نهاية الأقزام!
خرج «فهد» ليزرعَ بعضَ القنابل في الأرض المحيطة بالمبنى … تحسُّبًا لما ستأتي به الظروف. وعند عودته، رأى «جو» يجري في اتجاه السور الشائك … فناداه: «جو» … وفي هذه اللحظة، دار كشاف في اتجاهه … ودوَّت طلقةٌ بجوار أُذُنه واصطدمَت بالأرض بين ساقَيه … فجرى عائدًا إلى المبنى … وأغلق الباب خلفه، فسأله «أحمد»: ماذا حدث؟
فهد: لقد عرفوا مكاننا، والسبب «جو».
تتابعَت الطلقات، و«جو» يصرخ قائلًا: الأقزام قادمون … توقَّف … توقَّف … دبَّت الحركة في جوِّ الليل الموحش … وعلا نباحُ الكلاب … وهدير محرك سيارة «بيتر»، وصياح الحارس من أعلى الشجرة: قف مكانك لا تتحرك، إنك هدف سهل لي.
فقال «فهد»: وهو الآن هدفٌ سهل لنا! فما رأيك لو اصطدناه … وحصلنا على «جو»؟ ولم يكتشف «بيتر» وجودنا؟
فقال «أحمد»: نفِّذ بسرعة، وسأصطاد أنا هذا الوغد. دوَّت طلقةٌ في اتجاه الكشاف، أعقبَتها أخرى في اتجاه الحارس، فسقط وسقطَت شظايا الكشاف. وكان «فهد» في هذه اللحظة، قد ألصق فوهةَ المسدس في ظهر «جو»، عائدًا به مرة أخرى … في نفس اللحظة التي توقَّفَت فيها سيارة «بيتر» … وضوء سيارته سُلِّط على الحارس المُلقى على الأرض غارقًا في دمائه … فعاد منزعجًا إلى سيارته … وانطلق إلى الكارفان ينادي في طريقه الحراس كي يضيئوا الكشافات … ويُطلقوا النيران مسحًا للمنطقة … وتحول الهدوء إلى صراخ طلقات المدافع … وصداها يتردد بين جنبات الغابة، والحيوانات تصرخ هنا وهناك ردًّا على إزعاجها … و«أحمد» يعلِّق على «بيتر» بأنه سريع الفزع … وهذا لا يصلح كرجل عصابات … فمثله يقع بسهولة. وعلى جهاز الاتصال شاهدَا «بيتر» يتصل بقيادته … ويقول لهم: إن الأمر خطير، وهناك احتمال أن يُقتحم القصر … ثم أصدر أمرًا إلى رجاله بإحالة ليل الغابة إلى نهار … وغمغمت الطيور في هزيج غاضب، احتجاجًا على مَن لم يحترم حُرمة نومهم.
فقرر «فهد» المواجهة باستخدام «جو»، إلا أن «أحمد» تخوَّف من ذلك … فهو سيبقى معهم للتعرف على زعيم العصابة. ولولا أن «فهد» شرح له خُطته، والتي تقضي بأن يعود «جو» إلى المقر سالمًا … ما وافق عليها … ومن القبو أحضر حزامًا ناسفًا مزودًا بجهاز تحكُّم عن بُعد. وأجرى حديثًا مع «جو»، قبل أن يطلب منه القيام بالمهمة، فسأله عما إذا كانت العصابة تتكون من مجموعة أقزام كما تقول رسالتهم … أم شعار «الأقزام قادمون» هذا يقصد به أن المجموعة التنفيذية، والتي ستتم المواجهة معها، هم الأقزام؟
ابتسم «جو» لذكاء السؤال … وأطرق برأسه موافقًا. فارتاح «فهد» لروح التعاون التي أبداها … واستفسر منه عن الزعيم … وهل يعرفه؟ فأطرق أيضًا برأسه، فقال «أحمد»: هل تعني إجابتك نعم؟ أريد أن أسمعها منك.
فقال «جو»: نعم أعرفه … وقد اجتمعنا معه مرة واحدة في بداية تعاملنا معه، فسأله إن كان يقصد أنهم كانوا يعملون لحسابهم هم، واحتاجوا بعد ذلك لمافيا راسخة يصلحون في حمايتها، ويستفيدون من سعة رقعة اتصالاتها.
فظهر على وجه «جو» الذهول، فكأنما يقرأ هذان الفتيان تاريخَ حياته. والاستفادة من فكرة الطَّرْق على الحديد وهو ساخن … شرح «فهد» ﻟ «جو» ما يطلبه منه، وهو أن يوصلَه إلى آلة قطع الأشجار … لمح وجود كل هؤلاء الحراس … وكل هذه المعدات … من كشافات وأسلحة، لن يستطيع أن ينجوَ هو وصديقه من أيدي العصابة … لذا فهم مضطرون للاستفادة منه في ذلك، والرفض في هذه الحالة يعني أنه ينوي الموت قبلهم.
نظر لهم «جو» قلقًا، فقال له «أحمد»: لا تقلق، وأعدك بأني سأعمل قدر استطاعتي للحفاظ على حياتك، إن أنت ساعدتنا، ولا تنسَ أننا أنقذناك من قبل.
وافق «جو»، فطلب منه «فهد» أن ينفذ ما يُطلب منه دون أسئلة، فألبسه «أحمد» الحزام الناسف … و«جو» ينظر له في فزع …
فقال «فهد» له: لا … تماسك … فبهذه الطريقة سننكشف … لقد وعدناك ما دمتَ محافظًا علينا، سنحافظ عليك. ثم ضبط «فهد» جهاز التفجير … وهو يقول له … لا تخف، إنه يعمل بالتحكم عن بعد، وجهاز التحكم مع «أحمد»، وهو يراقبنا من جهاز الاتصال.
وافق «جو» مرغمًا … فسلَّماه مسدسًا محشوًّا، وطلبا منه أن يخرج لاصقًا فوهته على ظهر «فهد» … وكأنه قبض عليه. وفي حالة تعرُّض «فهد» لخطرٍ أو هجوم … فعليه أن يدافع عنه … دفاعًا عن حياته، وإلا فلن يستغرق إلا لمسة زرٍّ …
فقال «جو» في فزع: لا … لا … سيتم كلُّ شيء كما تريدون. ثم خرج … «جو» يسير بخُطًى ثابتة، ولكن حذرة، وأمامه «فهد» يسير كالأسير … لا حول له، والمراقبون ينادون من فوق أشجار الصنوبر: مَن أنت؟
فصرخ «جو»: لا تُخطئ خطأَ زميلك، أنا «جو» وهذا زميل مَن قتله، وسأذهب به ﻟ «بيتر»؛ فقد يكشف باقي أفراد العصابة.
وكأنما اقتنع الرجل … فقد نادى زميلًا له يعلو أحد الأشجار أيضًا … وانتقل الخبر من الرجل إلى آخر.
كانت آلة قطع الأشجار قد كشفت المنطقة حول الكارفان، بما قطعته من أشجار. ومن زجاج نافذة الكارفان، رأى «بيتر» «جو» يقتاد «فهد»، فانفرجَت أساريره … وقال له: عِمْتَ مساء يا «جو»، لقد كنت الطائر، فأصبحت أنت الصياد.
ابتسم «جو» وهو يغمغم: سنصير كلُّنا طيورًا … فلا تتعجَّل! لم يتحرك «بيتر» من مكانه، وكأنه ينتظر حتى يصلوا له … ولكن انتظاره طال.
وعندما خرج ليستفسر عن سبب التأخير، فوجئ بآلة قطع الأشجار تتحرك في ظلام الليل. فصوَّب بندقيته في اتجاه الآلة، وهو يصيح سائلًا عمن بها، ولا أحد يجيب! فأطلق وابلًا من الرصاص في اتجاههم، ولكن هيهات … فالصلب الذي صنعت منه الآلة لا يؤثر فيه الرصاص.
وساد الفزع بين رجال «بيتر» … فقد رأوا زميلهم يهوي هو والشجرة وما عليها … والآلة تقطع بلا رحمة … فطاش صوابهم. فمنهم من فتح نيران رشاشه بدون وعي، ومنهم مَن هرول نازلًا متعلقًا بحبلٍ. وقد كان «أحمد» ينوي أن يقطعَه برصاصة … ولكن رأى أن هذا سيدفع باقي زملائه للتردد في النزول، فيصعب المهمة على «فهد» … وقد شجع هذا زملاءَه الذين سبقوا الآلة ونزلوا مسرعين، فأنقذهم جبنُهم. ومَن تمسَّك بالشجاعة منهم، سقطَت به الشجرة فلقيَ حتْفَه.
رأى «أحمد» أن وصول رسالة منه في هذه اللحظة ﻟ «بيتر»، بوصول الرأس الكبير، سيكون له بالغ الأثر.
وسمع «بيتر» مَن يناديه من الحراس، فجرى إلى الكارفان، فقال له: رسالة على الشاشة. وكانت الكرة النارية … وحولها الشعار الاستفزازي «الشياطين قادمون» هو ما رآه. كان «أحمد» يُغمغم في هذه اللحظة، قائلًا: سأجعلكم تكرهون هذا الشعار، و«بيتر» يصرخ: سأنال منكم.
في الوقت الذي كانت قيادة العصابة تتلقَّى رسالة من «بيتر» يشرح فيها ما يحدث، ويطلب التصرف العاجل … ظهرت على شاشات أجهزة الاستقبال عندهم الكرة النارية وحولها رسالة «أحمد». ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى علا هدير الهليكوبتر في الغابة … ثم ظهرت وكشاف قوي في بطنها يكشف المنطقة بما عليها، وهي تدور على اتساع الغابة. وكانت أربع مركبات وسائد هوائية «هوفركرفت» تعلو المستنقعات … وعليها «إلهام» وبعض من أفراد المنظمة تنوي التدخل، لولا اتصالٌ تم بينهم وبين «أحمد» … وتعلَّقت الطائرة في الهواء فوق ساحة القصر الصغير. ثم ظهرت طائرة أخرى … أخذَت طريقها إلى الهبوط؛ وكأن الطائرة الأولى تحرسها بعد أن أمَّنت لها المنطقة.
بدأت دوائر دوامات هواء المروحة تضيق حتى توقَّفت عن الحركة تمامًا … ونزل من الطائرة قزم سمين يرتدي ثيابًا فاخرة … وفي فمه سيجار ضخم، وثلاثة رجال يهرولون حوله؛ منهم مَن يُخفي مسدسًا، ومنهم مَن يحمل حقيبةً، ومنهم مَن يرتدي جهازَ تنصُّتٍ، متوجهين إلى باب القصر … وهنا، علا صوت «أحمد» في مكبر الصوت يقول: أرجو ألا يقترب أحد منكم من باب المبنى … فهو ملغَّم، وأي محاولة … لفتح الباب ستبوء بالفشل؛ فمصير مَن يفتحه الموت … وليست أمامكم فرصة للتراجع … ومن يريد أن يعود للطائرة فعليه أن يجرِّب. في هذه اللحظة، بدأت مروحة الطائرة في الدوران، فخرجت من القصر دفعة رشاش هشمت زجاجها … وقد كان معظم جسمها من الزجاج، فتركها قائدها وجرى مبتعدًا عنها.
فقال «أحمد»: أرسلنا لكم رسالة ردًّا على رسائلكم لنا؛ فنحن قوم مهذَّبون. وقد كنَّا ننوي منها ما حدث الآن، وهو أن نلتقيَ بكم لنعقد صفقة.
فردَّ أحد الرجال: أية صفقة؟ وهل سنعقدها معًا، ونحن في هذا الوضع؟
ردَّ «أحمد»: إنه وضع مثالي بالنسبة لي … ولي أولًا سؤال … هل أتحدَّث مع الرأس الكبير؟ فنظر الرجل إلى القزم الذي تحرَّك في شجاعة ليقفَ في منتصف الساحة، ويقول بصوتٍ عالٍ: أنا الرأس الكبير.
فقال له «أحمد»: لا داعي لأن ترفع صوتك؛ فإنك رجل مهذب ولك وضعك، ولن أُرهقَك.
شعر «أحمد» في هذه اللحظة أن الطائرة المحلِّقة تراقب الساحة، قد حلقت فوق القصر، فصاح «أحمد» في الزعيم ليأمرَهم بالعودة والنزول … ثم أطلق طلقة إرهاب …
فسَمِعها الزعيم تمرُّ بجوار أُذُنه، فصرخ قائلًا لهم: أنزلوا هذه الطائرة.
ولكن «أحمد» شعر بثقل قد سقط فوق سطح المبنى، فعرف أن أحدهم سيتسلل إليه … وهو وحده، ولا يعرف من أين سيأتيه، وصاح الزعيم يناديه: مستر … ما اسمك؟! تعارفَ «أحمد» والرجل، وعرف أن اسمَه «رونالد»، وأنه من السكان الأصليِّين لأمريكا … وعرف أيضًا أن الرجل يحاول إلهاءَه … حتى يصل رجلهم.
فقال «أحمد» له: مستر «رونالد»، أحد رجالك الآن يحاول الوصول إليَّ، وستكون النتيجة كهذه … ثم صوَّب بندقيته إلى أحد القنابل المزروعة بساحة القصر، ودوَّت طلقةٌ أعقبها انفجارٌ مروِّع، جعلَت «رونالد» يُشير للطائرة بحركة هيستيرية، فدارَت حول نفسها … وهبطت لتقف بجوار القصر ومروحتها دائرة.
كان «فهد» قابعًا في ماكينة قطع الأشجار يتابع ما يحدث، فقرر الاستيلاء على الطائرة واختطاف الزعيم الذي يُهمهم، فطلب من «جو» أن يذهبَ إلى زعيمهم … يخبره عن الحزام الناسف، لم يستطع «جو» أن يرفض، إلا أن «بيتر» قطع عليه الطريق … فأمره الزعيم بعدم التعرض له.
وعندما كان «جو» يصافح الزعيم، كان «أحمد» يشعر أن هذه نهاية المهمة، فقال لهم: طبعًا … أنتم لا تعرفون أن «جو» يرتدي حزامًا ناسفًا.
أصاب الذهول «رونالد»، ونظر ﻟ «جو» غيرَ مصدِّق، فقال «أحمد»: إنها أجهزتكم مستر «رونالد»، وتعرف مدى خطورتها … وأرجو ألَّا يفكِّر أحدُكم في الابتعاد عن الآخر … نعم، فسيقوم «جو» باختطافك يا زعيم … هل تصدق ذلك؟
أصاب الذهولُ رجالَ «رونالد» … وسمع البنادق تُعد للإطلاق، فصاح فيهم: توقَّفوا! ما يقوله مستر «أحمد» نافذ.
ورغم أن الموقف كان في صالح «أحمد»، إلا أنه كان قلقًا بشأن الرجل الذي يحاول التسلل له … ولا يعرف عنه شيئًا … وكان «فهد» في الكارفان يتابع ما يحدث في تحفُّز، منتهزًا فرصة انشغال «بيتر» ورجاله بالزعيم. فاتصل ﺑ «أحمد» ليتفقوا على الخطوة التالية … وقد كان القرار أن يتدخل مستر «رونالد»، أرجو أن تنظر لذيل الطائرة. أخرج «رونالد» رأسه فرأى الحزام الناسف معلقًا بذيل الطائرة، و«أحمد» يقول له: دقيقة واحدة وستصبح نجمًا في السماء … إن لم تَعُد الطائرة مرة أخرى وتهبط خلف القصر.
مستر «رونالد»: إنها منطقة مستنقعات.
أحمد: أعرف.
رونالد: إنها منطقة خطرة!
أحمد: أُقدِّر ذلك، وانزل بسرعة.
رونالد: وماذا بعد ذلك؟
هبطت الطائرة حتى كادت أن تقف فوق «الهوفركرفت»، والتي أعدَّتها «إلهام» بصورة مختلفة. وقفز مستر «رونالد» … فأمسك به «فهد»، وعادت الطائرة إلى ساحة القصر، وهبط قائدها مبتعدًا عنها كما طلب منه «أحمد»، ودوَّى انفجارٌ مروِّع حوَّلَها إلى شظايا … وفي نفس الوقت، اندفعَت «الهوفركرفت» بسرعة مخيفة، تحمل «إلهام» و«رونالد» و«فهد».
وحمل «أحمد» جهاز الاتصال … تاركًا القصر. وكانت «هوفركرفت» أخرى تنتظره وبها أحد رجال المنظمة … لينطلقا إلى «نيوجيرسي». في الوقت الذي كانت تُحلِّق فيه طائرات رجال الشرطة الفيدرالية، وتحلق أيضًا أول خيوط الفجر.
فيتَّصل «أحمد» برقم «صفر» … ويخبره بنجاح المهمة والقبض على زعيم العصابة، وتوقُّف عملية التجسُّس. فيخبره رقم «صفر» بميعاد اجتماع عاجل في نفس اليوم في «نيوجيرسي».