد» … تقدم ببطء وحذر يختبر الأرض تحت قدميه قبل أن يضعها، إلى أن استطاع أن يوصل طرف الفرع للقزم، ومن خلفه «فهد» ممسكًا بحزام البنطلون من ظهره. فتشبَّث القزم بفرع الشجرة، ولكن لم يستطع أن يطفوَ، ولم يستطع «أحمد» ولا «فهد» أن يشدَّه.
فسأله «أحمد»: بماذا تشعر تحت قدميك؟
فقال الرجل في فزع: إني أقف على جزء من جذع شجرة، ولن يحملني طويلًا، أرجوكم!
كان الطمي الذي يُحيط بالرجل كالصَّلصال؛ لذا لم يكن به هواء، وكثافته العالية تمنع الهواء من النفاذ بداخله، مما يجعله كالمغناطيس المجوف حين يجذب بداخله الأجسام؛ لذا فقد رأى «أحمد» أن الفرصة الوحيدة لإخراج هذا الرجل، هو صُنع فقاعة هوائية تحت قدميه أو فقاعة ماء … ولكن كيف يتم ذلك؟
هرول «فهد» سريعًا إلى مكان الكوخ المحترق يبحث عن أيِّ معدات، تُوحي له بفكرة إحداث هذه الفقاعة …
لحق «أحمد» ﺑ «فهد»، وتركَا الرجل يصرخ، فسأله «فهد»: هل سيتحمل جذع الشجر مثل هذا الرجل طويلًا؟
فأجابه «أحمد»: أنا أعتقد أن الذي يحمل هذا الرجل ليس جذعَ الشجرة فقط، ولكن هناك تحت جذع الشجرة جسم أكبر، وقد تكون الأرض. وعلى كلٍّ فهو لن يحتمل هذا الضغط طويلًا، والليل على الأبواب وستُحجب الرؤية، ويكون إنقاذه في الليل صعبًا. وقد تسبقنا إليه برودة الجو … فلا نستطيع إلا إنقاذ جسد ميت.
أقلقَت «فهد» أفكارُ «أحمد»، وحثَّت كلَّ طاقاته على العمل، فجرى يجمع كلَّ ما يقابله حول الكوخ من مهمات. وقد كان هناك تنك بنزين معدني فارغ، فكَّر «فهد» أن يملأه ماء، ثم بأحد جذوع الأشجار يخلخلان الطميَ حول أرجل القزم، فيصنعان فجوات يملآنها بالماء … إلا أن القزم رفض هذه الفكرة … فهي ستزيد الطين بلة، وتجعل غرقَه أمرًا محتومًا.
وفجأة … لمعت عينَا «أحمد»، وسأل القزم: هل لديك مسدس؟
نظر له القزم في شكٍّ وخوفٍ، فصاح «أحمد» فيه: إن كنت أريد موتك، لتركتك كما أنت، هيَّا … أَجِبْني!
فردَّ الرجل في لهفة: إنه في حقيبة أوراقي. ودلَّه عليها، وقد كانت تُخفيها بعض أفرع الأشجار.
حاول «أحمد» فتْحَها، ولكنها كانت مغلقة بأرقام سرية، فسأل القزم عنها. ولهَول موقفه، والإرهاق الذي أصابه … لم يستطع تذكُّرَها. فحاول «أحمد» أن يقرِّب له المسألة، فسأله: أهي مثلًا أرقام يوم ميلادك … أم ميلاد زوجتك … أم رقم محبوب لديك؟
وكان «القزم» أثناء ذلك لا يسمع … بل يصرخ في هيستريا: حطِّمها … حطِّمها … مما دفع «أحمد» لأن يصيح فيه قائلًا: الزم الهدوء … حتى أفكر في حلٍّ.
إلا أن «فهد» كان قد قفز لأعلى … ليهبط على جدار الحقيبة فيحطمه … ابتسم «أحمد» لما فعله «فهد»، وساعده في الإجهاز على الحقيبة حتى وصلَا إلى المسدس. وبمراجعة خزانته، وجداها محشوَّة … وكانت الخطوة التالية … أن يُحكمَا إغلاق تنك البنزين الفارغ، وبجذع شجرة طويل … دفعا التنك داخل الوحل … في اتجاه القزم … و«أحمد» عينه على زاوية ميل الجذع … بتركيز شديد … وكانت عملية دفع التنك في الوحل صعبة … واستغرقت منهما جهدًا، ووقتًا لم ينقطع فيه القزم عن الصراخ، ولكن قواه كانت قد بدأت تخور … ورغم ما بينهم من صراع … إلا أنهما تعاطفَا معه … وعندما شعر «أحمد» أن التنك أصبح تحت مستوى قدمَيه، أشار ﻟ «فهد» … فمدَّ له فرع الشجرة الأخضر … ثم صوَّب المسدس في اتجاه التنك، وأطلق رصاصة لم يسمع غير صوت خروجها من المسدس فقط. وبتعديل بسيط في زاوية التصويب، أعقب ضغط الزناد صوت انفجار مكتوم تحت الوحل، ثم شاهدا القزم وكأنه يقفز لأعلى.
في هذه اللحظة … سحبه «فهد» بسرعة، وكان لا يزال ممسكًا بالفرع، فسقط على الأرض ولم يُبدِ بعدها أية حركة؛ فقد راح في غيبوبة.
كان الإعياء قد نال من «أحمد» و«فهد»، ولكن كان عليهما أن يفحصَا محتويات حقيبة القزم؛ لعلهما يجدان ما يسُدُّ جوعهما، فلم يجدَا إلا خريطة وبوصلة وبعض الأوراق في حافظة من البلاستيك. كانت الخريطة لغابات الصنوبر، موضحًا عليها طريق يبدأ من المنطقة الصناعية بولاية «نيوجيرسي» حتى نقطتَين قريبتَين داخل الغابة.
نظر «فهد» ﻟ «أحمد»، ثم قال: هل هذا الكوخ نقطة منها؟
فقال «أحمد»: لا أظن … فليس به ما يوحي بأنه يحوي مصالح حيوية لأحد … وعلى كلٍّ، لن نستطيع تحديد اتجاهنا الآن، وعلينا انتظار النجوم، وهي قريبة؛ فالليل على الأبواب. وبالقرب من الكوخ المشتعل، وفي دفء النار المغطاة بالرماد، تمدَّد «فهد» و«أحمد» وبجوارهما القزم … يرتدي قطعًا من ملابسهما، بعد أن ابتلَّت ملابسُه عن آخرها بماء الوحل. وحين أدفأت الشمس أوحال الشياطين تململوا في رقْدَتهم، وفتح «فهد» نصفَ عين ينظر بها حوله، فوجد القزم لا يزال نائمًا، فحاول إيقاظه، لكن كان محمومًا.
فجمعوا بعضَ الجذوع المُلقاة هنا وهناك، وصنعوا منها حاملًا حملوه عليها. وبالاهتداء بالبوصلة … كان الطريق عليهم أيسر وأقصر … فبعد ساعة من السير، رأوا عن بُعد سيارة «كارفان» تغطيها نباتات متسلِّقة، وأمامها آثارُ شواء حديثة، وحولها بعض تنكات الوقود. فتقدَّم «أحمد» يقفز في خفَّة، شاهرًا مسدسه لاستطلاع المكان، ولكن الإعياء والجوع جعلاه يتعلق في أفرع الأشجار المبعثرة، فسقط على الأرض. إلا أنه لم يجد ردَّ فعل من ساكني المكان، فتأكد أنه خالٍ، فتقدَّم هو و«فهد» يحملان القزم.
كان الكارفان عبارة عن شقة صغيرة، بها كلُّ ما يلزم للعيش في هذه الأماكن … وعلى سرير في مؤخرته وضعا القزم، وغطَّياه بكل ما وجدا من أغطية. ثم فتحا الثلاجة … وكأنهما فتحا باب الجنة، فقد وجدا ما لذَّ وطاب من طعام وشراب، فأسكتا صراخ الجوع والعطش. وطاب لهما العبث بمحتويات الكارفان، ولكن أكثر ما لفت نظرهما أجهزة الاتصال الشبيهة بنفس أجهزتهم الحديثة، وشاشة التليفزيون التي يظهر عليها … المنطقة المحيطة بالكارفان بشكل متتابع … وبعض خراطيش خاصة ببندقية صيد. ومن الواضح أن صاحب المكان خرج للصيد … فمُعداته غير موجودة.
وكانت شاشة أخرى يظهر عليها أرض فضاء، مُحاطة بأسلاك شائكة ويتوسَّطها مبنًى صغير فخم حديث … مطلي باللون الأبيض … وخلفها مساحات شاسعة من المستنقعات. إذن، فهذا المكان لحراسة المبنى … يا لَهم من شياطين!
كان هذا تعليق «فهد»، فردَّ عليه «أحمد» قائلًا: ومن يدري، فلعل هناك نقطة حراسة أخرى تختفي بين أشجار الصنوبر لتحميَ الاثنين. وليس غريبًا عليهم … فهم شبكة تجسُّس حديثة.
حدَّد «أحمد» و«فهد» مهمتَهما في هذه اللحظة بسرعة خارقة … وهي اللعب بنفس الأسلوب. وكان ذلك بأن حلَّ «أحمد» غلاف أحد أجهزة الاتصال … وضبط جهاز الكمبيوتر المُلحَق به، ثم أوصل طرفَي الصوت والصورة بنفس الأطراف في الأجهزة المراقبة الخاصة بالعصابة … ثم ضبط الجهاز ليكون في حالة الإرسال. وبعدها أخفى مُعداته في بطن الغطاء الذي يحوي الشاشة … ثبَّت عليه الغطاء … واحتفظ بجهاز اتصال آخر.
وخرج مبتعدًا عن الكارفان لمسافة … ليجرب الجهاز … ويرى نتيجة ما صنعه … وقد كانت فكرة طيبة، فعلى الشاشة الصغيرة رأى ما رآه على شاشتَي المراقبة، وسَمِع صوتَ «فهد»، وهو يقول له: «أحمد» هل تسمعني؟ أم أنك ترى فقط؟
فردَّ عليه: أسمعك يا «فهد» … وأنت أيضًا تسمعني بالطبع.
فهد: نعم … وبوضوح. ولكن، أليس في هذا خطرٌ علينا … فهو بذلك يستطيع تحديد مكاننا!
أحمد: لن يحدث بالطبع؛ لأن صوتنا لن يصلَه … إلا إذا ضبطنا الجهاز لذلك.
توقَّف في هذه اللحظة صوتُ طلقات الخرطوش التي كان يسمعها «أحمد» و«فهد» على فتراتٍ، وحلَّ محلَّها صوتُ موتور سيارة ثقيلة يأتي عن بُعد. فجمع «فهد» فضلات ما أكلاه وشرباه في كيس بلاستيك.
وخرج على عجلٍ من الكارفان لاحقًا ﺑ «أحمد»، الذي كان في هذا الصباح موفورَ الصحة والنشاط … فقد نام جيدًا وأكل جيدًا. فاستقبل «فهد» ليحمل كيس القمامة عنه … ثم أغرقه في أقرب مستنقع حتى لا يلاحظَ أحدٌ وجودَهم. توقفت السيارة بجوار الكارفان، وقفز منها كلبٌ أسود … أخذ يتشمم المكان وينبح، و«فهد» يُغمغم قائلًا: يا لَك من كلب ملعون! ثم قال ﻟ «أحمد»: أترى ذلك العملاق الزنجي، لقد كان في رحلة صيد كما توقعنا.
وكان الرجل يحمل حبلًا مربوطًا به مجموعة من الطيور المذبوحة، وكأنه قد أقلقه نباحُ الكلب، فأخرج مسدسه، ودخل إلى الكارفان في حذر … في هذه اللحظة، تنبَّه «فهد» إلى أن القزم من الممكن أن يُفيق الآن …
فقال «أحمد»: سنعرف.
فسأله «فهد»: كيف، وكاميرا المراقبة لا تصوِّر إلا خارج الكارفان فقط؟
فقال «أحمد»: لقد تركت جهاز اتصال مفتوحًا … وهو يصورهم الآن … ثم فتح جهاز الاتصال، فرأى الكارفان من الداخل كله بين يديه.
فقال «فهد» في نشوة: لقد بدءوا اللعب معنا بطريقة مراهقة … وسنُلاعبهم الآن بطريقتنا. ولكن انظر … لقد نسينا أن ملابسنا كبيرة على القزم!
أحمد: ولكن لم يلاحظ ذلك، إنه مشغول بفحصه … ليطمئن إن كان مصابًا أم لا … فيعرف إن كان هناك من يَتبعه.
في هذه اللحظة بدأ القزم يتحرَّك، وفتح عينَيه مثقلتَين، نظر بهما إلى العملاق الزنجي، وقال له: «بيتر» … هناك … وقبل أن يُكملَ كان صوتُ طنين يصمُّ الآذان قد انبعث من أجهزة المراقبة، مما دفع «بيتر» أن ينظر لهما في دهشة، وقد كان السبب في هذا الصوت «أحمد».
بالطبع عاد «القزم» ليتكلَّم، مما آثار أعصاب «فهد»، الذي قال: هذا الوغد … لقد أنقذنا حياته، ولا يزال يُصرُّ على أن يغدر بنا!
فقال «أحمد»: إنه عمله … الذي يدفع حياته ثمنًا له، فما بالك بحياة الآخرين. والأمر في أيدينا، إن لم يسكت … سأُسكته أنا … وضغط الزرَّ مرة أخرى ليرتفع طنين الصوت، ويضع القزم الوسادة على رأسه يسدُّ بها أُذُنَيه، مما أثار العملاق الزنجي «بيتر» … ودفعه لأن يقوم بفحص الأجهزة.
فرأى «أحمد» أن يتوقَّف عن هذا … فذلك العنيد … سيُفسد كلَّ ما فعلوه إذا حلَّ أحد الأجهزة. وكان الزنجي قد همَّ أن يفعل ذلك … لولا أن «فهد» تناول جهاز الاتصال من «أحمد»، ثم قلَّد صوتَ القزم مناديًا «بيتر» بصوتٍ خافت، فهرول إليه «بيتر» يسأله عن بغيته … وكان القزم نائمًا، فظن أنها الحُمَّى قد أصابَته … فعاد يتصل بقيادته … التي وصلَته الأوامر منهم بأن يقوم بتمشيط المنطقة بحثًا عن مطاردي «جو» القزم، وستصله طائرة هليكوبتر وبها طبيب وبعض الأغراض.
إلا أن «بيتر» عاد واتصل قائلًا: إن هناك آثارَ أقدام حول منطقة المراقبة لشخصَين كانا يحملان حاملًا، فآثارُ أقدامهما بينها مسافة ثابتة. وأرجح أن «جو» القزم لم يأتِ على قدمَيه … فالحامل لا زال بالخارج، وأنه يريد تعزيز الحراسة. وبسؤاله عما كان في حوزة «جو»؟
فأجاب بأنه لم يجد شيئًا، إلا أن الملابس التي يرتديها ليست ملابسه.
أُسقِط في يد «أحمد» … فما دام الأمر وصل إلى تتبُّع الأثر، فسيصلون إليهما بسهولة. ولكن الكلب الأسود لم يكن يحتاج لآثار أقدام، فقد وصل إليهما … عن طريقٍ غير التي سلكاها، وخلفه «بيتر» يقول له: أحسنت يا «دارك». ثم سحب أمامه المسدس، وقال ﻟ «فهد»: عندي لك مكان بجوار «جو».
نظر «فهد» له في قلقٍ، ثم سأله: هل «جو» مات؟
بيتر: لا لم يمُت، ولكن أين الرجل الثاني؟!
فهد: أي رجل؟
بيتر: لقد كنتما اثنين.
فهد: نعم … أنا و«جو».
بيتر: لا … أنت وآخر طاردتما «جو» إلى أن سقط في الوحل … والملابس التي يرتديها تدل على ذلك. وقد مضى وقت طويل حتى أنقذتماه، فأصابه الإعياء وحملتماه إلى الكوخ … لأنكما لا تعرفان طريقًا للخروج من الغابة … ثم صاح في الكلب: «دارك»! ابحث عن الآخر … وقال ﻟ «فهد»: أرجو أن تسير إلى الكارفان وحدك … ولن أحرسك، فليس هناك مجالٌ للمراوغة. ومن برميل وقود فارغ … كان «أحمد» يتابع ما يحدث … وقد أعجبه ذكاءُ الرجل. وكان لبرميل الوقود غطاء، أغلقه «أحمد» فوقه … فلم يستطع الكلب أن يتوصَّل لرائحته، فواصَلَ البحث بعيدًا … مُتتبعًا آثار رحلتهم وهم يحملون «جو».
وخلف «فهد»، سار «بيتر» ليقيِّده في الكارفان، فأعطى ذلك فرصة ﻟ «أحمد» … أن يخرج من البرميل هاربًا … مهتديًا بصورة المكان على شاشة جهاز الاتصال. وقد كان في سباق مع الزمن يجب أن يصل إلى «فهد» قبل أن يعود إليه «دارك» … أو يصل إليه «بيتر»، الذي أدار محرك سيارته في هذه اللحظة، وانطلق يبحث عنه.
آثَرَ «أحمد» أن يتخذ طريقًا بين الأشجار حتى لا يكون هدفًا مكشوفًا ﻟ «بيتر» … ولا تحمل الرياح رائحته بسهولة ﻟ «دارك». رغم أن العوائق كثيرة، ولكن كان قد اعتادها، وحين رفع عينَيه هذه المرة … رأى أمامه أرضًا مكشوفة، مُحاطة بسلك شائك. إنه القصر الصغير!